علي صالح طمبل
01 Aug 2005, 09:07 PM
عروس
هذه الدراسة نقلتها من موقعي الأدبي الخاص www.sudany2002.jeeran.com (http://www.sudany2002.jeeran.com) فعسى أن تنال رضاكم:rose: :rose:
هذه القصيدة تصور موقفاً واحداً بسيطاً , ولكنه موقف في غاية الطرافة وقع بين الراوي وصديقه الذي طلب إليه أن يختار له عروساً , وعرض عليه خيارات عدة لم يعجبه منها شيء سوى الأولى التي كان لسوء حظه أن خطبت لغيره . ولعل هذا لحسن حظها لأن صاحبنا كان سيبحث كعادته عن أي عيب فيها ليتخذه ذريعة لعدم التقدم إليها بالزواج , وكان أن قال في الأولى مبدياً تحسره وحزنه :
سهرتُ الليل من شوق إليها
وطال لنجمه عدي وحصرِي
ولكن يالحظِّي قـيل لمـا
ذهبتُ أريدها خُطِـبتْ لغيرِي
ومن ثم يعرض عليه الراوي (هدى) فيجيب بأنها ذات أخلاق وتربية وتهـذيب , غير أنه يستدرك :
ولكن مالها في الحسن حـظٌ
وهل كأس تطيب بغير خمـرِ
ويحاول أن يغريه بـ (زينب) التي تقلب قلوب العاشقين على الجمر :
فقال وما يفيد الحسـن ما لمْ
تزنه خلائق كالمـاء تسـرِي
وحين يحتج راوي القصة من هذا الرفض المتواتر يحاول صديقه أن يرضيه بأن يطري عليه واصفاً إياه بأنه أعلم بالغواني , ومشبهاً له بأنه كالدرة في كل نحر, فيعود الراوي ليقدم له ما في جعبته كأنه قد رضي بهذا الاطراء , ليقترح عليه (زهراء) التي يشبهها بظبية البانـة التي لاحت بصحراء . و لا ينسى أن يثني على أخلاقها وسلوكياتها :
فقال نعم ولكـن بيت سـوءٍ
وبيت السـوء بالحسنـاء يزرِي
ألم تسمع حديث النـاس عنـهُ
وعن ماضيـه مـن قبر لقبرِ
فقلت وما حديث النـاس إني
رأيتُ الحب لا يرضـى بأسـرِ
ولكنَّ صاحبه ثار معاتباً فلاذ الراوي بالصمت لمَّا بدت علامات الزجر في وجه صاحبه . ومن ثم استرسل :
قلت إذاً (حليمة) قال قبحـاً
لرأيك أشتـري جهـلاً بمهرِ
وما ذهبتْ إلى الكتاب يومـاً
وماقـرأتْ ولو مقـدار سطـرِ
وهنا ضاق به الراوي ذرعاً وعيل صبره , ولكنه تمالك نفسه ليلقي آخر ما جعبته :
وقلت (حياة) قال بها شلـوخٌ
وسلوى قال تلك بغير شعـرِ
وما كان له إلا أن قال :
وقلت اختر إذاً عشراً حسانـاً
وخذ من كل واحـدة بقـدرِ
وصغ منهنَّ واحـدة وخذهـا
إليك قرينـة ما دمـت تدري
وبهذه الخاتمة الساخرة الموحية يدلل الشاعر على أن الكمال البشري غير موجود اطلاقاً ؛ فالكمال لله ـ عزَّ وجلَّ ـ وحده . وقد يجد المرء كثيراً من الفتيات اللائي حباهن الله قدراً من الحسن والجمال ولكنهن لا يعتنين بتثقيف أنفسهن وتحليتها بالأخلاق والقيم . ولتوفيق الحكيم قول في هذا الصدد حيث يرى أن ( المراة التي تأنس في صورتها شيئاً من الملاحة تحسب أنها قد ظفرت بكـل شيء , وتنسي أن جمال الصورة وحده لايكفي , وأن لابد له من الشطر الآخر : جمال النفس . وأنها ما زالت ناقصة أن تزين نفسها بالتثقيف , وأن تحلي روحها بالفضائل)(1)
وكثير من الفتيات المثقفات اللائي يعنين بجمال النفس ينقصهن الاهتمام بالمظهر . وحتى إذا وجدت فتاة جميلة وذات خلق قد لا تكون ذات حسـب ونسب , أو من أسرة لها سمعة طيبة ـ كالمثال الذي طالعناه في القصة ـ ولذلك ذكر الراوي في سخرية أن على صديقه أن يصوغ عشر فتيات على الأقل في واحدة ليصل إلى النموذج الذي يطلبه . وهذا مستحيل بالطبع . .
:rose: :rose: :rose:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ا) توفيق الحكيم (تحت المصباح الأحمر) ـ مكتبة مصر ـ ط 1988م ـ ص135 .
