ألام الفراق
16 Jun 2005, 11:48 PM
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً .
أما بعد فإن الدماء التي تصيب المرأة وهي الحيض والاستحاضة والنفاس من الأمور الهامة التي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها وأن يكون الاعتماد فيما يرجح من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة
1. لأنهما المصدران الأساسيان اللذان تبنى عليهما أحكام الله تعالى التي تعبّدَ بها عباده وكلفهم بها.
2. ولأن في الاعتماد على الكتاب والسنة طمأنينة القلب وانشراح الصدر وطيب النفس وبراءة الذمة.
3. ولأن ما عداهما فإنما يحتج له ولا يحتج به.
إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح بشرط أن لا يكون في الكتاب والسنة ما يخالفه وأن لا يعارضه قول صحابي آخر فإن كان في الكتاب والسنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسنة وإن عارضه قول صحابي آخر طلب الترجيح بين القولين وأخذ بالراجح منها لقوله تعالى: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً)). النساء آية 95
وهذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان هذه الدماء وأحكامها وتشتمل على الفصول الآتية:-
الفصل الأول في معنى الحيض وحكمته.
الفصل الثاني في زمن الحيض ومدته.
الفصل الثالث قي الطوارئ على الحيض.
الفصل الخامس في الاستحاضة وأحكامها.
الفصل السادس في النفاس وأحكامه.
الفصل السابع في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه.
الفصل الأول
في معنى الحيض وحكمته
الحيض لغة: سَيَلان الشيء وجريانه وفي الشرع: دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سبب في أوقات معلومة. فهو دم طبيعي ليس له من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة. وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوّها. ولذلك تختلف فيه النساء اختلافاً متبايناً ظاهراً .
والحكمة فيه أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى به من كان خارج البطن ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئاً من الغذاء حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى افرزات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون الحاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه من طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى به فتبارك الله أحسن الخالقين. فهذه هي الحكمة في هذا الحيض ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها فلا تحيض إلا نادراً. وكذلك المراضع يقل من تحيض منهن لا سيما في أول زمن الرضاع.
الفصل الثاني
في زمن الحيض ومدته
الكلام في هذا الفصل في مقامين:
المقام الأول في السن الذي يأتي فيه الحيض.
المقام الثاني في مدة الحيض.
1- فأما المقام الأول: فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثني عشرة سنة إلى خمسين سنة وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها. وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل للسن الذي يتأتى فيه الحيض حد معين بحيث لا تحيض الأنثى لا قبله ولا بعده وأن ما يأتيها قبله أو بعده هو دم فساد لا حيض اختلف العلماء في ذلك. قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات كل هذا عندي خطأ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود فأي قدر وجد في أي حال وسن وجب جعله حيضاً والله أعلم. وهذا الذي قاله الدارمي هو الصواب وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فمتى رأت الأنثى الحيض في حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين سنة وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده ولم يحدد الله ورسوله لذلك سنا معيناً فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علقت الأحكام عليه وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب والسنة ولا دليل في ذلك.
2- وأما المقام الثاني: وهو مدة الحيض أي مقدار زمنه فقد اختلف فيه العلماء اختلافاً كبيراً على نحو ستة أقوال أو سبعة. قال ابن المنذر وقال طائفة ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام قلت وهذا القول كقول الدارمي السابق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب لأنه يدل عليه الكتاب والسنةوالاعتبار.
فالدليل الأول قوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة آية 222 فجعل الله غاية المنع هي الطهر ولم يجعل الغاية مضي يوم وليلة ولا ثلاثة أيام ولا خمسة عشر يوماً فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً فمتى وجد الحيض ثبت الحكم ومتى طهرت منه زالت أحكامه.
الدليل الثاني ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد حاضت وهي محرمة بالعمرة: ((افعلى ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري قالت: فلما كان يوم النحر طهرت)). (الحديث). وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انتطري فإذا طهرتِ فاخرجي إلى التنعيم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم غاية المنع الطهر ولم يجعل الغاية زمنا معيناً فدل هذا على أن الحكم يتعلق بالحيض وجوداً وعدماً.
الدليل الثالث أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينهما الله ورسوله بياناً ظاهراً لكل أحد لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها والزكاة أموالها وأنصباءها ومقدارها مصرفها والصيام مدته وزمنه والحج وما دون ذلك حتى آداب الأكل والشرب والنوم والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها مما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على المؤمنين كما قال تعالى: (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)). النحل آية 89 وقال تعالى: (( ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء)). يوسف أية 111.
فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله و لا في سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم تبين أن لا تعويل عليها وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي عُلّقت عليه الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً وهذا الدليل أعني أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة دليل على عدم اعتباره ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم لأن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع معلوم أو قياس صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له: ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ولا الطّهر بين الحيضَتَين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه واللغة لا تفرق بين قدر وقدر في ذلك فمن قدر في ذلك فقد خالف الكتاب والسنة. انتهى كلامه
الدليل الرابع الاعتبار. أي القياس الصحيح المطرد وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى فمتى وجد الحيض فالأذى موجود لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول ولا بين الرابع والثالث ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر و لابين الثامن عشر والسابع عشر فالحيض هو الحيض والأذى هو الأذى فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة؟ أليس هذا خلاف القياس الصحيح؟ أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة؟.
