سلطان سالم
22 May 2005, 12:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،،
إن من الخطأ حقًا أن يعتقد بعض من مَنّ الله عليهم بالهداية والاستقامة ، حتى غدوا في طريق الدعاة أو طلبة العلم ، أو حتى من عامة الناس الذين سلكوا طريق الإيمان وارتضوه ، من الخطأ أن يعتقدوا أنهم قد بلغوا درجة كمال الإيمان ، هذا الاعتقاد الذي يوهمهم بشعور شيطاني خفي ليسقطهم في شباك غاية في التعقيد ، حتى تبدو عليهم عدة مظاهر قد لا تتبين لهم ، ولكنها غاية في الظهور أمام الناس ، وإليك بعض هذه المظاهر التي أطلب من نفسي وألتمس منك أيها الصادق مع نفسه أن نبحث عنها في أنفسنا ، فربما كانت فينا ، لنقف عليها ونعالجها قبل أن يستشري داؤها ، وينتشر وباؤها ، ولقد رصدت لك عشرين مظهرًا ، إليك بيانها :
1) أن يشعر أحدنا بأنه فوق النصيحة ، وأنه غدا ناصحًا ، ولا يقبل أن يكون منصوحًا ، فإن من المفاجأة له أن يتجرأ أحد من الناس بنصيحته ، وقد يبدي شيئًا من قبولها لكنها تكون على نفسه أثقل من الجبال ، وهنا يتثاقل عن العمل بها ، وربما يبدأ صفحة كره وبغض أو على الأقل تجنب لهذا الناصح الأمين واستثقال لمجالسته . فأين هذا المنصوح من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم .فهل يحب من يأبى النصيحة أن يبقى على زلـله من دون أن ينبهه أحد على ذلك ، فيكون بذلك عرضة للاستمرار فيه ، والوقوع في عواقبه ؟
2) ومن هذه المظاهر : البحث عن الفتاوى الشرعية التي توافق هواه أو تحقق له مصلحة شخصية ، حتى لو أدى هذا الأمر إلى تغيير وجهة نظر كانت راسخة في ذهنه ، أو عليها عمله فترة طويلة ، وإن أشبه شيء لهذا التصرف هو ما يطلق عليه العلماء بتتبع الرخص تشهيًا ولعبًا بالدين وأحكامه .
3) ومن هذه المظاهر : التقليل من عمل الآخرين ، والتحقير من جهودهم ، ففي الوقت الذي يتفانى عدد من المخلصين في خدمة الدين ورفعته والدعوة إليه ، نجده لا يعرف إلا النهش في نواياهم ، والقدح في مقاصدهم ، ويحاول جاهدًا في صرف ألوان الإكبار عنهم ، وقد يصل الأمر إلى السخرية بهم ، وتكمل فرحته إذا ظهر خطأ أحدهم . ومطية ذلك كله سوء الظن ، وعدم صفاء القلب ، ووالله لا أجد ترهيبًا لمثل هذا المظهر أكثر من قول الله تعالى :
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
4) ومن هذه المظاهر : الانشغال بالجزئيات ، والتفريط في الأمانات ، وياله من مظهر لا يتفق أبدًا مع مظهر الالتزام والصدق مع الله ، فهل من الدين أن ينشغل المرء ببعض المندوبات حتى يؤثر هذا على أداء العمل والأمانة التي يجب القيام بها ، هل من الالتزام أن يتظاهر بالمرض أو التعب ليتخلف عن حضور الدوام الرسمي ، وهل من التمسك بالإسلام أن يفرط في رعايته لأسرته وتربية أولاده بحجة نشر الدين والدعوة إليه !! وهل من الاستقامة أن يتخذ المرء الكذب مطية لدفع تهمة التقصير في المسؤولية الملقاة على كاهله ؟! يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .
5) ومن هذه المظاهر : حب الظهور والقيادة ولو على شيء يسير ، بل ربما يجاهد ويكافح من أجل هذا الأمر ، وما علم أن تحمل المسؤولية والأمانة حمل ثقيل على الأتقياء والمخلصين . عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم .
6) ومن هذه المظاهر : جلافة الخلق ، والترفع على عامة الناس وضعفائهم ، فإن الله تعالى قال لنبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ، فإن الرفق _ أيها الموفق _ ما دخل في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، ومن تواضع لله رفعه .
7) ومن هذه المظاهر : الافتخار بقوة الجدل ، وطول النفس في المراء ، ولو بالحق ، أو في أمور العلم ومسائله ، فإن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
8) ومن هذه المظاهر : ضعفه أمام الفتن ، فإن في الشدائد تتميز الهمم العالية ، وتثبت القلوب الصافية ، ويأبى صاحب البناء المهلهل إلا أن ينهار ، ويسقط خائبًا ، وإن هذا الانهيار المحسوس ليدل على انهيار داخلي في قلب الإنسان وإيمانه ، ولقد حكى الله هذا المشهد في أروع بيان فقال : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } .
9) النظرة السوداء للحال الذي يعيشه المسلمون اليوم ، وتصوير الواقع بأنه مظلم لا بصيص فيه للأمل ، وإكثار الكلام عن وجود أنواع الفساد وكثرتها ، من دون أن يكون للمبشرات في حديثنا نصيب ، ولا لأخبار النصر في مجالسنا وجود ، الأمر الذي يزيد من هزيمتنا النفسية ، ويصيب الأنفس المترددة بالتخاذل ، وما كأننا _ أيها الأحبة _ نقرأ في كتاب الله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } ، فلنملأ قلوبنا بالتفاؤل ، ونحاول بدلاً من سوداوية النظرة أن نبحث عن الأخطاء فنصلحها ، ونراجع الأعمال وننقحها ، ولا ننشغل بالحزن على الرزايا ، ولنعلم أن الحكم بالهلاك لا يأتي بالهلاك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم ، ولنعلم أيضًا أن النصر لا يأتي إلا بالنصر ، ولن يأتي أبدًا بالأحزان ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
10) سرعة الحكم على ما يحدث من أحداث ، ولقد أتبعنا هذه العجلة _ أيها الإخوة _ بتعميم الأحكام على الفرق والأشخاص ، وقد افتقد هذا وذاك عوامل الحكم الصحيح ؛ من الأهلية لذلك ، والدراسة الوافية ، والتثبت في الأمر ، وإنعام النظر وطول التأمل ، فأي نتيجة سوف نحصدها من زرع لم يسق بالماء الصالح للسقي ، ولم يشتم الهواء الصحي ، ولم ترعه الأيدي المحترفة ؟! أيننا من قول الله تعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } ، فلنترك الكلام لأهل العلم يقولون فيه بما يفتح الله عليهم ، ولنمسك عن الخوض فيما لا نعلم ، فإنه قارب النجاة للمجتمع ، وحزام الأمان للأمة ، { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } .
وأخيرًا : لنعش _ أخي الحبيب _ الحياة التي أراد الله تعالى لعباده الطيبين ، متمسكين بدين الله ، ملتزمين بأحكامه ، مخلصين له ، نحب لأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا الخير والصلاح ، غير ملتفتين لسخرية الساخرين ، متسلحين بالتوكل على الله تعالى ، واليقين بتوفيقه في إصلاح أنفسنا ومجتمعنا ، ولتكن خطواتك أيها المسلم المربي واثقة بالدعاء ، راسخة بالعلم الشرعي ، ولنسأل الله تعالى الثبات على أمره ، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
وللحديث بقية إن شاء الله ،،،
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،،
إن من الخطأ حقًا أن يعتقد بعض من مَنّ الله عليهم بالهداية والاستقامة ، حتى غدوا في طريق الدعاة أو طلبة العلم ، أو حتى من عامة الناس الذين سلكوا طريق الإيمان وارتضوه ، من الخطأ أن يعتقدوا أنهم قد بلغوا درجة كمال الإيمان ، هذا الاعتقاد الذي يوهمهم بشعور شيطاني خفي ليسقطهم في شباك غاية في التعقيد ، حتى تبدو عليهم عدة مظاهر قد لا تتبين لهم ، ولكنها غاية في الظهور أمام الناس ، وإليك بعض هذه المظاهر التي أطلب من نفسي وألتمس منك أيها الصادق مع نفسه أن نبحث عنها في أنفسنا ، فربما كانت فينا ، لنقف عليها ونعالجها قبل أن يستشري داؤها ، وينتشر وباؤها ، ولقد رصدت لك عشرين مظهرًا ، إليك بيانها :
1) أن يشعر أحدنا بأنه فوق النصيحة ، وأنه غدا ناصحًا ، ولا يقبل أن يكون منصوحًا ، فإن من المفاجأة له أن يتجرأ أحد من الناس بنصيحته ، وقد يبدي شيئًا من قبولها لكنها تكون على نفسه أثقل من الجبال ، وهنا يتثاقل عن العمل بها ، وربما يبدأ صفحة كره وبغض أو على الأقل تجنب لهذا الناصح الأمين واستثقال لمجالسته . فأين هذا المنصوح من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم .فهل يحب من يأبى النصيحة أن يبقى على زلـله من دون أن ينبهه أحد على ذلك ، فيكون بذلك عرضة للاستمرار فيه ، والوقوع في عواقبه ؟
2) ومن هذه المظاهر : البحث عن الفتاوى الشرعية التي توافق هواه أو تحقق له مصلحة شخصية ، حتى لو أدى هذا الأمر إلى تغيير وجهة نظر كانت راسخة في ذهنه ، أو عليها عمله فترة طويلة ، وإن أشبه شيء لهذا التصرف هو ما يطلق عليه العلماء بتتبع الرخص تشهيًا ولعبًا بالدين وأحكامه .
