سنا البرق
12 Oct 2005, 08:03 AM
مفكرة الإسلام : ' نصيحتي لكل مصاب بهذا المرض أن يتخذ الخطوة الصحيحة ويتجه إلى الطبيب النفسي ولا يلتفت إلى من يزعم أن هذا المرض نتيجة لضعف الإيمان أو مطاوعة الشيطان ... الخ فهذا المرض مثله مثل الصداع والمغص, فهل يزعم أحد أنك ضعيف الإيمان لمجرد إصابتك بالمغص مثلا ؟ الإجابة هي لا بالطبع, النصيحة الثانية هي الصبر والاستمرار على العلاج, فمن خلال خبرتي الشخصية لا تظهر بوادر التحسن على مريض الوسواس القهري إلا بعد شهر, وأحيانًا ثلاثة أشهر كما أن فترة العلاج قد تمتد إلى سنة, نعم قد يعتقد المريض أن الموضوع طويل ولكنه على كل حال يستحق الجهد والصبر ولا يمكن تخيل مدى الراحة والاطمئنان التي يشعر بها المريض عندما يشفيه الله ويعافيه من هذا المرض '.
هذه الكلمات أطلقها أحد مرضى الوسواس القهري بعدما ثابر في العلاج لمدة وصلت إلى ثمانية أشهر, وهو يرسل رسالة عبر أحد المواقع الإسلامية لكل من شاركه جحيم المعاناة بهذا المرض أن اصبروا واستمروا ولا تفقدوا الأمل, ففقدان الأمل هو أعظم خسارة لقيمة الإنسان, وهو يوجه النصيحة إلى إخوانه بالالتزام بالعلاج والصبر عليه فهما أعظم معين بعد الله تعالى على عبور الأزمة والمحنة.
إننا ونحن نعرض لوسائل العلاج المستخدمة لعلاج مرض الوسواس القهري نؤكد على أنه لا يصح الاستغناء بها عن المعالج والطبيب المتخصص لأنه الأقدر بإذن الله تعالى على تشخيص كل حالة على حدة تشخيصًا دقيقًا وتحديد العلاج ونوعه وجرعاته المناسبة لكل حالة بمفردها ولكن غرضنا فقط ها هنا توضيح بعض الأمور التي قد يختلط فهمها على المريض أو المحيط الأسرى أو الأصدقاء في التعامل مع مرض الوسواس القهري.
اختيار العلاج:
إن أول ما ينبغي لفت الانتباه إليه هو نوع العلاج المستخدم لعلاج مرضى الوسواس القهري وأنه يختلف تبعًا لاختلاف العديد من العوامل, ويتم تحديد النوع بناء على درجة شدة الوسواس وضعفه ومدى تأثيره على المستوى المعرفي فقط أي على مستوى الأفكار فقط أم على المستوى السلوكي أيضًا أي على مستوى الأفعال القهرية, ففي الحالات البسيطة يستخدم العلاج المعرفي السلوكي فقط, وعند شدة الوساوس القهرية يستخدم الدواء بمفرده أو بمعونة العلاج السلوكي والمعرفي, ويختلف كذلك تبعًا لعمر المريض ففي صغار السن غالبًا ما يستعمل العلاج المعرفي والسلوكي فقط.
في الغالب فإن مريض الوسواس القهري يؤنب نفسه على هذه الوساوس ويقوم بتحميل لنفسه مسؤولية هذه الوساوس وأن سببها يرجع لضعف إيمانه وسوء علاقته بربه, وهذا الهاجس المحطم للأمل لا بد من نفيه فهو خلاف الواقع والحقيقة, فالسبب الحقيقي وراء ما يجد في عقله أو سلوكه من وساوس وأفكار إنما هو مرض يجب علاجه لإزالة هذه الآلام والضغوط النفسية, ثم بعد ذلك وقبله نضمن لك أنك لست مسؤولاً عن أفعالك هذه المرضية بنص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: [[إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به]] وما روي عن أبي هريرة في صحيح مسلم أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه فسألوه: 'إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: أوقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم قال: ذاك صريح الإيمان'، ومن هذه الأحاديث استنبط العلماء رحمهم الله تعالى أن حديث النفس والخطاب الداخلي للإنسان لا يؤاخذ به المرء ما لم يتحول إلى كلام أو فعل, كلام بنطق اللسان بأحرف مفهومة وصوت مسموع أو فعل الجوارح وسلوكياتها, وعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة أخبر بأنها محض الإيمان أو صريح الإيمان, والمقصود من ذلك ليس وصف الوسواس نفسه أن من أصابه ذلك فقد بلغ ذروة الإيمان أو الفهم الخاطئ الآخر أن الشيطان لم يجد شيئًا يوسوس به لهذا العبد, فلجأ لهذا الحل وهو التشكيك بمقام الله تعالى والمقدسات, كلا كل هذا فهم خاطئ وتصور منقوص بل قصد النبي صلى الله عليه وسلم من وصف هذه الحال أن العبد قد بلغ محض الإيمان وصريحه باستعظامه النطق بتلك الوساوس, وأنه يخاف من الله لو نطق بتلك الوساوس والأفكار, فهذا هو صريح الإيمان ومحضه, وفي هذا ما فيه من مدح صاحب هذه الوساوس لا على إصابته بها, فهي بلاء للعبد وليست ذنبًا, بل على صبره عليها وخوفه من إغضاب ربه تعالى.
