السراب
11 May 2005, 06:41 PM
من عجائب المقالب !
موسى محمد هجاد الزهراني
قال لي : ما لمقالتك أكثرها عن عجائب ..من عجائب آخر الزمان ..من عجائب الرقى … ؟ ..
قلت له : ألا تعلم أن هذا الزمن هو زمن العجائب ..ألا تعجب من عجائب هذا الزمان ؟! .. لكني اليوم سأحدثك بعجائب (المقالب)! مما وقفت عليه بنفسي وسمعته بأذني من كثير من الإخوة .. ولا أُقرُّ كلما ما فيه ولا بعضه ، ولكني أحببت أتحفك بها ومن يريد..
حدثني أخ لي فاضل لن أقول لك بأنه /صالح بن زهير فلا تلح عليَّ لمعرفة اسمه فلن أخبرك ! قال:_
كان هناك ثلاثة من الأخوة المعلمّين ، السعوديين يعملون بدولة (خليجية) ؛أحدهم من الجنوب والآخران من ضواحي نجد .. ولأنهم لم يكن بينهم تلك الألفة التي تقتضي أن يجترأ أحدهم على الآخر،فقد وقع بينهم أمرٌ مضحك مبكي خلاصته كالتالي:_
قال محمد (هذا الجنوبي).. خرجنا إلى البر في نزهة مع مجموعة من المعلمين السعوديين هناك ..وبرُّ تلك البلاد في الليل متعة من المتع والأنس ؛ فلما قضي أمرنا وتناولنا عشائنا ركبت مع زميليَّ هاذين وانطلقنا نتأمم بيوتنا..فتوقف السائق فجأة ..ونزل من السيارة بعد أن أخبرنا بأن فيها عطلاً .. نزلنا جميعنا من باب (الفزعة)! ومن باب الشجاعة التي بلغت بي مبلغها وحب الخير ، فقد انبطحت على بطني تحت السيارة لأرى ما مرضُ السيارة ..
فجأة .. وإذا بي وحيدُ شريدُ في الصحراء ، لا أرى إلاًّ الأنوار الخلفية للسيارة التي تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى توارت عن أنظاري !! وأنا أسمع أصوات ضحكاتهما تشق الصحراء ..ومعناها ..إنّا نمزح معك .. أما أنا فمشيت قرابة (15)كيلوا أتقلب بين الظلام الذي أنساني أُنس الصحراء .. وبين الخوف .. على نفسي وعلى أهلي هناك في البيت أمشي مرة وأهرول مرة أخرى .. وزارني سوء الظن من كل حدب وصوب !!.. فلما بلغت روحي الحلقوم وكدت أسقط على وجهي من الإعياء والخوف ..فإذا أنا أرى على بُعدٍ بعيد .. أنوار سيارة تلوح في الظلام تظهر فجأة وتحتفي أخرى..حتى إذا اقتربت وقد أعادت فيَّ الأمل .. فإذا هم أصحابي ..يضحكون ملأ أفواههم فقلت في نفسي والله لأجعلنكم تبكون ملأ أفواهكم ! فصبر جميل !!
أركباني معهما ..وهما مستغرقان في الضحك ..ثم .. أخذا في التندر والاستهزاء!! والأسئلة ..كيف جو الصحراء ؟ كيف الخوف معك ؟ وأنا اصنع من نفسي عنترة بن شداد العبسي في الشجاعة !! فأجبت بكل ارتياح .. وقلبي من الداخل يغلي !!..
أوصلاني إلى البيت .. فضربت بالباب خلفي من غير شكر لهما ..وعلى ماذا أشكرهما ؟على قلب الذي لم يبقى منه عق ينبض ؟!
مرت الأشهر وأنا اجمع المعلومات عنهما ؛ حتى توصلت إلى أن أحدهما جبان بدرجة الشرف الأولى أمام زوجته! فحمدت الله كثيراً ..وعمدت إلى حيلة ستجعله يبكي دماً.
ذلك أني ذهبت إلى إحدى المطابع التي تطبع كروت الأفراح وطبعت قرابة (200)كرت دعوة .. هو فيها الزوج والزوجة امرأة أخرى وهمية اخترعت اسمها من عند نفسي من عائلة مشهورة !! واغتنمت خروجه من البيت فطرقت الباب على زوجته (الحقيقية)! وقلت معكم المطبعة وهذه هي الكروت التي طلبها مني أبو فلان قد تم تعديلها كما اتفقنا ..وانصرفت بعد أن أعطيتها (150) كرتاً .. ثم أخذت الباقي ولم يبقى منزل لشخص سعودي أعرفه أولا أعرفه إلاَّ وأدخلت له الكرت من تحت باب البيت !! ثم ذهبت أنا إلى البيت ، فاسترخيت.
أما صاحبي المسكين فقد رجع إلى بيته أمناً مطمئناً لم يكن يتوقع شيئاً ..فلما دخل قامت القيامة ! وانقلب البيت إلى جحيم لا يطاق!! فحلف بأغلظ الأيمان أنه لا يعرف عن هذا الأمر شيئاً فلم تصدقه زوجته واتصلت بأخيها في السعودية ..فركب أول طائرة تقوم من هناك.. حتى قدم عليهما وهما في (حيص بيص) بينهما كما بين داحس والغبراء..
وبعد لأي شديد وبعد أن طلبت الطلق فأقنعها أخوها بالتريث حتى يتبين الوضع لأن ظاهر الرجل الصدق وصفحات وجهه تدل على الهلع الشديد مما يعني أنه مظلوم .. قعد البرلمان بحضور بقية من زملاء المدرسة .. واتفق الرأي على أن يأتوا إليّ كون الاجتماع انعقد على أني ربما أكون أنا الفاعل انتقاما لموقفي الأول معهم .. أتوني فأكرمتهم وكانوا قريباً من عشرين رجلاً !! ثم باشروا الأمر .. تصنعت الغضب وقلت كلاماً ما معناه ..
