الريحان
20 Feb 2006, 03:16 PM
رجعت من الجنازة بعد أن غبرت قدمي ساعة في الطريق التي ترابها رتاب وأشعة, وكانت في النعش لؤلؤة آدمية محظمة, هي زوجة صديق طحطحتها الأمراض ففرقتها بين علل الموت, وكان قلبها يحييها فأخذ يهلكها , حتى إذا دنا أن يقبضي عليها رحمها الله فقضى فيها قضاءه . ومن ذا الذي مات له مريض با لقلب ولم يره قلبه في علته كا العصفورة التي تهتلك تحت عيني ثعبان سلط عليها سموم عينيه!! .
كانت المسكينة في الخامسة والعشرين من سنها . أما قلبها ففي الثمانين أو فوق ذلك , هي في سن الشباب وهو متهدم في سن المت..
وكانت فاضلة تقية صالحة , لم تتعلم ولكن علمها التقوى والفضيلة . وأكمل النساء عندي ليست هي التي ملأت عينيها من الكتب فهي تنظر إلى الحياة نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل , ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان تقر في كل شيء معناه السماوي , فتؤمن بأحزانها وأفراحها معا , وتأخذ ما تعطي من يد خالقها رحمة معروفة أو رحمة مجهولة , هذه عندي تسمى امرأة , ومعناها المعبد القدسي , وتكون الزوجة , ومعناها القوة المسعدة , وتصير الأم , ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها..
ومهما تبلغ المرأة من العلم فالرجل أعظم منها بأنه رجل , ولكن المرأة حق المرأة هي تلك التي خلقت لتكون للرجل مادة الفضيلة والصبر ولإيمان , فتكون له وحياً وإلهاماً وعزاءً وقوة , أي زيادة في سروره ونقصاً من آلامه؟..
ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد , وهو صفاتها التي تجعل رجلها أعظم منها..
******
ومشيتُ من البيت الذي ألبسته الميتة معنى القبر , وألبس الميتة معنى البيت. وأنا منذ مشيتُ في جنازة أمي (رحمها الله) لا أسير في هذه الطريق مع الأحياء , ولكن مع الموتى , فأتبع من الميت صديقاً وليس رجلاً ولا أمرأة , لأنه من غير هذه الدنيا , وأمشي في ساعة ليست ستين دقيقة , لأنها خرجت من الزمن , ولأأ أرى الطريق من للأرض في رأيي جفرافية أخرى عَمِيَ الناس عنها لشدة وضوحها , كالألوهية خفيت من شدة ما ظهرت.
يقولون : إن ثلاثة أرباع الأرض يغمرها البحر , أما أنا فأرى في تلك الساعة أن ثلاثة أرباع الأرض لا يغمرها البحر الذي وصفوا , ولكن خضم آخر زخار متضرب , هو ذلك البحر الترابي العظيم المسمى (المقبرة)..
يقولون : إن الحياة هي.. هي ماذا _ ويحكم _ أيها المغرورون , أفلا ترون هذه الصلة الدائمة بين بطن الأم وبطن الأرض؟..
******
لعمري كيف تجعل هذه الحياة للناس قلوباً مع قلوبهم , فيحس المرء بقلب , ويعمل بقلب آخر : يعتقج ضرر الكذب ويكذب , ويعرف معرة الإثم ويأثم , ويوقن بعاقبة الخيانة ثم يخون , ويمضي في العمر منتهيا\اً إلى ربه , ما في ذلك شط , ولكنه في الطريق لا يعمل إلا عمل من قد فر من ربه..؟.
هبّتْ الريح في السحر على روضة غناء فطابت لها , فعقدت عقدتها أن تتخذ لها بيتاً في ذلك المكان الطيب لتقيم فيه .. يا لها حكمة من التدبير ! تزعم الريح الإقامة على حين وجودها هو لحظة مرورها , وتحلم بالقرار في البيت وهي لا تملك بطبيعتها أن تقف.
يا لها حكمة سامية , لا يسكنها من المعنى إلا أسخف مافي الحمق!!.
