Duaa
09 Mar 2006, 11:19 PM
--------------------------------------------------------------------------------
حقيقة النسخ في القرآن العظيم
يشيع بين المسلمين أن في القرآن الكريم آياتٍ أحكامُها ملغية، وأن هنالك آياتٍ قد رُفعت من القرآن، وأن هنالك آياتٍ قد رُفع لفظها، بينما ظل حكمها مُلزمًا. فما حقيقة هذا الأمر؟
للإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من مقدمة وعرض لأدلة القائلين بهذا، ثم تفنيدها.
النسخ في اللغة
يطلق النسخ في اللغة على معنيين هما:
الإزالة: "تقول العرب: (نسخت الشمس الظل) بمعنى أزالتـه، أو أذهبتـه وحلت محلـه".
النقل: "فنقول: نسخ الكتاب بمعنى نقلـه وكتبـه حرفًا بحرف" ومنـه قولـه تعالى ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ ما كنتم تَعْمَلُونَ )
أما النسخ في الاصطلاح، فلقد مرّ في تعريفات مختلفة، أخذت تتطور مع القرون، حتى استقر التعريف على: أنَّـه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنـه. أي إلغاء حكم آية بحكم آية أخرى جاءت بعدها.
أقسام النسخ عند القائلين بـه
يقسم النسخ -عند القائلين بـه- إلى ثلاثة أقسام:
نسخ التلاوة وإبقاء الحكم. ولا يجدون على ذلك غير مثالين هما: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" و "لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب"
نسخ التلاوة والحكم معًا. ويضربون على ذلك أمثلة عديدة، منـها: أنَّ المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم قد نسوا سورة تعدل سورة براءة في الطول والشدة. ومنـها: أنَّ سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، فتم نسيان معظمها، ولم يعد بإمكانـهم أن يتذكروا إلا بضعًا وسبعين آية.
نسخ الحكم مع إبقاء التلاوة. أي إلغاء حكم الآية القرآنية، مع الإبقاء على لفظها في القرآن. والأمثلة على ذلك وصلت عند المكثرين إلى مئات الآيات، وعند المقلّين لم تتجاوز أصابع يد واحدة.
أدلة القائلين بالنسخ والرد عليها
* "ما ننسخ من آية أو نُنسِها نأت بخَيْر منها أو مثلها ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير" (البقرة:107)
* " وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنزِل قالوا إنما أنت مُفتَر بل أكثرُهُم لا يعلمون" (النحل:102)
* روايات عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم
وفي ما يلي تبيان وجه الاستدلال في هذه الأدلة، والرد عليها.
وجه الاستدلال:
قالوا: إن آية (ما ننسخ) تؤكد وجود أحكام منسوخة في القرآن الكريم، وأن هنالك آيات ألغتها، كما في موضوع شرب الخمر. وأن الآية الثانية تؤكد الأمر ذاته. أما الأحاديث فيوجد عدد منها يذكر أن هنالك آيات وسورًا قد تمت إزالتها من القرآن الكريم بأمر من الله تعالى الذي جعل الرسول والمسلمين ينسونها.
الرد على هذه الاستدلالات
أما الآية "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ.." فلا تتحدث عن إلغاء آيات القرآن بعضها البعض، بل عن إلغاء آيات القرآن لأحكام التوراة والكتب السماوية السابقة. لقد كره اليهود أن يُنـزّل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحكام تلغي أحكام التوراة، كاستقبال بيت المقدس مثلا، فاللّه تعالى يرد على حسدهم هذا، مؤكدًا أنّ الآيات التي يلغيها من التوراة أو الكتب السماوية السابقة، يأتي بخير منـها، وأن ما ينساه أهل الكتاب من كتبـهم، التي لم يَعِد اللّه بحفظها، يُنـزل اللّه في القرآن العظيم خيرًا منـها. فلماذا ينـزعج اليهود من هذا، مع أن التوراة تنص أنـها شريعة موقتة؟
إن الخطاب في سورة البقرة يتعلق باليهود بَدْءًا من الآية الحادية والأربعين، وحتى الآية الرابعة والعشرين بعد المائة، وآية النسخ واقعة خلال ذلك، فهي الآية السابعة بعد المائة في هذه السورة، فهي، بلا شك، تتوجه بالخطاب إلى اليهود منتقدة إياهم على استنكارهم نسخَ القرآنِ آياتِ التوراةِ. إن سياق الآية يؤكد ذلك. بينما التفسير المتداول لا يخدمه السياق بحال.
