قلب الأخوة
08 Mar 2006, 11:34 AM
أن الحمد لله نحمده ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشه أن محمد عبه ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} آل عمران<102>
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء<1>
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}سورة الأحزاب<70،71>
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
عباد الله... وقوع الفتن سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل كما في قوله تبارك وتعالى {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }سورة العنكبوت <1،2،3>
وقد كتبها الله عز وجل أي الفتن وقد كتبها الله عز وجل على عباده لحكم عظيمة منها تميز المؤمنين من غيرهم ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات وغير ذلك مما لا نعلم.عن حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنه ما دامت السماوات والأرض والآخر مربادا ًكالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا منكر منكراً إلا ما أشرب من هواه"رواه مقدم
عباد الله.. وأي فتن أعظم مما نراه اليوم فتن شهوات ..وفتن شبهات.. حروب في كل مكان... كفر وضلال... وميل عن الحق... وركون إلى الأرض.. خلاف وسلطة.. وغلو في الدين .. وبعد عن منهج رب العالمين ولا مخرج ولا نجاة من هذا كله إلا بالتمسك بكتاب رب العالمين وسنة نبيه الأمين قال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " قال شيخ الإسلام رحمه الله : ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر
عباد الله ..ورغم كل ما نراه من إغراءات وظهور للباالألباني رحمهفإن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون رغم كل ما نراه من تسارع الناس إلى الشهوات وتكاسل عن الطاعات فإن من بين أولئك فئة من الناس اختارها الله واصطفاها وحفظها من الفتن لما حفظت أوامر الله أولئك هم الغرباء وهم من أردت لأن أواسي بكلماتي هؤلاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" قيل ومن هم -اسمع بارك الله فيك -قيل ومن هم يا رسول الله .قال:"الذين يصلحون إذا فسد الناس"صححه الألباني رحمه الله
تأمل بارك الله فيك في قوله صلى الله عليه وسلم يصلحون ولم يقل صالحون فالصلاح وحده لا يكفي قال الله جل في علاه {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}هود<116>
عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم ونحن عنده "طوبى للغرباء "فقيل من الغرباء يارسول الله قال" أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"رواه أحمد والطبراني بسند صحيح
عباد الله ...
مما سبق يتبين ويتضح لنا أن الغرباء قلة من الناس لأنهم يصلحون إذا فسد الناس وأنهم أناس صالحون في أناس سوء كثير وأن من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ومن أوصافهم أيضاً أنهم أهل غيرة ودعوة وإصلاح من أوصاف الغرباء إيضاً أنهم أهل غيرة ودعوة وإصلاح وليسوا بيائسين ولا مستسلمين للواقع كما يتبين لنا أيضاً أنه مهم اشتدت الغربة فلن تخلو الأرض من قائم لله بالحق حتى يأتي أمر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة "رواه البخاري ومسلم
اسمع بارك الله فيك وانتبه رعاك الله انتبه إلى مزيد من أوصاف الغرباء حتى تكون منهم قال نافع ابن مالك دخل عمر ابن الخطاب المسجد يوماً ووجد فيه معاذ ابن جبل جالساً إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له عمر : ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن أهلك أخوك؟-يعني مات أخوك-قال : لا ولكن حديثاً حدثنيه حبيبي صلى الله عليه وسلم وأنا في هذا المسجد فقال عمر: وما هو؟ قال: قال لي صلى الله عليه وسلم :"إن الله يحب الأخفياء الأحفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح هدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة "له شواهد يقول ابن القيم رحمه الله :فهؤلاء هم الغرباء هؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبطون الموصوفون بتلك الصفات ولقلتهم في الناس جداً سموا الغرباء فأهل الإسلام في الناس غرباء والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونها من أهل الأهواء والبدع في أهل العلم غرباء الداعون إلى السنة والصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً فلا غربة عليهم لا يظن ظان أن الغرباء في شقاء وتعاسة بل هم أسعد الناس كما قال صلى الله عليه وسلم "فطوبى للغرباء" وطوبى من الطيب قال سبحانه {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}سورة الرعد <29>وهم أسعد الناس في الدنيا وأعلاهم منزلة في الآخرة بعد الأنبياء طوبى لهم في الدنيا وطوبى لهم في الآخرة عن أبي سعد مرفوعاً قال: "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مئة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"... اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا والغربة عباد الله... كما قال ابن القيم رحمه الله:قد تكون في مكان دون مكان ووقت دون وقت وبين قوم دون قوم..