******
هَمَدَ الحي وانطفأت عيناه , ولكنه تحرك في تاريخه مما ضيق على نفسه أو وسع , وأصبح ينظر بعين من عمله إما مبصرة وأو كالعمياء , فلو تكلم يصف الحياة الدنيا لقال : إن هذه النجوم على الأرض مصابيح مأتم أقيم بليل .
وما أعجب أن يجلس أهل المأتم في المأتم ليضحكوا ويلعبوا!!.
ولو نطق الموتى لقالوا: ايها الأحباء , إن هذا الحاظر الذي يمر فيكون ماضيكم في الدنيا , هو بعينه الذي يكون مستقبلكم في الآخرة , لا تزيدون فيه ولا تنقصون .
وإن الدنيا تبدأ عندكم من الأعلى إلى الأدنى : من العظماء إلى الفقراء , ولكنها تنقلب فب الأخرة فتبدأ من الفقراء إلى العظماء , وأنتم ترسمونها بخطوط المطامع والحظوظ , ويجعلها الله بخطوط الحرمان والمجاهدة , وإن التام على الأرض من تم بمتاعها ولذاتها , ولكن التام في السماء من تم بنفسه وحدها .
******
يا أسفا ! لن يقول الميت للحي شيئاً , ومن يدري لعلنا ونحن نلحد الموتى وننزلهم في قبورهم , يرون بأرواحهم الخالدة أننا نحن موتاهم المساكين وأننا مدفونون في القبر الذي يسمونه ((الكرة الأرضية ))! وهل الكرة الأرضية من اللانهاية إلا حفرة برجل نملة لتدفن فيها نملة...
الحياة .. أتريد أن تعرفها على حقيقتها ؟ هي المبهمات الكثيرة التي ليس لها في الأخر إلا تفسير واحد: حلال أو حرام .
******
ورجعنا مع الصديق إلى بيته وله خمسة أطفال صغار لو أنهم الذين انتزعوا من أمهم لترك كل واحد على قلبها مثل الكواة المحمي عليها في النار إلى أن تحمر , ولكن أمهم هي التي نزعت منهم ظ, فكان بقاؤهم في الحياة تخفيفاً لسكرة الموت عليها . وغشيتها الغشية فماتت وهي تضحك , اذ تراهم نائمين تحت جناح الرحمة الإلهية الممدود ,وقالت : إنها تسمع أحلامهم , وكانوا هم عقلها في ساعة الموت!
تبارك الذي جعل في قلب الأم دنيا من خلقه هو , ودنيا من خلقه أولادها !
تبارك الذي أثاب الأم ثواب ما تعاني فجعل فرحها صورة كبيرة من فرح صغارها !
******
وجاء أكبر الأطفال الخمسة , وطغت عليه الدموع فتناول منديله ومسحها بيده الصغيرة , ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على وجهه معاني يتمها !
وظهر الإنكسار في وجهه يعبر ببلاغة أنه قد أحس حقيقة ضعفه وطفولته بإزاء المصيبة التي نزلت به , وجلس مستسلماً تترجم هيئته معاني هذه الكلمة (( رفقاً بي ))! .
ثم تطير من عينيه نظرات في الهواء , كأنما يحس أن أمه حوله في الجو ولكنه لا يراها ! .
ثم يرخي عينيه في إغماضة خفيفة , كأنما يرجوا أن يرى أمه في طويته !
ولا يصدق انها ماتت فإن صوتها حي في أذنيه لا يزال يسمعه من أمس !.
أحس _ ولا ريب _ أنه ضاع في الوجود , لأن الوجود كان أنه .
ورتسم على وجهه التعجب, كأنه يسألنفسه : (( إذا لم تكت أمي هنا , فلماذا أنا هنا ؟!))
ونهض الصغير ولم ينطق بذات شفة , ونهض يحمل رجولته التي بدأت منذ الساعة !.
أنتهت _ أيها الطفل المسكين _ أيامك من الأم , وهذه الأيام السعيدة التي كنت تعرف الغد فيها _ قبل أن يأتي _ معرفتك أمس الذي مضى , اذ يأتي الغد ومعك أمك!..
