السماء الزرقاء
22 Mar 2006, 01:11 PM
هاجر المصرية
(أم إسماعيل )
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة هاجر المصرية , زوجة إبراهيم عليه السلام , وأم إسماعيل عليه السلام , عرفت في التاريخ بأم العرب العدنانيين .
ولدت هاجر ونشأت في مصر , وكانت جارية في قصر الملك , ثم صارت جارية للسيدة سارة , فوهبتها سارة لزوجها إبراهيم عليه السلام , فتزوجها , فأنجبت له ولده الأكبر إسماعيل عليه السلام .
وقد تعرضت هاجر لمحنتين شديدتين , كانت الأولي عندما تركها إبراهيم مع ابنها الرضيع في صحراء جرادء لا حياة فيها , فصبرت علي ذلك , واستعانت بربها , ففجّر لها بئر زمزم , وجاءت إليها وفود الناس , فعاشت في أمن وسلام بجانب بيت الله الحرام . ثم كانت المحنة الثانية عندما رأي إبراهيم أنه يذبح ولدها إسماعيل , فلم تعترض , وقبلت قضاء الله بنفس راضية مطمئنة , ففدي الله ولدها بذبح عظيم .
ومن خلال الكلمات التالية نتعرف علي أم إسماعيل , السيدة هاجر المصرية رضي الله عنها .
خادمة القصــــــــر الملكي ...
علي أرض مصر المباركة , كنانة الله في أرضه , ومنذ أربعة آلاف سنة تقريباً , وُلدت الفتاة المصرية الجميلة هاجر , ونشأت في أسرة مصرية فقيرة , وكانت تمتاز بالجمال والأدب والذكاء , مما جعل أهل القصر الملكي يعجبون بها , فأرسلوا إليها , وجعلوها من جواري القصر الملكي وخدمه , فسعدت هي وأهلها بهذا الأمر .
عاشت هاجر مع نساء القصر الفرعوني , تخدمهم بكل حب وإخلاص , ولكنها وجدت أن صاحب القصر ملك ظالم , جبار , يعتدي علي الحرمات , ويعشق النساء , فتمنت هاجر أن ينقذها الله من الخدمة في هذا القصر .
وذات يوم , سمعت هاجر من نساء القصر أن امرأة جميلة صالحة قد وصلت أرض مصر بصحبة رجل غريب , وأن الملك الظالم قد علم بأمرها , فأرسل جنوده ليأتوا بها حتي يعتدي عليها , وكانت هاجر تبغض فعل الملك , وتشفق علي النساء منه , وكانت هذه المرأة الجميلة هي السيدة سارة , فلما جاء بها الجنود إلي القصر نظرت إليها هاجر , فرأت علي وجهها الصلاح والتقي , فأشفقت عليها , وتمنت أن ينقذها الله من هذا الظالم , ويحفظها من الوقوع في الفاحشة معه .
ولما دخلت سارة حجرة الملك , إذ بأهل القصر يسمعون صراخ الملك , واستغاثته , فقد حاول الاقتراب من السيدة سارة فشُلت يده ثلاث مرات , فصرخ علي الحرس والجنود وهو يقول : لقد آتيتموني بشيطان , ولم تأتوني بإنسان , أخرجوها من أرضي .
فعلمت السيدة هاجر أن الله أنقذ السيدة الصالحة من يد هذا الظالم , فخرجت من عنده دون أن يمسها بسوء , ثم أصدر الملك أمرا بأن يعطوا هذه السيدة جارية من جواري القصر تخدمها , لأنها دعت ربها أن يطلق يد الملك بعدما شُلت فأطلق الله يده , فتمنت هاجر أن تكون الجارية التي تعيش مع هذه المرأة الصالحة , فحقق الله لها أمنيتها , إذ وقع اختيار رئيس الخدم عليها ؛ فقد كان يري أنها تريد الخروج من القصر , ولا تحب أن تعيش فيه , فأخبرها أنه سيعطيها هذه المرأة كي تخدمها , ففرحت هاجر بهذا الأمر , وشكرت ربها أن حقق لها هذه الأمنية , وبالفعل أعطي رئيس الخدم هاجر السيدة سارة لتخدمها , فأخذتها سارة وعادت بها إلي إبراهيم عليه السلام .
الجــــــــــارية المطيعة ...
