بنت الخـطاب
04 Mar 2006, 09:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
.
.
أبعث هذه الرسالة إلى صديقي الحبيب :
*أخي الحبيب .. سلامي إليك وإلى من معك من أهل الديار المؤمنين … ويغفر الله لنا ولكم ..
*أخي الحبيب .. ابعث لك رسالتي هذه من الديار التي هجرتها عن قريب .. هجرت ليلها ونهارها ... صيفها وشتائها .. بحارها وقفارها .. عمّرها وخرابها ..حلوها ومرها … و أويت إلى رمسك .. من غير اعتذار و لا حتى كلمة وداع ! ..
*أخي الحبيب : عندما جاءني خبر رحيلك .. أطرقت برأسي .. وغبت حتى عن نفسي .. ومر شريط الذكريات في ذهني سريعا ..
تذكرتك عندما كنت ضاحكا !... وعندما كنت متحدثا !.. وعندما كنت مستمعا !.. وعندما كنت تتلو القرآن بصوتك العذب !
.. وعندما .. و عندما ..
فرتحلت من شجن إلى شجن ! ومن حزن إلى ألم !
فتزاحمت العبرات .. واعتلجت في نفسي الذكريات ..
وصار الحال كما قال من مضى :
طوى الجزيرة حتى جاءني الخبر ** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
*أخي الحبيب .. كأني أنظر إلى جسدك المحمول وهو مسجى بعباءة صفراء .! وأخال أنك لم تلبس مثلها قط .. وكأنك تريد أن تدخرها لمنسبات قادمة … فكانت هذه المناسبة التي منعت جميع المناسبات .. فرحمك الله !!
*أخي الحبيب .. ما فعلت آمالك ..
تلك التي يطيب لك إبدائها إلى من تحب ؟!
وما فعلت تطلعاتك وتوثباتك نحو المستقبل ! .. أم أن لها قبر في قبرك ولحد في لحدك ؟!
*أخي الحبيب : يا ذا التسعة عشر ربيعا .. كم فرِحت ببعض من عرفت من الأصدقاء ..
بعضهم تخرج من الجامعة .. وبعضهم تزوج امرأة صالحة .. أو أقتنى سيارة فارهة أو رزق بمولود ..
وكنت تمني نفسك بنصيب من ذلك أيضا .. ولم تدر أن قطار عمرك سيتوقف عن المحطة التاسعة عشر !! ولن يكون لك نصيب مما أردت …
ولكن الله عنده العوض وأنا لله وأنا إليه راجعون !
*أخي الحبيب : في يوم قريب كان الجو جميلاً .. وكان الليل هادئاً ..
والهواء عليلاً .. وكان كل ما حولي يبعث على النشوة والحبور …
ولكن الذي في نفسي غير ذلك .!
كان طيفك مثل برق يومض في نفسي .. ويلح علي للذهاب إلى حيث تقيم ..
فذهبت إلى دار أهلك العامرة ..
..و وقفت أتأمل ..
هذه شجرة باسقة تطل من خلف السور .. وكأنها استبطأت مجيئك ..!!
فهي تتشرف يمنة ويسرة علها تبصرك قادما من بعض الدروب التي اعتادت أن تراك مقبلا منها .. فلا تراك !.. ولن تراك !! ..
هذه عتبت داركم .. كم يا تري ذرعتها داخلا وخارجا .. مبتسما تزرع الابتسامة على وجوه من قابلت ؟!
ترى .. ! ما هي أخر مرة خرجت فيها منها ثم لم تعد ؟! ..
وهل كانت هي تعلم بذلك ؟! وإن كانت تعلم هل قالت لك شيئا…؟
هل ودعتك ..؟ ! ..
لا أدري … ولا أخال بأني سأدري .. !
استمعت إلى هدير أجهزة التكيف .. لاشك أن أهلك ينعمون بهواء بارد !
.. ترى .. وهذه حالهم .. ما هي حال أبنهم ..؟! وكيف طابت نفوسهم إلى أن ينقلوه من هذا المكان .. إلى .. ذلك المكان ؟!
