Sheba Queen
11 Aug 2005, 03:30 PM
إذ نهنئ الأمة الإسلامية بإطلاق سراح أحد أعلامها الشيخ الددو وصحبه اليوم بقرار من المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، الذي تشكل عقب الانقلاب الناجح الذي دبره مجموعة من قادة العسكر قبل أيام، فلا يسعنا إلا أن نهدي إلى القراء بعضا من المعايشات العفوية التي أكرمني الله فيها بصحبة هذا الحبـر.
فهذه صُبابةٌ مِمّا علِق بالذّاكرة عن الأستاذ العلاّمة محمد الحسن ولد الدّدو؛ رأيت من الواجب عليّ تصويرها كما رأيتها، وعلى الوجه الذي عايشتُها فيه؛ لتكون نُثاراتٍ يَستقي منها الدّعاةُ وطلاّبُ العلم والعلماءُ بعضاً من طرائق الفناء في الخير وفي الدّعوة إلى الله تعالى ونشر العلم.
كانت معرفتي بهذا الجبل الرّاسخ متأخّرةً نسبيّاً؛ فقد أكرمني الله به دون سابق سماع عنه كما حصل مع غيري؛ وسهّل الله لي الاختصاصَ به في مجالسَ متعدّدة في مدينة النّبي صلى الله عليه وسلّم وفي مكة المكرّمة -حرسها الله-، وكنت أحظى برعايته والسّماع منه في مواسم الحجّ؛ حيث كنت ألقاه في مخيّمات الشّناقطة في منى وعرفات، فتمحَّض فضلُ الله عليّ بسببه، والحمد لله على نِعَمه كثيراً كثيراً.
كان أولَ ما جلست إلى الشّيخ الحبيب أنْ عقد لي مع إخوةٍ معي مجلساً حول المنهجيّة الصّحيحة في طلب العلم كما يراها -حفظه الله-، وأذكر يومها وكان المجلس في منتصف ليلةٍ شاهدةٍ أنه أملى عليّ ثلاثاً وأربعين ما بين نظم ومتن؛ كلّ واحد منها متعلّّق بعلم من العلوم، وللأمانة فلم يتمّ الشّيخ ليْلَتَها جميع الأنظام والمتون؛ بل أشار إلى مقدّمة كلٍّ منها؛ رعايةً للوقت ورأفةً بالسّامع والكاتب، وقد كان مُصرّاً على أنّ هذه المحفوظاتِ ضروريّةٌ لكل طالب علم مبتدئ بعد حفظ القرآن الكريم طبعاً؛ إذ يرى أنها خميرةٌ نافعة له فيما بعد، وكان - رفع الله قدره- واسعَ التعجّب مِمّن يزعم أنّ العلمَ فَهْمٌ وحسب، ويقول منتقداً هذه النّظريّة الخاطئة: الفهم جوهر لا بد له من عَرَض؛ أي: أيَّ شيء ستفهمه إذا لم تكن تستحضره! ؟
وتكررت بعد ذلك لقاءاتٌ بهذا العَلَم الشّامخ، وفي كلٍّ منها كان يظهر منه العجب؛ من حدّة ذكائه وسَعَة محفوظاته وغرائب ثقافته؛ حتى إنه في مرّة من المرّات، وقد جالسته مع أحد الإخوة من بلجيكا وكان سأله عن ماهيّة السّحر وطرائق السَّحَرة ووسائل فكّ السّحر المشروعة والمحرّمة؛ فأجابه الشيخ إجابةً مستفيضةً لا يشكّ السّامع له وقتها إلاّ أنه متخصّص في السّحر والتّنجيم والكهانة والعرافة وقراءة خطّ الرّمل وسائر هاتيك التّرّاهات، فلمّا استعلمتُ الشّيخ عن معرفته بهذه العلوم المهلكة مستنكراً بأدب؛ حذّر منها، وقال إنه عرفها من فرقٍ من فروق القرافي -رحمه الله-، وتأسّف لكونه إذا قرأ شيئاً حفظه ولو لم يك راغباً فيه؛ فلله كيف يختصّ الله الصّالحين من عباده!.
