dxdiag
31 Dec 2005, 02:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
فقد أخرجت قبل أسبوع رسالة بعنوان ( ثلاث رسائل عاجلة حول الاكتتاب في شركة ينساب ) .
ثم اطلعت على بعض المناقشات العلمية المكتوبة والشفوية عبر القنوات الفضائية من بعض المشايخ الفضلاء الذين أفتوا بالجواز ، وقد لحظت تضمنها بعض الأخطاء في النقل وقراءة نشرة الإصدار ، فحاولت بعدها الاتصال ببعضهم مراراً فلم يتيسر .
ونظراً لاستشكال كثير من الناس حولها، رأيت إخراج هذه المناقشة العلمية على ألا ينفك قارئها عن الرسائل الثلاث التي سبق نشرها في موقع نور الإسلام بتاريخ 16/11/1426هـ، وفق النقاط الآتية :
أولاً : نُسب القول بجواز الاكتتاب في الشركات المختلطة بالربا إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى .
والأقرب أنه رجع عن فتواه ؛ فقد أفتى أولاً بالجواز مع النصح والتأكيد على تركها ، في فتوى بخط يده بتاريخ 21/4/1412هـ ، ثم أفتى بتحريمها في فتواه المنشورة في مجلة الدعوة بتاريخ 1/5/1412هـ والتي بين فضيلته حرمة الاكتتاب فيها ، وأن من اكتتب فيها جاهلاً فإنه يسعى في فك الاشتراك ، فإذا لم يتمكن أخرج النسبة المحرمة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : ما الحكم الشرعي في أسهم الشركات المتداولة في الأسواق، هل تجوز المتاجرة فيها ؟
الجواب : لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال ؛ لأن الشركات الموجودة في الأسواق تختلف في معاملاتها بالربا، وإذا علمت أن هذه الشركة تتعامل بالربا وتوزع أرباح الربا على المشتركين ، فإنه لا يجوز أن تشترك فيها ، وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعد ذلك أنها تتعامل بالربا ، فإنك تذهب إلى الإدارة وتطلب فك اشتراكك ، فإن لم تتمكن ، فإنك تبقى على الشركة ، ثم إذا قُدمت الأرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الأرباح فإنك تأخذ الأرباح الحلال ، وتتصدق بالأرباح الحرام تخلصاً منها ، فإن كنت لا تعلم بذلك فإن الاحتياط أن تتصدق بنصف الربح تخلصاً منه ، والباقي لك ؛ لأن هذا ما في استطاعتك ، وقد قال الله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم". انتهت الفتوى .
وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بالمنع مطلقاً، وهي غير مؤرخة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثاً عن الربح ولكن الذي يحدث أنّ بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلاً 100ريال يبيعه بـ200ريال أو أكثر حسب قيمة تلك السندات في ذلك الوقت، فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا ؟
الجواب : التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا ، فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه ، لكن بشرط أن يكون معلوماً لدى البائع والمشتري ، فيعرف أن له مثلاً 10 أسهم أو 15 سهماً من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلاً فإذا كان معلوماً فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في الشركات أو في مساهمات عقارية كذلك أهـ . ( فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص 47 - 48) .
ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمل الأمر عدم معرفة التاريخ ، فإن الأقرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ، لما علم عنه من شدة تحرزه من أخذ الربا ، وتحريمه تأجير المحلات على صوالين الحلاقة التي تحلق اللحى ، وعلى التموينات التي تبيع الدخان ، إضافة إلى تحريمه للعمل في البنوك الربوية حارساً أو سائقاً ، أو الإيداع فيها في الحساب الجاري ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
وما نحن فيه أولى بالمنع .
ثم لو فرضنا أن الأمر لا يزال مشتبهاً ، أو ثبت أن القول الأخير للشيخ هو الجواز ، فإن العبرة في معرفة الحق هو الدليل ، وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى الاكتتاب في شركة ينساب التي أعلنت الربا الصراح نظاماً لها في المعاملات المالية.
ثانياً : أكد بعض المشايخ أن الشركة إنما وضعت الودائع الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب المواطنين .
وهذا غير صحيح ، فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل مجموع أموال المكتتبين المؤسسين ، وكذلك الاكتتاب العام في حساب الفوائد ، وقد نصت الشركة على ذلك ، وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الإصدار ( ص60 ) : " حقوق المساهمين :
رأس المال المدفوع من قبل المؤسسين – بالريالات- (3.656.250.000) ورأس المال المتوقع من الاكتتاب العام (1.968.750.000) .
ثم جاء في (ص 61) ما نصه : الأرصدة لدى البنوك : وديعة لآجل (5.566.657.000) .. الوديعة لآجل ، والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلي ، وتحقق الوديعة لأجل عمولة سنوية – أي فوائد ربوية – بنسبة 4.85%تقريباً اهـ.
