لمسة الحنان
26 Jul 2005, 11:26 AM
ســــارة
الإشارة حمراء..والطريق مليء بالسيارت..لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق..تباً لهذه الإشارة إنها طويلة ..ياليتني كنت في الصف الأول ..لكنت قطعتها ..الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حينا آخر...
أضاءت الإشارة خضراء ..ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع ..تحركت السيارات..تجاوزت الأول..كدت أصطدام بالثاني..قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..حاولت أن أسرع..لكنني لم أستطع..
مضى الوقت..وضاع الموعد..ولم أجد الأصدقاء ..لقد ذهبوا..
إلى أين أذهب ؟..احترت في الإجابة..أطلقت زفرة من صدري..ياليتني
كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء..انطلقت أفكر..أيقظني منبه سيارة أخرى..نظرت إلى صاحب السيارة بغضب..وأشرت إليه بيدي..تممهل الدنيا لن تطير..ونسيت حالي قبل دقائق..
قررت أقضي السهرة في البيت..إنها فكرة جيدة..فابنتي الوحيدة مريضة..
والأفضل أن أكون قريبا منها..
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو..نزلت إلى المحل ..اخترت عدة أفلام ..وانطلقت إلى المنزل..
فتحت الباب..ناديت على زوجتي..احضري الشاي والمكسرات..
دخلت إلى الغرفة.."يالها من زوجة معقدة "..الآن ستقول لي :" اتق الله يا أحمد "..لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها..لكنها زوجة مطيعة..طيبة..تشقى من أجل سعادتي..
دخلت ومعها الشاي والمكسرات..ابتسمت في وجهي..قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت..
قلت : نعم..تعالي واجلسي..فرحت وهمت أن تجلس..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز..فانطلقت الموسيقى الصاخبة..
ارخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد..وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة..فهي لا تسمع الموسيقى..
ارتفعت الأصوات في الغرفة..موسيقى..صراخ..ضحكات..وانطلقت أشرب الشاي..وأتناول المكسرات..وعيناي قد تسمرت في شاشة التلفاز..
انتهى الشريط الأول..والشريط الثاني..
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل..
فجاة..مقبض الباب يتحرك ببطء..صرخت : ماذا تريدين ؟..لم أسمع جواباً..انفتح الباب..دخلت ابنتي المريضة..
فاجأني الموقف..سكت برهة ولم أتكلم..
اقتربت مني..نظرت إلي بهدوووء..ثم قالت :اتق الله يا بابا.. اتق الله يا بابا..ثم انصرفت وأغلقت الباب..
ناديتها..سارة..سارة..لم تجيب..انطلقت خلفها..
لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟..
فتحت باب الغرفة..وجدتها سبقتني إلى فراشها..ونامت في حضن أمها..إنها هي..عدت إلى غرفة الجلوس..
أغلقت جهاز الفيديو..صوت ابنتي يملأ الغرفة..اتق الله يا بابا..
اتق الله يا بابا..
قشعريرة سرت في جسدي..تصبب العرق من رأسي..
لاأدري ماذا أصابني..
ماعدت أسمع إلا صوتها..ولا أرى إلاصورتها..كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد..
ترك الصلاة..معاص..دخان..أفلام خليعة..أيقظتني من الغفلة..تسارعت نبضات قلبي..وألقيت بجسدي على الأرض..
حاولت أن أنام..لكنني لم أستطع..مضى الوقت سريعاً..
صور من الماضي استعرضتها أمامي..ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد..اتق الله..اتق الله..وهنا .. ارتفع صوت الأذان..اهتزت جوانحي..ارتعت فرائضي..
رعشة سرت في أطرافي..جعل يردد : "الصلاة خير من النوم "..قلت : صدقت..الصلاة خير من النوم..أوووه..لقد كنت نائما كل هذه السنين..
توضأت وخرجت إلى المسجد..مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه..
كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟
وطيور السماء تقول :مرحبا بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
دخلت المسجد..صليت ركعتين ..وجلست أقرأ القرآن..
تلعثمت في القراءة..منذ زمن لم أقرأ القرآن..
شعرت أن القرآن يسالني : لم هجرتني منذ سنوات..ألست كلام ربك..
أخذت أردد في سورة الزمر ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
إن الله يغفر الذنوب جميعاً )..عجباً...جميعاً..ماأرحم الله بنا..
تمنيت أن أستمر في القراءة..لكن المؤذن..أقام الصلاة..تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس..
وقفت في الصف..وكأنني غريب..
انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس..
عدت إلى المنزل..فتحت باب الغرفة ..ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ..كانتا نائمتين..تركتهما وخرجت إلى العمل..