تحركت من أمام دار أهلك .. وقد بلغ الحزن مني مبلغ عظيما .. وتوجهت إلى حيث تقيم أنت الآن .. فقابلني سور طويل .. يفصل بين الحياة ….والموت !!
بين الدنيا والآخرة !!
رغم أن سمكة لا يتجاوز شبرا واحدا … فسبحان الله !!
ولما دخلت … إذ الأرض موحشة ! والمكان صامت برغم كثرة ساكنيه ..!!
فتخطيت القبور .. حتى وقفت على قبرا لا أخطئه ..!!
هذا قبرك يا أخي الحبيب ..! وصندوق عملك !!
لقد ذرفت دمعا سخيا .. وتحرك في نفسي حزن دفين ..
ليس بيني وبينك .. إلا .. أشبار كما أرى.. !!
ولكن هيهات فالمسافة التي بيننا هي مثل ما بين ساعتي هذه وقيام الساعة !! .. بون شاسع وزمن طويل ..
وقفت أمام قبرك لحظات .. الله وحده يعلم ما حالي فيها .. يتعثر اللسان .. ويعجز الخيال .. ويكبو القلم .. أن يصفها ..!!
تركت قبرك و مضيت إلى الحياة مرة أخرى .. وأحسست أني تركت بعض نفسي عندك أن لم يكن كلها .. !
وصرت أمشي في مرابعك … وحالي كما قال بعض صحبك ..
ما أن أمر بأرض قد مررت بها ** إلا ذكرت ومثلي اليوم مذكار ..
* أخي الحبيب .. جبر الله عزائنا بفقدك .. وأنزلك منازل الشهداء .. وسقى قبرك وابلاً من العفو والمغفرة .. ورزقنا الاستعداد لحال كحالك .. !
صديقك المحب .. الذي لن ينساك .. !!
.
.
.
.
من مطوية دعوية
بتصرف يسير
.
.
بنت الخطاب
.
.
أبعث هذه الرسالة إلى صديقي الحبيب :
*أخي الحبيب .. سلامي إليك وإلى من معك من أهل الديار المؤمنين … ويغفر الله لنا ولكم ..
*أخي الحبيب .. ابعث لك رسالتي هذه من الديار التي هجرتها عن قريب .. هجرت ليلها ونهارها ... صيفها وشتائها .. بحارها وقفارها .. عمّرها وخرابها ..حلوها ومرها … و أويت إلى رمسك .. من غير اعتذار و لا حتى كلمة وداع ! ..
*أخي الحبيب : عندما جاءني خبر رحيلك .. أطرقت برأسي .. وغبت حتى عن نفسي .. ومر شريط الذكريات في ذهني سريعا ..
تذكرتك عندما كنت ضاحكا !... وعندما كنت متحدثا !.. وعندما كنت مستمعا !.. وعندما كنت تتلو القرآن بصوتك العذب !
.. وعندما .. و عندما ..
فرتحلت من شجن إلى شجن ! ومن حزن إلى ألم !
فتزاحمت العبرات .. واعتلجت في نفسي الذكريات ..
وصار الحال كما قال من مضى :
طوى الجزيرة حتى جاءني الخبر ** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
*أخي الحبيب .. كأني أنظر إلى جسدك المحمول وهو مسجى بعباءة صفراء .! وأخال أنك لم تلبس مثلها قط .. وكأنك تريد أن تدخرها لمنسبات قادمة … فكانت هذه المناسبة التي منعت جميع المناسبات .. فرحمك الله !!
*أخي الحبيب .. ما فعلت آمالك ..
تلك التي يطيب لك إبدائها إلى من تحب ؟!
وما فعلت تطلعاتك وتوثباتك نحو المستقبل ! .. أم أن لها قبر في قبرك ولحد في لحدك ؟!
*أخي الحبيب : يا ذا التسعة عشر ربيعا .. كم فرِحت ببعض من عرفت من الأصدقاء ..