اسمع رعاك الله ما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله وهو يتحدث عن أهل زمانه وكيف ظهرت بينهم البدع والضلالات وكيف كانت غربته وغربة أهل السنة في ذلك الحين قال أي الإمام الشاطبي قال: فقلت هل أخالف الناس مع كثرتهم -مع كثرة أهل الباطل-قال قلت هل أخالفهم مع كثرتهم وأنصر السنة مع في ذلك من البلاء العظيم من شدة المخالفين وكثرتهم وكثرة المتربصين أيضاً فرأيت أن لا نجاة إلا بأتباع السنة وإن قل وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً فكيف أخاف الناس ولا أخاف من الله نصر السنة فقامت عليه القيامة وتوالت عليه الملامة وصوبت نحوه السهام يقول ونسبت إلى البدع والضلال وأنزلت إلى منزلة أهل الغباوة والجهالة إلى آخر كلامه رحمه الله ... أنظر اليوم وتأمل الحال... أنظر اليوم وتأمل الحال إذا استقام الشاب أو الفتاه أصبحوا بين أصحاب الماضي غرباء بل حتى في بيوتهم وبين أهليهم سخرية افتراء استهزاء وما ضر هؤلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" طوبى للغرباء" وقال أيضاً :"إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم " يقول لصحابته "إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم ".. قال الصحابة يا نبي الله أو منهم قال:"بل منكم"فابشروا أيها الغرباء بالأجر العظيم للمتمسكين والثابتين..
اسمع بارك الله فيك وتدبر هذا الكلام وافهم معناه وقل لا إله إلا الله كيف لو رأى من قال هذا الكلام زماننا وغربتنا..... قال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله إني أدكت زمن من الأزمنة عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ وعاد وصف الحق فيه غريباً كما بدأ إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا يحب التعظيم والرئاسة وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهل في عبادته مخدوع صريعاً غدره إبليس قد صعد به إلى أعلى درجات العبادة وهو جاهل بأدناها كيف بأعلاها وأكثر الناس -في حين يقول- وأكثر الناس همج رعى وذئاب مفترسة وسباع رائية وثعالب ماكرة ...انتهى كلامه رحمه الله فلا إله إلا الله هذا وصف أهل زمانه فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي كيف لو رأى زماننا ورأى غربتنا كيف لو رأى الدواهي والعظائم التي لم تخطر بباله ولم تدر في خياله روى الذهبي رحمه الله تعالى في السير عن أبي حسين العتكي قال : سمعت إبراهيم الحربي سمعته يقول لجماعة عنده :من تعدون الغريب عندكم -من تعدون الغريب عندكم وفي زمانكم- فقال رجل الغريب من نأى عن وطنه وقال آخر الغريب من فارق أحبابه فقال إبراهيم :الغريب في زماننا رجل صالح آسى بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا آثروه ثم ماتوا وتركوه -ثم ماتوا وتركوه في غربته - يعاني مع الهمج الرعى
وإليكم ... عباد الله بعض من أقوال السلف في الغربة وأهلها ...
قال الأوزاعي رحمه الله :في قوله صلى الله عليه وسلم :"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ " قال رحمه الله :أما وإنه لا يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى منهم إلا رجل واحد.. قال يونس ابن عبيد رحمه الله: ليس شيء أغرب من السنة والأغرب منها من يعرفها ويتبعها ويطبقها... عن سفيان الثوري رحمه الله قال : استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء ...وقال ابن رجب رحمه الله : هؤلاء الغرباء قسمان أحدهم من يصلح نفسه عند فساد الناس وهذا أدناهم منزلةً والثاني من يصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين بل هو أفضلهما القسم الأول يصلح نفسه إذا فسد الناس والآخر صاحب همة عالية يصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين بل هو أفضلها ... قال الحسن رحمه الله المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ضلها ولا ينافس في عزها له شأن وللناس شأن... بل ما أجمل وأحلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا وهو يوصينا بعيشة الغرباء قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه بينما كنت أسير إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم آخذ بمنكبي فقال لي "يابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل والغريب" أحبتي الذي لا دار له ولا وطن له ولا أهل له يشتاق دائماً للرجوع إلى أهله وإلى داره ووطنه ففي هذا يقول ابن القيم رحمه الله وهو يشوقنا للجنة وما فيها ...