ليس من عادتي الذهاب مبكرا إلى العمل..إندهش الزملاء بوجودي..انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية..
لم أبال بما يقولون ..تسمرت عيناي على الباب..أنتظر قدوم إبراهيم..
زميلى في المكتب..والذي طالما نصحني..
إنه شخص طيب الأخلاق..حسن المعاملة..
حضر إبراهيم..فقمت من مكاني استقبله..لم يصدق عينيه..سألني : أنت أحمد ؟!!!
قلت نعم..جذبت يده..وقلت : أريد أن أحدثك..
قال : لا بأس نتحدث في المكتب.. قلت :لا ..نذهب الى الأستراحة..
صمت إبراهيم ..وراح يصغي لكلماتي..حدثته بحديث البارحة..
امتلأت عيناه بالدموع..وابتسم ابتسامة عريضه..قال لي :
ذلك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي ..
كان يوم حافلاً بالنشاط والجديه .. رغم إني لم أنام منذ البارحه ..
ابتسامه تعلو وجهي .. تفان في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهوم قال لي :
ما هذا النشاط ؟! .. أجبتهم : إنها صلاة الفجر في المسجد ..
مسكين إبراهيم ..كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوة القلوب ..
مضى وقت ولم أشعر بالتعب والأرهاق ..
قال لي إبراهيم :أحمد ..يجب أن تذهب إلي البيت ..فإنك لم تنم منذ البارحه .. وسأقوم بعملك..
نظرت إلى الساعه ولم يتبق عن صلاة الظهر سوى دقأق ..قررت البقاء ..أذن المؤذن..فسارعت إلى المسجد ..جلست في الصف الأول.. شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة ..بعد الصلاة إنطلقت إلى البيت ..
في الطريق إنتابني شعور بالقلق ..ياترى كيف حال ساره ؟..
شعرت بانقباض ..لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المره طويل .. أزداد الخوف .. رفعت رأسي إلي السماء .. دعوت الله أن يجعل بشفاء ابنتي ..
وصلت البيت .. فتحت الباب.. ناديت جوزتي ..لم أسمع جواباً..
دخلت الغرفه مسرعاً..
زوجتي منطويه على نفسها تبكي..
التفتت إلي ..صرخت وهى تبكي : لقد ماتت ساره ..
لم أتبين ماتقوله ..اندفعت نحو ساره ..ضممتها إلى صدري .. حاولت حملها ..سقطت يدها نحو الأرض جسمها بارد ..كذلك يدها وقدمها..نبضها..أنفاسها..لم أسمع شيئاً..
نظرت إلى وجهها..نور يتلألأ..كأنه كوكب دري..ايقظتها..حركتها..هززتها..
صرخت أمها : سارة..سارة..لقد ماتت..ماتت..وانخرطت في البكاء..لم أصدق ماأرى..كأنه حلم..انهمرت الدموع من عيني..أخذت أشهق..
أنظر إلى وجهها الجميل..وشعرها الناعم..
أقبل فمها الصغير..كأنها تردد الآن : عيب عليك..عيب عليك..يا بابا..
تذكرت أن هذه مصيبة..أخذت أردد..لا حول ولا قوة إلا بالله..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
اتصلت بإبراهيم..قلت له : تعال فوراً..لقد ماتت سارة..
النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي..
انتهين من تغسيلها..لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء..
نادتني زوجتي..
دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير..كدت أسقط على الأرض..تماسكت..
قبلتهاعلى جبينها..
عاهدتها على الثبات حتى الممات..نظرت إلى أمها..فإذا هي زائغة العينين..
شاحبة الوجه..تنتفض..
قلت لها : لاتحزني..فقد ذهبت إلى الجنه بإذن الله.. هناك سنلتقي..فشمري كي تشفع لنا .. ثم قرأت
قوله تعالى (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين )..
بكت الأم وبكيت أنا..
صلينا صلاة الجنازه ..ثم سرنا بها إلى قبرها ..أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي ..
وصلنا المقبرة ..المكان موحش ..مخيف ..توجهنا إلى القبر ..
وقفت على شفير القبر ..هنا سأضع أبنتي ..أمسك ابراهيم بكتفي وقال : أصبر يا أحمد ..نزلت إلى القبر ..
إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً ..ماذا أعددت لهذه لدار
ناداني إبراهيم :أحمد خذ البنت.. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه ..ضممتها .قبلتها ..
ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله ..صففت اللبن ..سددت كل المنافذ ..
خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي ..