ألم تجدوا في هذه المدينة بل هذه الدولة كلها رجلاً نذلاً توجهون إليه اتهامكم إلاَّ أنا ؟!
فاشرأبت أعناقهم وشخصت أبصارهم ، ونظر كلٌ منهم إلى الأخر وبدأ الزوج يرجوني ويتودد إليّ أن أعترف ولو بالكذب حقناً للدماء !ورأْباً للصدع !! فامتنعت!
خرجوا بلا خفيّ حنين ! فأدركت أخرهم وكان أخو الزوجة فأمسكت به وقلت له:_ تعال أنت والزوج أقسم بالله لو رأيت معكما غيركما لأريكم ما تكرهون ! جاءني فقصصت على أخي الزوجة ما فُعل بي من زميليَّ فعذرني لكنه قال ما ذنبي أنا ! قلت:الذي جاء بك هي أختك ولست أنا .
خرجا من عندي فانفصمت العرى ولم يعد بيننا أية وشيجةً طوال مكثنا في تلك الدولة.
* * *
المقلب الثاني ! شبيه بما ذكرت آنفاً .. وقع لقريب لي معلم أيضاً ويبدو أني سأصنف كتاباً في نوادر المعلمين على غرار كتب ابن الجوزي رحمه الله _ ..
قال : كنا مجموعة من المعلمين في منطقة بني مالك قرب الطائف قبل ما يقارب عشرين عاماً.. وكان سكننا شقة واحدة متواضعة معنا أحد الإخوة آتاه الله بسطة في الجسم وحِدةً في الطبع وفي يومٍ وبينما كان نائماً عمدت إلى طفاية حريق ففتحتها عليه من تحت الباب فكاد يموت وكل ذلك كان مزاحاً! فأقسم لينتقمنَّ مني شر انتقام !
فمكثت أشهراً خائفاً أترقب حتى مرت شهور عديدة فنسيت الموقف ..
وبينما كنت أيضاً نائماً ذات يوم ! ما راعني إلاَّ اثنان من الإخوة يقومان بربطي وتقييدي بحبلٍ غليظ بأمرٍ من هذا الدكتاتور الذي رأيته يقف على رأسي وهو يقول لهما :_ اربطوه ! فلم يبقى في قاموس ألفاظ رجائي وتملقي كلمة إلاَّ أسمعته إياها رجاء أن يرحمني فلم يفعل الخبيث..فحلفت عليه بالطلاق فقال:_(طلّقَْ أوما تطلقْ..نوينا أن ندور بك عرياناً على ضواحي بني مالك..) ثم أعطى أوامره مرة أخرى ..قائلاً :_اخلعوا ثيابه..فقلت له ولهما .. أسألكم بالله لا تفعلوا ..فأنا آسف وأنا… فكأن في لآذانهم وقراً ..وعلى قلوبهم أكنّهٍ ..فحملوني عرياً والله المستعان فأركبوني في حوض سيارة نوع (هايلكس) وأنا في حالةٍ مزرية لو رآها شارون لرقَّ قلبه! فلم يبق لي حيلة إلاَّ البكاء ..ولكني خجلت بكرامتي أن أهدرها بدمعتين ..فصبرت صبر الحمير! وبعد أن قررت إنهم استمروا في هذا المكر الكبّار أن أتقدم باستقالتي لإدارة تعليم الطائف لأنه لن يبقى لي تلميذ في بني مالك إلاَّ وسيراني عرياناً فكيف أكون قدوة لهم غداً .. فلجأت إلى الله أدعو وألح حتى فرج الله عني وأنزلوني بعد تعهدات شديدة بأن أتوب إلى الله من سخافاتي معهم ..ولاسيما الحجاج بن يوسف! ...
قلت له:_وهل حقدا بعضكم على بعض ..
قال:لا والله بل نترحم والله على تلك الأيام ولا زالت صداقتنا أقوى من ذي قبل ..قلت:.هذا عجيب!
* * *
المقلب الثالث!
وقع بين طلبة بجامعة الملك سعود!! كان أحدهم يغتسل في دورة المياه في سكن الطلبة ..فعمد مجموعة من الأشقياء إلى سرقة ثيابه من على باب (الحمام) فلما انتهى من غسله ، بحث عن ثيابه أو (منشفته) فلم يجد منها شيئاً ! فأسقط في يده..فنادى ونادى ولم يُستجب له.. فخرج يمشي على رؤوس أقدامه .. وانطلق بسرعة السهم حتى وصل إلى باب غرفته ..ففوجئ بأنها مغلقة فحاول فتحها بكل قوة فلم يستطع ..وحاول فتح التي بجوارها فوجدها مغلقة والثالثة والرابعة ..وإذا هو يقف عرياناً وسط الممر في وقت عودة بعض الطلبة من محاضراتهم فوضع يده على سوأته ..وقال:_ استروني ستركم الله في الدنيا والآخرة ..فستروه !! فأضمر الشر لهم ولم يعاتب أحداً ..حتى إذا جاء موعد الامتحان النهائي استيقظ قبلهم وأطفأ ساعاتهم المنبهة كلها وانطلق يؤدي الامتحان حتى إذا عاد أيقظهم فاستيقظوا فزعين متسآءلين .. مر الذي أطفأ المنبهات ! فضحك ..وقال :_ أنا..فانهالوا عليه بالشتم والسب قال :أية .. عرض يا أبطال أهم من امتحانكم ..وهذا غيض من فيض..