فحيا على جنات عـدن فإنها مـنازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننـا سبي العدو فهل ترى إلى أوطـاننا نعـود ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطـت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنـا التي أضحت لها الأعداء فينا تحكم
أثبتوا أيها الغرباء.. أثبتوا أيها الغرباء .. وأعلموا أن القابض على دينه كالقابض على الجمر اثبتوا أيها الغرباء.. وأعلموا أن الله أعد للثابتين من الغرباء...ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر...ذلك جزاء ثباتهم وتمسكهم في زمان غربتهم اللهم اجعلنا منهم ومعهم نفعني الله وإياكم بالقرآن الحكيم ونفعني الله وإياكم بما في من الآيات والذكر الحكيم وبهدي المصطفى الأمين أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد ..
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومن تقواه امتثال أوامره واجتناب ما نهاه
أحبتي لا يزال حديثي مستمراً متواصلاً عن الغربة والغرباء فاعلم رعاك الله أن الغربة المطلقة أن الغربة المطلقة في كل الأرض لا تكون إلا قبيل قيام الساعة أما قبل ذلك فلن تخلو الأرض من قائمين بالحق ولو كانوا قلة لا تكون إلا قبيل قيام الساعة وهؤلاء القلة في كل مكان وزمان هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة المتمسكة بالكتاب والسنة الملازمة للجماعة السائرة على درب السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين ...
اعلم رعاك الله أنه مع قلتهم لكن أثرهم على الناس عظيم مع قلتهم لكن أثرهم على الناس عظيم لأن من أوصافهم أنهم يدعون إلى الله عز وجل ويصلحون ما أفسد الناس ويجددون لهم دينهم كما لابد أن تعلم أن المخالفين للغرباء كثير لا بد أن تعلم أن المخلفين للغرباء كثير والأذى الذي يتعرضون له عظيم ولكنهم بالحق الذي يحملونه لكنهم بالحق الذي يحملونه والمهمة الشريفة التي يؤدونها وبالصبر الجميل الذي يتحلون به صادقون مطمأنون لأنهم يعلمون أن الله غالب على أمره ولكن أكثرهم لا يعلمون
عباد الله .. أن من مظاهر الغربة في زماننا اليوم وهي كثيرة متنوعة وإليكم بعضاً منها...
غربة في العقيدة .. فلا يوجد من هو متمسك بعقيدة السلف من جميع جوانبها إلا قليل من الناس وأنظر في كثير من بلدان المسلمين حيث انتشرت بدع وخرافات وشركيات وضلالات سحرة وكهان والله المستعان ..
ومن مظاهر الغربة أيضاً ... غربة في تطبيق الشريعة والتحاكم إليها ..فلا يحكم اليوم يف أكثر بلدان المسلمين إلا بأحكام وقوانين الكفرة الفجرة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}سورة المائدة <50> ..
