أبو يوسف
15 Jun 2005, 09:06 PM
مفهوم الدعوة العامة ]
الدعوة "المنسية المهملة"! *
رغم أنها من المفروض أن يطلق عليها: "الدعوة الأساسية الإجبارية.. المؤثرة المثمرة".
فهي "منسية" من الداعي غالبا لخطأ في فهمه، إذ هو قد يعتبر الدعوة إلى الله وإلى إسلامه لا تكون إلا في المسجد فقط، وعن طريق الخطب والدروس والمواعظ فحسب.
وهي "مهملة" غالبا منه.. إما لظنه بعدم جدواها، إذ هو لن يؤثّر فيهم، أو هم قد اعتادوا عليه؛ وهو يعلم – بحكم موروثه القديم - المثل القائل: "زامر الحي لا يُطرِب"، سواء أكان صوابا أو خطأ.. وإما لتوتر العلاقات فيما بينه وبينهم لخلافات أسرية عائلية بسبب من الأسباب، والتي يعتبرها عادية بين كل الأسر والعائلات.. وإما لكونه كان بعيدا عن دينه من قبل وكانوا يعلمون خلقه السيئ السابق فهم فاقدون للثقة فيه.. وإما لصغر سنه بالنسبة لهم فيصعب عليه توجيه من هو أكبر منه سنا ومقاما.. أو نحو ذلك من الأسباب التي تُقعد الداعي عن دعوة أهله.
رغم أنها دعوة "أساسية إجبارية"..
لأنها من الفروض؛ لأن الله تعالى يقول: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ويقول: (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل).
ولأنها أمر يستطيعه كل من أراد أن يدعوا.. فالاستطاعة متوفرة، بل مؤكدة، لأن الداعي لا يبذل جهدا كبيرا، فهو لا ينتقل مثلا من مكان لآخر حيث الذين يدعوهم موجودين بصورة طبيعية "إجبارية" حوله، بل في بيته!! ومتعايشين معه لفترات تطول أو تقصر، ولا يبذل مشقة في التعرف عليهم أو التمهيد للحديث أو التعامل معهم، لأنه سيقابلهم كلهم أو بعضهم بقصد أو بغير قصد على الأقل مرة يوميا أو حتى يوما بعد يوم في أصعب الأحوال، فكل الأجواء مهيّئة، بل أحيانا لا يبذل حتى وقتا! لأنه قد يستخدم مثلا إفشاء السلام لتوصيل بعض أخلاقيات الإسلام سريعا.
ولأنها تدريب للداعي على دعوة الآخرين خارج البيت.. فإذا كان ناجحا معهم فسينجح غالبا في الخارج.. مع جيرانه وبقية أقاربه وأنسابه وزملائه، لأنه بدعوة أهله سيكتسب الخبرة والثقة، وسيساعدونه ولا يعوقونه.. أما إن فشل معهم وهو الذي جزء منهم وهم جزء منه، فإن فرص نجاحه مع غيرهم أقل، إلا استثناءًا.. وسيكون أول ما يصدمه أقوال الآخرين علنا أو سرًا: كيف تدعونا ولم تدع أهلك بعد؟! بل وأنت الفاشل في دعوتهم! أصلحهم قبل أن تصلحنا! أتعالجون غيركم وأنتم الذين تحتاجون إلي علاج؟! أتطفئ نيران الآخرين والنار في بيتك؟!
