whitehorse
31 Dec 2005, 04:00 PM
هذا المقال للكاتبة أمل محمد منقول من موقع اخوان اون لاين::sun:
الحج.. الملتقى السياسي السنوي لمسلمي العالم
إخوان أون لاين (http://www.ikhwanonline.org/Article.asp?ID=16976&SectionID=341) - 27/12/2005
- مركز إسلامي جامع
- مجلس شورى المسلمين
- مدرسة إعلامية سياسية
- إعلان لمحاربة العنف والإرهاب
إعداد: أمل محمد
الحج رمز وحدة المسلمين
قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
فالحج أهم عبادة إسلامية تُؤدَّى كلَّ سنة، وهو عبادةٌ جامعةٌ لكل العباداتِ الأخرى؛ لأنها تحتوي على عددٍ من الجوانبِ العبادية، واذا كان الله أمرنا بأداءِ العباداتِ دون بيانٍ لمبرراتِ كل عبادة، إلا أننا نستطيع أن نلمس لكل عبادة معانيَ وحِكَمًا وأسرارًا.
وفي الحج تتجلَّى الأبعاد والمعاني السياسية بقوة وهذا ما تنبَّه له كثيرون، ففي دائرةِ المعارف البريطانية: "يؤدي الحجَّ كل سنة مليونان من الأفراد، وتؤدي هذه العبادة دورًا بالغًا في اجتماعِ المسلمين معًا في احتفالٍ ديني".
مركز إسلامي جامع
ورد في القرآنِ في معرضِ الأمر بالحج: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125) والمثابة مرادفة لكلمةِ المركز بمعناها الحديث، أي المكان الذي يجتمع فيه الناس ويكون مرجعًا يرجعون إليه وجامعًا يجمعهم ويصونهم من التشتت، فبيت الله هو المركز الإسلامي العالمي إلى يومِ القيامة، وهو مقرُّ الاجتماعِ العالمي السنوي لكل مسلمي العالم.
الملتقى الوحدوي الأعظم
ولو نظرت إلى الحجاجِ وهم مجتمعون على جبلِ عرفات بملابسِ الإحرام الموحدة المظهر، فسترى أنَّ الشعوبَ والقوميات تنصهر في بوتقةٍ واحدةٍ جامعة؛ لتكتشف أنَّ الحجَ أكبر مظاهرة اجتماعية منظمة لا تجد لها مثالاً في أي مكانٍ آخر من العالم.
الحجيج.. ودعاء بنصر الإسلام
فالحاجُّ عندما يأتي إلى هذه الديار المقدسة فإنما يستشعر نفسه كعضو في جسد أكبر وفرد في أمة كبيرة مترامية الأطراف، أمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية، فحين يطوف الحاج مع إخوانه المسلمين من شتَّى بُقاع العالم بالكعبةِ المشرفة، وحين يقف على عرفاتِ ويبيت في منى والمزدلفة فإنما يحس بارتباطه العضوي بهذه الأمة الإسلامية على اختلافِ الألوان والأجناس والثقافات واللغات بينها.. مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
فدار المسلمين دار واحدة وإن اختلفت ملوكهم وجيوشهم ولغاتهم وأجناسهم ولا يتحقق بين مسلم ومسلم اختلاف في الدار وإن تباينت التبعية السياسة وتباعدت الأقطار.
المساواة ميراث تاريخي
فإنَّ المسلمَ إذا زار هذه البقاع الطاهرة تذكَّر تاريخ أمته وأنوار قرآنه العظيم، وتذكر صحابة الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- وكيف كانوا سواسيةً كأسنان المشط لا فضلَ لأحد على أحد- مهما كانت مكانته ومنزلته- إلا بالتقوى وصدق الله العظيم إذْ يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وتتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج؛ وذلك على صعيدِ عرفات، حينما يقف الناس موقفًا واحدًا، لا تفاضل بينهم في أي عرضٍ من أعراضِ الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقى فحسب.
