أحياء السنة
28 Feb 2006, 09:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن ورقة بن نوفل لمّا أخبره
رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_ خبر ما رأى قال: "ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك! فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
أَوَمُخرجيَّ هم؟ قال: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي"(1).
عجيب أمر المصلحين.. يُواجَهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون..!!
عجيب أمر المصلحين، يخرج المصلح منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام الأمة بمجموعها لا يضره من
خذله ولا من خالفه،
يتألب عليه الخاصة وينفر منه العامة، يصفونه بأقذع الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق، ومع ذلك فهو رافع الرأس،
عالي الهمة، صادق العزيمة..! ينظر المصلح إلى الناس من حوله فيجد الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله فيتحرك
قلبه، ويهتز ضميره، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها، يظل قلق النفس حائر اللب، لا يهدأ باله بنوم أو
راحة، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب.. وكيف يقوى على ذلك أو يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية، وفصول
الهزيمة والاستكانة تتوالى تباعاً..!!
عجيب أمر المصلحين.. يُواجَهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون..!!
إنّ المصلح صادق مع نفسه، صادق مع الآخرين، يجهر بالحق، ويُسمِّي الأشياء بأسمائها، ويكره
التدليس والخداع وتزوير
الحقائق، ولا يرضى بالمداهنة أو المداورة، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله، كما
لا يرضي المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة وسكرتهم.
ينطلق المصلح مستعيناً بالله – تعالى – يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد الخالص لا يعتريه فتور
ولا خَوَر، ولا
يقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف؛ لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب قوة وثباتاً يستعلي بها على
زخرف الدنيا وبطش الجبابرة.
إن عظمة المصلح تتجلى في ثباته ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس، بدون كَلل أو ملل،
فالحق يمكن أن يصل
إليه الكثيرون، ولكن الصدع به والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا يصل إليها إلا المصلحون الأفذاذ.
إن عظمة المصلح تتجلى في رعايته لهموم الأمة كبيرها وصغيرها، دينيها ودنيويها، فهو يعيش للأمة
يذب عن بيضتها
ويحمي حماها، ولا يتعلق قلبه بشكر الناس أو حمدهم، أو ترهب نفسه من غضبهم أو ظلمهم، يقولها صادقاً: "يَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ" (هود:51).
إنّ المصلحين هم صانعو الحياة، وباعثو الأمل في الأمة، هم حرسها وقادتها وحداتها إلى كل خير، في زمن عزّ فيه الأحياء، وندر فيه الصادقون.
____________
(*) من كتاب (في البناء الدعوي).
(1) أخرجه: البخاري، في كتاب بدء الوحي، باب (3)، (1/23)، رقم (3).
الكاتب أحمد الصويان ...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن ورقة بن نوفل لمّا أخبره
رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_ خبر ما رأى قال: "ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك! فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:
أَوَمُخرجيَّ هم؟ قال: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي"(1).
عجيب أمر المصلحين.. يُواجَهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون..!!
عجيب أمر المصلحين، يخرج المصلح منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام الأمة بمجموعها لا يضره من
خذله ولا من خالفه،
يتألب عليه الخاصة وينفر منه العامة، يصفونه بأقذع الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق، ومع ذلك فهو رافع الرأس،
عالي الهمة، صادق العزيمة..! ينظر المصلح إلى الناس من حوله فيجد الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله فيتحرك
قلبه، ويهتز ضميره، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها، يظل قلق النفس حائر اللب، لا يهدأ باله بنوم أو
راحة، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب.. وكيف يقوى على ذلك أو يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية، وفصول
الهزيمة والاستكانة تتوالى تباعاً..!!
عجيب أمر المصلحين.. يُواجَهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون..!!
إنّ المصلح صادق مع نفسه، صادق مع الآخرين، يجهر بالحق، ويُسمِّي الأشياء بأسمائها، ويكره
التدليس والخداع وتزوير
الحقائق، ولا يرضى بالمداهنة أو المداورة، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله، كما
لا يرضي المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة وسكرتهم.
ينطلق المصلح مستعيناً بالله – تعالى – يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد الخالص لا يعتريه فتور
ولا خَوَر، ولا
يقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف؛ لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب قوة وثباتاً يستعلي بها على
زخرف الدنيا وبطش الجبابرة.
إن عظمة المصلح تتجلى في ثباته ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس، بدون كَلل أو ملل،
فالحق يمكن أن يصل
إليه الكثيرون، ولكن الصدع به والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا يصل إليها إلا المصلحون الأفذاذ.
إن عظمة المصلح تتجلى في رعايته لهموم الأمة كبيرها وصغيرها، دينيها ودنيويها، فهو يعيش للأمة
يذب عن بيضتها
ويحمي حماها، ولا يتعلق قلبه بشكر الناس أو حمدهم، أو ترهب نفسه من غضبهم أو ظلمهم، يقولها صادقاً: "يَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ" (هود:51).
إنّ المصلحين هم صانعو الحياة، وباعثو الأمل في الأمة، هم حرسها وقادتها وحداتها إلى كل خير، في زمن عزّ فيه الأحياء، وندر فيه الصادقون.
____________
(*) من كتاب (في البناء الدعوي).
(1) أخرجه: البخاري، في كتاب بدء الوحي، باب (3)، (1/23)، رقم (3).
الكاتب أحمد الصويان ...