الدليل الخامس اختلاف أقوال المحددين واضطرابها فإن ذلك يدل على أنه ليس في المسألة دليل يجبُ المصير إليه وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر والمرجع قوة القول أنه لا حد لأقل الحيض ولا أكثره وأنه القول الراجح فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع أبداً أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر فيكون استحاضة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة. وقال أيضاً فما وقع من دم فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح . اهـ
وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل فهو أيضاً أقرب فهما وإدراكاً وأيسر عملاً وتطبيقاً مما ذكره المحددون وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته وهي اليسر والسهولة قال الله تعالى ((ح وما جعل عليكم في الدين من حرج )). وقال صلى الله عليه وسلم: (( إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا)). رواه البخاري. وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
حيض الحامل الغالب الكثير أن الأنثى إذا حملت انقطع الدم عنها قال الإمام أحمد رحمه الله إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم. فإذا رأت الحامل الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين أو الثلاثة ومعه طلق فهو نفاس وإن كان قبل الطلق بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس لكن هل يكون حيضاً تثبت له أحكام الحيض أو يكون دم فساد لا يحكم له بأحكام الحيض؟
في هذا خلاف بين أهل العلم.
والصواب أنه حيض إذا كان على الوجه المعتاد في حيضتها لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيض إذا لم يكن له سبب يمنع من كونه حيضاً وليس في الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل.
وهذا هو مذهب مالك والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال في "الاختيارات" ص 30 وحكاه البيهقي رواية عن أحمد بل حكى أنه رجع إليه اهـ. وعلى هذا فيثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين:
الأولى : الطلاق فيحرم طلاق من تلزمهما عدمة حال الحيض في غير الحامل ولا يحرم في الحامل لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى: (( فطلقوهن لعدتهن)) الطلاق آية 1 أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها سواء كانت حائضاً أم طاهراً لأن عدتها بالحمل ولذلك لا يحرم عليه طلاقها بعد الجماع بخلاف غيرها. المسألة الثانية: أن حيض الحامل لا تنقضي به عدة بخلاف حيض غيرها لأن عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل سواء كانت تحيض أم لا لقوله تعالى: (( وأولات الأحمال أجلهن حتى يضعن حملهن)). الطلاق آية 4
متبع
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً .
أما بعد فإن الدماء التي تصيب المرأة وهي الحيض والاستحاضة والنفاس من الأمور الهامة التي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها وأن يكون الاعتماد فيما يرجح من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة
1. لأنهما المصدران الأساسيان اللذان تبنى عليهما أحكام الله تعالى التي تعبّدَ بها عباده وكلفهم بها.
2. ولأن في الاعتماد على الكتاب والسنة طمأنينة القلب وانشراح الصدر وطيب النفس وبراءة الذمة.
3. ولأن ما عداهما فإنما يحتج له ولا يحتج به.
إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح بشرط أن لا يكون في الكتاب والسنة ما يخالفه وأن لا يعارضه قول صحابي آخر فإن كان في الكتاب والسنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسنة وإن عارضه قول صحابي آخر طلب الترجيح بين القولين وأخذ بالراجح منها لقوله تعالى: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً)). النساء آية 95
وهذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان هذه الدماء وأحكامها وتشتمل على الفصول الآتية:-
الفصل الأول في معنى الحيض وحكمته.
الفصل الثاني في زمن الحيض ومدته.
الفصل الثالث قي الطوارئ على الحيض.
الفصل الخامس في الاستحاضة وأحكامها.
الفصل السادس في النفاس وأحكامه.
الفصل السابع في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه.
الفصل الأول
في معنى الحيض وحكمته
الحيض لغة: سَيَلان الشيء وجريانه وفي الشرع: دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سبب في أوقات معلومة. فهو دم طبيعي ليس له من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة. وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوّها. ولذلك تختلف فيه النساء اختلافاً متبايناً ظاهراً .
والحكمة فيه أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى به من كان خارج البطن ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئاً من الغذاء حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى افرزات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون الحاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه من طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى به فتبارك الله أحسن الخالقين. فهذه هي الحكمة في هذا الحيض ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها فلا تحيض إلا نادراً. وكذلك المراضع يقل من تحيض منهن لا سيما في أول زمن الرضاع.
الفصل الثاني
في زمن الحيض ومدته
الكلام في هذا الفصل في مقامين:
المقام الأول في السن الذي يأتي فيه الحيض.
المقام الثاني في مدة الحيض.