ومن المظاهر أيضاً ...غربة في الالتزام في أحكام الإسلام قل المصلون وكثر المغنون والله يقول{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}سورة الأنبياء <1>
ومن الظاهر أيضاً ... غربة في السلوك والأخلاق الفاضلة فلا نكاد نرى من يتخلق حقيقة بأخلاق الإسلام في المعاملات وغيرها فقل القدوات والأسوات فكيف نستطيع كيف نستطيع أن نؤثر على غيرنا إذا فقدنا أخلاقنا وقيمنا
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت إن هم ذهت أخلاقهم ذهبوا
ومن مظاهر الغربة أيضاً .. غربة أهل الحق ودعاة الإسلام وتسلط الأعداء عليهم وإيذائهم بشتى أنواع الأذى والنكال..سجن وتغريب ومصادرة أموال وما ضرهم والله فلهم عند الله أحسن مآل قال سبحانه ..{فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} سورة آل عمران <195>
ومن مظاهر الغربة التي أصبحت واضحة للعيان غربة في عقيدة الولاء والبراء حيث ضيعت هذه العقيدة ضيعت هذه العقيدة عند كثير من الناس وأصبح الولاء هو الحب للدنيا ومصالحها فأصبح أعداء الله أصدقاء أصبح أعداء الله أصدقاء ما كأن الله قال ..{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ما كأن الله قال ..{لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ } المائدة <51>
مالي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لـو تنفـع المحـزون أواه
إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ مجـداً تليـداً بأيدينا أضعنـاه
أنا اتجهت إلى السلام في بلدٍ تجده كالطـير مقصوص جناحاه
كـم صرفتنا يد كنا نصرفها وبـات يملكنـا شعب ملكنـاه
ورغم كل هذه المظاهر والمخاطر سنظل متفائلون واثقون فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولكنني في ظل هذه الظروف أحذر الغرباء من أمور...أحذر الغرباء من أمور
أولها ...فتنة الشبهات والتأثر بأهلها الذين هم الأكثر في عصور الغربة احذر احذر بارك الله فيك من كلامهم المعسول ومن كلامهم الذي يغيرون فيه الحق إلى الباطل أحذر الغرباء من فتنة الشهوات التي وتصم وتجعل كثيراً يتنازلون وينغمسون في زخرف الحياة الدنيا وملذاتها احذر الغرباء من اليأس والقنوط من ظهور الحق وانتصاره أمام تكالب الأعداء وتسلطهم على أهل الخير بالأذى والابتلاء أحذر الغرباء من العجلة وقلة الصبر على الأذى مما يؤدي إلى التسرع والاصطدام مع أهل مع أهل الفساد دون مراعاة للمصالح والمقاصد فينشأ من جراء ذلك فتنة أشد وفساد كبير
عباد الله . ..مهما طال الليل فالفجر قريب ومهما اسود الظلام فالله سميع قريب مجيب والمستقبل للإسلام والله غالب على أمره ولكن أثر الناس لا يعلمون وحينها سوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى معنى لطيف في الغربة فقال :وهو لما بدأ غريباً -أي الإسلام-لا يعرف ثم ظهر فعرف وكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف وفي هذا يا عباد الله رد على من يفهم من أحاديث الغربة أنه هذا انحسار في الإسلام عدم الأمل بعودته وهذا ما يفهمه كثير من اليائسين في كلام شيخ الإسلام السابق رد على هذا القهر القاطع وذلك أن الإسلام إذا عاد غريباً كما بدأ إنه بإذن الله سيعود قوياً ظاهراً كما حصل ذلك بعد غربة الإسلام الأولى وهذا الفهم الصحيح الذي تشهد له آيات وأحاديث قال جل في علاه {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} المجادلة <21> وقال سبحانه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}سورة الصافات <135،136،137> وغير ذلك من الآيات قال صلى الله عليه وسلم:" إن الله زوي لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها "رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم :"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عز يعز الله به الإسلام وذل يذل به الكفر "صححه الألباني رحمه الله
نعم عباد الله سينتصر الإسلام وسيهزم الكفار والمنافقون قال جل في علاه بسم الله الرحمن الرحيم {الم
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ -وعد الله وعد الله- وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} سورة الروم <من 1إلى 7>
الغرباء وإن كانوا قلة فهم السعداء حسبهم أنهم في قافلة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً الله ناصر دينه وكتابه وسنة نبيه عباده الموحدين اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل عبادك الموحدين اللهم اجمع شملنا ووحد صفنا وأصلح أولاة أمورنا وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وأولاة أمورنا اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم أصلح الشباب والشيب وأحفظ النساء والأطفال يا رب العالمين اللهم انصر الجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وصن أعراضهم دمائهم وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين اللهم . عدوك وعدوهم إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم لا تحرمنا أفضل ما عندك بأسوأ ما عندنا يا عزيز يا غفار