* * *
حدثني أحد الشباب وكان رفيقي في حج عام 1421هـ فقال :_
اتصلت علىَّ خالتي من الرياض وأنا في الجنوب .. وقالت :_لك عندي مفاجأة! فقلت خيراً ..قالت :أريدك أن تستقبلني في مطار بيشة فإني قادمة لزيارتكم ..ففرحت بها كثيراً لأن بيننا آلفة وعلاقة وطيدة إذا أنها تكبرني بسنوات قلائل وأشعر أننا كالإخوة..
أردت ويا سوء ما أردت ! أردت أن أعمل لها مفاجأة حلوة!! فذهبت إلى المطار وحاولت أن أنظر إليها من بعيد حتى لا تراني !! فرأيتها قادمة بقامتها القصيرة وتحمل حقيبتها بيدها ..فاستدرت حتى جئت من خلفها فالتزمتها بكلتا يديّ وضممتها بقوة وأخذت أقبلّها في جانبي وجهها .. وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة التخلص منّي ..وهي لم تر وجهي ..وكانت ساترة لوجهها ثم لمَّا عجزت عن التخلص منّي ..أسبلت عينيها على خديها بالدموع .. وأخذت تبكي بكاء يقطع القلب! ..
أنا وقعت في حرج وقلت في نفسي .. هذا ضعف النساء !إنا الله .. ماذا فعلت؟
والغريب في الأمر أن رجلاً كان يقف إلى جوارنا ينظر إلىَّ نظراً يكاد يخرج منه الشرر! فقلت بلسان الحال :_
(خالتي وأنا حرُّ فيها) !! ..
ثم كانت الطامة الكبرى والزلزلة التي هزت كياني وجعلت مفاصلي لا تقوى على حملي وأحسست ببرد شديد في عظامي .. وتخيلت كل من في المطار ينظر إليَّ ويعرف طامتي الكبرى ..ماذا تتوقعون ؟
لقد اكتشفت أن تلك المرأة ليست خالتي ! تصورا وذلك الرجلُ زوجُها ! يالهول المصيبة!
قال لي سعادة الزوج الغضبان :ماذا تريدين أفعل بك ، أتفل في وجهك !أم أمسح بك بلاط المطار أم ماذا؟!
وكان ينتظر مني جواباً فأقسمت ألاَّ أفتح فمي! كاد يمُّد يده إلى حلقي فيخنقني أمام الناس لولا أن أدركتني رحمة الله تعالى..فرأيت السندريلا ! خالتي البغيضة إلى نفسي تمشي الهوينا وكأنها شجرة الدُّر صانها الله !
فقفزت فرحاً مستبشراً وقلت لصاحبي :_
هذه والله العظيم هي خالتي .. اذهب قد أَبَحتُ لك أن تقبلَّها حتى ترضى!
(قلت له أنا) :_كيف تحلَّ له ما حرم الله ؟!
قال:_ ما أردت هذا ولكن من باب(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)
قلت:_وهذا أعظم من الأولى ! أكمل قبل أن تأتي بما لم يستطعه (مسيلمة الكذاب) !..
قال:_ نظرت في وجه الرجل وهو يداري ضحكة تكاد تخرج من فمه بالقوة ..فتسقط هيبته ! فأدار لي ظهره وخرج! ممسكاً بيد امرأته المسكينة .
عدت أنا إلى السندريلا ..فنادتني باسمي فقلت لها بصوت عالٍ :( الله لا يحيّيك)
فتعجبتْ مني فأخذتُ حقيبتها من يدها بالقوة وذهبتُ بها إلى السيارة وأنا في غاية الهمّ والغمّ !!
وفي السيارة قالت لي خالتي :_أين حفاوة اللقاء وأين الفرح المتوقع ..وأين ..
قلت لها :احمدي ربك أنك سلمت من ذلك الرجل فلم يقبّلْك !
قالت يا قليل الأدب كيف يقبلني ..وهل أنا ... وهل سأسكت له ؟! قلت القصة وما فيها كذا وكذا ..
* * *
الموقف الخامس:_
موقف آخر حصل لأخينا الأريحي"سعود الروقي"! ...
قال: دخلت مسجد الشيخ/محمد المنجد ذات ليلة لأصلي معه صلاة العشاء .. فأقيمت الصلاة ودخلت فيها ..حتى إذا كنا في التشهد الأخير وأخذت وضع التورك .. إذا بي أجد نفسي بعيداً عن الصلاة ؛فقد قطعت بذهني مسافات طويلة .. كل ذلك من إبليس _ نعوذ بالله منه _ لكنني أحسست بضرورة تدفعني إلى أن أقوم بحّك باطن قدمي اليمين .. فحككتها ..فكأنّي لم أصنع شيئاً ثم عدت لكي أحكّها مرة أخرى ..فاكتشفت مصيبة مخزية .. اكتشفت أنّي كنت أحكُّ قَدمَ شخص سوداني كان يصلي إلى جواري !!
سلمت من صلاتي فالتفت إليّ (السوداني) : فقال لي بلهجة حادة :أنت يا أخونا تلعب في صلاتك ! قلت له:_أنت كانت واضعاً (قدمك) تحت فخذي فـ…… قال:_أنت تلعب في صلاتك ..ولا كلمة.. وأشار إليّ بأصبعه مهدداً .. فسكتُّ .
ومرة قال:_ قمت لكي أؤدي السنة الراتبة لصلاة الجمعة ..فأثناء ذلك .. مرَّ رجلٌ من أمام وجهي فحاولت أن أمنعه من المرور من أمامي .. فمددت يدي .. فقبض على يدي وشدها بقوة وهو يقول :_ يا هلا .. يا مرحباً .. كيف الحال !! ..