لا بد من ملاحظة الأسباب التي تؤدي بكثير من مرضى الوسواس القهري للامتناع عن التوجه للعلاج مبدئيًا أو للتهرب من العلاج بعد المواظبة عليه لفترة أو الانقطاع عنه فجأة, فلا بد من الاستعداد لهذه الأسباب بالتعرف عليها أولاً وتحديد حجمها ثانيًا واتخاذ التدابير الوقائية التي تمنع حدوثها وتقلل من آثارها السلبية, ويلحظ المعالج أن العلاج من الوسواس القهري يواجه آثارًا نفسية زرعها الوسواس في النفس البشرية وهو يسعى إلى تغييرها, وتكون هذه الآثار قد أخذت حجمًا كبيرًا من النفس, فانتزاعها يكون من الصعوبة بمكان يظهر به أن الهرب من العلاج أسهل من مواجهة اقتلاع هذه الآثار, فعلى المعالج فهم هذا الأمر خاصة عندما تظهر أول إشارة له وتتمثل في عبارة المريض المتكررة عندما يوجهه المعالج إلى الامتناع عن سلوك معين أنه لا يستطيع, فقد حاول وحاول ولم يفلح, ولا تجد المريض على استعداد لبذل الجهد في التغيير, فافهم مباشرة أن هناك تأثيرات أخرى مرتبطة بهذا الفعل الذي تبتغي تغييره وأنك لم تصل بعدُ إلى لب المشكلة أو كل الأعراض, فأعد البحث وغص في أعماق النفس حتى تكتشف ما المعوق الذي يعوق التقدم ولا يكن ظنك أن الحل الوحيد لمريض الوسواس هو الضغط والضغط باستمرار حتى ينفد ما يقوله المعالج.
لا بد من التأكيد أن الأدوية والعقاقير المستخدمة في علاج مرضى الوسواس القهري لا تندرج ضمن أدوية المخدرات أو المهدئات وما شابه ذلك, كلا بل هي تندرج تحت مجموعات تعالج الحفاظ على تركيزات بعض المواد في الخلايا العصبية فهي لا تؤدي للإصابة بالإدمان ما دام التعامل معها يتم في حدود الجرعات الطبية المحددة من الطبيب حتى مع الاستخدام لفترات طويلة.
علاج مرض الوسواس القهري يتمثل في محورين رئيسين هما:
[1] العلاج الدوائي:من خلال التجربة والأبحاث والإحصائيات ثبت أن العلاج بالأدوية له أثر فعال في تحقيق جزء كبير من التقدم للشفاء بإذن الله تعالى عند مريض الوسواس القهري وتوجد عدة مجموعات تستخدم للعلاج ومن ضمنها ولعلها أكثرها استخدامًا وتحقيقا للاستجابة لدى المريض هي مجموعة تقوم بتثبيط استرجاع مادة السيروتونين إلى داخل الخلية العصبية فقد ثبت أن تركيز مادة السيروتونين له أثر كبير في الإصابة بالمرض وشدته وضعفه والمجموعة التي تعالج تركيز هذه المادة لها آثار جانبية أقل مقارنة بباقي المجموعات الدوائية وقد لا يحدث تحسن ملحوظ خلال أول وثاني شهر وعندها يلزم الطبيب زيادة الجرعة, وهنا يتنبه المريض ألا يسرع باليأس من العلاج أو الشعور أنه لا يفيد, فلا بد من مرور وقت لا يقل عن شهر إلى شهرين من الاستمرار على العلاج حتى يمكن للطبيب تحديد الجرعة المناسبة للتأثير وبدء البرنامج العلاجي وإذا لم يحدث تحسن ملموس وحقيقي خلال شهرين إلى ثلاثة فلا بد من تغيير العلاج إلى مجموعة أخرى أو إضافة دواء جديد للبرنامج العلاجي وبالمقابل إذا حدث التحسن يبدأ الطبيب بزيادة الجرعة تدريجيًا.
