أبوالزبير
26 Aug 2005, 02:26 PM
الخمر .. داء وليس دواء
http://www.55a.net/firas/photo/91396booze_resize.jpg
الدكتور محمد جميل الحبال
لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وعلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده وحتى عهد قريب أن الخمر دواء وأن شربها باعتدال معين على الصحة . وسنذهل للمفارقات العجيبة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنها داء وإنها ليست بشفاء ) والأطباء يصرون في زمنه والأزمنة التي قبله والتي بعده أنها دواء حتى جاء الطب في العصر الحديث وأبان زيف ما كان الأطباء يقولونه ؛ إن في الخمر منافع شتى وعديدة للبدن وإنها تهضم الطعام وتشحذ الأذهان وتصفي الكبد وإنها معين عظيم على الصحة !!
الأحاديث الشريفة في منع التداوي بالخمر.
1- عن وائل بن حُجر أن طارق بن سويد الخضري سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنها داء وليست دواء ) أخرجه مسلم ( كتاب الأشربة من صحيحه ) ، وأبو داؤود في سننه ( كتاب الطب ) والترمذي في سننه ( باب كراهية التداوي بالمسكر ) وسنن ابن ماجة وأبو نعيم في الطب النبوي .
2- عن طارق بن سويد قال : ( يا رسول الله إن بأرضنا أعناباً نعصرها فنشرب قال : لا فراجعته قلت : إنا نستشفي للمريض ، قال : إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء ). أخرجه مسلم وإبن حبان في صحيحه .
3- عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام ) . أخرجه أبو داؤود وإبن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي .
4- روى أبو داؤود أن ديلم الحميري جاء مع وفد اليمن وسأل النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا بأرض باردة نعالج فيها عملاً شديداً ، وإنا نتخذ شراباً من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وبرد بلادنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسكر ؟ قال: نعم ، قال : فاجتنبوه . قال : إن الناس غير تاركيه. قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم) .
ولا تزال الخمر تشرب حتى اليوم بناء على وهم أنها تدفئ الإنسان من البرد . وهي توسع الأوعية الدموية تحت الجلد فيشعر بالدفء ويفقد حرارة جسمه ، كما أنها تمنع المناطق المخية المسؤولة عن تنظيم حرارة الجسم فيما يسمى (تحت المهادHypothalamus ) فيؤدي ذلك إلى فقدان حرارة الجسم ومن المآسي التي تحدث كل عام في أعياد الميلاد ورأس السنة أن يتوفى المئات في روسيا والولايات المتحدة وأوربا من فقدان حرارة أجسامهم بعد شرب الخمور والإنغماس فيها ، والبقاء في الحدائق والأماكن المفتوحة فيموتون من البرد وهم يتمتعون بالدفء الكاذب وقد نشرت المجلة الطبية لأمريكا الشمالية
Medical clinics of North America عدد يناير 1984م أن شرب الخمر هو أهم سبب لحدوث الوفيات الناتجة عن انخفاض درجة حرارة جسم الإنسان . عن أبي هريرة . رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من تداوى بالخمر فلا شفاه الله ) أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي . عن عبد الله بن مسعود . رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) أخرجه البخاري في صحيحه . أقوال المفسرين في قوله تعالى : (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)
(البقرة 219) وقد اتفق أهل التفسير في معنى الإثم الكبير أنه في الدين ، وفي ضياع العقل بشرب الخمور وما يحدث في شربها من النزاع والخصام ، وحدوث الجرائم وارتكاب الموبقات . والخمر أم الخبائث كما قال صلى الله عليه وسلم : وجماع الإثم . وقد سماه العرب الإثم ؛ قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقل كذاك الإثم يذهب بالعقول
ولكن ما يلفت النظر فهمهم للمنافع التي أشار الكتاب العزيز إليها .
فقال الطبري : ( فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة) . قال ابن كثير ( وأما المنافع الدنيوية من حيث أن فيها نفع البدن ، وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة . ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله تعالى: (وإثمهما أكبر من نفعهما).
