طالب الحق
22 Jun 2005, 02:13 AM
أُمّةُ المِليارِ مِليارُ أُمّة!!
سلمان بن فهد العودة 11/5/1426 18/06/2005
عاشت أمتنا قروناً تنيّف على العشرة، وهي واسطة عقد الزمان، مجدها في الجوزاء أو أعلى، ونورها كالشمس أو أجلى، الجناب مهيب، والراية خفّاقة، والكلمة مدوّية.
وما برح الزمـانُ يــدورُ حتى مضى بالمجـد قومٌ آخرونـا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي وقـد عاشـوا أئمتَـه سنينا
وآلـمـني وآلـم كــلَّ حـرٍ سؤالُ الدهر: أين المسلمونا؟
وهي اليوم بعد عقود من الهوان والتخلف وتراجع دورها الحضاري تبحث عن مخرج. إن بناء الأمم هدف شريف، ينشده المصلحون، ويبذلون جهدهم وعرقهم ودمهم لتحقيقه. وصناعة الإنسان هي الهدف الأول في منظومة الإصلاح الأممي، والركيزة الأساس التي تُعقد عليها الآمال، وتُناط بها التطلعات. ومحال على أمة تعاني في ذاتها من الأدواء المريرة، والعلل المستعصية أن تكون قادرة على مدِّ يدِها إلى الآخرين بالنور والهداية والعلاج الناجع. والعكوف على إصلاح حال الأمة هو المدرج لتحقيق خيريّتها، وإعادة اعتبارها، وجعلها في مقام القدوة؛ فرقيّنا العلمي والعملي هو السبيل لقدرتنا على إصلاح العالم. إن من غايات هذا الدين العظيمة الحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها من التهتّك والتمزّق والشتات. إن هذه الغاية الشريفة (اجتماع الكلمة) ينبغي أن تكون محلّ اتفاق راسخ من قبل كل من ينتمي لهذه الأمة سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أحزاباً أو دولاً أو غير ذلك. إن الأمّة لا تقبل تنازعاً ولا تفاوضاً ولا مساومة في أمر يُعدّ سراً من أسرار البقاء، والصدارة على أمم الأرض. والانتماءات الفرعيّة لا يجوز أن تكون على حساب الانتماء الأعظم ولا أن تكون انشقاقاً أو شغباً عليه.
كل شعب قام يبني نهضةً أرى بنيـانَكم منقــسما
في قديم الدهر كنتم أمةً لهف نفسي!! كيف صرتم أُمما؟!
إن معرفة ( قواعد توحيد الكلمة) ومن ثم تنزيلها على أرض الواقع يصنع صفاءً في النفوس، وجمالاً في الأخلاق، وإشراقاً في الوجوه، ونجاحاً في العمل، وتذويباً للمشكلات العالقة، ودفعاً للنوائب الحادثة. إنه هدف سامٍ وسبب رئيس لصناعة الأمم العظيمة التي تستطيع تجرّع الغصص، وتحمّل عظائم الأمور؛ حفاظاً على ريادتها ومسؤوليتها. إن الاجتماع من شعائر ديننا الحنيف؛ فالصلاة والاجتماع عليها في الفرائض وغيرها، والاحتشاد خلف إمام واحد، والحج الذي تحتشد له الأشتات من كل فجّ عميق، تزدحم بهم الرحاب بلباس واحد، وهتاف واحد. بل حتى في السفر دعاء للاجتماع؛ فالرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ .. رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم. وفي الحديث الصحيح يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- داعياً للوحدة ومحذراً من الفرقة: فيما رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ». فمتى فُتح المجال لجرثومة الفرقة وفيروس الاختلاف؛ فإن العاقبة مخيفة، والثمن مدفوع من قوة الأمة وجهدها، والدافع له غالباً هو ضعف النفوس وفساد الأخلاق، والطمع في الجاه والمال والرياسة. ويقيني أننا بحاجة لا تُؤجّل لأن نغرس في نشئنا الصاعد حبَّ الوحدة والاجتماع، والنفور من الفرقة، والاحتفال بقضايا الاتفاق وإبرازها، وتحجيم عوامل الفرقة وعزلها، ولن نصنع ذلك ما لم نتغلّب على روح الـ(أنا) الطاغية. فَلْنُعْلِنْها حرباً بلا هوادة على أنانية الفرد، وأنانية الحزب، وأنانية الشعب، ونردد (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103] إننا نتغنى كثيراً بمعاني الأخوة والوحدة؛ فهي شعار الساسة والعلماء والشعراء والوعاظ..