ومرّة سأله أحد الحاضرين عن كيفيّة خلوص الذّهب من شوائب الأصل ووصوله إلى مظهره المبهج، وكيف يقع التّزوير في العملات النّقديّة والورقيّة؛ فأجاب الشّيخ إجابةَ من لا يحسن غير هذه الأمور الاقتصاديّة، وذلك بانهيالٍ وانسيابٍ. لا يعرف تلكّؤاً أو شكّاً أو قلّةَ معرفةٍ واطلاعٍ إنّ مِمّا يزيدك ولعاً بهذا الشّيخ المبارك جِدُّه في العبادة، واجتهاده في التنسّك وحبّ التألّه إلى حدٍّ يذكرك فيه بعبادة الصّدر الأول،
كان هذا الدّيوان الممتلئُ علماً من أحرص النّاس على نشر العلم وتعليم الخير وبثّ السّنّة ومقاومة البدعة، ومن رافقه أيام حجّه عرف منه ذلك بلا أدنى رِيبة، وما كان يستريح إلاّ في أوقات ييأس فيها من وجود سائل أو مستفت أو متعلّم، وأذكر مرّة وقد تواعدت معه فلم أجده يفرغ إلاّ بعد الواحدة ليلاً من ليالي التّشريق المباركة؛ فكان أنْ جئته في مخيّمه البائس مظهراً والمتنوّر حقيقةً ومخبراً؛ فلمّا دخلت عليه قبّته وجدتُه وسط بؤساء الشّناقطة من شيبٍ وشبّان وهم شُعثٌ غُبْـرٌ وقد مالت عنقُه وهو جالس؛ فعرفت أنه مكث ينتظرني حتى غلبه الإعياء فنام على حاله، ولم يؤثر راحة التّمدّد عليّ؛ فاستحييتُ أن أوقظه وانصرفت مسبّحاً مهلّلاً.
واستطراداً أقول: لو أراد الشّيخ الكريم النّعمة الوافرة أيّام الحجّ لوجدها على كفٍّ من ذهب، ولأتته وهي راغمةٌ راغبةٌ؛ وقد كان كثير من المشايخ الذين يؤثرون الحج مع ذوي اليسار والرفاهية؛ لأجل الدّعوة والمؤانسة زعموا يعيشون أيام حجّهم بَذَخاً وسَرفاً لم أشهد له مثيلاً؛ والْخُبْر أصدق من الخبر؛ من أراد المعاينة بأدوات رأسه فليزر أيّامَ الموسم بعض الحملات الخاصّة، وليسأل عن المتميّزات منها؛ التي لا تقلّ كُلفة الشّخص الواحد فيها عن آلاف مؤلّفة! ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأذكر مرّة وأنا أتجه إلى الجمرات للرّمي أني لقيت الشّيخ الجليل حافياً متعمّماً مع والدته ووالده، وكانت والدته على كرسيٍّ متحرّك، وخلفَه معشرٌ من النّساء من ذوي قرابته، فاستغربتُ الجمع الكبير معه في وقت زحام وتدافع؛ فأشفقت على الشيخ وهِبتُ أن أسأله معاونتَه؛ فعرف ذلك في وجهي؛ غير أنه لكرمه أومأ إلَيّ بمساعدته؛ فقلت: يا شيخُ أنت ترمي عن الوالدة الكريمة وأنا أرمي عن الشّيخ الوالد؛ فقال: لو أردا ذلك ما اصطحبتهما إلى هذا المكان؛ ولكنهما يَرَيَان وجوب الرمي عليهما وعدم جواز الإنابة لأنهما ليسا عاجزين!!!؛ فأخذني العجب فاستغرقت في الضّحك والهمهمة، وأتممنا لجميع المرافقين الرّمي بعد شدّة وإعياء يعلم الله بحجمهما؛ خاصّة وأننا كنا نسير بكل مُرافق على حِدَة ليرمي الجمرة، وكانت والدته الكريمة تأبى أن ترمي من بعيدٍ، وتصرّ بسماحةٍ على الوصول إلى الحوض، ومع ذلك تأمرنا بالسّكينة وعدم المدافعة!.