فبادرت إلى مجاملته وقطعت صلاتي وسألته عن أحواله وأحوال الأهل والأقارب !! وأنا لا أعرفه .. ثم تناولت (عقالي) ..فأخذته وانصرفت .
* * *
قال صالح:_
جاءني والدي وهو كبير في السن ؛ ورأيته يحاول أمام المرآة يوماً أن يقص شاربه ليتجهز لأداء صلاة الجمعة ..فقلت له :عن إذنك ! عندي (ماكينة) حلاقة كهربائية جديدة .. ودعك من هذا التخلف ! فضحك الوالد..وقال :. هاتها !!
فجئتُ بها .. وأمسكت برأسه برفق .. ووقفنا سوياً أمام المرآة .. فوضعت طرف موسى الماكينة في طرف شاربه.. وضغطتُ بأصبعي على الزر !! فسمعت صوتاً يقول(تزززززت) !!فسحبت الشارب كله حتى أصبح على الصفر .. فوجمت وتوقف الدم في عروقي ! وجمد حتى أحسست به بارداً في العروق ! .
فنظر الوالد في وجهي وقد غدا أصفر اللون .. فقال لي:. مالك!! فلم أتكلم .. فمسح بيده على شاربه فانهال الشعر كله بين أصابعه !!
فصرخ في وجهي .. صرخة أفزعتني .. ( إيش هذا ) قلت هذه السُّنَّة!! قال:( لا بارك الله فيك .. ما خليّت فيها لا سُنة ولا غيرها) فجئت للشق الآخر ..ففعلت به مثل ما فعلت بأخيه من قبل .. فأصبح وجهه غريباً يبعث على الاستلقاء على الظهر من كثرة الضحك !
قام من عندي وهو ..يولول ..ويحوقل ..وذهب شاكياً باكياً إلى أمي التي استقبلته على باب المطبخ ضاحكةً مِلأَ فِيْها !! فازداد الطين بلة ..
أخذته وهو متلثماً .. وذهبنا سوياً لنصلي الجمعة وهو في غاية الخجل .. لأنه لم يعتد على مثل هذا أبداً ..
وهو رجلٌ قد أناف على السبعين من عمره ..
* * *
حدثني شيخ من مشائخنا الكرام ( وفيه دعابة ) [1] قال :
كان يعمل بمكتبي رجل من الهند ؛ أخٌ فاضل اسمه مصطفى ؛ وكان يجلس معي بين الحين والحين ؛ ثم قدر الله تعالى فسافر ليتزوج ؛ فتزوج وعاد بعد زمن ؛ فكان لا يفارقني طيلة فترة الدوام ؛ فلما قلت له في هذا الأمر قال لي :
( بابا .. اسم مدام أنا .. سِمْ سِمْ اسم انته .. اسمها ( مسعودة ) !! ) فضحكت حتى استلقيت على قفاي من بساطته وصراحته الجارحة .
* * *
وقال لي أحد أصدقائي :
كنا اثنين ؛ نسكن عزاباً في شقة بالخبر ؛ وكان جارنا رجلاً كبيراً في السن متقاعد من ( أرامكو) ولديه سيارة من العصر القديم ؛ لا يحركها من أمام باب بيته أبداً ؛ وكان يعتمد في تنقلاته علينا فنوصله إلى أي مكان يريده تحت ضغط الخجل والحياء والإكراه . حدث في يوم أن كنا مدعوين لحضور مناسبة في الدمام على بُعد 30كيلو متراً من مقر سكننا .. فوجدناه جالساً على الأرض وبجواره حقائب و( زنبيل) مملوء بالأغراض ؛ فلما رآنا هب واقفاً :
إلى أين أنتما ذاهبان ؟
فخشي صاحبي إن هو أخبره عن وجهتنا الحقيقة أن يلزمنا بأخذه معنا .. فقال له :
إلى الأحساء !! ( وهي تبعد عنا 130كيلو متراً )
وهنا كانت الطامة التي ما توقعناها أبداً .. قال الرجل العجوز :
سبحان الله .. والله كنت أريد أن أقول لكما أوصلاني إلى الأحساء .. فاستحييت ... وطالما أنكما ذهبان إليها فخذاني معكما .!!
قال : نظرت إلى عيني زميلي فإذا هي تدور في رأسه كالذي يغشى عليه من الموت .. فقلت له : خذه أيها البطل .. أوصله وأما أنا فسأذهب إلى الدمام !! فذهب صديقي ودموعه على خده ..!!
* * *
لعل هذا يكفي وقد مزح الصحابة الكرام .. وهذه أمثلة :
قالت أم سلمة : خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى. قبل موت النبي بعامٍ. ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا شهدا بدراً. وكان نعيمان على الزاد. وكان سويبط رجلاً مزاحاً. فقال لنعيمان: أطعمني. قال: حتى يجيء أبو بكر. قال: فلأغيظنك. قال: فمروا بقوم. فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم. قال: إنه عبد له كلام. وهو قائل لكم: إني حر. فإن كنتم، إذا قال لكم هذه المقالة، تركتموه، فلا تفسدوا علي عبدي. قالوا: لا بل نشتريه منك. فاشتروه منه بعشر قلائص. ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة، أو حبلاً. فقال نعيمان: إن هذا يستهزىء بكم. وإني حر، لست بعبد. فقالوا: قد أخبرنا خبرك. فانطلقوا به. فجاء أبو بكر. فأخبروه بذلك. قال: فاتَّبع القوم. ورد عليهم القلائص. وأخذ نعيمان. قال: فما قدموا على النبي وأخبروه. قال: فضحك النبي، وأصحابه منه، حولاً [2] .
ولا أريد أن أطيل أكثر من هذا ، ولكن المقصود أن يكون ذلك بأدب لا جرح فيه لمشاعر ، ولا تعد فيه على حدود الله ، والله تعالى من وراء القصد .