ففي هذه المناسك يتساوى الفقير والغني، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، لا تفاضلَ بينهم ولا تناقض في أعمالهم، فالأعمال واحدة، والمقصد والهدف نفسه والسبيل والنهج واحد.
مجلس شورى المسلمين
فالمسلمون يجتمعون في وقتٍ واحدٍ وموضع واحد على عملِ واحد، ويتصل بعضهم ببعض، ويتم التعاون والتعارف، ويكون وسيلةً للسعي في تعرُّف المصالحِ المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسبِ القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والأخوَّة الإيمانية، ويرتبط أقصى المسلمين بأدناهم، فيتفاهمون ويتعارفون ويتشاورون في كل ما يعود بنفعهم، فالإسلام ليس دين طقوس عقيدية جامدة، إنه دينُ حياة بكل أبعادها، والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية، والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمةِ الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحَّدت جهود الأمة الإسلامية دينيًّا وفكريًّا وحضاريًّا.
ولقد كان عمر بن الخطاب يتخذ من الحج سبيلاً لإقامةِ العدل، وبث روح الشورى، والتعرف على شأن رعاياه، فقد كان يسأل الحجيج من كل إقليم عن ولاتهم، وعن مسالكهم في الرعية، ويبث مَن يجيئه بالأخبار، وكثيرًا ما كان يدعو بعض ولاته إلى مناقشته الحساب فيما صنع؛ بناءً على الأخبار التي تصله في الحج.
لذا علينا أن نتحرك جميعًا كمسلمين لجعل الحج مؤتمرًا إسلاميًّا تُبحث فيه كل القضايا الإسلامية؛ حيث يجب على المسلمين الجلوس وجهًا لوجه، وعلى كل فريق أن يبسط كل أدلته ووجهة نظره تجاه الطرف الآخر.
ملايين المسلمين في موسم الحج
فهذا الحج هو مؤتمر إسلامي سنوي، ينعقد بدعوة إلهية، وتلتقي فيه وفود الأمم الإسلامية وممثلوها في أطهرِ مكانٍ بأصفى نفوس، مؤيَّدين بمعونة الله؛ ليرسموا خطة تعاون المسلمين، ويقرروا ما يُحقق آمالهم، ويُعالج أمراضهم، ويُوحِّد كلمتهم.
ولو عُني المسلمون بهذا المؤتمر الإلهي السنوي ليستفيدوا من تجاربِ بعضهم البعض، وليتحدثوا بمشاكلهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في كل المجالات العملية لاكتشفوا الإمكانات التي يمكن لأي بلد إسلامي أن يستفيد فيها من إمكانياتِ البلد الإسلامي الآخر على جميع المستويات؛ باعتبار أنَّ المسلمين أمةٌ واحدةٌ وأن قضاياهم واحدة، وأن مشاكلهم واحدة في هذا المجال.
أقدم وسيلة إعلامية
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾ (الحج).
تقول الروايات إنَّ الله تعالى أمر إبراهيم بأن ينادي في الناس بأن يأتوا هذا البيت زائرين فقال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا يصل إليهم فقال: نادِ وعلينا البلاغ.. فقام على الحجر وقال: يا أيها الناس، إنَّ ربكم قد اتخذ بيتًا فحجُّوا إليه، فيقال: إنَّ الجبالَ تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وسمع مَن في الأرحامِ والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يومِ القيامة: "لبيك اللهم لبيك".. فقد كان النداء الإبراهيمي بمثابة أول إعلان إذاعي أخذه الآخرون من بعده فأسمعوه لمَن في عصرهم، وهكذا استمرَّ هذا العملُ جيلاً بعد جيل، وعندما جاء عصر الصحافة والإذاعة وعصر القرية الصغيرة انتشر هذا الإعلان عبر بقاع الأرض.