وبدأت _ ايها الطفل المسكين _ أيامك من الزمن وسيأتي كل غد محجباً مرهوباً , اذ يأتي لك وحدك , ويأتي وأنت وحدك!.
الأم ...؟ يا إلهي , أيس صغير على الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم؟!..
*******************
ّ
كانت المسكينة في الخامسة والعشرين من سنها . أما قلبها ففي الثمانين أو فوق ذلك , هي في سن الشباب وهو متهدم في سن المت..
وكانت فاضلة تقية صالحة , لم تتعلم ولكن علمها التقوى والفضيلة . وأكمل النساء عندي ليست هي التي ملأت عينيها من الكتب فهي تنظر إلى الحياة نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل , ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان تقر في كل شيء معناه السماوي , فتؤمن بأحزانها وأفراحها معا , وتأخذ ما تعطي من يد خالقها رحمة معروفة أو رحمة مجهولة , هذه عندي تسمى امرأة , ومعناها المعبد القدسي , وتكون الزوجة , ومعناها القوة المسعدة , وتصير الأم , ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها..
ومهما تبلغ المرأة من العلم فالرجل أعظم منها بأنه رجل , ولكن المرأة حق المرأة هي تلك التي خلقت لتكون للرجل مادة الفضيلة والصبر ولإيمان , فتكون له وحياً وإلهاماً وعزاءً وقوة , أي زيادة في سروره ونقصاً من آلامه؟..
ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد , وهو صفاتها التي تجعل رجلها أعظم منها..
******
ومشيتُ من البيت الذي ألبسته الميتة معنى القبر , وألبس الميتة معنى البيت. وأنا منذ مشيتُ في جنازة أمي (رحمها الله) لا أسير في هذه الطريق مع الأحياء , ولكن مع الموتى , فأتبع من الميت صديقاً وليس رجلاً ولا أمرأة , لأنه من غير هذه الدنيا , وأمشي في ساعة ليست ستين دقيقة , لأنها خرجت من الزمن , ولأأ أرى الطريق من للأرض في رأيي جفرافية أخرى عَمِيَ الناس عنها لشدة وضوحها , كالألوهية خفيت من شدة ما ظهرت.
يقولون : إن ثلاثة أرباع الأرض يغمرها البحر , أما أنا فأرى في تلك الساعة أن ثلاثة أرباع الأرض لا يغمرها البحر الذي وصفوا , ولكن خضم آخر زخار متضرب , هو ذلك البحر الترابي العظيم المسمى (المقبرة)..
يقولون : إن الحياة هي.. هي ماذا _ ويحكم _ أيها المغرورون , أفلا ترون هذه الصلة الدائمة بين بطن الأم وبطن الأرض؟..
******
لعمري كيف تجعل هذه الحياة للناس قلوباً مع قلوبهم , فيحس المرء بقلب , ويعمل بقلب آخر : يعتقج ضرر الكذب ويكذب , ويعرف معرة الإثم ويأثم , ويوقن بعاقبة الخيانة ثم يخون , ويمضي في العمر منتهيا\اً إلى ربه , ما في ذلك شط , ولكنه في الطريق لا يعمل إلا عمل من قد فر من ربه..؟.
هبّتْ الريح في السحر على روضة غناء فطابت لها , فعقدت عقدتها أن تتخذ لها بيتاً في ذلك المكان الطيب لتقيم فيه .. يا لها حكمة من التدبير ! تزعم الريح الإقامة على حين وجودها هو لحظة مرورها , وتحلم بالقرار في البيت وهي لا تملك بطبيعتها أن تقف.
يا لها حكمة سامية , لا يسكنها من المعنى إلا أسخف مافي الحمق!!.
******
هَمَدَ الحي وانطفأت عيناه , ولكنه تحرك في تاريخه مما ضيق على نفسه أو وسع , وأصبح ينظر بعين من عمله إما مبصرة وأو كالعمياء , فلو تكلم يصف الحياة الدنيا لقال : إن هذه النجوم على الأرض مصابيح مأتم أقيم بليل .