موسى محمد هجاد الزهراني
قال لي : ما لمقالتك أكثرها عن عجائب ..من عجائب آخر الزمان ..من عجائب الرقى … ؟ ..
قلت له : ألا تعلم أن هذا الزمن هو زمن العجائب ..ألا تعجب من عجائب هذا الزمان ؟! .. لكني اليوم سأحدثك بعجائب (المقالب)! مما وقفت عليه بنفسي وسمعته بأذني من كثير من الإخوة .. ولا أُقرُّ كلما ما فيه ولا بعضه ، ولكني أحببت أتحفك بها ومن يريد..
حدثني أخ لي فاضل لن أقول لك بأنه /صالح بن زهير فلا تلح عليَّ لمعرفة اسمه فلن أخبرك ! قال:_
كان هناك ثلاثة من الأخوة المعلمّين ، السعوديين يعملون بدولة (خليجية) ؛أحدهم من الجنوب والآخران من ضواحي نجد .. ولأنهم لم يكن بينهم تلك الألفة التي تقتضي أن يجترأ أحدهم على الآخر،فقد وقع بينهم أمرٌ مضحك مبكي خلاصته كالتالي:_
قال محمد (هذا الجنوبي).. خرجنا إلى البر في نزهة مع مجموعة من المعلمين السعوديين هناك ..وبرُّ تلك البلاد في الليل متعة من المتع والأنس ؛ فلما قضي أمرنا وتناولنا عشائنا ركبت مع زميليَّ هاذين وانطلقنا نتأمم بيوتنا..فتوقف السائق فجأة ..ونزل من السيارة بعد أن أخبرنا بأن فيها عطلاً .. نزلنا جميعنا من باب (الفزعة)! ومن باب الشجاعة التي بلغت بي مبلغها وحب الخير ، فقد انبطحت على بطني تحت السيارة لأرى ما مرضُ السيارة ..
فجأة .. وإذا بي وحيدُ شريدُ في الصحراء ، لا أرى إلاًّ الأنوار الخلفية للسيارة التي تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى توارت عن أنظاري !! وأنا أسمع أصوات ضحكاتهما تشق الصحراء ..ومعناها ..إنّا نمزح معك .. أما أنا فمشيت قرابة (15)كيلوا أتقلب بين الظلام الذي أنساني أُنس الصحراء .. وبين الخوف .. على نفسي وعلى أهلي هناك في البيت أمشي مرة وأهرول مرة أخرى .. وزارني سوء الظن من كل حدب وصوب !!.. فلما بلغت روحي الحلقوم وكدت أسقط على وجهي من الإعياء والخوف ..فإذا أنا أرى على بُعدٍ بعيد .. أنوار سيارة تلوح في الظلام تظهر فجأة وتحتفي أخرى..حتى إذا اقتربت وقد أعادت فيَّ الأمل .. فإذا هم أصحابي ..يضحكون ملأ أفواههم فقلت في نفسي والله لأجعلنكم تبكون ملأ أفواهكم ! فصبر جميل !!
أركباني معهما ..وهما مستغرقان في الضحك ..ثم .. أخذا في التندر والاستهزاء!! والأسئلة ..كيف جو الصحراء ؟ كيف الخوف معك ؟ وأنا اصنع من نفسي عنترة بن شداد العبسي في الشجاعة !! فأجبت بكل ارتياح .. وقلبي من الداخل يغلي !!..
أوصلاني إلى البيت .. فضربت بالباب خلفي من غير شكر لهما ..وعلى ماذا أشكرهما ؟على قلب الذي لم يبقى منه عق ينبض ؟!
مرت الأشهر وأنا اجمع المعلومات عنهما ؛ حتى توصلت إلى أن أحدهما جبان بدرجة الشرف الأولى أمام زوجته! فحمدت الله كثيراً ..وعمدت إلى حيلة ستجعله يبكي دماً.
ذلك أني ذهبت إلى إحدى المطابع التي تطبع كروت الأفراح وطبعت قرابة (200)كرت دعوة .. هو فيها الزوج والزوجة امرأة أخرى وهمية اخترعت اسمها من عند نفسي من عائلة مشهورة !! واغتنمت خروجه من البيت فطرقت الباب على زوجته (الحقيقية)! وقلت معكم المطبعة وهذه هي الكروت التي طلبها مني أبو فلان قد تم تعديلها كما اتفقنا ..وانصرفت بعد أن أعطيتها (150) كرتاً .. ثم أخذت الباقي ولم يبقى منزل لشخص سعودي أعرفه أولا أعرفه إلاَّ وأدخلت له الكرت من تحت باب البيت !! ثم ذهبت أنا إلى البيت ، فاسترخيت.
أما صاحبي المسكين فقد رجع إلى بيته أمناً مطمئناً لم يكن يتوقع شيئاً ..فلما دخل قامت القيامة ! وانقلب البيت إلى جحيم لا يطاق!! فحلف بأغلظ الأيمان أنه لا يعرف عن هذا الأمر شيئاً فلم تصدقه زوجته واتصلت بأخيها في السعودية ..فركب أول طائرة تقوم من هناك.. حتى قدم عليهما وهما في (حيص بيص) بينهما كما بين داحس والغبراء..
وبعد لأي شديد وبعد أن طلبت الطلق فأقنعها أخوها بالتريث حتى يتبين الوضع لأن ظاهر الرجل الصدق وصفحات وجهه تدل على الهلع الشديد مما يعني أنه مظلوم .. قعد البرلمان بحضور بقية من زملاء المدرسة .. واتفق الرأي على أن يأتوا إليّ كون الاجتماع انعقد على أني ربما أكون أنا الفاعل انتقاما لموقفي الأول معهم .. أتوني فأكرمتهم وكانوا قريباً من عشرين رجلاً !! ثم باشروا الأمر .. تصنعت الغضب وقلت كلاماً ما معناه ..