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيــل سيان
وحيثما ذُكــر اسمُ الله في بلــد عددْتُ ذاك الحمى من لبّ أوطاني
وهي هتاف تُبحّ به أصواتُ الجماهير من الخليج إلى المحيط في مناسباتها وأعيادها وأزماتها بيد أن مفهوم (الأمة الواحدة) يتعرض لامتحان عسير أمام تعمّق عوامل النفور والخصام. واستشراء أدواء الفرقة والخلاف، واحتكام الكثيرين إلى الانتماءات العرقية أو الفكرية أو الثقافية الخاصة فلا يجدون أنفسهم إلا بها ومعها وإليها. وحين يكون الحديث عن (الأمة الواحدة) يشعرون بالتلاشي والذوبان والضآلة، فكأنّ الفرد أو الحزب يبحث عن كيانه وذاتيّته وحضوره بالانفصال عن تاريخ الأمة أو دينها وثقافتها، أو واقعها ومعاناتها.
أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِّوى فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ
فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى غِوايَتَهُم وَأَنَّنـي غَيرُ مُهتَــدي
وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت غَوَيتُ وَإِن تَرشُـد غَـزيَّةُ أَرشدِ
هل يُعقل أن يكون الفرد في الأمة أمة وحده في فردانيّته، وتمرّده على روح الفريق والجماعة، واستهتاره بمصالح الأمة العليا، وإيثاره لمصلحته الذاتية؟! ها هنا السر العظيم بين مثل هذه الحالة الانشقاقيّة القاتلة، وبين وصف الله تعالى لإبراهيم عليه السلام أنه كان (أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: من الآية120]. كان في مقام أمة بعلمه، وصدقه، ودعوته، وعمله
كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمَِ ولكنه كان شديد الاندماج، والقرب، والصلة بكل الحنفاء في عهده، ومن قبله، ومن بعده. دعنا نعيش في الأحلام, وننام ونصحو على أمل برنامج يحفظ وحدة هذه الأمة، ويجمع جهد رجالها وقادتها ومصلحيها على كلمة سواء والله وحده المستعان ولاحول ولا قوة إلا به. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب الحق
سلمان بن فهد العودة 11/5/1426 18/06/2005
عاشت أمتنا قروناً تنيّف على العشرة، وهي واسطة عقد الزمان، مجدها في الجوزاء أو أعلى، ونورها كالشمس أو أجلى، الجناب مهيب، والراية خفّاقة، والكلمة مدوّية.
وما برح الزمـانُ يــدورُ حتى مضى بالمجـد قومٌ آخرونـا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي وقـد عاشـوا أئمتَـه سنينا
وآلـمـني وآلـم كــلَّ حـرٍ سؤالُ الدهر: أين المسلمونا؟
وهي اليوم بعد عقود من الهوان والتخلف وتراجع دورها الحضاري تبحث عن مخرج. إن بناء الأمم هدف شريف، ينشده المصلحون، ويبذلون جهدهم وعرقهم ودمهم لتحقيقه. وصناعة الإنسان هي الهدف الأول في منظومة الإصلاح الأممي، والركيزة الأساس التي تُعقد عليها الآمال، وتُناط بها التطلعات. ومحال على أمة تعاني في ذاتها من الأدواء المريرة، والعلل المستعصية أن تكون قادرة على مدِّ يدِها إلى الآخرين بالنور والهداية والعلاج الناجع. والعكوف على إصلاح حال الأمة هو المدرج لتحقيق خيريّتها، وإعادة اعتبارها، وجعلها في مقام القدوة؛ فرقيّنا العلمي والعملي هو السبيل لقدرتنا على إصلاح العالم. إن من غايات هذا الدين العظيمة الحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها من التهتّك والتمزّق والشتات. إن هذه الغاية الشريفة (اجتماع الكلمة) ينبغي أن تكون محلّ اتفاق راسخ من قبل كل من ينتمي لهذه الأمة سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أحزاباً أو دولاً أو غير ذلك. إن الأمّة لا تقبل تنازعاً ولا تفاوضاً ولا مساومة في أمر يُعدّ سراً من أسرار البقاء، والصدارة على أمم الأرض. والانتماءات الفرعيّة لا يجوز أن تكون على حساب الانتماء الأعظم ولا أن تكون انشقاقاً أو شغباً عليه.