عباد الله... إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولدين الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} آل عمران<102>
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء<1>
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}سورة الأحزاب<70،71>
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
عباد الله... وقوع الفتن سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل كما في قوله تبارك وتعالى {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }سورة العنكبوت <1،2،3>
وقد كتبها الله عز وجل أي الفتن وقد كتبها الله عز وجل على عباده لحكم عظيمة منها تميز المؤمنين من غيرهم ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات وغير ذلك مما لا نعلم.عن حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنه ما دامت السماوات والأرض والآخر مربادا ًكالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا منكر منكراً إلا ما أشرب من هواه"رواه مقدم
عباد الله.. وأي فتن أعظم مما نراه اليوم فتن شهوات ..وفتن شبهات.. حروب في كل مكان... كفر وضلال... وميل عن الحق... وركون إلى الأرض.. خلاف وسلطة.. وغلو في الدين .. وبعد عن منهج رب العالمين ولا مخرج ولا نجاة من هذا كله إلا بالتمسك بكتاب رب العالمين وسنة نبيه الأمين قال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " قال شيخ الإسلام رحمه الله : ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر
عباد الله ..ورغم كل ما نراه من إغراءات وظهور للباالألباني رحمهفإن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون رغم كل ما نراه من تسارع الناس إلى الشهوات وتكاسل عن الطاعات فإن من بين أولئك فئة من الناس اختارها الله واصطفاها وحفظها من الفتن لما حفظت أوامر الله أولئك هم الغرباء وهم من أردت لأن أواسي بكلماتي هؤلاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" قيل ومن هم -اسمع بارك الله فيك -قيل ومن هم يا رسول الله .قال:"الذين يصلحون إذا فسد الناس"صححه الألباني رحمه الله
تأمل بارك الله فيك في قوله صلى الله عليه وسلم يصلحون ولم يقل صالحون فالصلاح وحده لا يكفي قال الله جل في علاه {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}هود<116>
عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم ونحن عنده "طوبى للغرباء "فقيل من الغرباء يارسول الله قال" أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"رواه أحمد والطبراني بسند صحيح
عباد الله ...
مما سبق يتبين ويتضح لنا أن الغرباء قلة من الناس لأنهم يصلحون إذا فسد الناس وأنهم أناس صالحون في أناس سوء كثير وأن من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ومن أوصافهم أيضاً أنهم أهل غيرة ودعوة وإصلاح من أوصاف الغرباء إيضاً أنهم أهل غيرة ودعوة وإصلاح وليسوا بيائسين ولا مستسلمين للواقع كما يتبين لنا أيضاً أنه مهم اشتدت الغربة فلن تخلو الأرض من قائم لله بالحق حتى يأتي أمر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة "رواه البخاري ومسلم
اسمع بارك الله فيك وانتبه رعاك الله انتبه إلى مزيد من أوصاف الغرباء حتى تكون منهم قال نافع ابن مالك دخل عمر ابن الخطاب المسجد يوماً ووجد فيه معاذ ابن جبل جالساً إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له عمر : ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن أهلك أخوك؟-يعني مات أخوك-قال : لا ولكن حديثاً حدثنيه حبيبي صلى الله عليه وسلم وأنا في هذا المسجد فقال عمر: وما هو؟ قال: قال لي صلى الله عليه وسلم :"إن الله يحب الأخفياء الأحفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح هدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة "له شواهد يقول ابن القيم رحمه الله :فهؤلاء هم الغرباء هؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبطون الموصوفون بتلك الصفات ولقلتهم في الناس جداً سموا الغرباء فأهل الإسلام في الناس غرباء والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونها من أهل الأهواء والبدع في أهل العلم غرباء الداعون إلى السنة والصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً فلا غربة عليهم لا يظن ظان أن الغرباء في شقاء وتعاسة بل هم أسعد الناس كما قال صلى الله عليه وسلم "فطوبى للغرباء" وطوبى من الطيب قال سبحانه {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}سورة الرعد <29>وهم أسعد الناس في الدنيا وأعلاهم منزلة في الآخرة بعد الأنبياء طوبى لهم في الدنيا وطوبى لهم في الآخرة عن أبي سعد مرفوعاً قال: "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مئة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"... اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا والغربة عباد الله... كما قال ابن القيم رحمه الله:قد تكون في مكان دون مكان ووقت دون وقت وبين قوم دون قوم..
