محب الدعوة
04 Sep 2005, 10:00 PM
دنيا وآخرة.. الإنسان والحياء
د. فتحي مرعي
الحياء صفة إذا اتصف بها إنسان حمته من شرور كثيرة, وباعدت بينه وبين التصرفات المشينة, التي لا تليق بشخص لديه كرامة وعزة نفس.والحياء كما يكون إزاء الناس, يكون أيضاً إزاء النفس وإزاء الله.. فاستحياء المرء من الناس يجعله يتجنب كل نقيصة تعيبه في نظرهم.. واستحياء المرء من نفسه يحجزه عن أن يعمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية..
واستحياء المرء من ربه ألا يطلع عليه ربه وهو في معصيته..
وما تقدم يوصلنا إلي قول الرسول - الكريم صلي الله عليه وسلم -: "الحياء لا يأتي إلا بخير", أما من رفع برقع الحياء, كما يقولون, فهو أهل لكل سلوك خسيس وضيع, لأنه عندئذ لا يردعه لا الحياء من الناس, ولا الحياء من نفسه, ولا الحياء من الرب..
وهناك دعاء سمعته, يدعو به الناس على من لا يستحي, إذ يدعون أن يفضحه الله على رءوس الأشهاد.. هذا الدعاء هو:" الله يفضح اللي ما يختشي ", فالذي لا يستحي, وباللغة الدارجة يختشي هو إنسان من نوعية رديئة.. عار عن الخلق الكريم.. لا يتورع عن ارتكاب الموبقات.. ولا يؤمن له جانب.. ولا عهد له ولا ذمة..
وفي هذا يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أي مما أدركه الناس من أقوال الأنبياء السابقين, أنه إذا لم يكن لديك حياء, فلك أن تفعل ما شئت من التصرفات الوضيعة الدنيئة.. والتي لا يأتيها إنسان ذو مروءة أو نخوة أو شرف.. وقد سئل رسول الله - صلوات الله عليه وسلامه -: هل الحياء من الدين؟ فقال: «بل هو الدين كله..»
وهناك صور كثيرة من صور انعدام الحياء بين بعض الناس..
منهم من لا يستحون ولا يخجلون أن يستولوا على ميراث أخوتهم الصغار تحت ذرائع مختلفة.. كلها كاذبة لا حقيقة فيها.. والحقيقة هي الطمع والجشع الذي يطبع هؤلاء الناس ويدمغهم بالبشاعة والانحطاط.. ولذلك توعدهم رب العزة في قوله – تعالى -: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } [ النساء : 10 ]
ومن هؤلاء, الذي يكذب ويقسم بأغلظ الأيمان أنه صادق فيما يدعيه { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } [ المجادلة : 14 ] ..
ومنهم الذين يشهدون زورا وبهتاناً.. لم يروا شيئاً قط.. ويشهدون بالذي يقال لهم إنهم شهدوه.. هؤلاء عديمو الحياء معدومو الضمير.. هل لهم قيمة في نظر أنفسهم؟! إنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم من حثالة البشر.. بل إن وجودهم في حد ذاته وصمة في جبين البشرية..
الذين يقتلون آباءهم أو أمهاتهم من أجل الاستفراد بمساكنهم أو لكي يحصلوا على المشغولات الذهبية لأمهاتهم أو مدخرات آبائهم.. هل هؤلاء يستحقون أن يصنفوا بأنهم آدميون؟! إن مستوي سلوكياتهم لاشك أدني من مستوي البهائم..
والخلاصة: أن من لا حياء لديه لا خير فيه ولا نفع له ولا جدوى منه.. سواء لأهله الأقربين أو للمجتمع ككل.
وقلة الحياء درجات:.. وبقدر ما يكون الحياء ناقصاً يكون التدني في السلوكيات.. وعلى الطرف الآخر, فبقدر ما يكون الحياء مكتملاً لدي الإنسان, ترتقي سلوكياته وتقترب من الكمال..
والناس إزاء الحياء فرق مختلفة:
وأرفع الناس مستوي, من يمنعه الحياء عن الاقتراب من العيب.. ناهيك عن الولوغ فيه.. فالحياء يجعله بمأمن من الوقوع في المحظورات.. فيكون مترفعاً عنها.. وهؤلاء هم خير البرية..
ومن الناس من إذا هم بفعل شيء مستقبح, منعه الحياء من إتمامه.. وهؤلاء يرجى منهم الخير.
ومنهم من لا يمنعه الحياء عن فعل شيء مستهجن, وإنما يردعه الخوف, فامتناعه ليس بفعل الحياء, وإنما بفعل الخوف.. هذا النوع من الناس يوصف بأنه يخاف ولا يختشي!
ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف من العقاب عن فعل شيء كريه, فيمضي فيه غير عابئ بشيء حتى يضبط متلبساً.. وحين يوضع في قفص الاتهام يخجل من نفسه, ويحاول أن يخفي وجهه عن عدسات المصورين, حتى لا تظهر صورته على صفحات الصحف وهو في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه.. وعندما يحكم عليه بالسجن يندم على ما فعل, ويظل يجتر في مخيلته ما قدمت يداه وكان سبباً فيما حل به, يفعل ذلك كل يوم, وهذا الندم أشد على الإنسان من فقد حريته.
ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف, ولا يندم على ما قدمت يداه (!) وهؤلاء هم من شر البرية.
وإذا كان الحياء مانعاً من ارتكاب الشرور أو النقائص بوجه عام, فهو جميل حين يقدم الإنسان على شيء مباح.. خاصة حياء المرأة.. مثل ذلك ما جاء في القرآن الكريم في حياء ابنة الرجل الصالح من أهل مدين, التي ذهبت إلي موسي - عليه السلام - تدعوه للذهاب معها إلي أبيها - بناء على طلبه - لكي يجزيه أجر ما سقى لها هي وأختها: { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } [ القصص : 25 ].. وحياء رسول الله, حين كان أصحابه يستعذبون الحديث معه, وينسون الوقت ويطيلون الجلوس.. والرسول يستحي أن يطلب منهم الانصراف, فأنزل الله قرآناً ينهاهم عن ذلك { ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق } [ الأحزاب : 53 ]
والحياء جميل أيضاً حين يتغلب المرء عليه بصعوبة(!) لكي يحقق هدفاً مشروعاً.. مثل قصة المرأة التي ذهبت إلي النبي تعرض عليه أن يتزوجها, فقد روي أنس - رضي الله عنه - لابنته أنه جاءت امرأة إلي النبي تعرض عليه نفسها إذ قالت له: هل لك حاجة في؟ فقالت ابنة أنس: ما أقل حياءها(!) فقال أبوها: هي خير منك, عرضت على النبي نفسها لتكون بذلك من أمهات المؤمنين.. والرسول لم ينكر عليها سؤالها ذاك.
وهناك السؤال عن موقف الدين من أمر معين مما يعتقد البعض أنه خادش للحياء.. فعن عائشة - أم المؤمنين رضي الله عنها - أنها قالت: " نعم النساء نساء الأنصار, لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن"..
فالحياء لا ينبغي أن يكون عائقاً عن السؤال في أمر الدين أو عن طلب شيء مباح، أو عن قول الحق، أو عن فعل الخير في أي اتجاه.. وفيما عدا ذلك, فالحياء يزين المرء ويصونه.. وقلة الحياء تشينه وتمحقه.
د. فتحي مرعي
الحياء صفة إذا اتصف بها إنسان حمته من شرور كثيرة, وباعدت بينه وبين التصرفات المشينة, التي لا تليق بشخص لديه كرامة وعزة نفس.والحياء كما يكون إزاء الناس, يكون أيضاً إزاء النفس وإزاء الله.. فاستحياء المرء من الناس يجعله يتجنب كل نقيصة تعيبه في نظرهم.. واستحياء المرء من نفسه يحجزه عن أن يعمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية..
واستحياء المرء من ربه ألا يطلع عليه ربه وهو في معصيته..
وما تقدم يوصلنا إلي قول الرسول - الكريم صلي الله عليه وسلم -: "الحياء لا يأتي إلا بخير", أما من رفع برقع الحياء, كما يقولون, فهو أهل لكل سلوك خسيس وضيع, لأنه عندئذ لا يردعه لا الحياء من الناس, ولا الحياء من نفسه, ولا الحياء من الرب..
وهناك دعاء سمعته, يدعو به الناس على من لا يستحي, إذ يدعون أن يفضحه الله على رءوس الأشهاد.. هذا الدعاء هو:" الله يفضح اللي ما يختشي ", فالذي لا يستحي, وباللغة الدارجة يختشي هو إنسان من نوعية رديئة.. عار عن الخلق الكريم.. لا يتورع عن ارتكاب الموبقات.. ولا يؤمن له جانب.. ولا عهد له ولا ذمة..
وفي هذا يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أي مما أدركه الناس من أقوال الأنبياء السابقين, أنه إذا لم يكن لديك حياء, فلك أن تفعل ما شئت من التصرفات الوضيعة الدنيئة.. والتي لا يأتيها إنسان ذو مروءة أو نخوة أو شرف.. وقد سئل رسول الله - صلوات الله عليه وسلامه -: هل الحياء من الدين؟ فقال: «بل هو الدين كله..»
وهناك صور كثيرة من صور انعدام الحياء بين بعض الناس..
منهم من لا يستحون ولا يخجلون أن يستولوا على ميراث أخوتهم الصغار تحت ذرائع مختلفة.. كلها كاذبة لا حقيقة فيها.. والحقيقة هي الطمع والجشع الذي يطبع هؤلاء الناس ويدمغهم بالبشاعة والانحطاط.. ولذلك توعدهم رب العزة في قوله – تعالى -: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } [ النساء : 10 ]
ومن هؤلاء, الذي يكذب ويقسم بأغلظ الأيمان أنه صادق فيما يدعيه { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } [ المجادلة : 14 ] ..