كل شعب قام يبني نهضةً أرى بنيـانَكم منقــسما
في قديم الدهر كنتم أمةً لهف نفسي!! كيف صرتم أُمما؟!
إن معرفة ( قواعد توحيد الكلمة) ومن ثم تنزيلها على أرض الواقع يصنع صفاءً في النفوس، وجمالاً في الأخلاق، وإشراقاً في الوجوه، ونجاحاً في العمل، وتذويباً للمشكلات العالقة، ودفعاً للنوائب الحادثة. إنه هدف سامٍ وسبب رئيس لصناعة الأمم العظيمة التي تستطيع تجرّع الغصص، وتحمّل عظائم الأمور؛ حفاظاً على ريادتها ومسؤوليتها. إن الاجتماع من شعائر ديننا الحنيف؛ فالصلاة والاجتماع عليها في الفرائض وغيرها، والاحتشاد خلف إمام واحد، والحج الذي تحتشد له الأشتات من كل فجّ عميق، تزدحم بهم الرحاب بلباس واحد، وهتاف واحد. بل حتى في السفر دعاء للاجتماع؛ فالرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ .. رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم. وفي الحديث الصحيح يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- داعياً للوحدة ومحذراً من الفرقة: فيما رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ». فمتى فُتح المجال لجرثومة الفرقة وفيروس الاختلاف؛ فإن العاقبة مخيفة، والثمن مدفوع من قوة الأمة وجهدها، والدافع له غالباً هو ضعف النفوس وفساد الأخلاق، والطمع في الجاه والمال والرياسة. ويقيني أننا بحاجة لا تُؤجّل لأن نغرس في نشئنا الصاعد حبَّ الوحدة والاجتماع، والنفور من الفرقة، والاحتفال بقضايا الاتفاق وإبرازها، وتحجيم عوامل الفرقة وعزلها، ولن نصنع ذلك ما لم نتغلّب على روح الـ(أنا) الطاغية. فَلْنُعْلِنْها حرباً بلا هوادة على أنانية الفرد، وأنانية الحزب، وأنانية الشعب، ونردد (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103] إننا نتغنى كثيراً بمعاني الأخوة والوحدة؛ فهي شعار الساسة والعلماء والشعراء والوعاظ..
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيــل سيان
وحيثما ذُكــر اسمُ الله في بلــد عددْتُ ذاك الحمى من لبّ أوطاني
وهي هتاف تُبحّ به أصواتُ الجماهير من الخليج إلى المحيط في مناسباتها وأعيادها وأزماتها بيد أن مفهوم (الأمة الواحدة) يتعرض لامتحان عسير أمام تعمّق عوامل النفور والخصام. واستشراء أدواء الفرقة والخلاف، واحتكام الكثيرين إلى الانتماءات العرقية أو الفكرية أو الثقافية الخاصة فلا يجدون أنفسهم إلا بها ومعها وإليها. وحين يكون الحديث عن (الأمة الواحدة) يشعرون بالتلاشي والذوبان والضآلة، فكأنّ الفرد أو الحزب يبحث عن كيانه وذاتيّته وحضوره بالانفصال عن تاريخ الأمة أو دينها وثقافتها، أو واقعها ومعاناتها.
أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِّوى فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ
فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى غِوايَتَهُم وَأَنَّنـي غَيرُ مُهتَــدي
وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت غَوَيتُ وَإِن تَرشُـد غَـزيَّةُ أَرشدِ
هل يُعقل أن يكون الفرد في الأمة أمة وحده في فردانيّته، وتمرّده على روح الفريق والجماعة، واستهتاره بمصالح الأمة العليا، وإيثاره لمصلحته الذاتية؟! ها هنا السر العظيم بين مثل هذه الحالة الانشقاقيّة القاتلة، وبين وصف الله تعالى لإبراهيم عليه السلام أنه كان (أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: من الآية120]. كان في مقام أمة بعلمه، وصدقه، ودعوته، وعمله
كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمَِ ولكنه كان شديد الاندماج، والقرب، والصلة بكل الحنفاء في عهده، ومن قبله، ومن بعده. دعنا نعيش في الأحلام, وننام ونصحو على أمل برنامج يحفظ وحدة هذه الأمة، ويجمع جهد رجالها وقادتها ومصلحيها على كلمة سواء والله وحده المستعان ولاحول ولا قوة إلا به. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب الحق