وبهذا يتضح دخول أموال الاكتتاب العام من الجمهور فيها .
ثالثاً : ذكر بعض المشايخ أن الشركة ستأخذ تمويلاً من بعض البنوك ؛ إما بقروض تجارية ، وإما بمرابحات إسلامية .
وهذا غير صحيح ، فمن تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار يجد أن البنك الذي وعد بالتمويل ABN AMRO يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
أي أن أنهم وعدوا بالاقتراض الربوي وغير الربوي ، وليس الأمر على سبيل التردد ، هذا أولاً .
وثانياً : أن البنك المتعهد بالتمويل سيقدم مجموع ما تحصل له من هذه البنوك لشركة ينساب ، فهل سيكون وسيطاً بأجرة ، أو مقرضاً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله بالربا؟! .
وهذا نص ما جاء في نشرة الإصدار : (ص29) : تمويل المشروع : حصلت سابك لصالح ينساب ، على التزام خطي مبدئي من بنك إيه.بي.إن.أمرو ABN AMRO بموجب خطاب التزام مؤرخ في 30 نوفمبر 2005 تعهد بموجبه بتغطية تسهيلات تمويلية بدون حق الرجوع على المساهم الرئيس بقيمة 13.125 مليون ريال سعودي - أي 13 مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي – "اهـ .
وجاء أيضاً في نفس الصفحة تحت عنوان : القروض ورأس المال العامل الابتدائي : "يقوم بنك إيه.بي.إن.أمرو حالياً بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية وبعض الجهات الشبه حكومية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع ..إضافة لتسهيلات القروض المذكورة أعلاه ، سيطلب قرض لتمويل رأس المال العامل الابتدائي بقيمة 833 مليون ريال سعودي، ويتم ترتيبه كجزء من القروض"اهـ .
رابعاً : هوَّن من خطورة الربا على كثير من الناس ، بل حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء المحرم في الشركة لا يتجاوز الواحد في الألف ، وأن هذه نسبة قليلة جداً .
وهذا الإطلاق غير صحيح أيضاً . ويزول اللبس بالتوضيح الآتي : أودعت ينساب ما تحصل لها من أموال المكتتبين المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها (4.375.000ريالاً) فالحقيقة إذاً أن الشركة قامت بتوظيف أموال المكتتبين المؤسسين في الحرام وهو الربا ، ووعدت بإجراء ذلك في أموال الاكتتاب العام كما سبق بيانه .
ومما يؤكد تهاون الناس بجريمة الربا أن الناس لو قيل لهم بأن الشركة ستقوم بتشغيل أموال المكتتبين مدة شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو دور البغاء ، وأن العائد منها سيكون واحداً في المليون : لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ، ولم تكن كلمة (واحد في المليون) سبباً في تساهلهم بالاكتتاب ، فكيف بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!.
خامساً : العبرة في معرفة نظام الشركة هو نشرة الإصدار الرسمية . وينبني عليه أمران :
الأول : أنه لا عبرة بالكلام الشفوي ، لأن الشركات الكبرى لا تعمل إلا وفق نظام رسمي ، ومجالس إدارية ، ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الإصدار .
الثاني : أن ما وعدت به الشركة من القروض الربوية ، قد وقع عليه المكتتب . فلا يقال فيه نشارك ؛ لأنه قد يتغير ، أو أن الأمر محتمل ، ونحو ذلك مما تنفيه نشرة الإصدار الرسمية للشركة .
وأدعو الجميع إلى تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار (صفحة أ ) تحت عنوان ( إشعار هام ) : وتتحمل سابك كامل المسؤولية عن دقة المعلومات الواردة في هذه النشرة ، وتؤكد حسب علمها واعتقادها بعد إجراء الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول : أنه لا توجد أية وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة إلى جعل أية إفادة واردة هنا مضللة .. ويتحمل كل مستلم لنشرة الإصدار قبل اتخاذ قرار الاستثمار مسؤولية الحصول على استشارة مهنية مستقلة بخصوص الاكتتاب .. اهـ .
وأخيراً :
إن سبب حرصي وكتابتي في هذا الموضوع أن الأمر أوسع من أن يكون بحثاً فقهيا اجتهادياً ؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الربا في الشركات القائمة والقادمة ؛ لأن إقبال الناس على الاكتتاب وارتفاع الأسهم مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ، ولو لم يفت بالجواز لما أقبل الناس ، ولخضعت الشركة وأمثالها حينئذ إلى مطالب العلماء - بإذن الله تعالى - وقبلوا باشتراط وجود اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة .
وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكر الربا في الشركات ، والهجر من أقوى وسائل إنكاره ، وأرها متعينة في هذه المرحلة . راجياً أن يطلع من قرأ هذه المناقشة على الرسائل الثلاث السابقة .
وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين .
............