وهي دعوة "مهمة مؤثرة".. لأن جهودها قليلة ونتائجها كبيرة، فالداعي مع المدعوين الآخرين يستغرق جهودا تحضيرية كثيرة من أجل التعرف عليهم وتعرفهم عليه وثقتهم فيه وحبهم له وإعداد مداخل للحديث أو للتعامل معهم، ويبذل في ذلك جهودا مالية وصحية ووقتية وذهنية وغيرها.. أما مع أسرته والأقارب والأنساب، وأيضا الجيران، وأيضا زملاء عمله ودراسته، فكل هذه الخطوات قبل دعوتهم قد اختصرت، إذ التعارف قائم، بل وثيق، وحنين وحب ورابطة الدم والقرابة الفطري موجود وغالبا ما يكون في ازدياد، وصور التعامل طبيعية وكثيرة من خلال ظروف حياتهم التي تجمعهم والتي من السهل توصيل أخلاقيات الإسلام بما يناسب في كل موقف من مواقفها.. ثم الداعي من المفترض أنه معروف وموثوق فيه لديهم من سابق التعامل معه وكونه قدوة في تعاملاته، ومن المفترض أنه يعرف صفاتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ومشاكلهم وما يفرحهم وما يحزنهم ونحو ذلك مما يمهد لحسن دعوتهم.
أخي الحبيب؛
إن وسائل دعوة الأسرة - وكذلك العائلة والأقارب والجيران والزملاء - كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها.. وسنذكر لك بعضها لتكون مجرد تفتيح للأذهان، ثم تبتكر أنت وكل داع ما يناسب الظروف والأحوال والبيئات والأشخاص كبيرهم وصغيرهم، ومن هذه الوسائل:
1- القدوة والحب:
وهذه وحدها قد تكفيك! ولا تتعجب، فهي كانت الوسيلة الكبرى للرسول صلي الله عليه وسلم
في دعوته لمن حوله، مع قليل من الكلام الودود الرقيق، وتدبر في وصف السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الوحي أول مرة: (أبشر، فوالله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) رواه البخاري ومسلم.. فلو كنت ناجحا سعيدا في حياتك، لكنت خير مثال للإسلام الذي جعلك هكذا بأخلاقك التي نظمت لك كل شئون حياتك صغيرها وكبيرها فأسعدتك وأنجحتك، ولأحبوك وتمنوا أن يكونوا مثلك.. فأنت حسن المظهر، طيب الرائحة، بسَام ضحاك، جذاب الحديث، مثقف، تحسن وتجيد دراستك وعلمك وعملك، واعٍ بما حولك، كثير الخبرات، لديك القدرة على كسب الحلال، صادق أمين محب ودود صبور شكور، وفِيّ بوعودك ومواعيدك، تحفظ لسانك عن كل قول سيء، وتخدمهم وتعينهم وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وتحل مشكلاتهم إن وجدت، وتعطف على صغيرهم وتعرف حق كبيرهم، وتتواضع لهم، وترشدهم لكل ما هو خير وتعينهم على ترك كل ما هو شر؛ وبالجملة، فأنت سعيد في نفسك مسعد لهم مؤثر فيهم قد كسرت القاعدة الخاطئة "زامر الحي لا يطرب" كما كسرها من قبل الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين أثَّروا أول ما أثَّروا في أقاربهم وأصدقائهم وعدلوا المثل إلى: "زامر حيِّنا هو الذي يطربنا"!
2- استغلال أوقات الطعام:
حيث التآلف والتحاب والأحاديث المتنوعة الشيقة المثمرة عن تفاصيل الظروف والأحوال والمشكلات العامة والخاصة وحلولها الإسلامية، والتي من خلالها يتعلمون تدريجيا أن الإسلام ما جاء ليربك حياتهم وإنما لييسرها ويسعدها.. كما يمكن أن يتعلموا أثناءه الذوق والكرم والإيثار والتعاون على تحضيره ورفعه وغسل الأطباق ونحو ذلك من الأخلاقيات الحسنة التي تسعد المتعاملين بها.
لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يستغل وقت الطعام لزرع بعض الصفات ولتعليم بعض الأخلاق، فقال ذات مرة لبعض صحابته وهم يأكلون وهو يأكل معهم: (إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا)، ثم قال: (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها) أخرجه أبو داود.