هذه الدراسة نقلتها من موقعي الأدبي الخاص www.sudany2002.jeeran.com (http://www.sudany2002.jeeran.com) فعسى أن تنال رضاكم:rose: :rose:
هذه القصيدة تصور موقفاً واحداً بسيطاً , ولكنه موقف في غاية الطرافة وقع بين الراوي وصديقه الذي طلب إليه أن يختار له عروساً , وعرض عليه خيارات عدة لم يعجبه منها شيء سوى الأولى التي كان لسوء حظه أن خطبت لغيره . ولعل هذا لحسن حظها لأن صاحبنا كان سيبحث كعادته عن أي عيب فيها ليتخذه ذريعة لعدم التقدم إليها بالزواج , وكان أن قال في الأولى مبدياً تحسره وحزنه :
سهرتُ الليل من شوق إليها
وطال لنجمه عدي وحصرِي
ولكن يالحظِّي قـيل لمـا
ذهبتُ أريدها خُطِـبتْ لغيرِي
ومن ثم يعرض عليه الراوي (هدى) فيجيب بأنها ذات أخلاق وتربية وتهـذيب , غير أنه يستدرك :
ولكن مالها في الحسن حـظٌ
وهل كأس تطيب بغير خمـرِ
ويحاول أن يغريه بـ (زينب) التي تقلب قلوب العاشقين على الجمر :
فقال وما يفيد الحسـن ما لمْ
تزنه خلائق كالمـاء تسـرِي
وحين يحتج راوي القصة من هذا الرفض المتواتر يحاول صديقه أن يرضيه بأن يطري عليه واصفاً إياه بأنه أعلم بالغواني , ومشبهاً له بأنه كالدرة في كل نحر, فيعود الراوي ليقدم له ما في جعبته كأنه قد رضي بهذا الاطراء , ليقترح عليه (زهراء) التي يشبهها بظبية البانـة التي لاحت بصحراء . و لا ينسى أن يثني على أخلاقها وسلوكياتها :
فقال نعم ولكـن بيت سـوءٍ
وبيت السـوء بالحسنـاء يزرِي
ألم تسمع حديث النـاس عنـهُ
وعن ماضيـه مـن قبر لقبرِ
فقلت وما حديث النـاس إني
رأيتُ الحب لا يرضـى بأسـرِ
ولكنَّ صاحبه ثار معاتباً فلاذ الراوي بالصمت لمَّا بدت علامات الزجر في وجه صاحبه . ومن ثم استرسل :
قلت إذاً (حليمة) قال قبحـاً
لرأيك أشتـري جهـلاً بمهرِ
وما ذهبتْ إلى الكتاب يومـاً
وماقـرأتْ ولو مقـدار سطـرِ
وهنا ضاق به الراوي ذرعاً وعيل صبره , ولكنه تمالك نفسه ليلقي آخر ما جعبته :
وقلت (حياة) قال بها شلـوخٌ
وسلوى قال تلك بغير شعـرِ
وما كان له إلا أن قال :
وقلت اختر إذاً عشراً حسانـاً
وخذ من كل واحـدة بقـدرِ
وصغ منهنَّ واحـدة وخذهـا
إليك قرينـة ما دمـت تدري
وبهذه الخاتمة الساخرة الموحية يدلل الشاعر على أن الكمال البشري غير موجود اطلاقاً ؛ فالكمال لله ـ عزَّ وجلَّ ـ وحده . وقد يجد المرء كثيراً من الفتيات اللائي حباهن الله قدراً من الحسن والجمال ولكنهن لا يعتنين بتثقيف أنفسهن وتحليتها بالأخلاق والقيم . ولتوفيق الحكيم قول في هذا الصدد حيث يرى أن ( المراة التي تأنس في صورتها شيئاً من الملاحة تحسب أنها قد ظفرت بكـل شيء , وتنسي أن جمال الصورة وحده لايكفي , وأن لابد له من الشطر الآخر : جمال النفس . وأنها ما زالت ناقصة أن تزين نفسها بالتثقيف , وأن تحلي روحها بالفضائل)(1)
وكثير من الفتيات المثقفات اللائي يعنين بجمال النفس ينقصهن الاهتمام بالمظهر . وحتى إذا وجدت فتاة جميلة وذات خلق قد لا تكون ذات حسـب ونسب , أو من أسرة لها سمعة طيبة ـ كالمثال الذي طالعناه في القصة ـ ولذلك ذكر الراوي في سخرية أن على صديقه أن يصوغ عشر فتيات على الأقل في واحدة ليصل إلى النموذج الذي يطلبه . وهذا مستحيل بالطبع . .
:rose: :rose: :rose:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ا) توفيق الحكيم (تحت المصباح الأحمر) ـ مكتبة مصر ـ ط 1988م ـ ص135 .