وهج امين
09 Aug 2005, 05:19 PM
منذ بزوغ فجر الإسلام، ومنذ نزول قول الله تعالى على المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}، هيّأ الله له من يعينه على حمل الأمانة التي عُرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، فكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- خير معين للنبي -صلى الله عليه وسلم- في العمل على نشر دينه ونصرته، من خلال إيمانها بدعوته حين كذَّبه الناس أولاً، وفي عطائها حين منعه الآخرون، وتخفيفها عنه ما لاقاه من أذى الكفار؛ حتى إن جبريل عليه السلام أقرأها من ربها السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
لقد شُرّفت المرأة، وأكدت على دورها في نجاح الدعوة، ولولا وعيها وتثبيتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاختلفت النتيجة، فسيدنا نوح عليه السلام شكلت زوجته عقبة في سبيل انتشار دعوته، بإعراضها عن الإيمان به والنكوص عن نصرته، فلم يؤمن معه إلا القليل.
هما في التكليف سواء
إن الرجل والمرأة في التكليف الإلهي سواء، والواجب في التبليغ عليهما سواء، وإن اختلفت السبل لذلك تبعاً لدور كل منهما في المجتمع؛ فالله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}؛ لأن تحقيق الخير ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد تستدعي تضافر جهد المرأة مع جهد الرجل؛ فهي تكاتفه وتعاضده لغاية واحدة.
وقد دعا الله تعالى إلى إيجاد الأمة الصالحة، فقال في كتابه الكريم: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. ولا تكون أمةٌ إلا بالرجل والمرأة. وقد ساهمت أمهات المؤمنين في الدعوة إلى الله وهن قدوتنا نحن النساء، فكنّ مرجعًا للصحابة الكرام في كثير من الأمور.
نماذج مشرفة
وتابعت الصحابيات المسيرة الدعوية؛ فكانت أم شريك بعد إسلامها في مكة تدخل على بيوت النساء سرا وتدعوهن للإسلام، ونالها من العذاب ما نالها.
والتابعيات أمثال حفصة بنت سيرين، وهجينة الدمشقية، وشهد بنت أحمد، التي أُطلق عليها لقب "فخر النساء".. وكثير من النساء ممن لهن باع طويل في التربية والوعظ والإرشاد لا شك في تأثيرهن الإيجابي في صلاح المجتمع، وتركهن بصمات مضيئة في تاريخ الدعوة.
القدوة وسيلتها الأولى
وصلاح المرأة الداعية هو أبلغ دعوة توجهها إلى الناس؛ فهي بأخلاقها وسلوكها والتزامها بالإسلام وتعاليمه، تشكل جذبا لدينها حتى لو لم تنطق بكلمة واحدة؛ لأنها مَثَل حيّ ووسيلة إيضاح تترجم تعاليم الإسلام لتجتمع القلوب على محبتها والاقتداء بها. وهي الخطوة الأولى على طريق العمل المثمر؛ فتعمل جاهدة على تزكية نفسها، واغتراف العلم والمعرفة بالوسائل الكثيرة المتاحة كالحلقة الإيمانية والمحاضرة والندوة التثقيفية التوجيهية. وقد تنوعت وسائل المعرفة، وسهل الحصول على العلم بفضل انتشار القنوات الفضائية وإمكانية الدخول إلى المواقع المتنوعة عبر الإنترنت. فلا عذر للجهل بعد الآن.
وما لم تشحن المرأة روحها بالعبادات، وتغذي عقلها بالعلم والثقافة العامة. فإن تأثيرها يكون ضعيفًا في غيرها؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المظلم لا يستطيع إنارة ظلام الآخرين.