ألم تجدوا في هذه المدينة بل هذه الدولة كلها رجلاً نذلاً توجهون إليه اتهامكم إلاَّ أنا ؟!
فاشرأبت أعناقهم وشخصت أبصارهم ، ونظر كلٌ منهم إلى الأخر وبدأ الزوج يرجوني ويتودد إليّ أن أعترف ولو بالكذب حقناً للدماء !ورأْباً للصدع !! فامتنعت!
خرجوا بلا خفيّ حنين ! فأدركت أخرهم وكان أخو الزوجة فأمسكت به وقلت له:_ تعال أنت والزوج أقسم بالله لو رأيت معكما غيركما لأريكم ما تكرهون ! جاءني فقصصت على أخي الزوجة ما فُعل بي من زميليَّ فعذرني لكنه قال ما ذنبي أنا ! قلت:الذي جاء بك هي أختك ولست أنا .
خرجا من عندي فانفصمت العرى ولم يعد بيننا أية وشيجةً طوال مكثنا في تلك الدولة.
* * *
المقلب الثاني ! شبيه بما ذكرت آنفاً .. وقع لقريب لي معلم أيضاً ويبدو أني سأصنف كتاباً في نوادر المعلمين على غرار كتب ابن الجوزي رحمه الله _ ..
قال : كنا مجموعة من المعلمين في منطقة بني مالك قرب الطائف قبل ما يقارب عشرين عاماً.. وكان سكننا شقة واحدة متواضعة معنا أحد الإخوة آتاه الله بسطة في الجسم وحِدةً في الطبع وفي يومٍ وبينما كان نائماً عمدت إلى طفاية حريق ففتحتها عليه من تحت الباب فكاد يموت وكل ذلك كان مزاحاً! فأقسم لينتقمنَّ مني شر انتقام !
فمكثت أشهراً خائفاً أترقب حتى مرت شهور عديدة فنسيت الموقف ..
وبينما كنت أيضاً نائماً ذات يوم ! ما راعني إلاَّ اثنان من الإخوة يقومان بربطي وتقييدي بحبلٍ غليظ بأمرٍ من هذا الدكتاتور الذي رأيته يقف على رأسي وهو يقول لهما :_ اربطوه ! فلم يبقى في قاموس ألفاظ رجائي وتملقي كلمة إلاَّ أسمعته إياها رجاء أن يرحمني فلم يفعل الخبيث..فحلفت عليه بالطلاق فقال:_(طلّقَْ أوما تطلقْ..نوينا أن ندور بك عرياناً على ضواحي بني مالك..) ثم أعطى أوامره مرة أخرى ..قائلاً :_اخلعوا ثيابه..فقلت له ولهما .. أسألكم بالله لا تفعلوا ..فأنا آسف وأنا… فكأن في لآذانهم وقراً ..وعلى قلوبهم أكنّهٍ ..فحملوني عرياً والله المستعان فأركبوني في حوض سيارة نوع (هايلكس) وأنا في حالةٍ مزرية لو رآها شارون لرقَّ قلبه! فلم يبق لي حيلة إلاَّ البكاء ..ولكني خجلت بكرامتي أن أهدرها بدمعتين ..فصبرت صبر الحمير! وبعد أن قررت إنهم استمروا في هذا المكر الكبّار أن أتقدم باستقالتي لإدارة تعليم الطائف لأنه لن يبقى لي تلميذ في بني مالك إلاَّ وسيراني عرياناً فكيف أكون قدوة لهم غداً .. فلجأت إلى الله أدعو وألح حتى فرج الله عني وأنزلوني بعد تعهدات شديدة بأن أتوب إلى الله من سخافاتي معهم ..ولاسيما الحجاج بن يوسف! ...
قلت له:_وهل حقدا بعضكم على بعض ..
قال:لا والله بل نترحم والله على تلك الأيام ولا زالت صداقتنا أقوى من ذي قبل ..قلت:.هذا عجيب!
* * *
المقلب الثالث!
وقع بين طلبة بجامعة الملك سعود!! كان أحدهم يغتسل في دورة المياه في سكن الطلبة ..فعمد مجموعة من الأشقياء إلى سرقة ثيابه من على باب (الحمام) فلما انتهى من غسله ، بحث عن ثيابه أو (منشفته) فلم يجد منها شيئاً ! فأسقط في يده..فنادى ونادى ولم يُستجب له.. فخرج يمشي على رؤوس أقدامه .. وانطلق بسرعة السهم حتى وصل إلى باب غرفته ..ففوجئ بأنها مغلقة فحاول فتحها بكل قوة فلم يستطع ..وحاول فتح التي بجوارها فوجدها مغلقة والثالثة والرابعة ..وإذا هو يقف عرياناً وسط الممر في وقت عودة بعض الطلبة من محاضراتهم فوضع يده على سوأته ..وقال:_ استروني ستركم الله في الدنيا والآخرة ..فستروه !! فأضمر الشر لهم ولم يعاتب أحداً ..حتى إذا جاء موعد الامتحان النهائي استيقظ قبلهم وأطفأ ساعاتهم المنبهة كلها وانطلق يؤدي الامتحان حتى إذا عاد أيقظهم فاستيقظوا فزعين متسآءلين .. مر الذي أطفأ المنبهات ! فضحك ..وقال :_ أنا..فانهالوا عليه بالشتم والسب قال :أية .. عرض يا أبطال أهم من امتحانكم ..وهذا غيض من فيض..