اسمع رعاك الله ما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله وهو يتحدث عن أهل زمانه وكيف ظهرت بينهم البدع والضلالات وكيف كانت غربته وغربة أهل السنة في ذلك الحين قال أي الإمام الشاطبي قال: فقلت هل أخالف الناس مع كثرتهم -مع كثرة أهل الباطل-قال قلت هل أخالفهم مع كثرتهم وأنصر السنة مع في ذلك من البلاء العظيم من شدة المخالفين وكثرتهم وكثرة المتربصين أيضاً فرأيت أن لا نجاة إلا بأتباع السنة وإن قل وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً فكيف أخاف الناس ولا أخاف من الله نصر السنة فقامت عليه القيامة وتوالت عليه الملامة وصوبت نحوه السهام يقول ونسبت إلى البدع والضلال وأنزلت إلى منزلة أهل الغباوة والجهالة إلى آخر كلامه رحمه الله ... أنظر اليوم وتأمل الحال... أنظر اليوم وتأمل الحال إذا استقام الشاب أو الفتاه أصبحوا بين أصحاب الماضي غرباء بل حتى في بيوتهم وبين أهليهم سخرية افتراء استهزاء وما ضر هؤلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" طوبى للغرباء" وقال أيضاً :"إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم " يقول لصحابته "إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم ".. قال الصحابة يا نبي الله أو منهم قال:"بل منكم"فابشروا أيها الغرباء بالأجر العظيم للمتمسكين والثابتين..
اسمع بارك الله فيك وتدبر هذا الكلام وافهم معناه وقل لا إله إلا الله كيف لو رأى من قال هذا الكلام زماننا وغربتنا..... قال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله إني أدكت زمن من الأزمنة عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ وعاد وصف الحق فيه غريباً كما بدأ إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا يحب التعظيم والرئاسة وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهل في عبادته مخدوع صريعاً غدره إبليس قد صعد به إلى أعلى درجات العبادة وهو جاهل بأدناها كيف بأعلاها وأكثر الناس -في حين يقول- وأكثر الناس همج رعى وذئاب مفترسة وسباع رائية وثعالب ماكرة ...انتهى كلامه رحمه الله فلا إله إلا الله هذا وصف أهل زمانه فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي كيف لو رأى زماننا ورأى غربتنا كيف لو رأى الدواهي والعظائم التي لم تخطر بباله ولم تدر في خياله روى الذهبي رحمه الله تعالى في السير عن أبي حسين العتكي قال : سمعت إبراهيم الحربي سمعته يقول لجماعة عنده :من تعدون الغريب عندكم -من تعدون الغريب عندكم وفي زمانكم- فقال رجل الغريب من نأى عن وطنه وقال آخر الغريب من فارق أحبابه فقال إبراهيم :الغريب في زماننا رجل صالح آسى بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا آثروه ثم ماتوا وتركوه -ثم ماتوا وتركوه في غربته - يعاني مع الهمج الرعى
وإليكم ... عباد الله بعض من أقوال السلف في الغربة وأهلها ...
قال الأوزاعي رحمه الله :في قوله صلى الله عليه وسلم :"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ " قال رحمه الله :أما وإنه لا يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى منهم إلا رجل واحد.. قال يونس ابن عبيد رحمه الله: ليس شيء أغرب من السنة والأغرب منها من يعرفها ويتبعها ويطبقها... عن سفيان الثوري رحمه الله قال : استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء ...وقال ابن رجب رحمه الله : هؤلاء الغرباء قسمان أحدهم من يصلح نفسه عند فساد الناس وهذا أدناهم منزلةً والثاني من يصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين بل هو أفضلهما القسم الأول يصلح نفسه إذا فسد الناس والآخر صاحب همة عالية يصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين بل هو أفضلها ... قال الحسن رحمه الله المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ضلها ولا ينافس في عزها له شأن وللناس شأن... بل ما أجمل وأحلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا وهو يوصينا بعيشة الغرباء قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه بينما كنت أسير إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم آخذ بمنكبي فقال لي "يابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل والغريب" أحبتي الذي لا دار له ولا وطن له ولا أهل له يشتاق دائماً للرجوع إلى أهله وإلى داره ووطنه ففي هذا يقول ابن القيم رحمه الله وهو يشوقنا للجنة وما فيها ...