والدعوة إلى الله تتنوع أساليبها تبعاً لموهبة المرأة ومؤهلاتها وطاقتها؛ فمن لم تؤتَ طلاقة في اللسان، وسحراً في البيان، وقوة في الشخصية، فإن الله لم يكلفها ما لا تستطيع، ويمكنها مباشرة العمل الفردي، وهو من أسهل الأعمال وأكثرها ثباتاً؛ لأن متابعة الفرد والتواصل الدائم معه يعمل على تثبيته، ويمكن للفتاة ممارسة الدعوة الفردية مع قريباتها وزميلاتها في الجامعة أو العمل، ثم بعد ذلك يكثر العدد شيئاً فشيئاً إذا استعانت بتحضير الكلام وحفظه حتى تؤتَى القدرة على التوجيه والمواجهة.
والإعلام مفتوح للداعيات المسلمات، وهو جهاد لا شوكة فيه؛ فما الذي يمنع الموهوبة من أن يظهر قلمها وعلمها، فلا تترك هذا الباب حكرًا على المتغربات من النساء. وبالفعل بدأت المرأة المسلمة تخوض هذا المضمار على استحياء، والأفق البعيد يحمل تباشير خير؛ فالصحافة النسائية الملتزمة والقنوات الفضائية الهادفة تزحف في مواجهة الكم الهائل من صحافة وإعلام السخف والابتذال.
كما يمكن للمرأة المسلمة أن تتعاون مع غيرها من المحبات لفعل الخير، امتثالاً لقول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
فالانتساب إلى جمعية خيرية تعمل من خلالها على تنمية قدرتها ورفع كفاءتها الدعوية التي قد تكون في رعاية الأسر الفقيرة والأيتام، أو العناية بالشيخوخة وأصحاب العاهات، أو حضانة الأطفال، أو تعليم العلم وتعلّمه... إلخ، كل ذلك من أبواب الدعوة إلى الله والمساهمة في صلاح المجتمع. ومساحة العمل الدعوي واسعة، والدعوة إلى الله تستوعب جميع الطاقات والقدرات.
الأمومة أخطر ميدان
لكن مما لا شك فيه أن أرجى ثمرة وأكثرها تأثيرا، بإمكان الأم القيام بها عن طريق تربية نواة المجتمع من أبنائها على حب الله ورسوله؛ فترضعهم الصدق والإخلاص والشهامة، للذود عن حياض الإسلام.
ولا نكاد نجد عظيماً من العظماء إلا مدينًا لأمه العظيمة؛ فمثلاً نجد أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قد ورث قوة الشخصية من أمه هند بنت عتبة، وقد سمعتْ قائلا يقول عنه في طفولته: "إن عاش ساد قومه"، فقالت: "ثكلته أمه إن لم يسُد إلا قومه"!! وبالفعل ساد معاوية قومه وأقواما آخرين، ولكنه لم يستطع أن يُودِعَ ابنَه يزيد ما كان يتمتع به؛ لأن أم يزيد التي ربته كانت أعرابية ساذجة، تزوجها معاوية لجمالها.
إن أمهات الاستشهاديين الفلسطينيات، وخنساوات عصرنا، أمثال أم محمد فرحات، وأم أحمد العابد، ضربن أروع أمثلة التضحية والفداء بأعز الناس إلى قلوبهن لتغيير معادلة الخنوع والأنانية التي تحكم الأم ضعيفة الإيمان عادة. فكنَّ أمثلة حية على تأثير الأم في صناعة البطولة، واحتضان الرجولة، ونبذ صفة الجبن والخنوع بين الأمهات؛ لأنها عدوى تسري في المجتمع، وتساهم في التأثير بين أبنائه سلبا أو إيجابا.
لا لفضول الأوقات
والدعوة إلى الله تأبى أن نعطيها فضول أوقاتنا، وهي شرف ونعمة يتفضل الله بها على من أحب من عباده، ويحببها إليهم حتى يستعذبوا أشواكها، ويتلذذوا بالتضحية بالنفس وكل نفيس من أجلها؛ لأنهم أيقنوا أنهم حلقة من سلسلة طويلة بدأها الأنبياء، وتتابعت مع كل عامل لنصرة هذا الدين. فهي من أحسن الأعمال، بل أحسنها، كما قال تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. والقائم بها يستحق البشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها". إنهم يبيعون سنوات معدودة بنعيم أزلي، ويشتركون في تجارة مع الله ليربح بيعهم، أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه.