بعضهم تخرج من الجامعة .. وبعضهم تزوج امرأة صالحة .. أو أقتنى سيارة فارهة أو رزق بمولود ..
وكنت تمني نفسك بنصيب من ذلك أيضا .. ولم تدر أن قطار عمرك سيتوقف عن المحطة التاسعة عشر !! ولن يكون لك نصيب مما أردت …
ولكن الله عنده العوض وأنا لله وأنا إليه راجعون !
*أخي الحبيب : في يوم قريب كان الجو جميلاً .. وكان الليل هادئاً ..
والهواء عليلاً .. وكان كل ما حولي يبعث على النشوة والحبور …
ولكن الذي في نفسي غير ذلك .!
كان طيفك مثل برق يومض في نفسي .. ويلح علي للذهاب إلى حيث تقيم ..
فذهبت إلى دار أهلك العامرة ..
..و وقفت أتأمل ..
هذه شجرة باسقة تطل من خلف السور .. وكأنها استبطأت مجيئك ..!!
فهي تتشرف يمنة ويسرة علها تبصرك قادما من بعض الدروب التي اعتادت أن تراك مقبلا منها .. فلا تراك !.. ولن تراك !! ..
هذه عتبت داركم .. كم يا تري ذرعتها داخلا وخارجا .. مبتسما تزرع الابتسامة على وجوه من قابلت ؟!
ترى .. ! ما هي أخر مرة خرجت فيها منها ثم لم تعد ؟! ..
وهل كانت هي تعلم بذلك ؟! وإن كانت تعلم هل قالت لك شيئا…؟
هل ودعتك ..؟ ! ..
لا أدري … ولا أخال بأني سأدري .. !
استمعت إلى هدير أجهزة التكيف .. لاشك أن أهلك ينعمون بهواء بارد !
.. ترى .. وهذه حالهم .. ما هي حال أبنهم ..؟! وكيف طابت نفوسهم إلى أن ينقلوه من هذا المكان .. إلى .. ذلك المكان ؟!
تحركت من أمام دار أهلك .. وقد بلغ الحزن مني مبلغ عظيما .. وتوجهت إلى حيث تقيم أنت الآن .. فقابلني سور طويل .. يفصل بين الحياة ….والموت !!
بين الدنيا والآخرة !!
رغم أن سمكة لا يتجاوز شبرا واحدا … فسبحان الله !!
ولما دخلت … إذ الأرض موحشة ! والمكان صامت برغم كثرة ساكنيه ..!!
فتخطيت القبور .. حتى وقفت على قبرا لا أخطئه ..!!
هذا قبرك يا أخي الحبيب ..! وصندوق عملك !!
لقد ذرفت دمعا سخيا .. وتحرك في نفسي حزن دفين ..
ليس بيني وبينك .. إلا .. أشبار كما أرى.. !!
ولكن هيهات فالمسافة التي بيننا هي مثل ما بين ساعتي هذه وقيام الساعة !! .. بون شاسع وزمن طويل ..
وقفت أمام قبرك لحظات .. الله وحده يعلم ما حالي فيها .. يتعثر اللسان .. ويعجز الخيال .. ويكبو القلم .. أن يصفها ..!!
تركت قبرك و مضيت إلى الحياة مرة أخرى .. وأحسست أني تركت بعض نفسي عندك أن لم يكن كلها .. !
وصرت أمشي في مرابعك … وحالي كما قال بعض صحبك ..
ما أن أمر بأرض قد مررت بها ** إلا ذكرت ومثلي اليوم مذكار ..
* أخي الحبيب .. جبر الله عزائنا بفقدك .. وأنزلك منازل الشهداء .. وسقى قبرك وابلاً من العفو والمغفرة .. ورزقنا الاستعداد لحال كحالك .. !
صديقك المحب .. الذي لن ينساك .. !!
.
.
.
.
من مطوية دعوية
بتصرف يسير
.
.
بنت الخطاب