فحيا على جنات عـدن فإنها مـنازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننـا سبي العدو فهل ترى إلى أوطـاننا نعـود ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطـت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنـا التي أضحت لها الأعداء فينا تحكم
أثبتوا أيها الغرباء.. أثبتوا أيها الغرباء .. وأعلموا أن القابض على دينه كالقابض على الجمر اثبتوا أيها الغرباء.. وأعلموا أن الله أعد للثابتين من الغرباء...ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر...ذلك جزاء ثباتهم وتمسكهم في زمان غربتهم اللهم اجعلنا منهم ومعهم نفعني الله وإياكم بالقرآن الحكيم ونفعني الله وإياكم بما في من الآيات والذكر الحكيم وبهدي المصطفى الأمين أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد ..
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومن تقواه امتثال أوامره واجتناب ما نهاه
أحبتي لا يزال حديثي مستمراً متواصلاً عن الغربة والغرباء فاعلم رعاك الله أن الغربة المطلقة أن الغربة المطلقة في كل الأرض لا تكون إلا قبيل قيام الساعة أما قبل ذلك فلن تخلو الأرض من قائمين بالحق ولو كانوا قلة لا تكون إلا قبيل قيام الساعة وهؤلاء القلة في كل مكان وزمان هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة المتمسكة بالكتاب والسنة الملازمة للجماعة السائرة على درب السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين ...
اعلم رعاك الله أنه مع قلتهم لكن أثرهم على الناس عظيم مع قلتهم لكن أثرهم على الناس عظيم لأن من أوصافهم أنهم يدعون إلى الله عز وجل ويصلحون ما أفسد الناس ويجددون لهم دينهم كما لابد أن تعلم أن المخالفين للغرباء كثير لا بد أن تعلم أن المخلفين للغرباء كثير والأذى الذي يتعرضون له عظيم ولكنهم بالحق الذي يحملونه لكنهم بالحق الذي يحملونه والمهمة الشريفة التي يؤدونها وبالصبر الجميل الذي يتحلون به صادقون مطمأنون لأنهم يعلمون أن الله غالب على أمره ولكن أكثرهم لا يعلمون
عباد الله .. أن من مظاهر الغربة في زماننا اليوم وهي كثيرة متنوعة وإليكم بعضاً منها...
غربة في العقيدة .. فلا يوجد من هو متمسك بعقيدة السلف من جميع جوانبها إلا قليل من الناس وأنظر في كثير من بلدان المسلمين حيث انتشرت بدع وخرافات وشركيات وضلالات سحرة وكهان والله المستعان ..
ومن مظاهر الغربة أيضاً ... غربة في تطبيق الشريعة والتحاكم إليها ..فلا يحكم اليوم يف أكثر بلدان المسلمين إلا بأحكام وقوانين الكفرة الفجرة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}سورة المائدة <50> ..