محفل لإعلان المواقف السياسية
والحج هو المقام الطبيعي لإعلانِ القضايا الاجتماعية والسياسية؛ ولذلك أعلنت أهم أمور الإسلام في مناسباتِ الحج، ومن أمثلته إعلان البراءة من الكفارِ والمشركين والذي تمَّ بعد نزول سورة التوبة.. لقد نزل حكم البراءة من مشركي الجزيرة العربية وكفارها في المدينة إلا أنه أعلن بمكة خلال موسم الحج.. وهذا دليلٌ واضح على أنَّ موسمَ الحج بمكةَ هو المكان الصحيح لإعلانِ كل القرارات الإسلامية المهمة.. فالحجُّ هو المركز الاجتماعي لكلِّ مسلمي العالم، وهم يجتمعون هُنا وعليهم أن يُعلنوا هنا قراراتهم الكبرى وعليهم أن يضعوا هنا الخطط العالمية للأعمالِ التي تجب عليهم تنفيذًا لأوامرِ الله ورسوله.
والمثال الواضح الثاني لهذا هو خطبة حجة الوداع، التي هي أهم خطبة في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فمن خلالها أراد أن يُعرِّف الناسَ بمقتضياتِ الدين الأساسية بصورة نهائية قُبيل وفاته، ولم يعلنها الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أي مكانٍ آخر بل أخرها إلى أن حان الحج سنة 10 هـ، وكان بإمكانِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يستقدم الناس إلى المدينةِ ليقوم بهذا الإعلان أمامهم ولكنه لم يسلك هذه الطرق بل انتظر الحج، فأعلنها بعد وصوله إلى مكةَ.. وهكذا تبيَّن سُنةَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحجَ هو المكان الأنسب لإعلانِ كُلِّ الأمورِ والقراراتِ المهمة في الإسلام.
هزيمة نفسية للأعداء
ومدرسة الحج كما أنها تُربِّي على الوحدةِ فهي بالمقابل تُحدث هزيمةً نفسيةً عُظمى للكفارِ فهي تحبط كل محاولات تفريق المسلمين وتُغيِّر قناعةَ الكفار في مدى نجاح خططهم لتفكيك المسلمين وتفريقهم وتُدخل عليهم الرعب والخوف من هذا الجمع الغفير الذي توحَّد في كلِّ شيء رغم تفرق البلدان وتباين اللغات واختلاف الألوان وتنوع الطبائع واللهجات.
يقول أحد المنصّرين عن مدى جدوى التنصير في البلاد الإسلامية: "سيظل الإسلامُ صخرةً عاتية تتحطم عليها سفنُ التبشير المسيحي ما دام للإسلامِ هذه الدعائم: القرآن واجتماع الجمعة الأسبوعي ومؤتمر الحج السنوي".
جلاء التعتيم الإعلامي على المسلمين
تأتي مدرسة الحج لتزيل العزلة الشعورية التي يعيشها المسلمون حيال قضاياهم ومشاكلهم وآمالهم وآلامهم وتبدد الحصار والتعتيم الإعلامي المفروض على المسلمين.
يأتي الحج فيلتقي المسلم بإخوانه المسلمين من جميعِ بقاعِ الأرض يُعايشهم ويتحسس أخبارهم ويُشاركهم همومهم وأفراحهم وأتراحهم فينقلها إلى إخوانه المسلمين فيتجاوبون معها همًّا وأرقًا، ويسعون جاهدين لنجدة إخوانهم ومد يد العون لهم.
إعلان لمحاربة العنف والإرهاب
يُعدُّ الحج بمثابة تدريبًا سنويًّا لشحن الإنسان بالروح السَّلامية، فالمظهر متشح بالبياض، والكعبة أصبحت بيت الله الحرام، فيحرم ممارسة العنف بكل أشكاله وامتداداته، فلا جدالَ في الحج، الجدال بمعنى التنازع والتوتر، وينعم الجميع ببحيرةٍ للسلامِ في أرضٍ غير ذي زرع، ويأمن الطير والدواب والإنسان على أنفسهم من العدوان، بعد أن كان الناس يُتخطفون من حولهم، ويمتد السلام من النفس إلى سائرِ الكائناتِ الحية، ليُعدَّ تجربةً سلميةً سنويةً لا تقبل الإلغاء أو التأجيل، للسلامِ الزماني المكاني، في البيتِ الحرام من خلالِ الأشهر الحرم.
الحج.. الملتقى السياسي السنوي لمسلمي العالم
إخوان أون لاين (http://www.ikhwanonline.org/Article.asp?ID=16976&SectionID=341) - 27/12/2005
- مركز إسلامي جامع
- مجلس شورى المسلمين
- مدرسة إعلامية سياسية
- إعلان لمحاربة العنف والإرهاب
إعداد: أمل محمد
الحج رمز وحدة المسلمين
قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
فالحج أهم عبادة إسلامية تُؤدَّى كلَّ سنة، وهو عبادةٌ جامعةٌ لكل العباداتِ الأخرى؛ لأنها تحتوي على عددٍ من الجوانبِ العبادية، واذا كان الله أمرنا بأداءِ العباداتِ دون بيانٍ لمبرراتِ كل عبادة، إلا أننا نستطيع أن نلمس لكل عبادة معانيَ وحِكَمًا وأسرارًا.
وفي الحج تتجلَّى الأبعاد والمعاني السياسية بقوة وهذا ما تنبَّه له كثيرون، ففي دائرةِ المعارف البريطانية: "يؤدي الحجَّ كل سنة مليونان من الأفراد، وتؤدي هذه العبادة دورًا بالغًا في اجتماعِ المسلمين معًا في احتفالٍ ديني".
مركز إسلامي جامع
ورد في القرآنِ في معرضِ الأمر بالحج: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125) والمثابة مرادفة لكلمةِ المركز بمعناها الحديث، أي المكان الذي يجتمع فيه الناس ويكون مرجعًا يرجعون إليه وجامعًا يجمعهم ويصونهم من التشتت، فبيت الله هو المركز الإسلامي العالمي إلى يومِ القيامة، وهو مقرُّ الاجتماعِ العالمي السنوي لكل مسلمي العالم.
الملتقى الوحدوي الأعظم
ولو نظرت إلى الحجاجِ وهم مجتمعون على جبلِ عرفات بملابسِ الإحرام الموحدة المظهر، فسترى أنَّ الشعوبَ والقوميات تنصهر في بوتقةٍ واحدةٍ جامعة؛ لتكتشف أنَّ الحجَ أكبر مظاهرة اجتماعية منظمة لا تجد لها مثالاً في أي مكانٍ آخر من العالم.
الحجيج.. ودعاء بنصر الإسلام
فالحاجُّ عندما يأتي إلى هذه الديار المقدسة فإنما يستشعر نفسه كعضو في جسد أكبر وفرد في أمة كبيرة مترامية الأطراف، أمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية، فحين يطوف الحاج مع إخوانه المسلمين من شتَّى بُقاع العالم بالكعبةِ المشرفة، وحين يقف على عرفاتِ ويبيت في منى والمزدلفة فإنما يحس بارتباطه العضوي بهذه الأمة الإسلامية على اختلافِ الألوان والأجناس والثقافات واللغات بينها.. مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
فدار المسلمين دار واحدة وإن اختلفت ملوكهم وجيوشهم ولغاتهم وأجناسهم ولا يتحقق بين مسلم ومسلم اختلاف في الدار وإن تباينت التبعية السياسة وتباعدت الأقطار.
المساواة ميراث تاريخي
فإنَّ المسلمَ إذا زار هذه البقاع الطاهرة تذكَّر تاريخ أمته وأنوار قرآنه العظيم، وتذكر صحابة الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- وكيف كانوا سواسيةً كأسنان المشط لا فضلَ لأحد على أحد- مهما كانت مكانته ومنزلته- إلا بالتقوى وصدق الله العظيم إذْ يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وتتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج؛ وذلك على صعيدِ عرفات، حينما يقف الناس موقفًا واحدًا، لا تفاضل بينهم في أي عرضٍ من أعراضِ الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقى فحسب.
ففي هذه المناسك يتساوى الفقير والغني، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، لا تفاضلَ بينهم ولا تناقض في أعمالهم، فالأعمال واحدة، والمقصد والهدف نفسه والسبيل والنهج واحد.
مجلس شورى المسلمين
فالمسلمون يجتمعون في وقتٍ واحدٍ وموضع واحد على عملِ واحد، ويتصل بعضهم ببعض، ويتم التعاون والتعارف، ويكون وسيلةً للسعي في تعرُّف المصالحِ المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسبِ القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والأخوَّة الإيمانية، ويرتبط أقصى المسلمين بأدناهم، فيتفاهمون ويتعارفون ويتشاورون في كل ما يعود بنفعهم، فالإسلام ليس دين طقوس عقيدية جامدة، إنه دينُ حياة بكل أبعادها، والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية، والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمةِ الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحَّدت جهود الأمة الإسلامية دينيًّا وفكريًّا وحضاريًّا.
ولقد كان عمر بن الخطاب يتخذ من الحج سبيلاً لإقامةِ العدل، وبث روح الشورى، والتعرف على شأن رعاياه، فقد كان يسأل الحجيج من كل إقليم عن ولاتهم، وعن مسالكهم في الرعية، ويبث مَن يجيئه بالأخبار، وكثيرًا ما كان يدعو بعض ولاته إلى مناقشته الحساب فيما صنع؛ بناءً على الأخبار التي تصله في الحج.
لذا علينا أن نتحرك جميعًا كمسلمين لجعل الحج مؤتمرًا إسلاميًّا تُبحث فيه كل القضايا الإسلامية؛ حيث يجب على المسلمين الجلوس وجهًا لوجه، وعلى كل فريق أن يبسط كل أدلته ووجهة نظره تجاه الطرف الآخر.
ملايين المسلمين في موسم الحج
فهذا الحج هو مؤتمر إسلامي سنوي، ينعقد بدعوة إلهية، وتلتقي فيه وفود الأمم الإسلامية وممثلوها في أطهرِ مكانٍ بأصفى نفوس، مؤيَّدين بمعونة الله؛ ليرسموا خطة تعاون المسلمين، ويقرروا ما يُحقق آمالهم، ويُعالج أمراضهم، ويُوحِّد كلمتهم.
ولو عُني المسلمون بهذا المؤتمر الإلهي السنوي ليستفيدوا من تجاربِ بعضهم البعض، وليتحدثوا بمشاكلهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في كل المجالات العملية لاكتشفوا الإمكانات التي يمكن لأي بلد إسلامي أن يستفيد فيها من إمكانياتِ البلد الإسلامي الآخر على جميع المستويات؛ باعتبار أنَّ المسلمين أمةٌ واحدةٌ وأن قضاياهم واحدة، وأن مشاكلهم واحدة في هذا المجال.
أقدم وسيلة إعلامية
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾ (الحج).
تقول الروايات إنَّ الله تعالى أمر إبراهيم بأن ينادي في الناس بأن يأتوا هذا البيت زائرين فقال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا يصل إليهم فقال: نادِ وعلينا البلاغ.. فقام على الحجر وقال: يا أيها الناس، إنَّ ربكم قد اتخذ بيتًا فحجُّوا إليه، فيقال: إنَّ الجبالَ تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وسمع مَن في الأرحامِ والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يومِ القيامة: "لبيك اللهم لبيك".. فقد كان النداء الإبراهيمي بمثابة أول إعلان إذاعي أخذه الآخرون من بعده فأسمعوه لمَن في عصرهم، وهكذا استمرَّ هذا العملُ جيلاً بعد جيل، وعندما جاء عصر الصحافة والإذاعة وعصر القرية الصغيرة انتشر هذا الإعلان عبر بقاع الأرض.
محفل لإعلان المواقف السياسية
والحج هو المقام الطبيعي لإعلانِ القضايا الاجتماعية والسياسية؛ ولذلك أعلنت أهم أمور الإسلام في مناسباتِ الحج، ومن أمثلته إعلان البراءة من الكفارِ والمشركين والذي تمَّ بعد نزول سورة التوبة.. لقد نزل حكم البراءة من مشركي الجزيرة العربية وكفارها في المدينة إلا أنه أعلن بمكة خلال موسم الحج.. وهذا دليلٌ واضح على أنَّ موسمَ الحج بمكةَ هو المكان الصحيح لإعلانِ كل القرارات الإسلامية المهمة.. فالحجُّ هو المركز الاجتماعي لكلِّ مسلمي العالم، وهم يجتمعون هُنا وعليهم أن يُعلنوا هنا قراراتهم الكبرى وعليهم أن يضعوا هنا الخطط العالمية للأعمالِ التي تجب عليهم تنفيذًا لأوامرِ الله ورسوله.
والمثال الواضح الثاني لهذا هو خطبة حجة الوداع، التي هي أهم خطبة في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فمن خلالها أراد أن يُعرِّف الناسَ بمقتضياتِ الدين الأساسية بصورة نهائية قُبيل وفاته، ولم يعلنها الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أي مكانٍ آخر بل أخرها إلى أن حان الحج سنة 10 هـ، وكان بإمكانِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يستقدم الناس إلى المدينةِ ليقوم بهذا الإعلان أمامهم ولكنه لم يسلك هذه الطرق بل انتظر الحج، فأعلنها بعد وصوله إلى مكةَ.. وهكذا تبيَّن سُنةَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحجَ هو المكان الأنسب لإعلانِ كُلِّ الأمورِ والقراراتِ المهمة في الإسلام.
هزيمة نفسية للأعداء
ومدرسة الحج كما أنها تُربِّي على الوحدةِ فهي بالمقابل تُحدث هزيمةً نفسيةً عُظمى للكفارِ فهي تحبط كل محاولات تفريق المسلمين وتُغيِّر قناعةَ الكفار في مدى نجاح خططهم لتفكيك المسلمين وتفريقهم وتُدخل عليهم الرعب والخوف من هذا الجمع الغفير الذي توحَّد في كلِّ شيء رغم تفرق البلدان وتباين اللغات واختلاف الألوان وتنوع الطبائع واللهجات.
يقول أحد المنصّرين عن مدى جدوى التنصير في البلاد الإسلامية: "سيظل الإسلامُ صخرةً عاتية تتحطم عليها سفنُ التبشير المسيحي ما دام للإسلامِ هذه الدعائم: القرآن واجتماع الجمعة الأسبوعي ومؤتمر الحج السنوي".
جلاء التعتيم الإعلامي على المسلمين
تأتي مدرسة الحج لتزيل العزلة الشعورية التي يعيشها المسلمون حيال قضاياهم ومشاكلهم وآمالهم وآلامهم وتبدد الحصار والتعتيم الإعلامي المفروض على المسلمين.
يأتي الحج فيلتقي المسلم بإخوانه المسلمين من جميعِ بقاعِ الأرض يُعايشهم ويتحسس أخبارهم ويُشاركهم همومهم وأفراحهم وأتراحهم فينقلها إلى إخوانه المسلمين فيتجاوبون معها همًّا وأرقًا، ويسعون جاهدين لنجدة إخوانهم ومد يد العون لهم.
إعلان لمحاربة العنف والإرهاب
يُعدُّ الحج بمثابة تدريبًا سنويًّا لشحن الإنسان بالروح السَّلامية، فالمظهر متشح بالبياض، والكعبة أصبحت بيت الله الحرام، فيحرم ممارسة العنف بكل أشكاله وامتداداته، فلا جدالَ في الحج، الجدال بمعنى التنازع والتوتر، وينعم الجميع ببحيرةٍ للسلامِ في أرضٍ غير ذي زرع، ويأمن الطير والدواب والإنسان على أنفسهم من العدوان، بعد أن كان الناس يُتخطفون من حولهم، ويمتد السلام من النفس إلى سائرِ الكائناتِ الحية، ليُعدَّ تجربةً سلميةً سنويةً لا تقبل الإلغاء أو التأجيل، للسلامِ الزماني المكاني، في البيتِ الحرام من خلالِ الأشهر الحرم.