وقال القرطبي : (وقد قيل في منافعهما إنها تهضم الطعام، وتقوي الضعيف، وتعين على الباه، وتشجع الجبان، وتصفي اللون، إلى غير ذلك من اللذة بها). وقال سعيد حوى في تفسيره الأساس: ( ومنافع الخمر من حيث فيها بعض النفع للجسد في بعض حالاته). وذكر الفخر الرازي بعض المنافع البدنية لها فقال: (فمنافع الخمر أنهم كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماسكة في الثمن كانوا يعدون ذلك فضيلة ومكرمة، فكانت تكثر أرباحهم بسبب ذلك. ومنها أنه (أي الخمر) يقوي الضعيف، ويهضم الطعام ويعين على الباه (الجماع)، ويسلي المخزون، ويشجع الجبان، ويسخي البخيل، ويصفي اللون، وينعش الحرارة الغريزية، ويزيد الهمة). ولعمري لو كان في الخمر هذه الصفات لكان ذلك من دواعي شربها، بل هذا كله باطل ستفصل القول فيه تفصيلاً وهو من الأوهام المتعلقة بالخمر فهي لا تقوي الضعيف بل تزيده ضعفاً وهزالاً، ولا تهضم الطعام بل تسبب التهاب الجهاز الهضمي ابتداء من الفم وانتهاء بالأمعاء مروراً بالبلعوم والمريء والمعدة والبنكرياس والكبد. ولا تعين على الباه بل تفقد المرء عقله، فيقدم على الجرائم الجنسية ويعتدي على أمه وأخته، ونصف جرائم الاغتصاب على الأقل في العالم تقع تحت تأثير الخمر، وهي لا تسلي المحزون إذ أن تسليتها إذا حدثت وقتية سريعة الزوال وتعقبها الحسرات وتكثر المعارك والعداوات والبغضاء بين من يشربونها. وأما تشجيعها الجبان فهو ناتج عن فقدان العقل وحدوث التهور، وتقول الإحصائيات الحديثة إن 86 بالمئة من جرائم القتل تمت تحت تأثير الخمور فأي شجاعة هذه ؟! وإن ما لا يقل عن 50 بالمئة من حوادث المرور ناتجة عن شربها.
وأما أنها تسخي البخيل فعند فقده عقله يصرف ماله في غير موضعه، وهذا إسراف منهي عنه، وإضاعة للمال. وهؤلاء السكارى ينفقون أموالهم في الباطل والحرام ولا ينفقونها في سبيل الله، ولا لإغاثة الملهوف، وإنقاذ المنكوب، وإعانة الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين . وأما تصفيتها اللون فهو ما يحدث من الحمرة في وجه شارب الخمر وذلك بسبب تمدد الأوعية الدموية تحت الجلد، وبسبب إصابة الكبد وتليفها، فيحدث ذلك الاحتقان، وهو علامة المرض لا علامة الصحة. ويصحبه عادة ارتفاع في ضغط الدم فيزداد الخطر على الصحة على عكس ما توهمه القدماء. وأما قوله: ( وينعش الحرارة الغريزية) فعبارة يستخدمها القدماء ولا محل لها في الطب الحديث. وأما قوله: (ويزيد في الهمة والاستعلاء) فأي همة لدى هؤلاء السكارى سوى مزيد من السكر والعربدة ؟! وهم أذل خلق الله .. ولا يستعلون إلا على الضعفاء والمساكين. وأما الأقوياء فيستخذون أمامهم ويتذللون لهم.
منافع الخمر في التراث الطبي الإسلامي
اتجهت الغالبية الساحقة من الأطباء المسلمين إلى أن شرب الخمر باعتدال معين على الصحة، وإنها تهضم الطعام، وتشحذ الأذهان، وتقوي الضعيف، وتزيد في الباءة، وتخصب البدن، وتحسن اللون.. إلخ، واتفقوا جميعاً على أن إدمان شربها والإكثار منها ضار بالصحة وإنها تؤدي إلى الرعشة والرجفة والفالج ( الشلل )، وتبلد الذهن ، وترخي العصب ، وتفسد مزاج الدماغ والكبد .. وكانوا ينصحون بتناولها ممزوجة بالماء ، ويفصلون في أنواعها :
فالنبيذ الأحمر فوائده كذا، وينفع لكذا، ويصلح للشباب، والنبيذ الأبيض لكذا ولكذا . وينفع المحرورين .. إلخ .. وأفضل استعمالها عندهم كل ثلاثة أيام مرة . والبلوغ إلى حد السكر وفقدان العقل عندهم ضار إلا أن يكون مرة أو مرتين في الشهر ، فإن في ذلك فائدة . حسب وهمهم . لتسخين الجسد وإخراج الفضلات منه وقد سطر ذلك الوهم الفاسد عن منافع الخمر الجسدية كل من : أبي بكر الرازي ( 251-311 هـ) في كتابه منافع الأغذية ودفع مضارها (ص69-85 ) وأبي الحسين بن علي بن سينا ( 370-428 هـ ) في منافع الخمر في كتابه القانون من الجزء الأول والثالث في تدبير الماء والشراب .وداود الأنطاكي المتوفى سنة 1008هـ تحت باب الخمر في تذكرته الشهيرة . ومع ذلك نجد بعض الأطباء المسلمين يعارضون هذا الاتجاه كابن النفيس القرشي الذي عرض عليه زملائه الأطباء شرب الخمر عندما مرض فأبى ذلك بشدة .