أريد أن أخبركم أن بطل قصتنا الأن هو شيخ كبيرا يقتدا به
----
منقول
الإشارة حمراء..والطريق مليء بالسيارت..لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق..تباً لهذه الإشارة إنها طويلة ..ياليتني كنت في الصف الأول ..لكنت قطعتها ..الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حينا آخر...
أضاءت الإشارة خضراء ..ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع ..تحركت السيارات..تجاوزت الأول..كدت أصطدام بالثاني..قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..حاولت أن أسرع..لكنني لم أستطع..
مضى الوقت..وضاع الموعد..ولم أجد الأصدقاء ..لقد ذهبوا..
إلى أين أذهب ؟..احترت في الإجابة..أطلقت زفرة من صدري..ياليتني
كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء..انطلقت أفكر..أيقظني منبه سيارة أخرى..نظرت إلى صاحب السيارة بغضب..وأشرت إليه بيدي..تممهل الدنيا لن تطير..ونسيت حالي قبل دقائق..
قررت أقضي السهرة في البيت..إنها فكرة جيدة..فابنتي الوحيدة مريضة..
والأفضل أن أكون قريبا منها..
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو..نزلت إلى المحل ..اخترت عدة أفلام ..وانطلقت إلى المنزل..
فتحت الباب..ناديت على زوجتي..احضري الشاي والمكسرات..
دخلت إلى الغرفة.."يالها من زوجة معقدة "..الآن ستقول لي :" اتق الله يا أحمد "..لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها..لكنها زوجة مطيعة..طيبة..تشقى من أجل سعادتي..
دخلت ومعها الشاي والمكسرات..ابتسمت في وجهي..قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت..
قلت : نعم..تعالي واجلسي..فرحت وهمت أن تجلس..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز..فانطلقت الموسيقى الصاخبة..
ارخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد..وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة..فهي لا تسمع الموسيقى..
ارتفعت الأصوات في الغرفة..موسيقى..صراخ..ضحكات..وانطلقت أشرب الشاي..وأتناول المكسرات..وعيناي قد تسمرت في شاشة التلفاز..
انتهى الشريط الأول..والشريط الثاني..
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل..
فجاة..مقبض الباب يتحرك ببطء..صرخت : ماذا تريدين ؟..لم أسمع جواباً..انفتح الباب..دخلت ابنتي المريضة..
فاجأني الموقف..سكت برهة ولم أتكلم..
اقتربت مني..نظرت إلي بهدوووء..ثم قالت :اتق الله يا بابا.. اتق الله يا بابا..ثم انصرفت وأغلقت الباب..
ناديتها..سارة..سارة..لم تجيب..انطلقت خلفها..
لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟..
فتحت باب الغرفة..وجدتها سبقتني إلى فراشها..ونامت في حضن أمها..إنها هي..عدت إلى غرفة الجلوس..
أغلقت جهاز الفيديو..صوت ابنتي يملأ الغرفة..اتق الله يا بابا..
اتق الله يا بابا..
قشعريرة سرت في جسدي..تصبب العرق من رأسي..
لاأدري ماذا أصابني..
ماعدت أسمع إلا صوتها..ولا أرى إلاصورتها..كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد..
ترك الصلاة..معاص..دخان..أفلام خليعة..أيقظتني من الغفلة..تسارعت نبضات قلبي..وألقيت بجسدي على الأرض..
حاولت أن أنام..لكنني لم أستطع..مضى الوقت سريعاً..
صور من الماضي استعرضتها أمامي..ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد..اتق الله..اتق الله..وهنا .. ارتفع صوت الأذان..اهتزت جوانحي..ارتعت فرائضي..
رعشة سرت في أطرافي..جعل يردد : "الصلاة خير من النوم "..قلت : صدقت..الصلاة خير من النوم..أوووه..لقد كنت نائما كل هذه السنين..
توضأت وخرجت إلى المسجد..مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه..
كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟
وطيور السماء تقول :مرحبا بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
دخلت المسجد..صليت ركعتين ..وجلست أقرأ القرآن..
تلعثمت في القراءة..منذ زمن لم أقرأ القرآن..
شعرت أن القرآن يسالني : لم هجرتني منذ سنوات..ألست كلام ربك..
أخذت أردد في سورة الزمر ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
إن الله يغفر الذنوب جميعاً )..عجباً...جميعاً..ماأرحم الله بنا..
تمنيت أن أستمر في القراءة..لكن المؤذن..أقام الصلاة..تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس..
وقفت في الصف..وكأنني غريب..
انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس..
عدت إلى المنزل..فتحت باب الغرفة ..ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ..كانتا نائمتين..تركتهما وخرجت إلى العمل..