3- استغلال البرامج الإعلامية الجيدة:
حيث نتعلم جميعا منها آداب الإسلام في الحوار والاستماع لاختيار الأنسب والأصلح والأسعد والأكثر ثوابا، كذلك من خلالها يتم عرض آراء الإسلام وأخلاقياته وقوانينه فيما يعرض بأسلوب مناسب، في الفن والرياضة والسياسة والصحة والعلم والعمل والاقتصاد والتجارة والمال والثقافة والعلاقات الدولية وما شابه ذلك.. ثم من خلالها أيضا يتم نوع من أنواع الترويح الجماعي.. فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم هو وزوجته عائشة يشاهدان الأحباش وعروضهم النزالية في المسجد وهي تسند خدها إلى خده صلي الله عليه وسلم، فيكون هذا فرصة لزيادة الحب بينهم، ونحو ذلك من المنافع.
4- استغلال المناسبات:
السَارَة "كالأعياد، وشهر رمضان، والمواسم الإسلامية، وحفلات الخطبة والزواج وأيام الميلاد، والنجاح الدراسي، والترقي الوظيفي، وغيره"، والحزينة "كعيادة المريض، وغيرها.." استغلالها في التهنئة وتبادل الهدايا والزيارات أو في المواساة.. ففي هذا تواصل للقلوب وتمهيد لها لقبول الإسلام وتعلم أخلاقه والتدريب عليها عمليا في كل مواقف الحياة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم.
5- استغلال العطلات الرسمية والمصايف السنوية المجمعة:
وذلك لمزيد من التعارف والتفاهم والتآخي وتوصيل بعض الأخلاقيات الإسلامية المناسبة لهذه الأوقات، كالاهتمام بالرياضة والسباحة والترويح الحلال الذي ينشط النفوس لمزيد من العمل والإنتاج ملتزما بالضوابط الشرعية أثناء ذلك كالزي وغض البصر وتجنب المحرمات ونحو ذلك.. فلقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم -كما تروي السيرة النبوية- سفرات قصيرة أو طويلة يصطحب فيها بعض زوجاته ومرافقيه، فيتعلمون خلالها فوائد السفر وآدابه وآداب المعاملات والعلاقات الاجتماعية ونحوها.
6- استغلال أوقات الصلوات إن أمكن:
أو حتى صلاة واحدة يوميا.. في الدعاء الجماعي مثلا بعدها، أو في كلمة توجيهية خفيفة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم أحيانا، أو في تذكرة بآية قرآنية أو بحديث نبوي في معنىً من معاني الإسلام ربما لا يزيد عن بضع دقائق منعا للملل أو لتعطيل الأعمال.
7- عقد لقاءات تربوية إن أمكن:
دورية أو غير دورية، أسبوعيا أو حتى شهريا، حسبما تسمح به الظروف والأوقات، فتجتمعون على قراءة قرآن أو تفسير أو حديث أو فقه، أو على كتاب سيرة أو فكر أو ثقافة، أو سماع شريط كاسيت أو فيديو أو برنامج إعلامي جيد أو ما شابه ذلك.. فهذه اللقاءات ستعرّفهم نظريا بالإسلام ليطبقوه بعدها عمليا تدريجيا في كل شئون حياتهم ليسعدوا به في دنياهم وفي آخرتهم.
8- المشاركة في وضع خطة لأهداف البيت وأولوياته، وأهداف أفراده وتطلعاتهم.
كل هذا سيوصل لهم أن الإسلامي يحب الحياة..
المرتبطة بالآخرة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)..
المرتبطة بأننا نعمل كل أعمالنا لأننا نحب ربنا الذي يريد منا فعلها لمصلحتنا ولسعادتنا، ونعملها لأننا نطلب حبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا ثم أعظم ثوابه في الآخرة..
ويعلمهم قواعد الإسلام وضوابطه عند وضع الخطط والأهداف والوسائل، فتكون حلالا بعيدة عن الحرام، نافعة مسعدة للنفس وللغير وللإسلام وللمسلمين ولغيرهم.