لا بد من التنبيه لمن استعملوا العلاج الدوائي وظهرت عليهم علامات التحسن ألا يتوقفوا عن أخذ الجرعات الدوائية إلا بإرشادات الطبيب المختص لأن البعض من المرضى بحاجة إلى الاستمرار في العلاج حتى مع ظهور التحسن خاصة عند شدة درجة الوسواس.
أحد المشاكل الرئيسية في علاج مرض الوسواس القهري أنه لا يوجد علاج مناسب محدد لكل مريض بل لا بد من وجود مساحة للتجربة سواء على مستوى الجرعات أو على مستوى نوع الدواء.
[2] العلاج المعرفي والسلوكي ويتضمن العلاج المعرفي والعلاج السلوكي وهما:
1ـ العلاج المعرفي: وهو علاج التصورات المصاحبة للسلوكيات القهرية فالقاعدة تؤكد أن تصرفاتنا وسلوكياتنا تجاه الأشياء لا تنبع أو تصدر من حقيقة تلك الأشياء بل من تصوراتنا لحقائق تلك الأشياء وهي قاعدة لو استوعبها مريض الوسواس وكذا الإنسان السليم من المرض لأزاحت عن كاهل كل منهما عبئًا ثقيلا وحملا عظيما في فهم واستيعاب من أين ينشأ التصرف والسلوك ثم المثابرة حتى يتم الاقتناع به فيتحول إلى مصدر للسلوكيات الإنسانية ولنضرب مثالاً على ذلك فهذا الذي يوسوس مثلا أن يديه متسختان ومن أجل ذلك فهو يقوم بغسلهما مرة واثنتان وعشر وعشرين وأكثر لا بد أن يعلم في الحقيقة أنهما نظيفتان بمجرد الأولى أو الثانية على الأكثر ولكنه يستمر في الغسيل لا لشيء إلا لهذا التصور الخاطئ أنهما ما زالتا متسختين ومثله الأب أو الأم المحبين لأبنائهم ثم يطرأ على ذهن الواحد منهم أنه سيؤذي ولده بالقتل أو غيره من وسائل الإيذاء وتتملك الفكرة عقل الشخص حتى يبدأ بالشك في نفسه وهذا هو عين الوهم فكيف يفعل ذلك وهو الذي يفيض حنانا وحبا على أولاده فهي فكرة باطلة لا بد من دفع تصورها وتيقن بطلانها وأنها لا يمكن أن تحدث فلا بد من التخلص منها ودفعها.
2ـ العلاج السلوكي: ويشتمل على قسمين هما:
ـ1ـ العلاج بالتعرض:ويتم بأن يتعرض المريض لمصدر القلق وسبب الخوف, فمثلاً من يخشى من إيذاء من يحب بالسكين وبناءً عليه فهو يتجنب رؤيتها والإمساك بها وتواجدها في نفس الغرفة معه, نقوم بتعريضه للسكين ببرامج علاج تدريجية والتأكيد على أنه لن يستعملها فيما يخاف, وأن هذا وهم سيزول مع كثرة التعرض لمصدر الخوف الوهمي, وبتكرار مرات التعرض يقل القلق ويتعود المريض على مصدر خوفه ويفهم أنه ليس كذلك حتى يصل إلى الدرجة التي يتأكد فيها أنه لا داعي لهذا الخوف والقلق.
ـ2ـ العلاج بمنع الاستجابة: ولكي يتم الجزء السابق من العلاج بنجاح لا بد من وقف الطقوس المتكررة التي كان الشخص المريض يقوم بها للقضاء على القلق مثل إخفاء السكاكين ووضعها خارج البيت تمامًا كما في الحالة السابقة, أو طقوس الغسيل والتطهير المستمر للأيدي والجسد حال ملامسة مريض مثلاً أو خلافه مما يسبب الشعور بالقلق لدى المريض, فنحن نعرضه لسبب قلقه ولا نعطيه الفرصة للتخلص من هذا القلق بالطقوس المعتادة, ومن ثم ومع التكرار يقل القلق ولا بد, فهو يرى نفسه ما زال حيًا لم يؤذِ أحدًا ولم يمت بالجراثيم نتيجة الاحتكاك بأسباب الإصابة المتوهمة في عقله.