ومنهم الذين يشهدون زورا وبهتاناً.. لم يروا شيئاً قط.. ويشهدون بالذي يقال لهم إنهم شهدوه.. هؤلاء عديمو الحياء معدومو الضمير.. هل لهم قيمة في نظر أنفسهم؟! إنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم من حثالة البشر.. بل إن وجودهم في حد ذاته وصمة في جبين البشرية..
الذين يقتلون آباءهم أو أمهاتهم من أجل الاستفراد بمساكنهم أو لكي يحصلوا على المشغولات الذهبية لأمهاتهم أو مدخرات آبائهم.. هل هؤلاء يستحقون أن يصنفوا بأنهم آدميون؟! إن مستوي سلوكياتهم لاشك أدني من مستوي البهائم..
والخلاصة: أن من لا حياء لديه لا خير فيه ولا نفع له ولا جدوى منه.. سواء لأهله الأقربين أو للمجتمع ككل.
وقلة الحياء درجات:.. وبقدر ما يكون الحياء ناقصاً يكون التدني في السلوكيات.. وعلى الطرف الآخر, فبقدر ما يكون الحياء مكتملاً لدي الإنسان, ترتقي سلوكياته وتقترب من الكمال..
والناس إزاء الحياء فرق مختلفة:
وأرفع الناس مستوي, من يمنعه الحياء عن الاقتراب من العيب.. ناهيك عن الولوغ فيه.. فالحياء يجعله بمأمن من الوقوع في المحظورات.. فيكون مترفعاً عنها.. وهؤلاء هم خير البرية..
ومن الناس من إذا هم بفعل شيء مستقبح, منعه الحياء من إتمامه.. وهؤلاء يرجى منهم الخير.
ومنهم من لا يمنعه الحياء عن فعل شيء مستهجن, وإنما يردعه الخوف, فامتناعه ليس بفعل الحياء, وإنما بفعل الخوف.. هذا النوع من الناس يوصف بأنه يخاف ولا يختشي!
ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف من العقاب عن فعل شيء كريه, فيمضي فيه غير عابئ بشيء حتى يضبط متلبساً.. وحين يوضع في قفص الاتهام يخجل من نفسه, ويحاول أن يخفي وجهه عن عدسات المصورين, حتى لا تظهر صورته على صفحات الصحف وهو في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه.. وعندما يحكم عليه بالسجن يندم على ما فعل, ويظل يجتر في مخيلته ما قدمت يداه وكان سبباً فيما حل به, يفعل ذلك كل يوم, وهذا الندم أشد على الإنسان من فقد حريته.
ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف, ولا يندم على ما قدمت يداه (!) وهؤلاء هم من شر البرية.
وإذا كان الحياء مانعاً من ارتكاب الشرور أو النقائص بوجه عام, فهو جميل حين يقدم الإنسان على شيء مباح.. خاصة حياء المرأة.. مثل ذلك ما جاء في القرآن الكريم في حياء ابنة الرجل الصالح من أهل مدين, التي ذهبت إلي موسي - عليه السلام - تدعوه للذهاب معها إلي أبيها - بناء على طلبه - لكي يجزيه أجر ما سقى لها هي وأختها: { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } [ القصص : 25 ].. وحياء رسول الله, حين كان أصحابه يستعذبون الحديث معه, وينسون الوقت ويطيلون الجلوس.. والرسول يستحي أن يطلب منهم الانصراف, فأنزل الله قرآناً ينهاهم عن ذلك { ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق } [ الأحزاب : 53 ]
والحياء جميل أيضاً حين يتغلب المرء عليه بصعوبة(!) لكي يحقق هدفاً مشروعاً.. مثل قصة المرأة التي ذهبت إلي النبي تعرض عليه أن يتزوجها, فقد روي أنس - رضي الله عنه - لابنته أنه جاءت امرأة إلي النبي تعرض عليه نفسها إذ قالت له: هل لك حاجة في؟ فقالت ابنة أنس: ما أقل حياءها(!) فقال أبوها: هي خير منك, عرضت على النبي نفسها لتكون بذلك من أمهات المؤمنين.. والرسول لم ينكر عليها سؤالها ذاك.
وهناك السؤال عن موقف الدين من أمر معين مما يعتقد البعض أنه خادش للحياء.. فعن عائشة - أم المؤمنين رضي الله عنها - أنها قالت: " نعم النساء نساء الأنصار, لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن"..
فالحياء لا ينبغي أن يكون عائقاً عن السؤال في أمر الدين أو عن طلب شيء مباح، أو عن قول الحق، أو عن فعل الخير في أي اتجاه.. وفيما عدا ذلك, فالحياء يزين المرء ويصونه.. وقلة الحياء تشينه وتمحقه.