هذا، ويمكن عمل صندوق للتكافل الاجتماعي بين الأسرة أو العائلة أو مع الجيران والزملاء، باشتراك شهري رمزي لمعاونة من قد يحتاج.. كذلك يمكن عمل لجنة للإصلاح بين المتخاصمين إن وقع خلاف، لتكون فرصة لتوضيح أسس الإسلام العادلة في سرعة حل الخلافات وإعادة العلاقات كما كانت وأفضل، كما يقول تعالى: (والصلح خير).
أخي الحبيب؛
إن الأهل حول الداعي يكاد يهتف كل واحد منهم أن ادعوني للإسلام! فها أنا أمامك وفي انتظارك! ودعوتهم سهلة ميسرة ممهد لها مضمونة نتائجها وهي أعظم مما يبذل فيها، ووسائلها يمكن تطويرها.. فلعل الداعي ينتبه ويهتم بهم.
ولا حجة له بأنه "مشغول"! فدعوتهم هي الفرض والأساس، والقيام بها يسقط الفرض عن كل داع "مشغول" رغم أنفه! وسيثاب أيضا أعظم الثواب رغم أنفه!
أخي الحبيب؛
بهذه الوسائل البسيطة العميقة التدريجية البعيدة المدى - وغيرها الكثير والتي سيبتكر فيها من أراد الابتكار -، وبالصبر والأمل والدعاء؛ سيحدث التغيير بإذن الله، وستجد من لا يصلي سيصلي، وغير المحجبة تتحجب، والعاق بوالديه بارا بهما، والقاطع لرحمه واصلا لهم، والعنيد ليِّنًا، والعصبي هادئا، والبخيل كريما، والأناني متعاونا، والمتكبر متواضعا.. فتسعد الحياة كلها بهذه الأخلاق الحسنة وتسعد الآخرة بالاتصال بالله وبالإسلام وبالدعوة إليهما، وسيكون لكل داع ثوابه العظيم كما يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
وفقك الله وأعانك ولا تنسنا من صالح دعائك.
* منقول من موقع إسلام أون لاين مع تصرف يسير.
__________________
لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة
الدعوة "المنسية المهملة"! *
رغم أنها من المفروض أن يطلق عليها: "الدعوة الأساسية الإجبارية.. المؤثرة المثمرة".
فهي "منسية" من الداعي غالبا لخطأ في فهمه، إذ هو قد يعتبر الدعوة إلى الله وإلى إسلامه لا تكون إلا في المسجد فقط، وعن طريق الخطب والدروس والمواعظ فحسب.
وهي "مهملة" غالبا منه.. إما لظنه بعدم جدواها، إذ هو لن يؤثّر فيهم، أو هم قد اعتادوا عليه؛ وهو يعلم – بحكم موروثه القديم - المثل القائل: "زامر الحي لا يُطرِب"، سواء أكان صوابا أو خطأ.. وإما لتوتر العلاقات فيما بينه وبينهم لخلافات أسرية عائلية بسبب من الأسباب، والتي يعتبرها عادية بين كل الأسر والعائلات.. وإما لكونه كان بعيدا عن دينه من قبل وكانوا يعلمون خلقه السيئ السابق فهم فاقدون للثقة فيه.. وإما لصغر سنه بالنسبة لهم فيصعب عليه توجيه من هو أكبر منه سنا ومقاما.. أو نحو ذلك من الأسباب التي تُقعد الداعي عن دعوة أهله.
رغم أنها دعوة "أساسية إجبارية"..
لأنها من الفروض؛ لأن الله تعالى يقول: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ويقول: (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل).