هذه هي المحاور الرئيسية لعلاج مريض الوسواس القهري ويتبقى لدينا كجزء من العلاج التنبيه على طبيعة دور الأسرة والأشخاص المحيطين لمريض الوسواس القهري أعاننا الله وإياكم على ما يحب ويرضى اللهم آمين.
المصدر : مفكرة الإسلام
هذه الكلمات أطلقها أحد مرضى الوسواس القهري بعدما ثابر في العلاج لمدة وصلت إلى ثمانية أشهر, وهو يرسل رسالة عبر أحد المواقع الإسلامية لكل من شاركه جحيم المعاناة بهذا المرض أن اصبروا واستمروا ولا تفقدوا الأمل, ففقدان الأمل هو أعظم خسارة لقيمة الإنسان, وهو يوجه النصيحة إلى إخوانه بالالتزام بالعلاج والصبر عليه فهما أعظم معين بعد الله تعالى على عبور الأزمة والمحنة.
إننا ونحن نعرض لوسائل العلاج المستخدمة لعلاج مرض الوسواس القهري نؤكد على أنه لا يصح الاستغناء بها عن المعالج والطبيب المتخصص لأنه الأقدر بإذن الله تعالى على تشخيص كل حالة على حدة تشخيصًا دقيقًا وتحديد العلاج ونوعه وجرعاته المناسبة لكل حالة بمفردها ولكن غرضنا فقط ها هنا توضيح بعض الأمور التي قد يختلط فهمها على المريض أو المحيط الأسرى أو الأصدقاء في التعامل مع مرض الوسواس القهري.
اختيار العلاج:
إن أول ما ينبغي لفت الانتباه إليه هو نوع العلاج المستخدم لعلاج مرضى الوسواس القهري وأنه يختلف تبعًا لاختلاف العديد من العوامل, ويتم تحديد النوع بناء على درجة شدة الوسواس وضعفه ومدى تأثيره على المستوى المعرفي فقط أي على مستوى الأفكار فقط أم على المستوى السلوكي أيضًا أي على مستوى الأفعال القهرية, ففي الحالات البسيطة يستخدم العلاج المعرفي السلوكي فقط, وعند شدة الوساوس القهرية يستخدم الدواء بمفرده أو بمعونة العلاج السلوكي والمعرفي, ويختلف كذلك تبعًا لعمر المريض ففي صغار السن غالبًا ما يستعمل العلاج المعرفي والسلوكي فقط.
في الغالب فإن مريض الوسواس القهري يؤنب نفسه على هذه الوساوس ويقوم بتحميل لنفسه مسؤولية هذه الوساوس وأن سببها يرجع لضعف إيمانه وسوء علاقته بربه, وهذا الهاجس المحطم للأمل لا بد من نفيه فهو خلاف الواقع والحقيقة, فالسبب الحقيقي وراء ما يجد في عقله أو سلوكه من وساوس وأفكار إنما هو مرض يجب علاجه لإزالة هذه الآلام والضغوط النفسية, ثم بعد ذلك وقبله نضمن لك أنك لست مسؤولاً عن أفعالك هذه المرضية بنص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: [[إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به]] وما روي عن أبي هريرة في صحيح مسلم أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه فسألوه: 'إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: أوقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم قال: ذاك صريح الإيمان'، ومن هذه الأحاديث استنبط العلماء رحمهم الله تعالى أن حديث النفس والخطاب الداخلي للإنسان لا يؤاخذ به المرء ما لم يتحول إلى كلام أو فعل, كلام بنطق اللسان بأحرف مفهومة وصوت مسموع أو فعل الجوارح وسلوكياتها, وعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة أخبر بأنها محض الإيمان أو صريح الإيمان, والمقصود من ذلك ليس وصف الوسواس نفسه أن من أصابه ذلك فقد بلغ ذروة الإيمان أو الفهم الخاطئ الآخر أن الشيطان لم يجد شيئًا يوسوس به لهذا العبد, فلجأ لهذا الحل وهو التشكيك بمقام الله تعالى والمقدسات, كلا كل هذا فهم خاطئ وتصور منقوص بل قصد النبي صلى الله عليه وسلم من وصف هذه الحال أن العبد قد بلغ محض الإيمان وصريحه باستعظامه النطق بتلك الوساوس, وأنه يخاف من الله لو نطق بتلك الوساوس والأفكار, فهذا هو صريح الإيمان ومحضه, وفي هذا ما فيه من مدح صاحب هذه الوساوس لا على إصابته بها, فهي بلاء للعبد وليست ذنبًا, بل على صبره عليها وخوفه من إغضاب ربه تعالى.