وأما استدلالهم بالآية (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ...) فليس يصفو لهم، لأن الآية هنا ليست بمعنى الآية القرآنية أيضا، بل بمعنى العذاب السماوي، الذي يظهر كعلامة على صدق النبي، والمعنى: "إذا بدَّل اللّه آية سماوية مكانَ أخرى لا يجوز أن يعترض أحد على ذلك، لأنَّ اللّه يعلم الآية المناسبة في وقتـها المناسب".
إن هذا القانون يظهر في عهد كل نبي، حيث يتلقى وحيًا إنذاريًا مشروطًا، وقد يبدل اللّه هذا الوحي الإنذاري المشروط، كما حصل ذلك في قصة يونس عليه السلام، فبعد أن أخبر اللّه يونسَ -عليه السلام- أنَّ قومه سيهلكون، بدَّل اللّه ذلك لأنَّـهم قد تابوا."
"إن اللّه تعالى يفي بوعده، ولكنـه قد يؤخر وعيده. يجب التفريق جيدًا بين تغيير الوعد وتغيير الوعيد، فالأول كَذِب -واللّه تعالى منـزَّه عن ذلك- والثاني كرم."
وهناك معنى آخر يُحتمل للآية، وهو نسخ الآيات من الكتب السماوية السابقة، وليس من القرآن الكريم، والمعنى: إذا بدَّلْنا آيةً قرآنية مكان آيةٍ من الكتب الماضية اعترض الكفار، واتـهموا النبي بالافتراء، لأنَّـه ما دامت التوراة موجودة فما الداعي لأحكام جديدة؟ حسب تصورهم.
وأما احتجاجهم ببعض الأحاديث فهي لا تصح غالبا، أو أنها فُهمت خطأً. وليس هنالك أي حديث صحيح يفيد أن آية كذا ألغت حكم آية كذا.
وأما ظن البعض أن هنالك آيات عديدة أُجمع على نسخها، فليس صحيحا البتة، بل لا يوجد آية واحدة اتفق المفسرون على نسخها.
حقيقة النسخ في القرآن العظيم
يشيع بين المسلمين أن في القرآن الكريم آياتٍ أحكامُها ملغية، وأن هنالك آياتٍ قد رُفعت من القرآن، وأن هنالك آياتٍ قد رُفع لفظها، بينما ظل حكمها مُلزمًا. فما حقيقة هذا الأمر؟
للإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من مقدمة وعرض لأدلة القائلين بهذا، ثم تفنيدها.
النسخ في اللغة
يطلق النسخ في اللغة على معنيين هما:
الإزالة: "تقول العرب: (نسخت الشمس الظل) بمعنى أزالتـه، أو أذهبتـه وحلت محلـه".
النقل: "فنقول: نسخ الكتاب بمعنى نقلـه وكتبـه حرفًا بحرف" ومنـه قولـه تعالى ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ ما كنتم تَعْمَلُونَ )
أما النسخ في الاصطلاح، فلقد مرّ في تعريفات مختلفة، أخذت تتطور مع القرون، حتى استقر التعريف على: أنَّـه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنـه. أي إلغاء حكم آية بحكم آية أخرى جاءت بعدها.
أقسام النسخ عند القائلين بـه
يقسم النسخ -عند القائلين بـه- إلى ثلاثة أقسام:
نسخ التلاوة وإبقاء الحكم. ولا يجدون على ذلك غير مثالين هما: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" و "لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب"
نسخ التلاوة والحكم معًا. ويضربون على ذلك أمثلة عديدة، منـها: أنَّ المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم قد نسوا سورة تعدل سورة براءة في الطول والشدة. ومنـها: أنَّ سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، فتم نسيان معظمها، ولم يعد بإمكانـهم أن يتذكروا إلا بضعًا وسبعين آية.
نسخ الحكم مع إبقاء التلاوة. أي إلغاء حكم الآية القرآنية، مع الإبقاء على لفظها في القرآن. والأمثلة على ذلك وصلت عند المكثرين إلى مئات الآيات، وعند المقلّين لم تتجاوز أصابع يد واحدة.