1- فأما المقام الأول: فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثني عشرة سنة إلى خمسين سنة وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها. وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل للسن الذي يتأتى فيه الحيض حد معين بحيث لا تحيض الأنثى لا قبله ولا بعده وأن ما يأتيها قبله أو بعده هو دم فساد لا حيض اختلف العلماء في ذلك. قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات كل هذا عندي خطأ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود فأي قدر وجد في أي حال وسن وجب جعله حيضاً والله أعلم. وهذا الذي قاله الدارمي هو الصواب وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فمتى رأت الأنثى الحيض في حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين سنة وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده ولم يحدد الله ورسوله لذلك سنا معيناً فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علقت الأحكام عليه وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب والسنة ولا دليل في ذلك.
2- وأما المقام الثاني: وهو مدة الحيض أي مقدار زمنه فقد اختلف فيه العلماء اختلافاً كبيراً على نحو ستة أقوال أو سبعة. قال ابن المنذر وقال طائفة ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام قلت وهذا القول كقول الدارمي السابق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب لأنه يدل عليه الكتاب والسنةوالاعتبار.
فالدليل الأول قوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة آية 222 فجعل الله غاية المنع هي الطهر ولم يجعل الغاية مضي يوم وليلة ولا ثلاثة أيام ولا خمسة عشر يوماً فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً فمتى وجد الحيض ثبت الحكم ومتى طهرت منه زالت أحكامه.
الدليل الثاني ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد حاضت وهي محرمة بالعمرة: ((افعلى ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري قالت: فلما كان يوم النحر طهرت)). (الحديث). وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انتطري فإذا طهرتِ فاخرجي إلى التنعيم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم غاية المنع الطهر ولم يجعل الغاية زمنا معيناً فدل هذا على أن الحكم يتعلق بالحيض وجوداً وعدماً.
الدليل الثالث أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينهما الله ورسوله بياناً ظاهراً لكل أحد لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها والزكاة أموالها وأنصباءها ومقدارها مصرفها والصيام مدته وزمنه والحج وما دون ذلك حتى آداب الأكل والشرب والنوم والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها مما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على المؤمنين كما قال تعالى: (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)). النحل آية 89 وقال تعالى: (( ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء)). يوسف أية 111.
فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله و لا في سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم تبين أن لا تعويل عليها وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي عُلّقت عليه الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً وهذا الدليل أعني أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة دليل على عدم اعتباره ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم لأن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع معلوم أو قياس صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له: ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ولا الطّهر بين الحيضَتَين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه واللغة لا تفرق بين قدر وقدر في ذلك فمن قدر في ذلك فقد خالف الكتاب والسنة. انتهى كلامه
الدليل الرابع الاعتبار. أي القياس الصحيح المطرد وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى فمتى وجد الحيض فالأذى موجود لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول ولا بين الرابع والثالث ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر و لابين الثامن عشر والسابع عشر فالحيض هو الحيض والأذى هو الأذى فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة؟ أليس هذا خلاف القياس الصحيح؟ أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة؟.
الدليل الخامس اختلاف أقوال المحددين واضطرابها فإن ذلك يدل على أنه ليس في المسألة دليل يجبُ المصير إليه وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر والمرجع قوة القول أنه لا حد لأقل الحيض ولا أكثره وأنه القول الراجح فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع أبداً أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر فيكون استحاضة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة. وقال أيضاً فما وقع من دم فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح . اهـ
وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل فهو أيضاً أقرب فهما وإدراكاً وأيسر عملاً وتطبيقاً مما ذكره المحددون وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته وهي اليسر والسهولة قال الله تعالى ((ح وما جعل عليكم في الدين من حرج )). وقال صلى الله عليه وسلم: (( إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا)). رواه البخاري. وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
حيض الحامل الغالب الكثير أن الأنثى إذا حملت انقطع الدم عنها قال الإمام أحمد رحمه الله إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم. فإذا رأت الحامل الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين أو الثلاثة ومعه طلق فهو نفاس وإن كان قبل الطلق بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس لكن هل يكون حيضاً تثبت له أحكام الحيض أو يكون دم فساد لا يحكم له بأحكام الحيض؟
في هذا خلاف بين أهل العلم.
والصواب أنه حيض إذا كان على الوجه المعتاد في حيضتها لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيض إذا لم يكن له سبب يمنع من كونه حيضاً وليس في الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل.
وهذا هو مذهب مالك والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال في "الاختيارات" ص 30 وحكاه البيهقي رواية عن أحمد بل حكى أنه رجع إليه اهـ. وعلى هذا فيثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين:
الأولى : الطلاق فيحرم طلاق من تلزمهما عدمة حال الحيض في غير الحامل ولا يحرم في الحامل لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى: (( فطلقوهن لعدتهن)) الطلاق آية 1 أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها سواء كانت حائضاً أم طاهراً لأن عدتها بالحمل ولذلك لا يحرم عليه طلاقها بعد الجماع بخلاف غيرها. المسألة الثانية: أن حيض الحامل لا تنقضي به عدة بخلاف حيض غيرها لأن عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل سواء كانت تحيض أم لا لقوله تعالى: (( وأولات الأحمال أجلهن حتى يضعن حملهن)). الطلاق آية 4
متبع