عاشت السيدة هاجر مع سيدتها سارة وزوجها إبراهيم في مصر أياماً قليلة , ثم ارتحلت معهما إلي فلسطين , حيث قرر إبراهيم عليه السلام العودة إليها مرة ثانية .
وفي فلسطين كانت هاجر نعم الجارية المخلصة لسيدتها سارة , وقد رأت في سيدها إبراهيم عليه السلام وسيدتها سارة ما لم تره في غيرهما من البشر , رأت أخلاقاً كريمة , ومعاملة طيبة , حيث كانت سارة رضي الله عنها تعاملها كصديقة لها , لا تثقل عليها في العمل , ولا تكلفها من الأعمال ما لاتطيق , فأحبتها هاجر حباً شديداً , وكانت لا تقصر في خدمتها وطاعتها , وقد دعاها إبراهيم عليه السلام إلي الإيمان بالله الواحد الأحد , فآمنت به ,وعلمت أن إبراهيم رسول من عند الله , يدعو الناس إلي عبادة الله وفعل الخير , فكانت سعادة هاجر كبيرة بأن أنعم الله عليها بخدمته هو وزوجته الطيبة الصالحة السيدة سارة , فشكرت هاجر ربها وحمدته علي أن أنقذها من قصر الملك الجبار وأنعم عليها بخدمة نبيه ورسوله إبراهيم عليه السلام .
الــــــــزوجة الثانية ...
مرت الأيام والسنون , وهاجر تعيش مع سيدتها سارة , وكان يؤلمها أن تري سيدتها وسيدها لا ينجبان , فقد تقدمت بهما السن ولم يرزقهما الله ولداً .
وذات يوم طلبت السيدة سارة من هاجر أن تناولها كوب من الماء , فأسرعت هاجر وملأت كوباً بالماء العذب , ودخلت علي سيدتها سارة , تقدمه لها في أدب واحترام , فلاحظت هاجر أن السيدة سارة تنظر إليها نظرة طويلة متفحصة , وتتأمل فيها بدقة , ولم تكن سارة قد نظرت إليها مثل هذه النظرة من قبل , فخشيت هاجر من هذه النظرة , وأحست أن وراء هذه النظرة شيئاً ما , ولكنها لم تعرفه , لأن سارة لم تتكلم معها في شيء في هذا اليوم , وظلت سارة تنظر _بعد ذلك_ إلي هاجر عدة مرات , كأنها تريد أن تقول لها شيئاً ولكنها تتردد أن تخبرها به .
وبعد أيام , استدعت سارة جاريتها هاجر , وقالت لها : لعلك تعجبتي من نظرتي إليك في الأيام الماضية ؟ فقالت هاجر : نعم ياسيدتي . فأخبرتها سارة أنها كانت تنظر إليها لأنها قررت أن تهبها لزوجها إبراهيم كي يتزوجها , وقد كانت مترددة في هذا الأمر , ولكنها اطمأنت إليه , لعل الله يرزقه بولد منها يسعد به إبراهيم , وهي لن تجد له خيراً من جاريتها وصديقتها هاجر , لأنها لن تتعالي عليها ولن تسيء معاملتها .
وترددت هاجر في أول الأمر , خوفاً من وقوع الشحناء أو البغضاء أو شيء من الغيرة بينها وبين سيدتها , ولكن سارة أقنعتها بضرورة ذلك , وألحّت عليها , فوافقت هاجر علي ذلك , وسعدت به , لأنها ستكون زوجة لنبيٍ كريم , وهو خليل الله إبراهيم عليه السلام .
وبالفعل وهبت سارة هاجر إلي إبراهيم عليه السلام فتزوجها إبراهيم , وعاش معها , وشاء الله عز وجل أن تحمل هاجر , وظهرت عليها علامات الحمل بمرور الأيام , وبدأت سارة تشعر بشيء من الغيرة , وكانت هذه الغيرة تزداد يوماً بعد يوم , ومرت شهور الحمل , ثم وضعت هاجر مولوداً جميلاً سماه أبوه " إسماعيل " وسعد به سعادة كبيرة .
هــــــــــاجر في الصحراء ...