منقول للكاتبة سميرة المصري
لقد شُرّفت المرأة، وأكدت على دورها في نجاح الدعوة، ولولا وعيها وتثبيتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاختلفت النتيجة، فسيدنا نوح عليه السلام شكلت زوجته عقبة في سبيل انتشار دعوته، بإعراضها عن الإيمان به والنكوص عن نصرته، فلم يؤمن معه إلا القليل.
هما في التكليف سواء
إن الرجل والمرأة في التكليف الإلهي سواء، والواجب في التبليغ عليهما سواء، وإن اختلفت السبل لذلك تبعاً لدور كل منهما في المجتمع؛ فالله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}؛ لأن تحقيق الخير ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد تستدعي تضافر جهد المرأة مع جهد الرجل؛ فهي تكاتفه وتعاضده لغاية واحدة.
وقد دعا الله تعالى إلى إيجاد الأمة الصالحة، فقال في كتابه الكريم: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. ولا تكون أمةٌ إلا بالرجل والمرأة. وقد ساهمت أمهات المؤمنين في الدعوة إلى الله وهن قدوتنا نحن النساء، فكنّ مرجعًا للصحابة الكرام في كثير من الأمور.
نماذج مشرفة
وتابعت الصحابيات المسيرة الدعوية؛ فكانت أم شريك بعد إسلامها في مكة تدخل على بيوت النساء سرا وتدعوهن للإسلام، ونالها من العذاب ما نالها.
والتابعيات أمثال حفصة بنت سيرين، وهجينة الدمشقية، وشهد بنت أحمد، التي أُطلق عليها لقب "فخر النساء".. وكثير من النساء ممن لهن باع طويل في التربية والوعظ والإرشاد لا شك في تأثيرهن الإيجابي في صلاح المجتمع، وتركهن بصمات مضيئة في تاريخ الدعوة.
القدوة وسيلتها الأولى
وصلاح المرأة الداعية هو أبلغ دعوة توجهها إلى الناس؛ فهي بأخلاقها وسلوكها والتزامها بالإسلام وتعاليمه، تشكل جذبا لدينها حتى لو لم تنطق بكلمة واحدة؛ لأنها مَثَل حيّ ووسيلة إيضاح تترجم تعاليم الإسلام لتجتمع القلوب على محبتها والاقتداء بها. وهي الخطوة الأولى على طريق العمل المثمر؛ فتعمل جاهدة على تزكية نفسها، واغتراف العلم والمعرفة بالوسائل الكثيرة المتاحة كالحلقة الإيمانية والمحاضرة والندوة التثقيفية التوجيهية. وقد تنوعت وسائل المعرفة، وسهل الحصول على العلم بفضل انتشار القنوات الفضائية وإمكانية الدخول إلى المواقع المتنوعة عبر الإنترنت. فلا عذر للجهل بعد الآن.
وما لم تشحن المرأة روحها بالعبادات، وتغذي عقلها بالعلم والثقافة العامة. فإن تأثيرها يكون ضعيفًا في غيرها؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المظلم لا يستطيع إنارة ظلام الآخرين.
والدعوة إلى الله تتنوع أساليبها تبعاً لموهبة المرأة ومؤهلاتها وطاقتها؛ فمن لم تؤتَ طلاقة في اللسان، وسحراً في البيان، وقوة في الشخصية، فإن الله لم يكلفها ما لا تستطيع، ويمكنها مباشرة العمل الفردي، وهو من أسهل الأعمال وأكثرها ثباتاً؛ لأن متابعة الفرد والتواصل الدائم معه يعمل على تثبيته، ويمكن للفتاة ممارسة الدعوة الفردية مع قريباتها وزميلاتها في الجامعة أو العمل، ثم بعد ذلك يكثر العدد شيئاً فشيئاً إذا استعانت بتحضير الكلام وحفظه حتى تؤتَى القدرة على التوجيه والمواجهة.