وقد أخبرني أحد الإخوة الشناقطة أنها - حفظها الله- كانت مرةً خارج الحرم المكيّ؛ فقال لها مرافقها: لو صلّيت هنا لأنّ الزحام شديد؟؛ فقالت: المعاينة شرط للمكيّ، ولا ألعب بديني؛ أو كما قالت رضي الله عنها. فأعياه جوابها وبُهت من ذاكرتها واستغرب متانة دينها.
وفي يومٍ من أيام الصّيف الحارّة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلّم كنت مع الشّيخ الجليل ومعنا بعض الفقراء؛ جاءه أحد الموسرين ودفع إليه مبلغاً كبيراً من العملة الأجنبيّة يملأ الكفّ؛ فما زاد الشّيخ على أن التفت إلى أولئك الفقراء الذين منعتهم العفّة وعزّة العلم عن السّؤال فأعطاهم ما كان في كفّه. وأتَمّ حديثه معي وكأنّ شيئاً لم يحصل أخي القارئ: قد لا أستطيع أن أُروي ظمأك من حكاياتٍ حصلت لي مع هذا العلاّمة مع أني كانت تحجُزني عنه مسافاتٌ ودِياراتٌ؛ غير أني وأنا أكون في العاصمة الفرنسية باريس؛ حينما كنت أهاتفه لا ينسى بعد أن يسألني عن أحوالي ويطمئن عليّ أن يسأل عن العلماء والدّعاة مِمّن يعرف أو لا يعرف في جميع أطراف أوروبا؛ ويوصي بإبلاغ السّلام إليهم، وكذلك كان يفعل إذا هاتفته من كثير من العواصم العربيّة وغيرها؛ حتى إني مرّة وقد سألني عن أحد العلماء أجبته وطمأنته؛ وقلت له: لعلّه لا يعرفكم شيخَنا الحبيب؟؛ فقال: أمّا أنا فأعرف نسبه وأصله وتخصّصه واجتهاده وأماكنَ رحيله ومشايِخَه ومنهجَه العلميّ وو؛ فقلت: يكفيني؛ آمنت بالله وتاب لساني .
ختمت هذه الصُّبابة بهذه الخصلة المباركة من خصال الشّيخ الخيرة التي لا تُحصى كثرة؛ لأقرّر أنه آية في حفظ العهد وصيانة حقوق الإخوة؛ فهلاّ وجد جزاءه من جنس عمله.
بقلم: د. الطاهر الجزائري
فهذه صُبابةٌ مِمّا علِق بالذّاكرة عن الأستاذ العلاّمة محمد الحسن ولد الدّدو؛ رأيت من الواجب عليّ تصويرها كما رأيتها، وعلى الوجه الذي عايشتُها فيه؛ لتكون نُثاراتٍ يَستقي منها الدّعاةُ وطلاّبُ العلم والعلماءُ بعضاً من طرائق الفناء في الخير وفي الدّعوة إلى الله تعالى ونشر العلم.
كانت معرفتي بهذا الجبل الرّاسخ متأخّرةً نسبيّاً؛ فقد أكرمني الله به دون سابق سماع عنه كما حصل مع غيري؛ وسهّل الله لي الاختصاصَ به في مجالسَ متعدّدة في مدينة النّبي صلى الله عليه وسلّم وفي مكة المكرّمة -حرسها الله-، وكنت أحظى برعايته والسّماع منه في مواسم الحجّ؛ حيث كنت ألقاه في مخيّمات الشّناقطة في منى وعرفات، فتمحَّض فضلُ الله عليّ بسببه، والحمد لله على نِعَمه كثيراً كثيراً.