ولأنها أمر يستطيعه كل من أراد أن يدعوا.. فالاستطاعة متوفرة، بل مؤكدة، لأن الداعي لا يبذل جهدا كبيرا، فهو لا ينتقل مثلا من مكان لآخر حيث الذين يدعوهم موجودين بصورة طبيعية "إجبارية" حوله، بل في بيته!! ومتعايشين معه لفترات تطول أو تقصر، ولا يبذل مشقة في التعرف عليهم أو التمهيد للحديث أو التعامل معهم، لأنه سيقابلهم كلهم أو بعضهم بقصد أو بغير قصد على الأقل مرة يوميا أو حتى يوما بعد يوم في أصعب الأحوال، فكل الأجواء مهيّئة، بل أحيانا لا يبذل حتى وقتا! لأنه قد يستخدم مثلا إفشاء السلام لتوصيل بعض أخلاقيات الإسلام سريعا.
ولأنها تدريب للداعي على دعوة الآخرين خارج البيت.. فإذا كان ناجحا معهم فسينجح غالبا في الخارج.. مع جيرانه وبقية أقاربه وأنسابه وزملائه، لأنه بدعوة أهله سيكتسب الخبرة والثقة، وسيساعدونه ولا يعوقونه.. أما إن فشل معهم وهو الذي جزء منهم وهم جزء منه، فإن فرص نجاحه مع غيرهم أقل، إلا استثناءًا.. وسيكون أول ما يصدمه أقوال الآخرين علنا أو سرًا: كيف تدعونا ولم تدع أهلك بعد؟! بل وأنت الفاشل في دعوتهم! أصلحهم قبل أن تصلحنا! أتعالجون غيركم وأنتم الذين تحتاجون إلي علاج؟! أتطفئ نيران الآخرين والنار في بيتك؟!
وهي دعوة "مهمة مؤثرة".. لأن جهودها قليلة ونتائجها كبيرة، فالداعي مع المدعوين الآخرين يستغرق جهودا تحضيرية كثيرة من أجل التعرف عليهم وتعرفهم عليه وثقتهم فيه وحبهم له وإعداد مداخل للحديث أو للتعامل معهم، ويبذل في ذلك جهودا مالية وصحية ووقتية وذهنية وغيرها.. أما مع أسرته والأقارب والأنساب، وأيضا الجيران، وأيضا زملاء عمله ودراسته، فكل هذه الخطوات قبل دعوتهم قد اختصرت، إذ التعارف قائم، بل وثيق، وحنين وحب ورابطة الدم والقرابة الفطري موجود وغالبا ما يكون في ازدياد، وصور التعامل طبيعية وكثيرة من خلال ظروف حياتهم التي تجمعهم والتي من السهل توصيل أخلاقيات الإسلام بما يناسب في كل موقف من مواقفها.. ثم الداعي من المفترض أنه معروف وموثوق فيه لديهم من سابق التعامل معه وكونه قدوة في تعاملاته، ومن المفترض أنه يعرف صفاتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ومشاكلهم وما يفرحهم وما يحزنهم ونحو ذلك مما يمهد لحسن دعوتهم.
أخي الحبيب؛
إن وسائل دعوة الأسرة - وكذلك العائلة والأقارب والجيران والزملاء - كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها.. وسنذكر لك بعضها لتكون مجرد تفتيح للأذهان، ثم تبتكر أنت وكل داع ما يناسب الظروف والأحوال والبيئات والأشخاص كبيرهم وصغيرهم، ومن هذه الوسائل:
1- القدوة والحب:
وهذه وحدها قد تكفيك! ولا تتعجب، فهي كانت الوسيلة الكبرى للرسول صلي الله عليه وسلم
في دعوته لمن حوله، مع قليل من الكلام الودود الرقيق، وتدبر في وصف السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الوحي أول مرة: (أبشر، فوالله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) رواه البخاري ومسلم.. فلو كنت ناجحا سعيدا في حياتك، لكنت خير مثال للإسلام الذي جعلك هكذا بأخلاقك التي نظمت لك كل شئون حياتك صغيرها وكبيرها فأسعدتك وأنجحتك، ولأحبوك وتمنوا أن يكونوا مثلك.. فأنت حسن المظهر، طيب الرائحة، بسَام ضحاك، جذاب الحديث، مثقف، تحسن وتجيد دراستك وعلمك وعملك، واعٍ بما حولك، كثير الخبرات، لديك القدرة على كسب الحلال، صادق أمين محب ودود صبور شكور، وفِيّ بوعودك ومواعيدك، تحفظ لسانك عن كل قول سيء، وتخدمهم وتعينهم وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وتحل مشكلاتهم إن وجدت، وتعطف على صغيرهم وتعرف حق كبيرهم، وتتواضع لهم، وترشدهم لكل ما هو خير وتعينهم على ترك كل ما هو شر؛ وبالجملة، فأنت سعيد في نفسك مسعد لهم مؤثر فيهم قد كسرت القاعدة الخاطئة "زامر الحي لا يطرب" كما كسرها من قبل الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين أثَّروا أول ما أثَّروا في أقاربهم وأصدقائهم وعدلوا المثل إلى: "زامر حيِّنا هو الذي يطربنا"!