مؤلف معاصر يتحدث عن منافع الخمر الطبيعية
ذكر سعيد جرجس كوبلي في كتابه ( أسرار الطب العربي القديم والحديث ) في معالجته لبعض الأمراض استخدام السبرتو والويسكي لمعالجة البول السكري ، فقد جاء في الصفحة 65 من الكتاب المذكور أن الويسكي مع دبس الرمان ، تأخذ بعد العشاء لمدة 15 يوما كفيلة بالقضاء على البول السكري . وفي الصفحة التالية (66) ذكر أن ملعقة السبرتو الأبيض على الريق مع ملعقة من دبس الرمان لمدة 15 يوما تكفي لمعالجة الشخص من البول السكري وشفائه التام منه .
والسبرتو من السموم الناقعة المحتوية على الكحول الأثيلي والمثيلي والمسبب للوفيات المفاجئة بسبب تسمم عضلة القلب، والعمى بسبب إصابة عصب الإبصار. وكبلي هذا ليس طبيباً بل هو خوري في كنيسة في إحدى قرى لبنان وجد طريقه إلى الثروة والشهرة بسبب وصفاته الطبية الرهيبة القاتلة.. وكتابه لا يزال يطبع ويوزع على نطاق واسع في العالم العربي، رغم أنه كله مبنى على الخرافات .
http://www.55a.net/firas/photo/91396booze_resize.jpg
الدكتور محمد جميل الحبال
لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وعلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده وحتى عهد قريب أن الخمر دواء وأن شربها باعتدال معين على الصحة . وسنذهل للمفارقات العجيبة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنها داء وإنها ليست بشفاء ) والأطباء يصرون في زمنه والأزمنة التي قبله والتي بعده أنها دواء حتى جاء الطب في العصر الحديث وأبان زيف ما كان الأطباء يقولونه ؛ إن في الخمر منافع شتى وعديدة للبدن وإنها تهضم الطعام وتشحذ الأذهان وتصفي الكبد وإنها معين عظيم على الصحة !!
الأحاديث الشريفة في منع التداوي بالخمر.
1- عن وائل بن حُجر أن طارق بن سويد الخضري سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنها داء وليست دواء ) أخرجه مسلم ( كتاب الأشربة من صحيحه ) ، وأبو داؤود في سننه ( كتاب الطب ) والترمذي في سننه ( باب كراهية التداوي بالمسكر ) وسنن ابن ماجة وأبو نعيم في الطب النبوي .
2- عن طارق بن سويد قال : ( يا رسول الله إن بأرضنا أعناباً نعصرها فنشرب قال : لا فراجعته قلت : إنا نستشفي للمريض ، قال : إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء ). أخرجه مسلم وإبن حبان في صحيحه .
3- عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام ) . أخرجه أبو داؤود وإبن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي .
4- روى أبو داؤود أن ديلم الحميري جاء مع وفد اليمن وسأل النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا بأرض باردة نعالج فيها عملاً شديداً ، وإنا نتخذ شراباً من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وبرد بلادنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسكر ؟ قال: نعم ، قال : فاجتنبوه . قال : إن الناس غير تاركيه. قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم) .