كان أولَ ما جلست إلى الشّيخ الحبيب أنْ عقد لي مع إخوةٍ معي مجلساً حول المنهجيّة الصّحيحة في طلب العلم كما يراها -حفظه الله-، وأذكر يومها وكان المجلس في منتصف ليلةٍ شاهدةٍ أنه أملى عليّ ثلاثاً وأربعين ما بين نظم ومتن؛ كلّ واحد منها متعلّّق بعلم من العلوم، وللأمانة فلم يتمّ الشّيخ ليْلَتَها جميع الأنظام والمتون؛ بل أشار إلى مقدّمة كلٍّ منها؛ رعايةً للوقت ورأفةً بالسّامع والكاتب، وقد كان مُصرّاً على أنّ هذه المحفوظاتِ ضروريّةٌ لكل طالب علم مبتدئ بعد حفظ القرآن الكريم طبعاً؛ إذ يرى أنها خميرةٌ نافعة له فيما بعد، وكان - رفع الله قدره- واسعَ التعجّب مِمّن يزعم أنّ العلمَ فَهْمٌ وحسب، ويقول منتقداً هذه النّظريّة الخاطئة: الفهم جوهر لا بد له من عَرَض؛ أي: أيَّ شيء ستفهمه إذا لم تكن تستحضره! ؟
وتكررت بعد ذلك لقاءاتٌ بهذا العَلَم الشّامخ، وفي كلٍّ منها كان يظهر منه العجب؛ من حدّة ذكائه وسَعَة محفوظاته وغرائب ثقافته؛ حتى إنه في مرّة من المرّات، وقد جالسته مع أحد الإخوة من بلجيكا وكان سأله عن ماهيّة السّحر وطرائق السَّحَرة ووسائل فكّ السّحر المشروعة والمحرّمة؛ فأجابه الشيخ إجابةً مستفيضةً لا يشكّ السّامع له وقتها إلاّ أنه متخصّص في السّحر والتّنجيم والكهانة والعرافة وقراءة خطّ الرّمل وسائر هاتيك التّرّاهات، فلمّا استعلمتُ الشّيخ عن معرفته بهذه العلوم المهلكة مستنكراً بأدب؛ حذّر منها، وقال إنه عرفها من فرقٍ من فروق القرافي -رحمه الله-، وتأسّف لكونه إذا قرأ شيئاً حفظه ولو لم يك راغباً فيه؛ فلله كيف يختصّ الله الصّالحين من عباده!.
ومرّة سأله أحد الحاضرين عن كيفيّة خلوص الذّهب من شوائب الأصل ووصوله إلى مظهره المبهج، وكيف يقع التّزوير في العملات النّقديّة والورقيّة؛ فأجاب الشّيخ إجابةَ من لا يحسن غير هذه الأمور الاقتصاديّة، وذلك بانهيالٍ وانسيابٍ. لا يعرف تلكّؤاً أو شكّاً أو قلّةَ معرفةٍ واطلاعٍ إنّ مِمّا يزيدك ولعاً بهذا الشّيخ المبارك جِدُّه في العبادة، واجتهاده في التنسّك وحبّ التألّه إلى حدٍّ يذكرك فيه بعبادة الصّدر الأول،
كان هذا الدّيوان الممتلئُ علماً من أحرص النّاس على نشر العلم وتعليم الخير وبثّ السّنّة ومقاومة البدعة، ومن رافقه أيام حجّه عرف منه ذلك بلا أدنى رِيبة، وما كان يستريح إلاّ في أوقات ييأس فيها من وجود سائل أو مستفت أو متعلّم، وأذكر مرّة وقد تواعدت معه فلم أجده يفرغ إلاّ بعد الواحدة ليلاً من ليالي التّشريق المباركة؛ فكان أنْ جئته في مخيّمه البائس مظهراً والمتنوّر حقيقةً ومخبراً؛ فلمّا دخلت عليه قبّته وجدتُه وسط بؤساء الشّناقطة من شيبٍ وشبّان وهم شُعثٌ غُبْـرٌ وقد مالت عنقُه وهو جالس؛ فعرفت أنه مكث ينتظرني حتى غلبه الإعياء فنام على حاله، ولم يؤثر راحة التّمدّد عليّ؛ فاستحييتُ أن أوقظه وانصرفت مسبّحاً مهلّلاً.