2- استغلال أوقات الطعام:
حيث التآلف والتحاب والأحاديث المتنوعة الشيقة المثمرة عن تفاصيل الظروف والأحوال والمشكلات العامة والخاصة وحلولها الإسلامية، والتي من خلالها يتعلمون تدريجيا أن الإسلام ما جاء ليربك حياتهم وإنما لييسرها ويسعدها.. كما يمكن أن يتعلموا أثناءه الذوق والكرم والإيثار والتعاون على تحضيره ورفعه وغسل الأطباق ونحو ذلك من الأخلاقيات الحسنة التي تسعد المتعاملين بها.
لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يستغل وقت الطعام لزرع بعض الصفات ولتعليم بعض الأخلاق، فقال ذات مرة لبعض صحابته وهم يأكلون وهو يأكل معهم: (إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا)، ثم قال: (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها) أخرجه أبو داود.
3- استغلال البرامج الإعلامية الجيدة:
حيث نتعلم جميعا منها آداب الإسلام في الحوار والاستماع لاختيار الأنسب والأصلح والأسعد والأكثر ثوابا، كذلك من خلالها يتم عرض آراء الإسلام وأخلاقياته وقوانينه فيما يعرض بأسلوب مناسب، في الفن والرياضة والسياسة والصحة والعلم والعمل والاقتصاد والتجارة والمال والثقافة والعلاقات الدولية وما شابه ذلك.. ثم من خلالها أيضا يتم نوع من أنواع الترويح الجماعي.. فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم هو وزوجته عائشة يشاهدان الأحباش وعروضهم النزالية في المسجد وهي تسند خدها إلى خده صلي الله عليه وسلم، فيكون هذا فرصة لزيادة الحب بينهم، ونحو ذلك من المنافع.
4- استغلال المناسبات:
السَارَة "كالأعياد، وشهر رمضان، والمواسم الإسلامية، وحفلات الخطبة والزواج وأيام الميلاد، والنجاح الدراسي، والترقي الوظيفي، وغيره"، والحزينة "كعيادة المريض، وغيرها.." استغلالها في التهنئة وتبادل الهدايا والزيارات أو في المواساة.. ففي هذا تواصل للقلوب وتمهيد لها لقبول الإسلام وتعلم أخلاقه والتدريب عليها عمليا في كل مواقف الحياة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم.
5- استغلال العطلات الرسمية والمصايف السنوية المجمعة:
وذلك لمزيد من التعارف والتفاهم والتآخي وتوصيل بعض الأخلاقيات الإسلامية المناسبة لهذه الأوقات، كالاهتمام بالرياضة والسباحة والترويح الحلال الذي ينشط النفوس لمزيد من العمل والإنتاج ملتزما بالضوابط الشرعية أثناء ذلك كالزي وغض البصر وتجنب المحرمات ونحو ذلك.. فلقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم -كما تروي السيرة النبوية- سفرات قصيرة أو طويلة يصطحب فيها بعض زوجاته ومرافقيه، فيتعلمون خلالها فوائد السفر وآدابه وآداب المعاملات والعلاقات الاجتماعية ونحوها.