والإعلام مفتوح للداعيات المسلمات، وهو جهاد لا شوكة فيه؛ فما الذي يمنع الموهوبة من أن يظهر قلمها وعلمها، فلا تترك هذا الباب حكرًا على المتغربات من النساء. وبالفعل بدأت المرأة المسلمة تخوض هذا المضمار على استحياء، والأفق البعيد يحمل تباشير خير؛ فالصحافة النسائية الملتزمة والقنوات الفضائية الهادفة تزحف في مواجهة الكم الهائل من صحافة وإعلام السخف والابتذال.
كما يمكن للمرأة المسلمة أن تتعاون مع غيرها من المحبات لفعل الخير، امتثالاً لقول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
فالانتساب إلى جمعية خيرية تعمل من خلالها على تنمية قدرتها ورفع كفاءتها الدعوية التي قد تكون في رعاية الأسر الفقيرة والأيتام، أو العناية بالشيخوخة وأصحاب العاهات، أو حضانة الأطفال، أو تعليم العلم وتعلّمه... إلخ، كل ذلك من أبواب الدعوة إلى الله والمساهمة في صلاح المجتمع. ومساحة العمل الدعوي واسعة، والدعوة إلى الله تستوعب جميع الطاقات والقدرات.
الأمومة أخطر ميدان
لكن مما لا شك فيه أن أرجى ثمرة وأكثرها تأثيرا، بإمكان الأم القيام بها عن طريق تربية نواة المجتمع من أبنائها على حب الله ورسوله؛ فترضعهم الصدق والإخلاص والشهامة، للذود عن حياض الإسلام.
ولا نكاد نجد عظيماً من العظماء إلا مدينًا لأمه العظيمة؛ فمثلاً نجد أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قد ورث قوة الشخصية من أمه هند بنت عتبة، وقد سمعتْ قائلا يقول عنه في طفولته: "إن عاش ساد قومه"، فقالت: "ثكلته أمه إن لم يسُد إلا قومه"!! وبالفعل ساد معاوية قومه وأقواما آخرين، ولكنه لم يستطع أن يُودِعَ ابنَه يزيد ما كان يتمتع به؛ لأن أم يزيد التي ربته كانت أعرابية ساذجة، تزوجها معاوية لجمالها.
إن أمهات الاستشهاديين الفلسطينيات، وخنساوات عصرنا، أمثال أم محمد فرحات، وأم أحمد العابد، ضربن أروع أمثلة التضحية والفداء بأعز الناس إلى قلوبهن لتغيير معادلة الخنوع والأنانية التي تحكم الأم ضعيفة الإيمان عادة. فكنَّ أمثلة حية على تأثير الأم في صناعة البطولة، واحتضان الرجولة، ونبذ صفة الجبن والخنوع بين الأمهات؛ لأنها عدوى تسري في المجتمع، وتساهم في التأثير بين أبنائه سلبا أو إيجابا.
لا لفضول الأوقات
والدعوة إلى الله تأبى أن نعطيها فضول أوقاتنا، وهي شرف ونعمة يتفضل الله بها على من أحب من عباده، ويحببها إليهم حتى يستعذبوا أشواكها، ويتلذذوا بالتضحية بالنفس وكل نفيس من أجلها؛ لأنهم أيقنوا أنهم حلقة من سلسلة طويلة بدأها الأنبياء، وتتابعت مع كل عامل لنصرة هذا الدين. فهي من أحسن الأعمال، بل أحسنها، كما قال تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. والقائم بها يستحق البشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها". إنهم يبيعون سنوات معدودة بنعيم أزلي، ويشتركون في تجارة مع الله ليربح بيعهم، أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه.
منقول للكاتبة سميرة المصري