بعدما ولدت هاجر ولدها إسماعيل رأت سارة أن حب إبراهيم زاد لهاجر وولدها , فقد صارت هاجر الجارية أم الولد , وأنجبت لإبراهيم ما كان يتمني , فاشتدت الغيرة في قلب السيدة سارة , فطلبت من إبراهيم أن يبعد عنها هاجر وابنها , وأخذ إبراهيم يفكر في حل هذه المشكلة , وإذ بأمر الله يأتيه يطلب منه أن يأخذ هاجر وابنها إلي صحراء مكة ويتركها هناك .. وتلك هي إرادة الله وحكمته , فاستجاب إبراهيم لأمر الله , فطلب من هاجر زوجته أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة . وكان الطفل رضيعاً لم يفطم بعد , فقامت هاجر مع إبراهيم , وحملت ابنها , وسارت معه وسط أرض مزروعة جاءت بعدها صحراء قاحلة ثم جبال , حتي وصلوا إلي وادٍ في صحراء الجزيرة العربية ليس فيه زرع ولا ماء ولا أنيس ولا جليس ولا شيء من علامات الحياة , فهبط فيه إبراهيم , وأجلس فيه زوجته هاجر وابنها الرضيع , ولم يترك لهما سوي بعض التمر وقليل من الماء , ثم استدار بوجهه يريد العودة لفلسطين , فتعجبت هاجر من فعله , وخشيت علي نفسها وولدها في هذا المكان , فنادت علي إبراهيم فلم يرد عليها , فأسرعت خلفه وهي تقول : يا إبراهيم , أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء ؟ فلم يجبها , وظل يسير , فأعادت عليه كلامها مرة بعد مرة , وهو صامت لا يقول شيئاً , فأحست هاجر أن إبراهيم ينفذ أمراً من أوامر الله , فهو نبيه ورسوله , فقالت له : هل أمرك الله بهذا ؟ فقال دون أن يلتفت : نعم . وهنا ظهر يقين هاجر رضي الله عنها , وشدة إيمانها بالله وتوكلها عليه , فقالت : إذن لن يضيعنا الله . وعادت إلي رضيعها تحمله , بينما استكمل إبراهيم عليه السلام سيره حتي اختفي عن عينها , فرفع يديه إلي السماء وقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) . ثم عاد إلي فلسطين .
جلست هاجر تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع طفلها في هذه الصحراء القاحلة , وبعد يومين نفد التمر والماء , وجف لبن الأم , وراح إسماعيل الرضيع يبكي من الجوع والعطش , فوضعته أمه علي رمال الصحراء , وانطلقت تبحث عن ماء أو شيء , وظلت تسير حتي وصلت إلي جبل الصفا فصعدته , وراحت تنظر بعيداً , ولكنها لم تجد شيئاً , فعادت إلي ابنها الذي يتلوي من شدة الجوع والعطش , فلم تصبر علي رؤيته بهذه الحالة , فتركته وسارت إلي الجهة الأخري حتي وصلت إلي جبل المروة , فصعدته , ونظرت , فلم تجد شيئاً , فعادت إلي الجهة الأخري فلم تجد أحداً , فهرولت إلي المروة تنظر من فوقه , وهكذا راحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين دون جدوي , حتي أجهدها السعي , فعادت إلي ابنها وهي تبكي من الجوع والعطش والتعب الشديد .
فـــــــــــرج الله ...
جلست هاجر رضي الله عنها بجوار ابنها الذي بُح صوته من البكاء وشدة العطش , وقد أوشك اليأس أن يسيطر عليها .
وفي هذه اللحظة جاءها فرج الله , وأدركتها رحمته ؛ إذ أرسل الله عز وجل جبريل عليه السلام فضرب الأض بجناحيه , فخرجت عين ماء بجانب الصغير , فهرولت الأم نحوها , وقلبها ينطق بحمد الله علي نعمته , وجعلت تغرف من مائها , وتحاول جاهدة إنقاذ فلذة كبدها , وتقول لعين الماء : زمِّي زمِّي , فسميت هذه العين زمزم . وقد أخبر النبي محمد صلي الله عليه وسلم بما فعلته السيدة هاجر , فقال : " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً " .
ومن عين الماء شربت الأم حتي ارتوت وشبعت , ثم أرضعت ابنها حتي رأت الابتسامة علي وجهه قد ظهرت , فكان ذلك من رحمة الله بها وبولدها .