أدلة القائلين بالنسخ والرد عليها
* "ما ننسخ من آية أو نُنسِها نأت بخَيْر منها أو مثلها ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير" (البقرة:107)
* " وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنزِل قالوا إنما أنت مُفتَر بل أكثرُهُم لا يعلمون" (النحل:102)
* روايات عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم
وفي ما يلي تبيان وجه الاستدلال في هذه الأدلة، والرد عليها.
وجه الاستدلال:
قالوا: إن آية (ما ننسخ) تؤكد وجود أحكام منسوخة في القرآن الكريم، وأن هنالك آيات ألغتها، كما في موضوع شرب الخمر. وأن الآية الثانية تؤكد الأمر ذاته. أما الأحاديث فيوجد عدد منها يذكر أن هنالك آيات وسورًا قد تمت إزالتها من القرآن الكريم بأمر من الله تعالى الذي جعل الرسول والمسلمين ينسونها.
الرد على هذه الاستدلالات
أما الآية "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ.." فلا تتحدث عن إلغاء آيات القرآن بعضها البعض، بل عن إلغاء آيات القرآن لأحكام التوراة والكتب السماوية السابقة. لقد كره اليهود أن يُنـزّل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحكام تلغي أحكام التوراة، كاستقبال بيت المقدس مثلا، فاللّه تعالى يرد على حسدهم هذا، مؤكدًا أنّ الآيات التي يلغيها من التوراة أو الكتب السماوية السابقة، يأتي بخير منـها، وأن ما ينساه أهل الكتاب من كتبـهم، التي لم يَعِد اللّه بحفظها، يُنـزل اللّه في القرآن العظيم خيرًا منـها. فلماذا ينـزعج اليهود من هذا، مع أن التوراة تنص أنـها شريعة موقتة؟
إن الخطاب في سورة البقرة يتعلق باليهود بَدْءًا من الآية الحادية والأربعين، وحتى الآية الرابعة والعشرين بعد المائة، وآية النسخ واقعة خلال ذلك، فهي الآية السابعة بعد المائة في هذه السورة، فهي، بلا شك، تتوجه بالخطاب إلى اليهود منتقدة إياهم على استنكارهم نسخَ القرآنِ آياتِ التوراةِ. إن سياق الآية يؤكد ذلك. بينما التفسير المتداول لا يخدمه السياق بحال.
وأما استدلالهم بالآية (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ...) فليس يصفو لهم، لأن الآية هنا ليست بمعنى الآية القرآنية أيضا، بل بمعنى العذاب السماوي، الذي يظهر كعلامة على صدق النبي، والمعنى: "إذا بدَّل اللّه آية سماوية مكانَ أخرى لا يجوز أن يعترض أحد على ذلك، لأنَّ اللّه يعلم الآية المناسبة في وقتـها المناسب".
إن هذا القانون يظهر في عهد كل نبي، حيث يتلقى وحيًا إنذاريًا مشروطًا، وقد يبدل اللّه هذا الوحي الإنذاري المشروط، كما حصل ذلك في قصة يونس عليه السلام، فبعد أن أخبر اللّه يونسَ -عليه السلام- أنَّ قومه سيهلكون، بدَّل اللّه ذلك لأنَّـهم قد تابوا."
"إن اللّه تعالى يفي بوعده، ولكنـه قد يؤخر وعيده. يجب التفريق جيدًا بين تغيير الوعد وتغيير الوعيد، فالأول كَذِب -واللّه تعالى منـزَّه عن ذلك- والثاني كرم."
وهناك معنى آخر يُحتمل للآية، وهو نسخ الآيات من الكتب السماوية السابقة، وليس من القرآن الكريم، والمعنى: إذا بدَّلْنا آيةً قرآنية مكان آيةٍ من الكتب الماضية اعترض الكفار، واتـهموا النبي بالافتراء، لأنَّـه ما دامت التوراة موجودة فما الداعي لأحكام جديدة؟ حسب تصورهم.
وأما احتجاجهم ببعض الأحاديث فهي لا تصح غالبا، أو أنها فُهمت خطأً. وليس هنالك أي حديث صحيح يفيد أن آية كذا ألغت حكم آية كذا.
وأما ظن البعض أن هنالك آيات عديدة أُجمع على نسخها، فليس صحيحا البتة، بل لا يوجد آية واحدة اتفق المفسرون على نسخها.