واستطراداً أقول: لو أراد الشّيخ الكريم النّعمة الوافرة أيّام الحجّ لوجدها على كفٍّ من ذهب، ولأتته وهي راغمةٌ راغبةٌ؛ وقد كان كثير من المشايخ الذين يؤثرون الحج مع ذوي اليسار والرفاهية؛ لأجل الدّعوة والمؤانسة زعموا يعيشون أيام حجّهم بَذَخاً وسَرفاً لم أشهد له مثيلاً؛ والْخُبْر أصدق من الخبر؛ من أراد المعاينة بأدوات رأسه فليزر أيّامَ الموسم بعض الحملات الخاصّة، وليسأل عن المتميّزات منها؛ التي لا تقلّ كُلفة الشّخص الواحد فيها عن آلاف مؤلّفة! ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأذكر مرّة وأنا أتجه إلى الجمرات للرّمي أني لقيت الشّيخ الجليل حافياً متعمّماً مع والدته ووالده، وكانت والدته على كرسيٍّ متحرّك، وخلفَه معشرٌ من النّساء من ذوي قرابته، فاستغربتُ الجمع الكبير معه في وقت زحام وتدافع؛ فأشفقت على الشيخ وهِبتُ أن أسأله معاونتَه؛ فعرف ذلك في وجهي؛ غير أنه لكرمه أومأ إلَيّ بمساعدته؛ فقلت: يا شيخُ أنت ترمي عن الوالدة الكريمة وأنا أرمي عن الشّيخ الوالد؛ فقال: لو أردا ذلك ما اصطحبتهما إلى هذا المكان؛ ولكنهما يَرَيَان وجوب الرمي عليهما وعدم جواز الإنابة لأنهما ليسا عاجزين!!!؛ فأخذني العجب فاستغرقت في الضّحك والهمهمة، وأتممنا لجميع المرافقين الرّمي بعد شدّة وإعياء يعلم الله بحجمهما؛ خاصّة وأننا كنا نسير بكل مُرافق على حِدَة ليرمي الجمرة، وكانت والدته الكريمة تأبى أن ترمي من بعيدٍ، وتصرّ بسماحةٍ على الوصول إلى الحوض، ومع ذلك تأمرنا بالسّكينة وعدم المدافعة!.
وقد أخبرني أحد الإخوة الشناقطة أنها - حفظها الله- كانت مرةً خارج الحرم المكيّ؛ فقال لها مرافقها: لو صلّيت هنا لأنّ الزحام شديد؟؛ فقالت: المعاينة شرط للمكيّ، ولا ألعب بديني؛ أو كما قالت رضي الله عنها. فأعياه جوابها وبُهت من ذاكرتها واستغرب متانة دينها.
وفي يومٍ من أيام الصّيف الحارّة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلّم كنت مع الشّيخ الجليل ومعنا بعض الفقراء؛ جاءه أحد الموسرين ودفع إليه مبلغاً كبيراً من العملة الأجنبيّة يملأ الكفّ؛ فما زاد الشّيخ على أن التفت إلى أولئك الفقراء الذين منعتهم العفّة وعزّة العلم عن السّؤال فأعطاهم ما كان في كفّه. وأتَمّ حديثه معي وكأنّ شيئاً لم يحصل أخي القارئ: قد لا أستطيع أن أُروي ظمأك من حكاياتٍ حصلت لي مع هذا العلاّمة مع أني كانت تحجُزني عنه مسافاتٌ ودِياراتٌ؛ غير أني وأنا أكون في العاصمة الفرنسية باريس؛ حينما كنت أهاتفه لا ينسى بعد أن يسألني عن أحوالي ويطمئن عليّ أن يسأل عن العلماء والدّعاة مِمّن يعرف أو لا يعرف في جميع أطراف أوروبا؛ ويوصي بإبلاغ السّلام إليهم، وكذلك كان يفعل إذا هاتفته من كثير من العواصم العربيّة وغيرها؛ حتى إني مرّة وقد سألني عن أحد العلماء أجبته وطمأنته؛ وقلت له: لعلّه لا يعرفكم شيخَنا الحبيب؟؛ فقال: أمّا أنا فأعرف نسبه وأصله وتخصّصه واجتهاده وأماكنَ رحيله ومشايِخَه ومنهجَه العلميّ وو؛ فقلت: يكفيني؛ آمنت بالله وتاب لساني .
ختمت هذه الصُّبابة بهذه الخصلة المباركة من خصال الشّيخ الخيرة التي لا تُحصى كثرة؛ لأقرّر أنه آية في حفظ العهد وصيانة حقوق الإخوة؛ فهلاّ وجد جزاءه من جنس عمله.
بقلم: د. الطاهر الجزائري