وقد جعل الله عز وجل ما فعلته السيدة هاجر رضي الله عنها من السعي بين الصفا والمروة شعيرة من شعائر الحج والعمرة بعد ذلك . قال تعالي : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوَّف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم ) .
ومرت الأيام علي هاجر وابنها وهما بجوار بئر زمزم .
وذات يوم , رأت قبيلة جُرهم العربية الطيور تحوم حول المكان الذي فيه بئر زمزم , فعلموا أن في هذا المكان ماء , فتوجهوا إليه , فإذا بهم يرون البئر وبجواره هاجر وابنها , فاستأذنوها أن يقيموا معها , فأذنت لهم بالسكن بجانبها ,ومشاركتها في الشرب من ماء زمزم , واستأنست بهم , وشب الطفل بينهم , وتعلم اللغة العربية منهم .
البـــــــــــلاء الشديد ...
ظلت هاجر مع ولدها إسماعيل وسط العرب بجانب بئر زمزم , والغلام يكبر امام عينها يوماً بعد يوم .
وكان إبراهيم عليه السلام يزور هاجر وابنها من وقت لآخر , ففوجئت بزوجها ذات يوم يخبرها بأنه رأي في منامه أنه يذبح ولده الوحيد آنذاك ؛ وهو إسماعيل عليه السلام .
وكانت هاجر مثل إبراهيم تعلم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي , فصمتت هاجر برهة من الزمن , وكاد أن ينشب صراع في نفسها , إذ كيف تضحي بولدها الوحيد , وفلذة كبدها , التي سهرت الليالي ترعاه , وتعبت من أجله تعباً لم يتعبه أحد , ولكنها سرعان ما عادت إلي يقينها وإيمانها , فرضيت بقضاء الله وقدره , وصبرت , وأطاعت أمر ربها في قوة وعزم , ثم جاء دور الابن ؛ حيث أخبر إبراهيم عليه السلام ابنه بالأمر , فلم يكن الابن الصالح أقل طاعة من أبيه وأمه , فقال : ( يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) .
وبعدما أخذ إبراهيم عليه السلام ابنه وتوجه به إلي الصحراء ليذبحه إذ بالشيطان يأتي السيدة هاجر , ويحاول أن يخرجها عن تقواها لتثور علي إبراهيم إنقاذاً لولدها , لكنها رجمته بسبع حصيات , واستعاذت بالله منه , فابتعد عنها , وكذلك فعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام , فكان ذلك أساس رمي الجمار الثلاث في الحج بعد ذلك .
الفـــــــــــداء العظيم ...
انتظرت هاجر في البيت بعدما ذهب زوجها إبراهيم بابنها إسماعيل , وراحت تدعو ربها في تضرع وبكاء أن يرفع هذا البلاء الشديد , ويلطف بها وبزوجها وابنها , وإذ بها تري إبراهيم يعود بابنها سالماً , وكانت هذه مفاجأة لها , فتعجبت , وأسرعت إلي زوجها تسأله في دهشة عما حدث , وكيف لم يذبح ابنها , وإذ بها تري معهما كبشاً مذبوحاً , فزادت دهشتها , فأسرع إبراهيم عليه السلام يبشرها بالخبر , فقد رفع الله البلاء , وفدي ابنها بذبح عظيم , جاء به جبريل عليه السلام من الجنة , قال تعالي : ( فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إنّ هذا لهُو البلاء المبين . وفديناه بذِبحٍ عظيم ) .
ففرحت هاجر بنجاة ابنها , وشكرت ربها وحمدته , ووزّع إبراهيم لحم الكبش علي من حول حرم الله وأكل منه هو وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل .
وفــــــــــــــاة هاجر ...
عاشت هاجر سعيدة مع ابنها إسماعيل , وشبّ ابنها وأصبح رجلاً , وتزوج امرأة عربية , ورأت هاجر ابنها وهو يساعد أباه في بناء بيت الله الحرام وكعبته المشرفة للطائفين والعاكفين , وقد حجت هاجر مع زوجها وابنها , وأدت شعائر الحج معهما , وظلت في مكة تعبد الله ليل نهار حتي حان الأجل , فماتت , وصعدت روحها الطاهرة إلي بارئها , بعدما تركت لنا مثالاً رائعاً للزوجة المطيعة , والأم الحانية , والمؤمنة القوية , وكان عمرها يوم وفاتها 90 سنة , ودفنها إسماعيل عليه السلام بجانب بيت الله الحرام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(أم إسماعيل )
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة هاجر المصرية , زوجة إبراهيم عليه السلام , وأم إسماعيل عليه السلام , عرفت في التاريخ بأم العرب العدنانيين .