جزاكم الله خير الجزاء
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
فقد أخرجت قبل أسبوع رسالة بعنوان ( ثلاث رسائل عاجلة حول الاكتتاب في شركة ينساب ) .
ثم اطلعت على بعض المناقشات العلمية المكتوبة والشفوية عبر القنوات الفضائية من بعض المشايخ الفضلاء الذين أفتوا بالجواز ، وقد لحظت تضمنها بعض الأخطاء في النقل وقراءة نشرة الإصدار ، فحاولت بعدها الاتصال ببعضهم مراراً فلم يتيسر .
ونظراً لاستشكال كثير من الناس حولها، رأيت إخراج هذه المناقشة العلمية على ألا ينفك قارئها عن الرسائل الثلاث التي سبق نشرها في موقع نور الإسلام بتاريخ 16/11/1426هـ، وفق النقاط الآتية :
أولاً : نُسب القول بجواز الاكتتاب في الشركات المختلطة بالربا إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى .
والأقرب أنه رجع عن فتواه ؛ فقد أفتى أولاً بالجواز مع النصح والتأكيد على تركها ، في فتوى بخط يده بتاريخ 21/4/1412هـ ، ثم أفتى بتحريمها في فتواه المنشورة في مجلة الدعوة بتاريخ 1/5/1412هـ والتي بين فضيلته حرمة الاكتتاب فيها ، وأن من اكتتب فيها جاهلاً فإنه يسعى في فك الاشتراك ، فإذا لم يتمكن أخرج النسبة المحرمة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : ما الحكم الشرعي في أسهم الشركات المتداولة في الأسواق، هل تجوز المتاجرة فيها ؟
الجواب : لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال ؛ لأن الشركات الموجودة في الأسواق تختلف في معاملاتها بالربا، وإذا علمت أن هذه الشركة تتعامل بالربا وتوزع أرباح الربا على المشتركين ، فإنه لا يجوز أن تشترك فيها ، وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعد ذلك أنها تتعامل بالربا ، فإنك تذهب إلى الإدارة وتطلب فك اشتراكك ، فإن لم تتمكن ، فإنك تبقى على الشركة ، ثم إذا قُدمت الأرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الأرباح فإنك تأخذ الأرباح الحلال ، وتتصدق بالأرباح الحرام تخلصاً منها ، فإن كنت لا تعلم بذلك فإن الاحتياط أن تتصدق بنصف الربح تخلصاً منه ، والباقي لك ؛ لأن هذا ما في استطاعتك ، وقد قال الله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم". انتهت الفتوى .
وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بالمنع مطلقاً، وهي غير مؤرخة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثاً عن الربح ولكن الذي يحدث أنّ بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلاً 100ريال يبيعه بـ200ريال أو أكثر حسب قيمة تلك السندات في ذلك الوقت، فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا ؟
الجواب : التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا ، فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه ، لكن بشرط أن يكون معلوماً لدى البائع والمشتري ، فيعرف أن له مثلاً 10 أسهم أو 15 سهماً من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلاً فإذا كان معلوماً فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في الشركات أو في مساهمات عقارية كذلك أهـ . ( فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص 47 - 48) .
ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمل الأمر عدم معرفة التاريخ ، فإن الأقرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ، لما علم عنه من شدة تحرزه من أخذ الربا ، وتحريمه تأجير المحلات على صوالين الحلاقة التي تحلق اللحى ، وعلى التموينات التي تبيع الدخان ، إضافة إلى تحريمه للعمل في البنوك الربوية حارساً أو سائقاً ، أو الإيداع فيها في الحساب الجاري ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
وما نحن فيه أولى بالمنع .
ثم لو فرضنا أن الأمر لا يزال مشتبهاً ، أو ثبت أن القول الأخير للشيخ هو الجواز ، فإن العبرة في معرفة الحق هو الدليل ، وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى الاكتتاب في شركة ينساب التي أعلنت الربا الصراح نظاماً لها في المعاملات المالية.
ثانياً : أكد بعض المشايخ أن الشركة إنما وضعت الودائع الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب المواطنين .
وهذا غير صحيح ، فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل مجموع أموال المكتتبين المؤسسين ، وكذلك الاكتتاب العام في حساب الفوائد ، وقد نصت الشركة على ذلك ، وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الإصدار ( ص60 ) : " حقوق المساهمين :
رأس المال المدفوع من قبل المؤسسين – بالريالات- (3.656.250.000) ورأس المال المتوقع من الاكتتاب العام (1.968.750.000) .
ثم جاء في (ص 61) ما نصه : الأرصدة لدى البنوك : وديعة لآجل (5.566.657.000) .. الوديعة لآجل ، والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلي ، وتحقق الوديعة لأجل عمولة سنوية – أي فوائد ربوية – بنسبة 4.85%تقريباً اهـ.
وبهذا يتضح دخول أموال الاكتتاب العام من الجمهور فيها .
ثالثاً : ذكر بعض المشايخ أن الشركة ستأخذ تمويلاً من بعض البنوك ؛ إما بقروض تجارية ، وإما بمرابحات إسلامية .
وهذا غير صحيح ، فمن تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار يجد أن البنك الذي وعد بالتمويل ABN AMRO يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
أي أن أنهم وعدوا بالاقتراض الربوي وغير الربوي ، وليس الأمر على سبيل التردد ، هذا أولاً .
وثانياً : أن البنك المتعهد بالتمويل سيقدم مجموع ما تحصل له من هذه البنوك لشركة ينساب ، فهل سيكون وسيطاً بأجرة ، أو مقرضاً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله بالربا؟! .
وهذا نص ما جاء في نشرة الإصدار : (ص29) : تمويل المشروع : حصلت سابك لصالح ينساب ، على التزام خطي مبدئي من بنك إيه.بي.إن.أمرو ABN AMRO بموجب خطاب التزام مؤرخ في 30 نوفمبر 2005 تعهد بموجبه بتغطية تسهيلات تمويلية بدون حق الرجوع على المساهم الرئيس بقيمة 13.125 مليون ريال سعودي - أي 13 مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي – "اهـ .
وجاء أيضاً في نفس الصفحة تحت عنوان : القروض ورأس المال العامل الابتدائي : "يقوم بنك إيه.بي.إن.أمرو حالياً بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية وبعض الجهات الشبه حكومية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع ..إضافة لتسهيلات القروض المذكورة أعلاه ، سيطلب قرض لتمويل رأس المال العامل الابتدائي بقيمة 833 مليون ريال سعودي، ويتم ترتيبه كجزء من القروض"اهـ .
رابعاً : هوَّن من خطورة الربا على كثير من الناس ، بل حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء المحرم في الشركة لا يتجاوز الواحد في الألف ، وأن هذه نسبة قليلة جداً .
وهذا الإطلاق غير صحيح أيضاً . ويزول اللبس بالتوضيح الآتي : أودعت ينساب ما تحصل لها من أموال المكتتبين المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها (4.375.000ريالاً) فالحقيقة إذاً أن الشركة قامت بتوظيف أموال المكتتبين المؤسسين في الحرام وهو الربا ، ووعدت بإجراء ذلك في أموال الاكتتاب العام كما سبق بيانه .
ومما يؤكد تهاون الناس بجريمة الربا أن الناس لو قيل لهم بأن الشركة ستقوم بتشغيل أموال المكتتبين مدة شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو دور البغاء ، وأن العائد منها سيكون واحداً في المليون : لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ، ولم تكن كلمة (واحد في المليون) سبباً في تساهلهم بالاكتتاب ، فكيف بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!.
خامساً : العبرة في معرفة نظام الشركة هو نشرة الإصدار الرسمية . وينبني عليه أمران :
الأول : أنه لا عبرة بالكلام الشفوي ، لأن الشركات الكبرى لا تعمل إلا وفق نظام رسمي ، ومجالس إدارية ، ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الإصدار .
الثاني : أن ما وعدت به الشركة من القروض الربوية ، قد وقع عليه المكتتب . فلا يقال فيه نشارك ؛ لأنه قد يتغير ، أو أن الأمر محتمل ، ونحو ذلك مما تنفيه نشرة الإصدار الرسمية للشركة .
وأدعو الجميع إلى تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار (صفحة أ ) تحت عنوان ( إشعار هام ) : وتتحمل سابك كامل المسؤولية عن دقة المعلومات الواردة في هذه النشرة ، وتؤكد حسب علمها واعتقادها بعد إجراء الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول : أنه لا توجد أية وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة إلى جعل أية إفادة واردة هنا مضللة .. ويتحمل كل مستلم لنشرة الإصدار قبل اتخاذ قرار الاستثمار مسؤولية الحصول على استشارة مهنية مستقلة بخصوص الاكتتاب .. اهـ .
وأخيراً :
إن سبب حرصي وكتابتي في هذا الموضوع أن الأمر أوسع من أن يكون بحثاً فقهيا اجتهادياً ؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الربا في الشركات القائمة والقادمة ؛ لأن إقبال الناس على الاكتتاب وارتفاع الأسهم مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ، ولو لم يفت بالجواز لما أقبل الناس ، ولخضعت الشركة وأمثالها حينئذ إلى مطالب العلماء - بإذن الله تعالى - وقبلوا باشتراط وجود اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة .
وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكر الربا في الشركات ، والهجر من أقوى وسائل إنكاره ، وأرها متعينة في هذه المرحلة . راجياً أن يطلع من قرأ هذه المناقشة على الرسائل الثلاث السابقة .
وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين .
............
جزاكم الله خير الجزاء