وما أعجب أن يجلس أهل المأتم في المأتم ليضحكوا ويلعبوا!!.
ولو نطق الموتى لقالوا: ايها الأحباء , إن هذا الحاظر الذي يمر فيكون ماضيكم في الدنيا , هو بعينه الذي يكون مستقبلكم في الآخرة , لا تزيدون فيه ولا تنقصون .
وإن الدنيا تبدأ عندكم من الأعلى إلى الأدنى : من العظماء إلى الفقراء , ولكنها تنقلب فب الأخرة فتبدأ من الفقراء إلى العظماء , وأنتم ترسمونها بخطوط المطامع والحظوظ , ويجعلها الله بخطوط الحرمان والمجاهدة , وإن التام على الأرض من تم بمتاعها ولذاتها , ولكن التام في السماء من تم بنفسه وحدها .
******
يا أسفا ! لن يقول الميت للحي شيئاً , ومن يدري لعلنا ونحن نلحد الموتى وننزلهم في قبورهم , يرون بأرواحهم الخالدة أننا نحن موتاهم المساكين وأننا مدفونون في القبر الذي يسمونه ((الكرة الأرضية ))! وهل الكرة الأرضية من اللانهاية إلا حفرة برجل نملة لتدفن فيها نملة...
الحياة .. أتريد أن تعرفها على حقيقتها ؟ هي المبهمات الكثيرة التي ليس لها في الأخر إلا تفسير واحد: حلال أو حرام .
******
ورجعنا مع الصديق إلى بيته وله خمسة أطفال صغار لو أنهم الذين انتزعوا من أمهم لترك كل واحد على قلبها مثل الكواة المحمي عليها في النار إلى أن تحمر , ولكن أمهم هي التي نزعت منهم ظ, فكان بقاؤهم في الحياة تخفيفاً لسكرة الموت عليها . وغشيتها الغشية فماتت وهي تضحك , اذ تراهم نائمين تحت جناح الرحمة الإلهية الممدود ,وقالت : إنها تسمع أحلامهم , وكانوا هم عقلها في ساعة الموت!
تبارك الذي جعل في قلب الأم دنيا من خلقه هو , ودنيا من خلقه أولادها !
تبارك الذي أثاب الأم ثواب ما تعاني فجعل فرحها صورة كبيرة من فرح صغارها !
******
وجاء أكبر الأطفال الخمسة , وطغت عليه الدموع فتناول منديله ومسحها بيده الصغيرة , ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على وجهه معاني يتمها !
وظهر الإنكسار في وجهه يعبر ببلاغة أنه قد أحس حقيقة ضعفه وطفولته بإزاء المصيبة التي نزلت به , وجلس مستسلماً تترجم هيئته معاني هذه الكلمة (( رفقاً بي ))! .
ثم تطير من عينيه نظرات في الهواء , كأنما يحس أن أمه حوله في الجو ولكنه لا يراها ! .
ثم يرخي عينيه في إغماضة خفيفة , كأنما يرجوا أن يرى أمه في طويته !
ولا يصدق انها ماتت فإن صوتها حي في أذنيه لا يزال يسمعه من أمس !.
أحس _ ولا ريب _ أنه ضاع في الوجود , لأن الوجود كان أنه .
ورتسم على وجهه التعجب, كأنه يسألنفسه : (( إذا لم تكت أمي هنا , فلماذا أنا هنا ؟!))
ونهض الصغير ولم ينطق بذات شفة , ونهض يحمل رجولته التي بدأت منذ الساعة !.
أنتهت _ أيها الطفل المسكين _ أيامك من الأم , وهذه الأيام السعيدة التي كنت تعرف الغد فيها _ قبل أن يأتي _ معرفتك أمس الذي مضى , اذ يأتي الغد ومعك أمك!..
وبدأت _ ايها الطفل المسكين _ أيامك من الزمن وسيأتي كل غد محجباً مرهوباً , اذ يأتي لك وحدك , ويأتي وأنت وحدك!.
الأم ...؟ يا إلهي , أيس صغير على الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم؟!..
*******************
ّ