ولا تزال الخمر تشرب حتى اليوم بناء على وهم أنها تدفئ الإنسان من البرد . وهي توسع الأوعية الدموية تحت الجلد فيشعر بالدفء ويفقد حرارة جسمه ، كما أنها تمنع المناطق المخية المسؤولة عن تنظيم حرارة الجسم فيما يسمى (تحت المهادHypothalamus ) فيؤدي ذلك إلى فقدان حرارة الجسم ومن المآسي التي تحدث كل عام في أعياد الميلاد ورأس السنة أن يتوفى المئات في روسيا والولايات المتحدة وأوربا من فقدان حرارة أجسامهم بعد شرب الخمور والإنغماس فيها ، والبقاء في الحدائق والأماكن المفتوحة فيموتون من البرد وهم يتمتعون بالدفء الكاذب وقد نشرت المجلة الطبية لأمريكا الشمالية
Medical clinics of North America عدد يناير 1984م أن شرب الخمر هو أهم سبب لحدوث الوفيات الناتجة عن انخفاض درجة حرارة جسم الإنسان . عن أبي هريرة . رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من تداوى بالخمر فلا شفاه الله ) أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي . عن عبد الله بن مسعود . رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) أخرجه البخاري في صحيحه . أقوال المفسرين في قوله تعالى : (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)
(البقرة 219) وقد اتفق أهل التفسير في معنى الإثم الكبير أنه في الدين ، وفي ضياع العقل بشرب الخمور وما يحدث في شربها من النزاع والخصام ، وحدوث الجرائم وارتكاب الموبقات . والخمر أم الخبائث كما قال صلى الله عليه وسلم : وجماع الإثم . وقد سماه العرب الإثم ؛ قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقل كذاك الإثم يذهب بالعقول
ولكن ما يلفت النظر فهمهم للمنافع التي أشار الكتاب العزيز إليها .
فقال الطبري : ( فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة) . قال ابن كثير ( وأما المنافع الدنيوية من حيث أن فيها نفع البدن ، وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة . ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله تعالى: (وإثمهما أكبر من نفعهما).
وقال القرطبي : (وقد قيل في منافعهما إنها تهضم الطعام، وتقوي الضعيف، وتعين على الباه، وتشجع الجبان، وتصفي اللون، إلى غير ذلك من اللذة بها). وقال سعيد حوى في تفسيره الأساس: ( ومنافع الخمر من حيث فيها بعض النفع للجسد في بعض حالاته). وذكر الفخر الرازي بعض المنافع البدنية لها فقال: (فمنافع الخمر أنهم كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماسكة في الثمن كانوا يعدون ذلك فضيلة ومكرمة، فكانت تكثر أرباحهم بسبب ذلك. ومنها أنه (أي الخمر) يقوي الضعيف، ويهضم الطعام ويعين على الباه (الجماع)، ويسلي المخزون، ويشجع الجبان، ويسخي البخيل، ويصفي اللون، وينعش الحرارة الغريزية، ويزيد الهمة). ولعمري لو كان في الخمر هذه الصفات لكان ذلك من دواعي شربها، بل هذا كله باطل ستفصل القول فيه تفصيلاً وهو من الأوهام المتعلقة بالخمر فهي لا تقوي الضعيف بل تزيده ضعفاً وهزالاً، ولا تهضم الطعام بل تسبب التهاب الجهاز الهضمي ابتداء من الفم وانتهاء بالأمعاء مروراً بالبلعوم والمريء والمعدة والبنكرياس والكبد. ولا تعين على الباه بل تفقد المرء عقله، فيقدم على الجرائم الجنسية ويعتدي على أمه وأخته، ونصف جرائم الاغتصاب على الأقل في العالم تقع تحت تأثير الخمر، وهي لا تسلي المحزون إذ أن تسليتها إذا حدثت وقتية سريعة الزوال وتعقبها الحسرات وتكثر المعارك والعداوات والبغضاء بين من يشربونها. وأما تشجيعها الجبان فهو ناتج عن فقدان العقل وحدوث التهور، وتقول الإحصائيات الحديثة إن 86 بالمئة من جرائم القتل تمت تحت تأثير الخمور فأي شجاعة هذه ؟! وإن ما لا يقل عن 50 بالمئة من حوادث المرور ناتجة عن شربها.