ولدت هاجر ونشأت في مصر , وكانت جارية في قصر الملك , ثم صارت جارية للسيدة سارة , فوهبتها سارة لزوجها إبراهيم عليه السلام , فتزوجها , فأنجبت له ولده الأكبر إسماعيل عليه السلام .
وقد تعرضت هاجر لمحنتين شديدتين , كانت الأولي عندما تركها إبراهيم مع ابنها الرضيع في صحراء جرادء لا حياة فيها , فصبرت علي ذلك , واستعانت بربها , ففجّر لها بئر زمزم , وجاءت إليها وفود الناس , فعاشت في أمن وسلام بجانب بيت الله الحرام . ثم كانت المحنة الثانية عندما رأي إبراهيم أنه يذبح ولدها إسماعيل , فلم تعترض , وقبلت قضاء الله بنفس راضية مطمئنة , ففدي الله ولدها بذبح عظيم .
ومن خلال الكلمات التالية نتعرف علي أم إسماعيل , السيدة هاجر المصرية رضي الله عنها .
خادمة القصــــــــر الملكي ...
علي أرض مصر المباركة , كنانة الله في أرضه , ومنذ أربعة آلاف سنة تقريباً , وُلدت الفتاة المصرية الجميلة هاجر , ونشأت في أسرة مصرية فقيرة , وكانت تمتاز بالجمال والأدب والذكاء , مما جعل أهل القصر الملكي يعجبون بها , فأرسلوا إليها , وجعلوها من جواري القصر الملكي وخدمه , فسعدت هي وأهلها بهذا الأمر .
عاشت هاجر مع نساء القصر الفرعوني , تخدمهم بكل حب وإخلاص , ولكنها وجدت أن صاحب القصر ملك ظالم , جبار , يعتدي علي الحرمات , ويعشق النساء , فتمنت هاجر أن ينقذها الله من الخدمة في هذا القصر .
وذات يوم , سمعت هاجر من نساء القصر أن امرأة جميلة صالحة قد وصلت أرض مصر بصحبة رجل غريب , وأن الملك الظالم قد علم بأمرها , فأرسل جنوده ليأتوا بها حتي يعتدي عليها , وكانت هاجر تبغض فعل الملك , وتشفق علي النساء منه , وكانت هذه المرأة الجميلة هي السيدة سارة , فلما جاء بها الجنود إلي القصر نظرت إليها هاجر , فرأت علي وجهها الصلاح والتقي , فأشفقت عليها , وتمنت أن ينقذها الله من هذا الظالم , ويحفظها من الوقوع في الفاحشة معه .
ولما دخلت سارة حجرة الملك , إذ بأهل القصر يسمعون صراخ الملك , واستغاثته , فقد حاول الاقتراب من السيدة سارة فشُلت يده ثلاث مرات , فصرخ علي الحرس والجنود وهو يقول : لقد آتيتموني بشيطان , ولم تأتوني بإنسان , أخرجوها من أرضي .
فعلمت السيدة هاجر أن الله أنقذ السيدة الصالحة من يد هذا الظالم , فخرجت من عنده دون أن يمسها بسوء , ثم أصدر الملك أمرا بأن يعطوا هذه السيدة جارية من جواري القصر تخدمها , لأنها دعت ربها أن يطلق يد الملك بعدما شُلت فأطلق الله يده , فتمنت هاجر أن تكون الجارية التي تعيش مع هذه المرأة الصالحة , فحقق الله لها أمنيتها , إذ وقع اختيار رئيس الخدم عليها ؛ فقد كان يري أنها تريد الخروج من القصر , ولا تحب أن تعيش فيه , فأخبرها أنه سيعطيها هذه المرأة كي تخدمها , ففرحت هاجر بهذا الأمر , وشكرت ربها أن حقق لها هذه الأمنية , وبالفعل أعطي رئيس الخدم هاجر السيدة سارة لتخدمها , فأخذتها سارة وعادت بها إلي إبراهيم عليه السلام .
الجــــــــــارية المطيعة ...