* * *
حدثني أحد الشباب وكان رفيقي في حج عام 1421هـ فقال :_
اتصلت علىَّ خالتي من الرياض وأنا في الجنوب .. وقالت :_لك عندي مفاجأة! فقلت خيراً ..قالت :أريدك أن تستقبلني في مطار بيشة فإني قادمة لزيارتكم ..ففرحت بها كثيراً لأن بيننا آلفة وعلاقة وطيدة إذا أنها تكبرني بسنوات قلائل وأشعر أننا كالإخوة..
أردت ويا سوء ما أردت ! أردت أن أعمل لها مفاجأة حلوة!! فذهبت إلى المطار وحاولت أن أنظر إليها من بعيد حتى لا تراني !! فرأيتها قادمة بقامتها القصيرة وتحمل حقيبتها بيدها ..فاستدرت حتى جئت من خلفها فالتزمتها بكلتا يديّ وضممتها بقوة وأخذت أقبلّها في جانبي وجهها .. وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة التخلص منّي ..وهي لم تر وجهي ..وكانت ساترة لوجهها ثم لمَّا عجزت عن التخلص منّي ..أسبلت عينيها على خديها بالدموع .. وأخذت تبكي بكاء يقطع القلب! ..
أنا وقعت في حرج وقلت في نفسي .. هذا ضعف النساء !إنا الله .. ماذا فعلت؟
والغريب في الأمر أن رجلاً كان يقف إلى جوارنا ينظر إلىَّ نظراً يكاد يخرج منه الشرر! فقلت بلسان الحال :_
(خالتي وأنا حرُّ فيها) !! ..
ثم كانت الطامة الكبرى والزلزلة التي هزت كياني وجعلت مفاصلي لا تقوى على حملي وأحسست ببرد شديد في عظامي .. وتخيلت كل من في المطار ينظر إليَّ ويعرف طامتي الكبرى ..ماذا تتوقعون ؟
لقد اكتشفت أن تلك المرأة ليست خالتي ! تصورا وذلك الرجلُ زوجُها ! يالهول المصيبة!
قال لي سعادة الزوج الغضبان :ماذا تريدين أفعل بك ، أتفل في وجهك !أم أمسح بك بلاط المطار أم ماذا؟!
وكان ينتظر مني جواباً فأقسمت ألاَّ أفتح فمي! كاد يمُّد يده إلى حلقي فيخنقني أمام الناس لولا أن أدركتني رحمة الله تعالى..فرأيت السندريلا ! خالتي البغيضة إلى نفسي تمشي الهوينا وكأنها شجرة الدُّر صانها الله !
فقفزت فرحاً مستبشراً وقلت لصاحبي :_
هذه والله العظيم هي خالتي .. اذهب قد أَبَحتُ لك أن تقبلَّها حتى ترضى!
(قلت له أنا) :_كيف تحلَّ له ما حرم الله ؟!
قال:_ ما أردت هذا ولكن من باب(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)
قلت:_وهذا أعظم من الأولى ! أكمل قبل أن تأتي بما لم يستطعه (مسيلمة الكذاب) !..
قال:_ نظرت في وجه الرجل وهو يداري ضحكة تكاد تخرج من فمه بالقوة ..فتسقط هيبته ! فأدار لي ظهره وخرج! ممسكاً بيد امرأته المسكينة .
عدت أنا إلى السندريلا ..فنادتني باسمي فقلت لها بصوت عالٍ :( الله لا يحيّيك)
فتعجبتْ مني فأخذتُ حقيبتها من يدها بالقوة وذهبتُ بها إلى السيارة وأنا في غاية الهمّ والغمّ !!
وفي السيارة قالت لي خالتي :_أين حفاوة اللقاء وأين الفرح المتوقع ..وأين ..
قلت لها :احمدي ربك أنك سلمت من ذلك الرجل فلم يقبّلْك !
قالت يا قليل الأدب كيف يقبلني ..وهل أنا ... وهل سأسكت له ؟! قلت القصة وما فيها كذا وكذا ..
* * *
الموقف الخامس:_
موقف آخر حصل لأخينا الأريحي"سعود الروقي"! ...
قال: دخلت مسجد الشيخ/محمد المنجد ذات ليلة لأصلي معه صلاة العشاء .. فأقيمت الصلاة ودخلت فيها ..حتى إذا كنا في التشهد الأخير وأخذت وضع التورك .. إذا بي أجد نفسي بعيداً عن الصلاة ؛فقد قطعت بذهني مسافات طويلة .. كل ذلك من إبليس _ نعوذ بالله منه _ لكنني أحسست بضرورة تدفعني إلى أن أقوم بحّك باطن قدمي اليمين .. فحككتها ..فكأنّي لم أصنع شيئاً ثم عدت لكي أحكّها مرة أخرى ..فاكتشفت مصيبة مخزية .. اكتشفت أنّي كنت أحكُّ قَدمَ شخص سوداني كان يصلي إلى جواري !!
سلمت من صلاتي فالتفت إليّ (السوداني) : فقال لي بلهجة حادة :أنت يا أخونا تلعب في صلاتك ! قلت له:_أنت كانت واضعاً (قدمك) تحت فخذي فـ…… قال:_أنت تلعب في صلاتك ..ولا كلمة.. وأشار إليّ بأصبعه مهدداً .. فسكتُّ .
ومرة قال:_ قمت لكي أؤدي السنة الراتبة لصلاة الجمعة ..فأثناء ذلك .. مرَّ رجلٌ من أمام وجهي فحاولت أن أمنعه من المرور من أمامي .. فمددت يدي .. فقبض على يدي وشدها بقوة وهو يقول :_ يا هلا .. يا مرحباً .. كيف الحال !! ..
فبادرت إلى مجاملته وقطعت صلاتي وسألته عن أحواله وأحوال الأهل والأقارب !! وأنا لا أعرفه .. ثم تناولت (عقالي) ..فأخذته وانصرفت .