وأما أنها تسخي البخيل فعند فقده عقله يصرف ماله في غير موضعه، وهذا إسراف منهي عنه، وإضاعة للمال. وهؤلاء السكارى ينفقون أموالهم في الباطل والحرام ولا ينفقونها في سبيل الله، ولا لإغاثة الملهوف، وإنقاذ المنكوب، وإعانة الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين . وأما تصفيتها اللون فهو ما يحدث من الحمرة في وجه شارب الخمر وذلك بسبب تمدد الأوعية الدموية تحت الجلد، وبسبب إصابة الكبد وتليفها، فيحدث ذلك الاحتقان، وهو علامة المرض لا علامة الصحة. ويصحبه عادة ارتفاع في ضغط الدم فيزداد الخطر على الصحة على عكس ما توهمه القدماء. وأما قوله: ( وينعش الحرارة الغريزية) فعبارة يستخدمها القدماء ولا محل لها في الطب الحديث. وأما قوله: (ويزيد في الهمة والاستعلاء) فأي همة لدى هؤلاء السكارى سوى مزيد من السكر والعربدة ؟! وهم أذل خلق الله .. ولا يستعلون إلا على الضعفاء والمساكين. وأما الأقوياء فيستخذون أمامهم ويتذللون لهم.
منافع الخمر في التراث الطبي الإسلامي
اتجهت الغالبية الساحقة من الأطباء المسلمين إلى أن شرب الخمر باعتدال معين على الصحة، وإنها تهضم الطعام، وتشحذ الأذهان، وتقوي الضعيف، وتزيد في الباءة، وتخصب البدن، وتحسن اللون.. إلخ، واتفقوا جميعاً على أن إدمان شربها والإكثار منها ضار بالصحة وإنها تؤدي إلى الرعشة والرجفة والفالج ( الشلل )، وتبلد الذهن ، وترخي العصب ، وتفسد مزاج الدماغ والكبد .. وكانوا ينصحون بتناولها ممزوجة بالماء ، ويفصلون في أنواعها :
فالنبيذ الأحمر فوائده كذا، وينفع لكذا، ويصلح للشباب، والنبيذ الأبيض لكذا ولكذا . وينفع المحرورين .. إلخ .. وأفضل استعمالها عندهم كل ثلاثة أيام مرة . والبلوغ إلى حد السكر وفقدان العقل عندهم ضار إلا أن يكون مرة أو مرتين في الشهر ، فإن في ذلك فائدة . حسب وهمهم . لتسخين الجسد وإخراج الفضلات منه وقد سطر ذلك الوهم الفاسد عن منافع الخمر الجسدية كل من : أبي بكر الرازي ( 251-311 هـ) في كتابه منافع الأغذية ودفع مضارها (ص69-85 ) وأبي الحسين بن علي بن سينا ( 370-428 هـ ) في منافع الخمر في كتابه القانون من الجزء الأول والثالث في تدبير الماء والشراب .وداود الأنطاكي المتوفى سنة 1008هـ تحت باب الخمر في تذكرته الشهيرة . ومع ذلك نجد بعض الأطباء المسلمين يعارضون هذا الاتجاه كابن النفيس القرشي الذي عرض عليه زملائه الأطباء شرب الخمر عندما مرض فأبى ذلك بشدة .
مؤلف معاصر يتحدث عن منافع الخمر الطبيعية
ذكر سعيد جرجس كوبلي في كتابه ( أسرار الطب العربي القديم والحديث ) في معالجته لبعض الأمراض استخدام السبرتو والويسكي لمعالجة البول السكري ، فقد جاء في الصفحة 65 من الكتاب المذكور أن الويسكي مع دبس الرمان ، تأخذ بعد العشاء لمدة 15 يوما كفيلة بالقضاء على البول السكري . وفي الصفحة التالية (66) ذكر أن ملعقة السبرتو الأبيض على الريق مع ملعقة من دبس الرمان لمدة 15 يوما تكفي لمعالجة الشخص من البول السكري وشفائه التام منه .
والسبرتو من السموم الناقعة المحتوية على الكحول الأثيلي والمثيلي والمسبب للوفيات المفاجئة بسبب تسمم عضلة القلب، والعمى بسبب إصابة عصب الإبصار. وكبلي هذا ليس طبيباً بل هو خوري في كنيسة في إحدى قرى لبنان وجد طريقه إلى الثروة والشهرة بسبب وصفاته الطبية الرهيبة القاتلة.. وكتابه لا يزال يطبع ويوزع على نطاق واسع في العالم العربي، رغم أنه كله مبنى على الخرافات .