عاشت السيدة هاجر مع سيدتها سارة وزوجها إبراهيم في مصر أياماً قليلة , ثم ارتحلت معهما إلي فلسطين , حيث قرر إبراهيم عليه السلام العودة إليها مرة ثانية .
وفي فلسطين كانت هاجر نعم الجارية المخلصة لسيدتها سارة , وقد رأت في سيدها إبراهيم عليه السلام وسيدتها سارة ما لم تره في غيرهما من البشر , رأت أخلاقاً كريمة , ومعاملة طيبة , حيث كانت سارة رضي الله عنها تعاملها كصديقة لها , لا تثقل عليها في العمل , ولا تكلفها من الأعمال ما لاتطيق , فأحبتها هاجر حباً شديداً , وكانت لا تقصر في خدمتها وطاعتها , وقد دعاها إبراهيم عليه السلام إلي الإيمان بالله الواحد الأحد , فآمنت به ,وعلمت أن إبراهيم رسول من عند الله , يدعو الناس إلي عبادة الله وفعل الخير , فكانت سعادة هاجر كبيرة بأن أنعم الله عليها بخدمته هو وزوجته الطيبة الصالحة السيدة سارة , فشكرت هاجر ربها وحمدته علي أن أنقذها من قصر الملك الجبار وأنعم عليها بخدمة نبيه ورسوله إبراهيم عليه السلام .
الــــــــزوجة الثانية ...
مرت الأيام والسنون , وهاجر تعيش مع سيدتها سارة , وكان يؤلمها أن تري سيدتها وسيدها لا ينجبان , فقد تقدمت بهما السن ولم يرزقهما الله ولداً .
وذات يوم طلبت السيدة سارة من هاجر أن تناولها كوب من الماء , فأسرعت هاجر وملأت كوباً بالماء العذب , ودخلت علي سيدتها سارة , تقدمه لها في أدب واحترام , فلاحظت هاجر أن السيدة سارة تنظر إليها نظرة طويلة متفحصة , وتتأمل فيها بدقة , ولم تكن سارة قد نظرت إليها مثل هذه النظرة من قبل , فخشيت هاجر من هذه النظرة , وأحست أن وراء هذه النظرة شيئاً ما , ولكنها لم تعرفه , لأن سارة لم تتكلم معها في شيء في هذا اليوم , وظلت سارة تنظر _بعد ذلك_ إلي هاجر عدة مرات , كأنها تريد أن تقول لها شيئاً ولكنها تتردد أن تخبرها به .
وبعد أيام , استدعت سارة جاريتها هاجر , وقالت لها : لعلك تعجبتي من نظرتي إليك في الأيام الماضية ؟ فقالت هاجر : نعم ياسيدتي . فأخبرتها سارة أنها كانت تنظر إليها لأنها قررت أن تهبها لزوجها إبراهيم كي يتزوجها , وقد كانت مترددة في هذا الأمر , ولكنها اطمأنت إليه , لعل الله يرزقه بولد منها يسعد به إبراهيم , وهي لن تجد له خيراً من جاريتها وصديقتها هاجر , لأنها لن تتعالي عليها ولن تسيء معاملتها .
وترددت هاجر في أول الأمر , خوفاً من وقوع الشحناء أو البغضاء أو شيء من الغيرة بينها وبين سيدتها , ولكن سارة أقنعتها بضرورة ذلك , وألحّت عليها , فوافقت هاجر علي ذلك , وسعدت به , لأنها ستكون زوجة لنبيٍ كريم , وهو خليل الله إبراهيم عليه السلام .
وبالفعل وهبت سارة هاجر إلي إبراهيم عليه السلام فتزوجها إبراهيم , وعاش معها , وشاء الله عز وجل أن تحمل هاجر , وظهرت عليها علامات الحمل بمرور الأيام , وبدأت سارة تشعر بشيء من الغيرة , وكانت هذه الغيرة تزداد يوماً بعد يوم , ومرت شهور الحمل , ثم وضعت هاجر مولوداً جميلاً سماه أبوه " إسماعيل " وسعد به سعادة كبيرة .
هــــــــــاجر في الصحراء ...
بعدما ولدت هاجر ولدها إسماعيل رأت سارة أن حب إبراهيم زاد لهاجر وولدها , فقد صارت هاجر الجارية أم الولد , وأنجبت لإبراهيم ما كان يتمني , فاشتدت الغيرة في قلب السيدة سارة , فطلبت من إبراهيم أن يبعد عنها هاجر وابنها , وأخذ إبراهيم يفكر في حل هذه المشكلة , وإذ بأمر الله يأتيه يطلب منه أن يأخذ هاجر وابنها إلي صحراء مكة ويتركها هناك .. وتلك هي إرادة الله وحكمته , فاستجاب إبراهيم لأمر الله , فطلب من هاجر زوجته أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة . وكان الطفل رضيعاً لم يفطم بعد , فقامت هاجر مع إبراهيم , وحملت ابنها , وسارت معه وسط أرض مزروعة جاءت بعدها صحراء قاحلة ثم جبال , حتي وصلوا إلي وادٍ في صحراء الجزيرة العربية ليس فيه زرع ولا ماء ولا أنيس ولا جليس ولا شيء من علامات الحياة , فهبط فيه إبراهيم , وأجلس فيه زوجته هاجر وابنها الرضيع , ولم يترك لهما سوي بعض التمر وقليل من الماء , ثم استدار بوجهه يريد العودة لفلسطين , فتعجبت هاجر من فعله , وخشيت علي نفسها وولدها في هذا المكان , فنادت علي إبراهيم فلم يرد عليها , فأسرعت خلفه وهي تقول : يا إبراهيم , أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء ؟ فلم يجبها , وظل يسير , فأعادت عليه كلامها مرة بعد مرة , وهو صامت لا يقول شيئاً , فأحست هاجر أن إبراهيم ينفذ أمراً من أوامر الله , فهو نبيه ورسوله , فقالت له : هل أمرك الله بهذا ؟ فقال دون أن يلتفت : نعم . وهنا ظهر يقين هاجر رضي الله عنها , وشدة إيمانها بالله وتوكلها عليه , فقالت : إذن لن يضيعنا الله . وعادت إلي رضيعها تحمله , بينما استكمل إبراهيم عليه السلام سيره حتي اختفي عن عينها , فرفع يديه إلي السماء وقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) . ثم عاد إلي فلسطين .
جلست هاجر تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع طفلها في هذه الصحراء القاحلة , وبعد يومين نفد التمر والماء , وجف لبن الأم , وراح إسماعيل الرضيع يبكي من الجوع والعطش , فوضعته أمه علي رمال الصحراء , وانطلقت تبحث عن ماء أو شيء , وظلت تسير حتي وصلت إلي جبل الصفا فصعدته , وراحت تنظر بعيداً , ولكنها لم تجد شيئاً , فعادت إلي ابنها الذي يتلوي من شدة الجوع والعطش , فلم تصبر علي رؤيته بهذه الحالة , فتركته وسارت إلي الجهة الأخري حتي وصلت إلي جبل المروة , فصعدته , ونظرت , فلم تجد شيئاً , فعادت إلي الجهة الأخري فلم تجد أحداً , فهرولت إلي المروة تنظر من فوقه , وهكذا راحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين دون جدوي , حتي أجهدها السعي , فعادت إلي ابنها وهي تبكي من الجوع والعطش والتعب الشديد .
فـــــــــــرج الله ...
جلست هاجر رضي الله عنها بجوار ابنها الذي بُح صوته من البكاء وشدة العطش , وقد أوشك اليأس أن يسيطر عليها .
وفي هذه اللحظة جاءها فرج الله , وأدركتها رحمته ؛ إذ أرسل الله عز وجل جبريل عليه السلام فضرب الأض بجناحيه , فخرجت عين ماء بجانب الصغير , فهرولت الأم نحوها , وقلبها ينطق بحمد الله علي نعمته , وجعلت تغرف من مائها , وتحاول جاهدة إنقاذ فلذة كبدها , وتقول لعين الماء : زمِّي زمِّي , فسميت هذه العين زمزم . وقد أخبر النبي محمد صلي الله عليه وسلم بما فعلته السيدة هاجر , فقال : " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً " .
ومن عين الماء شربت الأم حتي ارتوت وشبعت , ثم أرضعت ابنها حتي رأت الابتسامة علي وجهه قد ظهرت , فكان ذلك من رحمة الله بها وبولدها .
وقد جعل الله عز وجل ما فعلته السيدة هاجر رضي الله عنها من السعي بين الصفا والمروة شعيرة من شعائر الحج والعمرة بعد ذلك . قال تعالي : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوَّف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم ) .