6- استغلال أوقات الصلوات إن أمكن:
أو حتى صلاة واحدة يوميا.. في الدعاء الجماعي مثلا بعدها، أو في كلمة توجيهية خفيفة كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم أحيانا، أو في تذكرة بآية قرآنية أو بحديث نبوي في معنىً من معاني الإسلام ربما لا يزيد عن بضع دقائق منعا للملل أو لتعطيل الأعمال.
7- عقد لقاءات تربوية إن أمكن:
دورية أو غير دورية، أسبوعيا أو حتى شهريا، حسبما تسمح به الظروف والأوقات، فتجتمعون على قراءة قرآن أو تفسير أو حديث أو فقه، أو على كتاب سيرة أو فكر أو ثقافة، أو سماع شريط كاسيت أو فيديو أو برنامج إعلامي جيد أو ما شابه ذلك.. فهذه اللقاءات ستعرّفهم نظريا بالإسلام ليطبقوه بعدها عمليا تدريجيا في كل شئون حياتهم ليسعدوا به في دنياهم وفي آخرتهم.
8- المشاركة في وضع خطة لأهداف البيت وأولوياته، وأهداف أفراده وتطلعاتهم.
كل هذا سيوصل لهم أن الإسلامي يحب الحياة..
المرتبطة بالآخرة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)..
المرتبطة بأننا نعمل كل أعمالنا لأننا نحب ربنا الذي يريد منا فعلها لمصلحتنا ولسعادتنا، ونعملها لأننا نطلب حبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا ثم أعظم ثوابه في الآخرة..
ويعلمهم قواعد الإسلام وضوابطه عند وضع الخطط والأهداف والوسائل، فتكون حلالا بعيدة عن الحرام، نافعة مسعدة للنفس وللغير وللإسلام وللمسلمين ولغيرهم.
هذا، ويمكن عمل صندوق للتكافل الاجتماعي بين الأسرة أو العائلة أو مع الجيران والزملاء، باشتراك شهري رمزي لمعاونة من قد يحتاج.. كذلك يمكن عمل لجنة للإصلاح بين المتخاصمين إن وقع خلاف، لتكون فرصة لتوضيح أسس الإسلام العادلة في سرعة حل الخلافات وإعادة العلاقات كما كانت وأفضل، كما يقول تعالى: (والصلح خير).
أخي الحبيب؛
إن الأهل حول الداعي يكاد يهتف كل واحد منهم أن ادعوني للإسلام! فها أنا أمامك وفي انتظارك! ودعوتهم سهلة ميسرة ممهد لها مضمونة نتائجها وهي أعظم مما يبذل فيها، ووسائلها يمكن تطويرها.. فلعل الداعي ينتبه ويهتم بهم.
ولا حجة له بأنه "مشغول"! فدعوتهم هي الفرض والأساس، والقيام بها يسقط الفرض عن كل داع "مشغول" رغم أنفه! وسيثاب أيضا أعظم الثواب رغم أنفه!
أخي الحبيب؛
بهذه الوسائل البسيطة العميقة التدريجية البعيدة المدى - وغيرها الكثير والتي سيبتكر فيها من أراد الابتكار -، وبالصبر والأمل والدعاء؛ سيحدث التغيير بإذن الله، وستجد من لا يصلي سيصلي، وغير المحجبة تتحجب، والعاق بوالديه بارا بهما، والقاطع لرحمه واصلا لهم، والعنيد ليِّنًا، والعصبي هادئا، والبخيل كريما، والأناني متعاونا، والمتكبر متواضعا.. فتسعد الحياة كلها بهذه الأخلاق الحسنة وتسعد الآخرة بالاتصال بالله وبالإسلام وبالدعوة إليهما، وسيكون لكل داع ثوابه العظيم كما يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
وفقك الله وأعانك ولا تنسنا من صالح دعائك.
* منقول من موقع إسلام أون لاين مع تصرف يسير.
__________________
لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة