abo saraa
09 Dec 2005, 06:05 PM
خمس رسائل إلى أمي
( الرسالة الأولى )
صــــبـــــاح الـخير .. يا حلوة ..
مـضــــى عــــامـــان يا أمي ،
عــــلــــى الــولد الـــذي أبحر
برحـــلتــــه الخرافــــــيـة ..
وخـبـأ فــي حــقـــائبـــــه ..
صــــباح بـــلاده الأخـضـــــر
وأنجمها ، وأنهرها ، وكـل شقيقها الأحمر ..
وخـــــبأ فـــــي مـــــلابسه
طرابينًا من النعــــناع والزعــــتر ..
ولــــــــيلكة دمـشــقــيــة ..
( الرسالة الثانية )
أنـــــا وحـــــــــــدي ..
ومــــنـــــي مـــقعدي يضجر
وأحــزاني عصافير ، تفتش بعد عن بيدر
عـــرفت عواطف الإسـمنت والخــشب
عرفــــت حضـــــارة التـعـب ..
وطــفـــــت الــهند ، طفت السند ،
طـــــفــــت الـــعالم الأصفر ..
ولـــــــم أعــــــثــــر ..
عـــلـــى امـرأة تمشط شعري الأشقر
وتحــــمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر
وتكــــســــــونـــي إذا أعرى
وتـــــنـــــشـــــلني إذا أعثر
أيا أمي .. أنا الولد الذي أبحر .. ولا زالت بخاطره
تــــعــــــيــــش عــروسة السكر
فــكـــيــف .. فكـــيـــف .. يا أمـي
غـــــــــدوت أبـــــًا .. ولم أكـبر ؟
( الرسالة الثالثة )
صباح الخير من مدريد ..
ما أخبارها الفلة ؟
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفلة ..
فقد كانت أحب حبيبة لأبي .
يدللها كطفلته ..
ويدعوها إلى فنجان قهوته ..
ويسقيها ، ويطعمها
ويغمرها برحمته ..
ومات أبي ..
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته ..
وتسأل عن عباءته ..
وتسأل عن جريدته ..
وتسأل حين يأتي الصيف عن فيروز عينيه
لتنثر فوق كفيه ..
دنانيرًا من الذهب ..
( الرسالة الرابعة )
سلامات .. سلامات ..
إلى بيت سقانا الحب والرحمة ..
إلى أزهارك البيضاء ..
فرحة " ساحة النجمة "
إلى تختي ، إلى كتبي ،
إلى أطفال حارتنا ..
وحيطان ملأناها بفوضى من كتابتنا ..
إلى قطط كسولات
تنام على مشارقنا ..
وليلكة معرشة على شباك جارتنا ..
مضى عامان .. يا أمي
ووجه دمشق ..
عصفور يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا ..
وينقرنا ، برفق ، من أصابعنا ..
مضى عامان يا أمي ..
وليل دمش .. فل دمشق ..
دور دمشق ..
تسكن في خواطرنا ..
مآذنها .. تضيئ على مراكبنا ..
كأن مآذن الأموي قد زرعت بداخلنا
كأن مشاتل التفاح تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء والأحجار ..
جاءت كلها معنا ..
( الرسالة الخامسة )
أتى أيلول أماه ..
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي ..
مدامعه وشكواه
أتى أيلول أين دمشق ؟
أين أبي وعيناه ؟
وأين حرير نظرته ، وأين عبير قهوته
سقى الرحمن مثواه ..
وأين رحاب منزلنا الكبير . وأين نعماه ؟
وأين مدارج الشمشير .. تضحك في زواياه ؟
وأين طفولتي فيه ..
أجرجر ذيل قطته ..
وآكل من عريشته
وأقطف من " بنفشاه "
دمشق . دمشق ..
يا شعرًا ..
على حدقات أعيننا كتبناه .
******
نزار قباني
( الرسالة الأولى )
صــــبـــــاح الـخير .. يا حلوة ..
مـضــــى عــــامـــان يا أمي ،
عــــلــــى الــولد الـــذي أبحر
برحـــلتــــه الخرافــــــيـة ..
وخـبـأ فــي حــقـــائبـــــه ..
صــــباح بـــلاده الأخـضـــــر
وأنجمها ، وأنهرها ، وكـل شقيقها الأحمر ..
وخـــــبأ فـــــي مـــــلابسه
طرابينًا من النعــــناع والزعــــتر ..
ولــــــــيلكة دمـشــقــيــة ..
( الرسالة الثانية )
أنـــــا وحـــــــــــدي ..
ومــــنـــــي مـــقعدي يضجر
وأحــزاني عصافير ، تفتش بعد عن بيدر
عـــرفت عواطف الإسـمنت والخــشب
عرفــــت حضـــــارة التـعـب ..
وطــفـــــت الــهند ، طفت السند ،
طـــــفــــت الـــعالم الأصفر ..
ولـــــــم أعــــــثــــر ..
عـــلـــى امـرأة تمشط شعري الأشقر
وتحــــمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر
وتكــــســــــونـــي إذا أعرى
وتـــــنـــــشـــــلني إذا أعثر
أيا أمي .. أنا الولد الذي أبحر .. ولا زالت بخاطره
تــــعــــــيــــش عــروسة السكر
فــكـــيــف .. فكـــيـــف .. يا أمـي
غـــــــــدوت أبـــــًا .. ولم أكـبر ؟
( الرسالة الثالثة )
صباح الخير من مدريد ..
ما أخبارها الفلة ؟
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفلة ..
فقد كانت أحب حبيبة لأبي .
يدللها كطفلته ..
ويدعوها إلى فنجان قهوته ..
ويسقيها ، ويطعمها
ويغمرها برحمته ..
ومات أبي ..
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته ..
وتسأل عن عباءته ..
وتسأل عن جريدته ..
وتسأل حين يأتي الصيف عن فيروز عينيه
لتنثر فوق كفيه ..
دنانيرًا من الذهب ..
( الرسالة الرابعة )
سلامات .. سلامات ..
إلى بيت سقانا الحب والرحمة ..
إلى أزهارك البيضاء ..
فرحة " ساحة النجمة "
إلى تختي ، إلى كتبي ،
إلى أطفال حارتنا ..
وحيطان ملأناها بفوضى من كتابتنا ..
إلى قطط كسولات
تنام على مشارقنا ..
وليلكة معرشة على شباك جارتنا ..
مضى عامان .. يا أمي
ووجه دمشق ..
عصفور يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا ..
وينقرنا ، برفق ، من أصابعنا ..
مضى عامان يا أمي ..
وليل دمش .. فل دمشق ..
دور دمشق ..
تسكن في خواطرنا ..
مآذنها .. تضيئ على مراكبنا ..
كأن مآذن الأموي قد زرعت بداخلنا
كأن مشاتل التفاح تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء والأحجار ..
جاءت كلها معنا ..
( الرسالة الخامسة )
أتى أيلول أماه ..
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي ..
مدامعه وشكواه
أتى أيلول أين دمشق ؟
أين أبي وعيناه ؟
وأين حرير نظرته ، وأين عبير قهوته
سقى الرحمن مثواه ..
وأين رحاب منزلنا الكبير . وأين نعماه ؟
وأين مدارج الشمشير .. تضحك في زواياه ؟
وأين طفولتي فيه ..
أجرجر ذيل قطته ..
وآكل من عريشته
وأقطف من " بنفشاه "
دمشق . دمشق ..
يا شعرًا ..
على حدقات أعيننا كتبناه .
******
نزار قباني