لا بد من ملاحظة الأسباب التي تؤدي بكثير من مرضى الوسواس القهري للامتناع عن التوجه للعلاج مبدئيًا أو للتهرب من العلاج بعد المواظبة عليه لفترة أو الانقطاع عنه فجأة, فلا بد من الاستعداد لهذه الأسباب بالتعرف عليها أولاً وتحديد حجمها ثانيًا واتخاذ التدابير الوقائية التي تمنع حدوثها وتقلل من آثارها السلبية, ويلحظ المعالج أن العلاج من الوسواس القهري يواجه آثارًا نفسية زرعها الوسواس في النفس البشرية وهو يسعى إلى تغييرها, وتكون هذه الآثار قد أخذت حجمًا كبيرًا من النفس, فانتزاعها يكون من الصعوبة بمكان يظهر به أن الهرب من العلاج أسهل من مواجهة اقتلاع هذه الآثار, فعلى المعالج فهم هذا الأمر خاصة عندما تظهر أول إشارة له وتتمثل في عبارة المريض المتكررة عندما يوجهه المعالج إلى الامتناع عن سلوك معين أنه لا يستطيع, فقد حاول وحاول ولم يفلح, ولا تجد المريض على استعداد لبذل الجهد في التغيير, فافهم مباشرة أن هناك تأثيرات أخرى مرتبطة بهذا الفعل الذي تبتغي تغييره وأنك لم تصل بعدُ إلى لب المشكلة أو كل الأعراض, فأعد البحث وغص في أعماق النفس حتى تكتشف ما المعوق الذي يعوق التقدم ولا يكن ظنك أن الحل الوحيد لمريض الوسواس هو الضغط والضغط باستمرار حتى ينفد ما يقوله المعالج.
لا بد من التأكيد أن الأدوية والعقاقير المستخدمة في علاج مرضى الوسواس القهري لا تندرج ضمن أدوية المخدرات أو المهدئات وما شابه ذلك, كلا بل هي تندرج تحت مجموعات تعالج الحفاظ على تركيزات بعض المواد في الخلايا العصبية فهي لا تؤدي للإصابة بالإدمان ما دام التعامل معها يتم في حدود الجرعات الطبية المحددة من الطبيب حتى مع الاستخدام لفترات طويلة.
علاج مرض الوسواس القهري يتمثل في محورين رئيسين هما:
[1] العلاج الدوائي:من خلال التجربة والأبحاث والإحصائيات ثبت أن العلاج بالأدوية له أثر فعال في تحقيق جزء كبير من التقدم للشفاء بإذن الله تعالى عند مريض الوسواس القهري وتوجد عدة مجموعات تستخدم للعلاج ومن ضمنها ولعلها أكثرها استخدامًا وتحقيقا للاستجابة لدى المريض هي مجموعة تقوم بتثبيط استرجاع مادة السيروتونين إلى داخل الخلية العصبية فقد ثبت أن تركيز مادة السيروتونين له أثر كبير في الإصابة بالمرض وشدته وضعفه والمجموعة التي تعالج تركيز هذه المادة لها آثار جانبية أقل مقارنة بباقي المجموعات الدوائية وقد لا يحدث تحسن ملحوظ خلال أول وثاني شهر وعندها يلزم الطبيب زيادة الجرعة, وهنا يتنبه المريض ألا يسرع باليأس من العلاج أو الشعور أنه لا يفيد, فلا بد من مرور وقت لا يقل عن شهر إلى شهرين من الاستمرار على العلاج حتى يمكن للطبيب تحديد الجرعة المناسبة للتأثير وبدء البرنامج العلاجي وإذا لم يحدث تحسن ملموس وحقيقي خلال شهرين إلى ثلاثة فلا بد من تغيير العلاج إلى مجموعة أخرى أو إضافة دواء جديد للبرنامج العلاجي وبالمقابل إذا حدث التحسن يبدأ الطبيب بزيادة الجرعة تدريجيًا.
لا بد من التنبيه لمن استعملوا العلاج الدوائي وظهرت عليهم علامات التحسن ألا يتوقفوا عن أخذ الجرعات الدوائية إلا بإرشادات الطبيب المختص لأن البعض من المرضى بحاجة إلى الاستمرار في العلاج حتى مع ظهور التحسن خاصة عند شدة درجة الوسواس.
أحد المشاكل الرئيسية في علاج مرض الوسواس القهري أنه لا يوجد علاج مناسب محدد لكل مريض بل لا بد من وجود مساحة للتجربة سواء على مستوى الجرعات أو على مستوى نوع الدواء.
[2] العلاج المعرفي والسلوكي ويتضمن العلاج المعرفي والعلاج السلوكي وهما:
1ـ العلاج المعرفي: وهو علاج التصورات المصاحبة للسلوكيات القهرية فالقاعدة تؤكد أن تصرفاتنا وسلوكياتنا تجاه الأشياء لا تنبع أو تصدر من حقيقة تلك الأشياء بل من تصوراتنا لحقائق تلك الأشياء وهي قاعدة لو استوعبها مريض الوسواس وكذا الإنسان السليم من المرض لأزاحت عن كاهل كل منهما عبئًا ثقيلا وحملا عظيما في فهم واستيعاب من أين ينشأ التصرف والسلوك ثم المثابرة حتى يتم الاقتناع به فيتحول إلى مصدر للسلوكيات الإنسانية ولنضرب مثالاً على ذلك فهذا الذي يوسوس مثلا أن يديه متسختان ومن أجل ذلك فهو يقوم بغسلهما مرة واثنتان وعشر وعشرين وأكثر لا بد أن يعلم في الحقيقة أنهما نظيفتان بمجرد الأولى أو الثانية على الأكثر ولكنه يستمر في الغسيل لا لشيء إلا لهذا التصور الخاطئ أنهما ما زالتا متسختين ومثله الأب أو الأم المحبين لأبنائهم ثم يطرأ على ذهن الواحد منهم أنه سيؤذي ولده بالقتل أو غيره من وسائل الإيذاء وتتملك الفكرة عقل الشخص حتى يبدأ بالشك في نفسه وهذا هو عين الوهم فكيف يفعل ذلك وهو الذي يفيض حنانا وحبا على أولاده فهي فكرة باطلة لا بد من دفع تصورها وتيقن بطلانها وأنها لا يمكن أن تحدث فلا بد من التخلص منها ودفعها.
2ـ العلاج السلوكي: ويشتمل على قسمين هما:
ـ1ـ العلاج بالتعرض:ويتم بأن يتعرض المريض لمصدر القلق وسبب الخوف, فمثلاً من يخشى من إيذاء من يحب بالسكين وبناءً عليه فهو يتجنب رؤيتها والإمساك بها وتواجدها في نفس الغرفة معه, نقوم بتعريضه للسكين ببرامج علاج تدريجية والتأكيد على أنه لن يستعملها فيما يخاف, وأن هذا وهم سيزول مع كثرة التعرض لمصدر الخوف الوهمي, وبتكرار مرات التعرض يقل القلق ويتعود المريض على مصدر خوفه ويفهم أنه ليس كذلك حتى يصل إلى الدرجة التي يتأكد فيها أنه لا داعي لهذا الخوف والقلق.
ـ2ـ العلاج بمنع الاستجابة: ولكي يتم الجزء السابق من العلاج بنجاح لا بد من وقف الطقوس المتكررة التي كان الشخص المريض يقوم بها للقضاء على القلق مثل إخفاء السكاكين ووضعها خارج البيت تمامًا كما في الحالة السابقة, أو طقوس الغسيل والتطهير المستمر للأيدي والجسد حال ملامسة مريض مثلاً أو خلافه مما يسبب الشعور بالقلق لدى المريض, فنحن نعرضه لسبب قلقه ولا نعطيه الفرصة للتخلص من هذا القلق بالطقوس المعتادة, ومن ثم ومع التكرار يقل القلق ولا بد, فهو يرى نفسه ما زال حيًا لم يؤذِ أحدًا ولم يمت بالجراثيم نتيجة الاحتكاك بأسباب الإصابة المتوهمة في عقله.
هذه هي المحاور الرئيسية لعلاج مريض الوسواس القهري ويتبقى لدينا كجزء من العلاج التنبيه على طبيعة دور الأسرة والأشخاص المحيطين لمريض الوسواس القهري أعاننا الله وإياكم على ما يحب ويرضى اللهم آمين.
المصدر : مفكرة الإسلام