* * *
قال صالح:_
جاءني والدي وهو كبير في السن ؛ ورأيته يحاول أمام المرآة يوماً أن يقص شاربه ليتجهز لأداء صلاة الجمعة ..فقلت له :عن إذنك ! عندي (ماكينة) حلاقة كهربائية جديدة .. ودعك من هذا التخلف ! فضحك الوالد..وقال :. هاتها !!
فجئتُ بها .. وأمسكت برأسه برفق .. ووقفنا سوياً أمام المرآة .. فوضعت طرف موسى الماكينة في طرف شاربه.. وضغطتُ بأصبعي على الزر !! فسمعت صوتاً يقول(تزززززت) !!فسحبت الشارب كله حتى أصبح على الصفر .. فوجمت وتوقف الدم في عروقي ! وجمد حتى أحسست به بارداً في العروق ! .
فنظر الوالد في وجهي وقد غدا أصفر اللون .. فقال لي:. مالك!! فلم أتكلم .. فمسح بيده على شاربه فانهال الشعر كله بين أصابعه !!
فصرخ في وجهي .. صرخة أفزعتني .. ( إيش هذا ) قلت هذه السُّنَّة!! قال:( لا بارك الله فيك .. ما خليّت فيها لا سُنة ولا غيرها) فجئت للشق الآخر ..ففعلت به مثل ما فعلت بأخيه من قبل .. فأصبح وجهه غريباً يبعث على الاستلقاء على الظهر من كثرة الضحك !
قام من عندي وهو ..يولول ..ويحوقل ..وذهب شاكياً باكياً إلى أمي التي استقبلته على باب المطبخ ضاحكةً مِلأَ فِيْها !! فازداد الطين بلة ..
أخذته وهو متلثماً .. وذهبنا سوياً لنصلي الجمعة وهو في غاية الخجل .. لأنه لم يعتد على مثل هذا أبداً ..
وهو رجلٌ قد أناف على السبعين من عمره ..
* * *
حدثني شيخ من مشائخنا الكرام ( وفيه دعابة ) [1] قال :
كان يعمل بمكتبي رجل من الهند ؛ أخٌ فاضل اسمه مصطفى ؛ وكان يجلس معي بين الحين والحين ؛ ثم قدر الله تعالى فسافر ليتزوج ؛ فتزوج وعاد بعد زمن ؛ فكان لا يفارقني طيلة فترة الدوام ؛ فلما قلت له في هذا الأمر قال لي :
( بابا .. اسم مدام أنا .. سِمْ سِمْ اسم انته .. اسمها ( مسعودة ) !! ) فضحكت حتى استلقيت على قفاي من بساطته وصراحته الجارحة .
* * *
وقال لي أحد أصدقائي :
كنا اثنين ؛ نسكن عزاباً في شقة بالخبر ؛ وكان جارنا رجلاً كبيراً في السن متقاعد من ( أرامكو) ولديه سيارة من العصر القديم ؛ لا يحركها من أمام باب بيته أبداً ؛ وكان يعتمد في تنقلاته علينا فنوصله إلى أي مكان يريده تحت ضغط الخجل والحياء والإكراه . حدث في يوم أن كنا مدعوين لحضور مناسبة في الدمام على بُعد 30كيلو متراً من مقر سكننا .. فوجدناه جالساً على الأرض وبجواره حقائب و( زنبيل) مملوء بالأغراض ؛ فلما رآنا هب واقفاً :
إلى أين أنتما ذاهبان ؟
فخشي صاحبي إن هو أخبره عن وجهتنا الحقيقة أن يلزمنا بأخذه معنا .. فقال له :
إلى الأحساء !! ( وهي تبعد عنا 130كيلو متراً )
وهنا كانت الطامة التي ما توقعناها أبداً .. قال الرجل العجوز :
سبحان الله .. والله كنت أريد أن أقول لكما أوصلاني إلى الأحساء .. فاستحييت ... وطالما أنكما ذهبان إليها فخذاني معكما .!!
قال : نظرت إلى عيني زميلي فإذا هي تدور في رأسه كالذي يغشى عليه من الموت .. فقلت له : خذه أيها البطل .. أوصله وأما أنا فسأذهب إلى الدمام !! فذهب صديقي ودموعه على خده ..!!
* * *
لعل هذا يكفي وقد مزح الصحابة الكرام .. وهذه أمثلة :
قالت أم سلمة : خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى. قبل موت النبي بعامٍ. ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا شهدا بدراً. وكان نعيمان على الزاد. وكان سويبط رجلاً مزاحاً. فقال لنعيمان: أطعمني. قال: حتى يجيء أبو بكر. قال: فلأغيظنك. قال: فمروا بقوم. فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم. قال: إنه عبد له كلام. وهو قائل لكم: إني حر. فإن كنتم، إذا قال لكم هذه المقالة، تركتموه، فلا تفسدوا علي عبدي. قالوا: لا بل نشتريه منك. فاشتروه منه بعشر قلائص. ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة، أو حبلاً. فقال نعيمان: إن هذا يستهزىء بكم. وإني حر، لست بعبد. فقالوا: قد أخبرنا خبرك. فانطلقوا به. فجاء أبو بكر. فأخبروه بذلك. قال: فاتَّبع القوم. ورد عليهم القلائص. وأخذ نعيمان. قال: فما قدموا على النبي وأخبروه. قال: فضحك النبي، وأصحابه منه، حولاً [2] .
ولا أريد أن أطيل أكثر من هذا ، ولكن المقصود أن يكون ذلك بأدب لا جرح فيه لمشاعر ، ولا تعد فيه على حدود الله ، والله تعالى من وراء القصد .