ومن المظاهر أيضاً ...غربة في الالتزام في أحكام الإسلام قل المصلون وكثر المغنون والله يقول{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}سورة الأنبياء <1>
ومن الظاهر أيضاً ... غربة في السلوك والأخلاق الفاضلة فلا نكاد نرى من يتخلق حقيقة بأخلاق الإسلام في المعاملات وغيرها فقل القدوات والأسوات فكيف نستطيع كيف نستطيع أن نؤثر على غيرنا إذا فقدنا أخلاقنا وقيمنا
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت إن هم ذهت أخلاقهم ذهبوا
ومن مظاهر الغربة أيضاً .. غربة أهل الحق ودعاة الإسلام وتسلط الأعداء عليهم وإيذائهم بشتى أنواع الأذى والنكال..سجن وتغريب ومصادرة أموال وما ضرهم والله فلهم عند الله أحسن مآل قال سبحانه ..{فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} سورة آل عمران <195>
ومن مظاهر الغربة التي أصبحت واضحة للعيان غربة في عقيدة الولاء والبراء حيث ضيعت هذه العقيدة ضيعت هذه العقيدة عند كثير من الناس وأصبح الولاء هو الحب للدنيا ومصالحها فأصبح أعداء الله أصدقاء أصبح أعداء الله أصدقاء ما كأن الله قال ..{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ما كأن الله قال ..{لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ } المائدة <51>
مالي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لـو تنفـع المحـزون أواه
إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ مجـداً تليـداً بأيدينا أضعنـاه
أنا اتجهت إلى السلام في بلدٍ تجده كالطـير مقصوص جناحاه
كـم صرفتنا يد كنا نصرفها وبـات يملكنـا شعب ملكنـاه
ورغم كل هذه المظاهر والمخاطر سنظل متفائلون واثقون فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولكنني في ظل هذه الظروف أحذر الغرباء من أمور...أحذر الغرباء من أمور
أولها ...فتنة الشبهات والتأثر بأهلها الذين هم الأكثر في عصور الغربة احذر احذر بارك الله فيك من كلامهم المعسول ومن كلامهم الذي يغيرون فيه الحق إلى الباطل أحذر الغرباء من فتنة الشهوات التي وتصم وتجعل كثيراً يتنازلون وينغمسون في زخرف الحياة الدنيا وملذاتها احذر الغرباء من اليأس والقنوط من ظهور الحق وانتصاره أمام تكالب الأعداء وتسلطهم على أهل الخير بالأذى والابتلاء أحذر الغرباء من العجلة وقلة الصبر على الأذى مما يؤدي إلى التسرع والاصطدام مع أهل مع أهل الفساد دون مراعاة للمصالح والمقاصد فينشأ من جراء ذلك فتنة أشد وفساد كبير
عباد الله . ..مهما طال الليل فالفجر قريب ومهما اسود الظلام فالله سميع قريب مجيب والمستقبل للإسلام والله غالب على أمره ولكن أثر الناس لا يعلمون وحينها سوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى معنى لطيف في الغربة فقال :وهو لما بدأ غريباً -أي الإسلام-لا يعرف ثم ظهر فعرف وكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف وفي هذا يا عباد الله رد على من يفهم من أحاديث الغربة أنه هذا انحسار في الإسلام عدم الأمل بعودته وهذا ما يفهمه كثير من اليائسين في كلام شيخ الإسلام السابق رد على هذا القهر القاطع وذلك أن الإسلام إذا عاد غريباً كما بدأ إنه بإذن الله سيعود قوياً ظاهراً كما حصل ذلك بعد غربة الإسلام الأولى وهذا الفهم الصحيح الذي تشهد له آيات وأحاديث قال جل في علاه {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} المجادلة <21> وقال سبحانه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}سورة الصافات <135،136،137> وغير ذلك من الآيات قال صلى الله عليه وسلم:" إن الله زوي لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها "رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم :"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عز يعز الله به الإسلام وذل يذل به الكفر "صححه الألباني رحمه الله
نعم عباد الله سينتصر الإسلام وسيهزم الكفار والمنافقون قال جل في علاه بسم الله الرحمن الرحيم {الم
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ -وعد الله وعد الله- وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} سورة الروم <من 1إلى 7>
الغرباء وإن كانوا قلة فهم السعداء حسبهم أنهم في قافلة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً الله ناصر دينه وكتابه وسنة نبيه عباده الموحدين اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل عبادك الموحدين اللهم اجمع شملنا ووحد صفنا وأصلح أولاة أمورنا وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وأولاة أمورنا اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم أصلح الشباب والشيب وأحفظ النساء والأطفال يا رب العالمين اللهم انصر الجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وصن أعراضهم دمائهم وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين اللهم . عدوك وعدوهم إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم لا تحرمنا أفضل ما عندك بأسوأ ما عندنا يا عزيز يا غفار
عباد الله... إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولدين الله أكبر والله يعلم ما تصنعون