ومرت الأيام علي هاجر وابنها وهما بجوار بئر زمزم .
وذات يوم , رأت قبيلة جُرهم العربية الطيور تحوم حول المكان الذي فيه بئر زمزم , فعلموا أن في هذا المكان ماء , فتوجهوا إليه , فإذا بهم يرون البئر وبجواره هاجر وابنها , فاستأذنوها أن يقيموا معها , فأذنت لهم بالسكن بجانبها ,ومشاركتها في الشرب من ماء زمزم , واستأنست بهم , وشب الطفل بينهم , وتعلم اللغة العربية منهم .
البـــــــــــلاء الشديد ...
ظلت هاجر مع ولدها إسماعيل وسط العرب بجانب بئر زمزم , والغلام يكبر امام عينها يوماً بعد يوم .
وكان إبراهيم عليه السلام يزور هاجر وابنها من وقت لآخر , ففوجئت بزوجها ذات يوم يخبرها بأنه رأي في منامه أنه يذبح ولده الوحيد آنذاك ؛ وهو إسماعيل عليه السلام .
وكانت هاجر مثل إبراهيم تعلم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي , فصمتت هاجر برهة من الزمن , وكاد أن ينشب صراع في نفسها , إذ كيف تضحي بولدها الوحيد , وفلذة كبدها , التي سهرت الليالي ترعاه , وتعبت من أجله تعباً لم يتعبه أحد , ولكنها سرعان ما عادت إلي يقينها وإيمانها , فرضيت بقضاء الله وقدره , وصبرت , وأطاعت أمر ربها في قوة وعزم , ثم جاء دور الابن ؛ حيث أخبر إبراهيم عليه السلام ابنه بالأمر , فلم يكن الابن الصالح أقل طاعة من أبيه وأمه , فقال : ( يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) .
وبعدما أخذ إبراهيم عليه السلام ابنه وتوجه به إلي الصحراء ليذبحه إذ بالشيطان يأتي السيدة هاجر , ويحاول أن يخرجها عن تقواها لتثور علي إبراهيم إنقاذاً لولدها , لكنها رجمته بسبع حصيات , واستعاذت بالله منه , فابتعد عنها , وكذلك فعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام , فكان ذلك أساس رمي الجمار الثلاث في الحج بعد ذلك .
الفـــــــــــداء العظيم ...
انتظرت هاجر في البيت بعدما ذهب زوجها إبراهيم بابنها إسماعيل , وراحت تدعو ربها في تضرع وبكاء أن يرفع هذا البلاء الشديد , ويلطف بها وبزوجها وابنها , وإذ بها تري إبراهيم يعود بابنها سالماً , وكانت هذه مفاجأة لها , فتعجبت , وأسرعت إلي زوجها تسأله في دهشة عما حدث , وكيف لم يذبح ابنها , وإذ بها تري معهما كبشاً مذبوحاً , فزادت دهشتها , فأسرع إبراهيم عليه السلام يبشرها بالخبر , فقد رفع الله البلاء , وفدي ابنها بذبح عظيم , جاء به جبريل عليه السلام من الجنة , قال تعالي : ( فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إنّ هذا لهُو البلاء المبين . وفديناه بذِبحٍ عظيم ) .
ففرحت هاجر بنجاة ابنها , وشكرت ربها وحمدته , ووزّع إبراهيم لحم الكبش علي من حول حرم الله وأكل منه هو وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل .
وفــــــــــــــاة هاجر ...
عاشت هاجر سعيدة مع ابنها إسماعيل , وشبّ ابنها وأصبح رجلاً , وتزوج امرأة عربية , ورأت هاجر ابنها وهو يساعد أباه في بناء بيت الله الحرام وكعبته المشرفة للطائفين والعاكفين , وقد حجت هاجر مع زوجها وابنها , وأدت شعائر الحج معهما , وظلت في مكة تعبد الله ليل نهار حتي حان الأجل , فماتت , وصعدت روحها الطاهرة إلي بارئها , بعدما تركت لنا مثالاً رائعاً للزوجة المطيعة , والأم الحانية , والمؤمنة القوية , وكان عمرها يوم وفاتها 90 سنة , ودفنها إسماعيل عليه السلام بجانب بيت الله الحرام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته