whitehorse
10 Jan 2006, 12:11 PM
:star:
http://www.ikhwanonline.com/data/info/adha/kalemat.html#4
العيد يبعث روح الوحدة في الأسرة والمجتمع
إعداد: أمل محمد
الأعياد ظاهرة إنسانية واجتماعية عامة، لا يخلو منها مجتمع، ومع أنَّ مظاهرَ الاحتفال بالأعيادِ تختلف من مجتمعٍ إلى آخر إلا أنَّ الإسلامَ له مفهومٌ مميزٌ عن غيره؛ فهو فرحةٌ للصغار تتبعها بهجةٌ للكبار، وفي الأعياد يكون اللهو المباح الذي يُسعد العبد ويُرضي الربَّ، من هنا كانت أهمية العيد في حياتنا.
معنى العيد
العيد لغةً من العود وهو الرجوع بعد غياب، وتعريف العيد في لسان العرب هو: كل يوم فيه جمْع، واشتقاقه من عاد يعود، وقيل اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه.
يجمع العيد عدة معانٍ:
* منها يوم عائد كيوم الجمعة كقوله- صلى الله عليه وسلم- فيه: "إن هذا يومٌ جعله الله للمسلمين عيدًا".
* ومنها الاجتماع فيه أو أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات، كقول ابن عباس "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.."
* وقد يختص العيد بمكانٍ بعينه وقد يكون مطلقًا، كقوله صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا قبري عيدًا" وكلٌّ من هذه الأمور قد يسمى عيدًا.
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقول النبي- صلى الله عليه وسلم- "دعهما يا أبا بكر فإنَّ لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا".
ويُعرِّف مصطفى صادق الرافعي العيد بأنه "زمنٌ قصيرٌ ظريفٌ ضاحكٌ تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يومًا طبيعيًّا في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها"، وفي موضعٍ آخر يصف العيدَ بأنه "يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة، مرتفعةً بقوة إلهية فوق منازعات الحياة".
العيد في القرآن الكريم
وردت كلمة العيد في القرآن الكريم في الحوار بين سيدنا عيسى وأصحابه حول المائدة التي يمنحها الله لهم، ليعيشوا الفرح في معنى الكرامة الإلهية، ولتكون مناسبةً يتذكَّرونها ويخلِّدونها مع الأجيال التي تلتزم نهجهم، وتعيش سرَّ الكرامة في حركتهم وفي قاعدتهم؛ ولذلك طلبوا منه أن ينزِّل الله عليهم مائدةً من السماء وقالوا: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيْدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ (المائدة: 114) أي تكون عيدًا يحتفل به أوَّلنا الذين عاشوا الكرامة، ويحتفل به آخرنا الذين يعيشون من بركة هذه الكرامة.
العيد في السنة النبوية
في حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قَدِم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر".
عيدان عند أولي النُّهَى لا ثالث لهما لمن يبغي السلامة في غدِالفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمدِ
ولأن الإسلام دينٌ واقعيٌّ فإنه وسَّع على المسلمين بإظهار الفرح والسرور وتبادل التهاني والزيارات؛ ليخرج المسلم من حياته الرتيبة ليشارك الآخرين أفراحَهم.. قال محمد بن زياد: "كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا رجعوا من صلاة العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منَّا ومنكم"، كما أباح الإسلام التمتع بالطيبات فيه؛ لذا فقد حرَّم الله الصومَ في يوم عيد الفطر وعيد الأضحى ويومين بعده "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" (خرَّجه مسلم).
مكافأة فورية
وتأتي أعياد المسلمين عقب عبادات كبرى، فعيد الفطر يأتي عقب شهر الصوم حيث يغالب الإنسان شهواته، وعيد الأضحى يأتي عقب التضحية في سبيل الله بالمال والوقت والجهد في رحلة الحج الشاقَّة فكأن الله يكافئ المسلمين براحة بعد عناء.
وبذلك يرتفع معنى العيد في وجداننا وحياتنا ليكون طاعةً لله، وعند ذلك تكون كلُّ أيامنا أعيادًا عندما نطيع الله في صلاتنا وعندما نطيع الله في علاقاتنا، وعندما نطيع الله في معاملاتنا، عند ذلك يمكن أن نعيش العيد في امتداد الزمن، وهكذا لا يبقى العيد يومًا في السنة ولكنه يمتد ليكون سنةً في العمر وعمرًا في الوجود كله، وكما قال الإمام علي رضي الله عنه "إنما هو عيدٌ لمن قبِل الله صيامَه وقيامَه"، ويقول الحسن البصري رحمه الله: "كل يوم لا يُعصَى اللهُ فيه فهو عيدٌ، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعةِ مولاه وذكرِه وشكرِه فهو له عيدٌ".
فهم حقيقي
يقول الرافعي: نحن بحاجة إلى فهم أعيادنا فهمًا جديدًا لكي نتنبه إلى أوصافها القوية ولتتجدد نفوسنا بمعانيها"، ويرصد الرافعي نظرة الناس الحالية للأعياد في أن أكبر عملها تجديد الثياب وتحديد الفراغ وزيادة ابتسامة على النفاق، ويقارن بين فهم الناس للعيد والمعنى الحقيق للعيد في الإسلام:
- فالعيد في الإسلام عيد الفكرة العابدة والناس يجعلونه عيد الفكرة العابثة.
- والعيد في الإسلام إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه والناس يجعلونه إثبات الأمة وجودها الحيواني في أدنى معانيه.
- والعيد في الإسلام يوم استرواح القوة من جدّها والناس جعلوه استراحةَ الضعف من الذلة.
- والعيد في الإسلام هو يوم المبدأ وهم جعلوه يوم المادة.
- وفي ذلك يقول العلامة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: مَن أراد معرفةَ أخلاق أمة فليراقبْها في أعيادها؛ إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها.
وفي العيد معانٍ سياسية
إنَّ المتأملَ لحكمة تشريع الأعياد في الإسلام يلمَحُ بعض المعاني السياسية التي يغفل عنها الكثيرون، ومنها:
- التكافل بين الشعوب: ونعود إلى الرافعي الذي يؤكد أن العيد ليس إلا تعليمَ الأمة كيف تتسِع روحَ الجِوار وتمتد، "حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدةٌ يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهرُ فضيلة الإخلاص مستعلنةً للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاقُ روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها".
- استقلال سياسي واكتفاء ذاتي: كما يعلِّمنا العيد الاعتماد على ما أنتجته أيدينا والاستغناء عن المنتجات الأجنبية، فيقول الرافعي "ليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزةً بطابعها الشعبي، مفصولةً من الأجانب، لابسةً من عمل أيديها، معلنةً بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرةً بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجةً بفرحين في دورها وأسواقها، فكأنَّ العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه".
معاني النصر: "وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجِّه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلَّما شاءت؛ فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيدًا ماليًّا اقتصاديًّا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مجال زينته، وبالجملة تنشئ لنفسها أيامًا تعمل عمل القادة العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر".
ويضيف الرافعي أن هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثًا دهريًّا في الإسلام، ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلةً مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها.
أمة واحدة: ومن المعاني السياسية للعيد استشعار الأمة الإسلامية وحدتها؛ حتى تكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.. يقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر- المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين (رحمه الله)-: "هل يكون فرحنا فرحًا حقيقيًّا من أعماقنا، ونحن نقرأ ونسمع عمَّا يتعرض له إخوةٌ لنا في الإسلام في أنحاء متفرقة من العالم من حرب وقتل وإيذاء وتعذيب وتشريد بغير ذنب، إلا أن يقولوا ربنا الله؟!".. كيف لا نهتم ولا نُفكر في هموم المسلمين، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
دعوة للعمل
والأمة الإسلامية تنطلق في مسيرتها نحو الإصلاح حتى تستشعر المعنى الحقيقي للعيد يقول المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين (رحمه الله): "العيد يكون عيدًا حين يوجد الإيمان عند القادة وحكام المسلمين بضرورة تربية الفرد، وتكوين الأمة، وإعداد الأجيال على الأساس الصحيح من خلال المنهج الرباني الأصيل، ويكون عيدًا حقيقيًّا بكفِّ دعاة العلمانية والتهريج والمرتزقة والإلحاد، وبقايا الشيوعية، عن السخرية بالإسلام وبشعائره، وإيقافهم عند حدودهم، وإن كنا نوقن بأن البحر لا يضره أبدًا أن يُلقي فيه غلام بحجر، وأن الشمس لن تقف عن مسيرتها لو رماها طفل بحصاة".
وهكذا كان الإمام حسن البنا يربي الرجال، وهكذا كان حالُه وحالهم في الأعياد، بينما الناس يتنزَّهون ويستجمُّون كانوا هم في شأن آخر، يسافرون إلى أقاصي البلاد، ويعقدون المؤتمرات، ويقيمون الندوات، ويتباحثون في شئون الإسلام والمسلمين.
ولا ننسَ وصية الإمام البنا للشباب حيث يقول: يا شباب: "إن عيدكم الأكبر يوم تتحرر أوطانُكم، ويَحكمُ قرآنُكم.. فاذكروا في العيد ماضيكم المجيد؛ لتتذكروا تبعاتكم وأملكم لحاضركم، ورسالتكم لمستقبلكم، وجدِّدوا الآمال، وآمنوا، وتآخَوا، واعملوا، وترقَّبوا بعد ذلك النصرَ المبين..
ولا تنسَوا أنَّ ثمنَ النصر تضحيةٌ وفداءٌ؛ فاحرِصوا على تقديم هذا الثمن، ولا تهِنوا بعد ذلك ولا تحزنوا؛ فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعماكم، وما كان الله ليضيعَ إيمانكم".
-------------
المراجع:
د. حسن أبو غدة- مجلة الوعي الإسلامي- عدد 410
الأستاذ مصطفى صادق الرافعي- وحي القلم
http://arabic.bayynat.org.lb
http://www.alalam.ir
http://www.denana.com
http://www.ikhwanonline.com/data/info/adha/kalemat.html#4
العيد يبعث روح الوحدة في الأسرة والمجتمع
إعداد: أمل محمد
الأعياد ظاهرة إنسانية واجتماعية عامة، لا يخلو منها مجتمع، ومع أنَّ مظاهرَ الاحتفال بالأعيادِ تختلف من مجتمعٍ إلى آخر إلا أنَّ الإسلامَ له مفهومٌ مميزٌ عن غيره؛ فهو فرحةٌ للصغار تتبعها بهجةٌ للكبار، وفي الأعياد يكون اللهو المباح الذي يُسعد العبد ويُرضي الربَّ، من هنا كانت أهمية العيد في حياتنا.
معنى العيد
العيد لغةً من العود وهو الرجوع بعد غياب، وتعريف العيد في لسان العرب هو: كل يوم فيه جمْع، واشتقاقه من عاد يعود، وقيل اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه.
يجمع العيد عدة معانٍ:
* منها يوم عائد كيوم الجمعة كقوله- صلى الله عليه وسلم- فيه: "إن هذا يومٌ جعله الله للمسلمين عيدًا".
* ومنها الاجتماع فيه أو أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات، كقول ابن عباس "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.."
* وقد يختص العيد بمكانٍ بعينه وقد يكون مطلقًا، كقوله صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا قبري عيدًا" وكلٌّ من هذه الأمور قد يسمى عيدًا.
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقول النبي- صلى الله عليه وسلم- "دعهما يا أبا بكر فإنَّ لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا".
ويُعرِّف مصطفى صادق الرافعي العيد بأنه "زمنٌ قصيرٌ ظريفٌ ضاحكٌ تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يومًا طبيعيًّا في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها"، وفي موضعٍ آخر يصف العيدَ بأنه "يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة، مرتفعةً بقوة إلهية فوق منازعات الحياة".
العيد في القرآن الكريم
وردت كلمة العيد في القرآن الكريم في الحوار بين سيدنا عيسى وأصحابه حول المائدة التي يمنحها الله لهم، ليعيشوا الفرح في معنى الكرامة الإلهية، ولتكون مناسبةً يتذكَّرونها ويخلِّدونها مع الأجيال التي تلتزم نهجهم، وتعيش سرَّ الكرامة في حركتهم وفي قاعدتهم؛ ولذلك طلبوا منه أن ينزِّل الله عليهم مائدةً من السماء وقالوا: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيْدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ (المائدة: 114) أي تكون عيدًا يحتفل به أوَّلنا الذين عاشوا الكرامة، ويحتفل به آخرنا الذين يعيشون من بركة هذه الكرامة.
العيد في السنة النبوية
في حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قَدِم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر".
عيدان عند أولي النُّهَى لا ثالث لهما لمن يبغي السلامة في غدِالفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمدِ
ولأن الإسلام دينٌ واقعيٌّ فإنه وسَّع على المسلمين بإظهار الفرح والسرور وتبادل التهاني والزيارات؛ ليخرج المسلم من حياته الرتيبة ليشارك الآخرين أفراحَهم.. قال محمد بن زياد: "كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا رجعوا من صلاة العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منَّا ومنكم"، كما أباح الإسلام التمتع بالطيبات فيه؛ لذا فقد حرَّم الله الصومَ في يوم عيد الفطر وعيد الأضحى ويومين بعده "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" (خرَّجه مسلم).
مكافأة فورية
وتأتي أعياد المسلمين عقب عبادات كبرى، فعيد الفطر يأتي عقب شهر الصوم حيث يغالب الإنسان شهواته، وعيد الأضحى يأتي عقب التضحية في سبيل الله بالمال والوقت والجهد في رحلة الحج الشاقَّة فكأن الله يكافئ المسلمين براحة بعد عناء.
وبذلك يرتفع معنى العيد في وجداننا وحياتنا ليكون طاعةً لله، وعند ذلك تكون كلُّ أيامنا أعيادًا عندما نطيع الله في صلاتنا وعندما نطيع الله في علاقاتنا، وعندما نطيع الله في معاملاتنا، عند ذلك يمكن أن نعيش العيد في امتداد الزمن، وهكذا لا يبقى العيد يومًا في السنة ولكنه يمتد ليكون سنةً في العمر وعمرًا في الوجود كله، وكما قال الإمام علي رضي الله عنه "إنما هو عيدٌ لمن قبِل الله صيامَه وقيامَه"، ويقول الحسن البصري رحمه الله: "كل يوم لا يُعصَى اللهُ فيه فهو عيدٌ، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعةِ مولاه وذكرِه وشكرِه فهو له عيدٌ".
فهم حقيقي
يقول الرافعي: نحن بحاجة إلى فهم أعيادنا فهمًا جديدًا لكي نتنبه إلى أوصافها القوية ولتتجدد نفوسنا بمعانيها"، ويرصد الرافعي نظرة الناس الحالية للأعياد في أن أكبر عملها تجديد الثياب وتحديد الفراغ وزيادة ابتسامة على النفاق، ويقارن بين فهم الناس للعيد والمعنى الحقيق للعيد في الإسلام:
- فالعيد في الإسلام عيد الفكرة العابدة والناس يجعلونه عيد الفكرة العابثة.
- والعيد في الإسلام إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه والناس يجعلونه إثبات الأمة وجودها الحيواني في أدنى معانيه.
- والعيد في الإسلام يوم استرواح القوة من جدّها والناس جعلوه استراحةَ الضعف من الذلة.
- والعيد في الإسلام هو يوم المبدأ وهم جعلوه يوم المادة.
- وفي ذلك يقول العلامة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: مَن أراد معرفةَ أخلاق أمة فليراقبْها في أعيادها؛ إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها.
وفي العيد معانٍ سياسية
إنَّ المتأملَ لحكمة تشريع الأعياد في الإسلام يلمَحُ بعض المعاني السياسية التي يغفل عنها الكثيرون، ومنها:
- التكافل بين الشعوب: ونعود إلى الرافعي الذي يؤكد أن العيد ليس إلا تعليمَ الأمة كيف تتسِع روحَ الجِوار وتمتد، "حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدةٌ يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهرُ فضيلة الإخلاص مستعلنةً للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاقُ روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها".
- استقلال سياسي واكتفاء ذاتي: كما يعلِّمنا العيد الاعتماد على ما أنتجته أيدينا والاستغناء عن المنتجات الأجنبية، فيقول الرافعي "ليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزةً بطابعها الشعبي، مفصولةً من الأجانب، لابسةً من عمل أيديها، معلنةً بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرةً بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجةً بفرحين في دورها وأسواقها، فكأنَّ العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه".
معاني النصر: "وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجِّه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلَّما شاءت؛ فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيدًا ماليًّا اقتصاديًّا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مجال زينته، وبالجملة تنشئ لنفسها أيامًا تعمل عمل القادة العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر".
ويضيف الرافعي أن هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثًا دهريًّا في الإسلام، ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلةً مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها.
أمة واحدة: ومن المعاني السياسية للعيد استشعار الأمة الإسلامية وحدتها؛ حتى تكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.. يقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر- المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين (رحمه الله)-: "هل يكون فرحنا فرحًا حقيقيًّا من أعماقنا، ونحن نقرأ ونسمع عمَّا يتعرض له إخوةٌ لنا في الإسلام في أنحاء متفرقة من العالم من حرب وقتل وإيذاء وتعذيب وتشريد بغير ذنب، إلا أن يقولوا ربنا الله؟!".. كيف لا نهتم ولا نُفكر في هموم المسلمين، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
دعوة للعمل
والأمة الإسلامية تنطلق في مسيرتها نحو الإصلاح حتى تستشعر المعنى الحقيقي للعيد يقول المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين (رحمه الله): "العيد يكون عيدًا حين يوجد الإيمان عند القادة وحكام المسلمين بضرورة تربية الفرد، وتكوين الأمة، وإعداد الأجيال على الأساس الصحيح من خلال المنهج الرباني الأصيل، ويكون عيدًا حقيقيًّا بكفِّ دعاة العلمانية والتهريج والمرتزقة والإلحاد، وبقايا الشيوعية، عن السخرية بالإسلام وبشعائره، وإيقافهم عند حدودهم، وإن كنا نوقن بأن البحر لا يضره أبدًا أن يُلقي فيه غلام بحجر، وأن الشمس لن تقف عن مسيرتها لو رماها طفل بحصاة".
وهكذا كان الإمام حسن البنا يربي الرجال، وهكذا كان حالُه وحالهم في الأعياد، بينما الناس يتنزَّهون ويستجمُّون كانوا هم في شأن آخر، يسافرون إلى أقاصي البلاد، ويعقدون المؤتمرات، ويقيمون الندوات، ويتباحثون في شئون الإسلام والمسلمين.
ولا ننسَ وصية الإمام البنا للشباب حيث يقول: يا شباب: "إن عيدكم الأكبر يوم تتحرر أوطانُكم، ويَحكمُ قرآنُكم.. فاذكروا في العيد ماضيكم المجيد؛ لتتذكروا تبعاتكم وأملكم لحاضركم، ورسالتكم لمستقبلكم، وجدِّدوا الآمال، وآمنوا، وتآخَوا، واعملوا، وترقَّبوا بعد ذلك النصرَ المبين..
ولا تنسَوا أنَّ ثمنَ النصر تضحيةٌ وفداءٌ؛ فاحرِصوا على تقديم هذا الثمن، ولا تهِنوا بعد ذلك ولا تحزنوا؛ فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعماكم، وما كان الله ليضيعَ إيمانكم".
-------------
المراجع:
د. حسن أبو غدة- مجلة الوعي الإسلامي- عدد 410
الأستاذ مصطفى صادق الرافعي- وحي القلم
http://arabic.bayynat.org.lb
http://www.alalam.ir
http://www.denana.com