3) ومن هذه المظاهر : التقليل من عمل الآخرين ، والتحقير من جهودهم ، ففي الوقت الذي يتفانى عدد من المخلصين في خدمة الدين ورفعته والدعوة إليه ، نجده لا يعرف إلا النهش في نواياهم ، والقدح في مقاصدهم ، ويحاول جاهدًا في صرف ألوان الإكبار عنهم ، وقد يصل الأمر إلى السخرية بهم ، وتكمل فرحته إذا ظهر خطأ أحدهم . ومطية ذلك كله سوء الظن ، وعدم صفاء القلب ، ووالله لا أجد ترهيبًا لمثل هذا المظهر أكثر من قول الله تعالى :
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
4) ومن هذه المظاهر : الانشغال بالجزئيات ، والتفريط في الأمانات ، وياله من مظهر لا يتفق أبدًا مع مظهر الالتزام والصدق مع الله ، فهل من الدين أن ينشغل المرء ببعض المندوبات حتى يؤثر هذا على أداء العمل والأمانة التي يجب القيام بها ، هل من الالتزام أن يتظاهر بالمرض أو التعب ليتخلف عن حضور الدوام الرسمي ، وهل من التمسك بالإسلام أن يفرط في رعايته لأسرته وتربية أولاده بحجة نشر الدين والدعوة إليه !! وهل من الاستقامة أن يتخذ المرء الكذب مطية لدفع تهمة التقصير في المسؤولية الملقاة على كاهله ؟! يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .
5) ومن هذه المظاهر : حب الظهور والقيادة ولو على شيء يسير ، بل ربما يجاهد ويكافح من أجل هذا الأمر ، وما علم أن تحمل المسؤولية والأمانة حمل ثقيل على الأتقياء والمخلصين . عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم .
6) ومن هذه المظاهر : جلافة الخلق ، والترفع على عامة الناس وضعفائهم ، فإن الله تعالى قال لنبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ، فإن الرفق _ أيها الموفق _ ما دخل في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، ومن تواضع لله رفعه .
7) ومن هذه المظاهر : الافتخار بقوة الجدل ، وطول النفس في المراء ، ولو بالحق ، أو في أمور العلم ومسائله ، فإن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
8) ومن هذه المظاهر : ضعفه أمام الفتن ، فإن في الشدائد تتميز الهمم العالية ، وتثبت القلوب الصافية ، ويأبى صاحب البناء المهلهل إلا أن ينهار ، ويسقط خائبًا ، وإن هذا الانهيار المحسوس ليدل على انهيار داخلي في قلب الإنسان وإيمانه ، ولقد حكى الله هذا المشهد في أروع بيان فقال : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } .
9) النظرة السوداء للحال الذي يعيشه المسلمون اليوم ، وتصوير الواقع بأنه مظلم لا بصيص فيه للأمل ، وإكثار الكلام عن وجود أنواع الفساد وكثرتها ، من دون أن يكون للمبشرات في حديثنا نصيب ، ولا لأخبار النصر في مجالسنا وجود ، الأمر الذي يزيد من هزيمتنا النفسية ، ويصيب الأنفس المترددة بالتخاذل ، وما كأننا _ أيها الأحبة _ نقرأ في كتاب الله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } ، فلنملأ قلوبنا بالتفاؤل ، ونحاول بدلاً من سوداوية النظرة أن نبحث عن الأخطاء فنصلحها ، ونراجع الأعمال وننقحها ، ولا ننشغل بالحزن على الرزايا ، ولنعلم أن الحكم بالهلاك لا يأتي بالهلاك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم ، ولنعلم أيضًا أن النصر لا يأتي إلا بالنصر ، ولن يأتي أبدًا بالأحزان ، { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
10) سرعة الحكم على ما يحدث من أحداث ، ولقد أتبعنا هذه العجلة _ أيها الإخوة _ بتعميم الأحكام على الفرق والأشخاص ، وقد افتقد هذا وذاك عوامل الحكم الصحيح ؛ من الأهلية لذلك ، والدراسة الوافية ، والتثبت في الأمر ، وإنعام النظر وطول التأمل ، فأي نتيجة سوف نحصدها من زرع لم يسق بالماء الصالح للسقي ، ولم يشتم الهواء الصحي ، ولم ترعه الأيدي المحترفة ؟! أيننا من قول الله تعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } ، فلنترك الكلام لأهل العلم يقولون فيه بما يفتح الله عليهم ، ولنمسك عن الخوض فيما لا نعلم ، فإنه قارب النجاة للمجتمع ، وحزام الأمان للأمة ، { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } .
وأخيرًا : لنعش _ أخي الحبيب _ الحياة التي أراد الله تعالى لعباده الطيبين ، متمسكين بدين الله ، ملتزمين بأحكامه ، مخلصين له ، نحب لأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا الخير والصلاح ، غير ملتفتين لسخرية الساخرين ، متسلحين بالتوكل على الله تعالى ، واليقين بتوفيقه في إصلاح أنفسنا ومجتمعنا ، ولتكن خطواتك أيها المسلم المربي واثقة بالدعاء ، راسخة بالعلم الشرعي ، ولنسأل الله تعالى الثبات على أمره ، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
وللحديث بقية إن شاء الله ،،،