ليس من عادتي الذهاب مبكرا إلى العمل..إندهش الزملاء بوجودي..انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية..
لم أبال بما يقولون ..تسمرت عيناي على الباب..أنتظر قدوم إبراهيم..
زميلى في المكتب..والذي طالما نصحني..
إنه شخص طيب الأخلاق..حسن المعاملة..
حضر إبراهيم..فقمت من مكاني استقبله..لم يصدق عينيه..سألني : أنت أحمد ؟!!!
قلت نعم..جذبت يده..وقلت : أريد أن أحدثك..
قال : لا بأس نتحدث في المكتب.. قلت :لا ..نذهب الى الأستراحة..
صمت إبراهيم ..وراح يصغي لكلماتي..حدثته بحديث البارحة..
امتلأت عيناه بالدموع..وابتسم ابتسامة عريضه..قال لي :
ذلك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي ..
كان يوم حافلاً بالنشاط والجديه .. رغم إني لم أنام منذ البارحه ..
ابتسامه تعلو وجهي .. تفان في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهوم قال لي :
ما هذا النشاط ؟! .. أجبتهم : إنها صلاة الفجر في المسجد ..
مسكين إبراهيم ..كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوة القلوب ..
مضى وقت ولم أشعر بالتعب والأرهاق ..
قال لي إبراهيم :أحمد ..يجب أن تذهب إلي البيت ..فإنك لم تنم منذ البارحه .. وسأقوم بعملك..
نظرت إلى الساعه ولم يتبق عن صلاة الظهر سوى دقأق ..قررت البقاء ..أذن المؤذن..فسارعت إلى المسجد ..جلست في الصف الأول.. شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة ..بعد الصلاة إنطلقت إلى البيت ..
في الطريق إنتابني شعور بالقلق ..ياترى كيف حال ساره ؟..
شعرت بانقباض ..لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المره طويل .. أزداد الخوف .. رفعت رأسي إلي السماء .. دعوت الله أن يجعل بشفاء ابنتي ..
وصلت البيت .. فتحت الباب.. ناديت جوزتي ..لم أسمع جواباً..
دخلت الغرفه مسرعاً..
زوجتي منطويه على نفسها تبكي..
التفتت إلي ..صرخت وهى تبكي : لقد ماتت ساره ..
لم أتبين ماتقوله ..اندفعت نحو ساره ..ضممتها إلى صدري .. حاولت حملها ..سقطت يدها نحو الأرض جسمها بارد ..كذلك يدها وقدمها..نبضها..أنفاسها..لم أسمع شيئاً..
نظرت إلى وجهها..نور يتلألأ..كأنه كوكب دري..ايقظتها..حركتها..هززتها..
صرخت أمها : سارة..سارة..لقد ماتت..ماتت..وانخرطت في البكاء..لم أصدق ماأرى..كأنه حلم..انهمرت الدموع من عيني..أخذت أشهق..
أنظر إلى وجهها الجميل..وشعرها الناعم..
أقبل فمها الصغير..كأنها تردد الآن : عيب عليك..عيب عليك..يا بابا..
تذكرت أن هذه مصيبة..أخذت أردد..لا حول ولا قوة إلا بالله..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
اتصلت بإبراهيم..قلت له : تعال فوراً..لقد ماتت سارة..
النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي..
انتهين من تغسيلها..لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء..
نادتني زوجتي..
دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير..كدت أسقط على الأرض..تماسكت..
قبلتهاعلى جبينها..
عاهدتها على الثبات حتى الممات..نظرت إلى أمها..فإذا هي زائغة العينين..
شاحبة الوجه..تنتفض..
قلت لها : لاتحزني..فقد ذهبت إلى الجنه بإذن الله.. هناك سنلتقي..فشمري كي تشفع لنا .. ثم قرأت
قوله تعالى (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين )..
بكت الأم وبكيت أنا..
صلينا صلاة الجنازه ..ثم سرنا بها إلى قبرها ..أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي ..
وصلنا المقبرة ..المكان موحش ..مخيف ..توجهنا إلى القبر ..
وقفت على شفير القبر ..هنا سأضع أبنتي ..أمسك ابراهيم بكتفي وقال : أصبر يا أحمد ..نزلت إلى القبر ..
إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً ..ماذا أعددت لهذه لدار
ناداني إبراهيم :أحمد خذ البنت.. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه ..ضممتها .قبلتها ..
ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله ..صففت اللبن ..سددت كل المنافذ ..
خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي ..
أريد أن أخبركم أن بطل قصتنا الأن هو شيخ كبيرا يقتدا به
----
منقول