أبو نور الدين
02 Apr 2006, 09:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ، فإنا خلقناكم من تراب ، ثم من
نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، مخلّقة ، وغير مخلّقة ، لنبيّن لكم ، ونقرُّ
في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ، ثمّ نخرجكم طفلاً ، ثمّ لتبلغوا أشدّكم ،
ومنكم من يُتَوفّى ، ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم
شيئاً )). الحج (5)
1. من تراب :
2. من نطفة :
3. من علقة :
4. من مضغة : مخلّقة ، وغير مخلّقة :
5. إلى أجل مسمى :
6. ثمّ نخرجكم طفلاً :
7. ثمّ لتبلغوا أشدّكم :
8. ومنكم من يُتَوفّى :
9. أرذل العمر :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين ، ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ،
ثم خلقنا النطفة عَلَقَةً ، فخلقنا العلقة مُضْغَةً ، فخلقنا المضغة عظاماً ،
فكسونا العظام لحماً ، ثمَّ أنشأناه خلقاً آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين )) .
المؤمنون ( 14 )صدق الله العظيم.
إن أي طبيب في العالم اليوم ، يرزقه الله نعمة تذوّق القرآن الكريم وفهمه ،
وخاصة أمثال هذه الآيات العلمية التي بين أيدينا ، لا بدّ أن يعترف وبمنتهى
الإجلال والإكبار ، بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من صنع رجل أميّ - كان قد
عاش قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، في بيئة عربية أمية ، كان الواحد منهم
يضرب أكباد الإبل ، ويقطع الفيافي والصحارى ، فلا يكاد يجد المتعلّم و القارئ ،
فضلاً عن الطبيب - بل لا بد أن يكون من عند العليم الخبير ، المبدع الحكيم ،
الذي أحسن كلّ شيء خلقه ، ثم بدأ خلق الإنسان من طين ، والذي لا تخفى
عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .
لقد بقي العالم لعدة قرون يعيش في وهم النظريات التي تسمي نفسها
علمية ، وليس لها - في الحقيقة - من العلمية إلا الاسم . فمرّة ، يدّعون بأن
الإنسان كان قد تطور إلى صورته الحالية من الحيوانات والقردة .!!! وتارة ،
يقولون بأن الإنسان مخلّق في النطفة الذكرية بصورة كاملة ، ولكن بحجم
مجهري صغير ، ووظيفة الرحم هي في تكبير هذا الشكل المجهري فقط ...!!!
و هكذا ... إلى أن جاء العلم الحديث ، ليثبت تخبط كل تلك النظريات و مجانبتها
للحقيقة ، وليعترف للقرآن العظيم بمعجزته الخالدة في السبق العلمي
الرهيب ، والذي جاء بمعلومات علمية وطبية متقدمة على العصر الذي نزل
فيه بعشرات القرون ...
ومن الجدير ذكره ، بأن العلم الحديث ، وبالرغم من تطوره الهائل في المجالات
الطبية ، إلا أنه لم يستطع أن يضيف للحقائق القرآنية في خلق الإنسان شيئاً
يذكر ، بل لم يستطع الاستغناء ، حتى عن مراحله ، ومصطلحاته ، وألفاظه ...
وإذا ألقينا نظرة على الآيات التي بين أيدينا مثلاً ، لوجدناها تشتمل على
المصطلحات الخلقية التالية :
1. من تراب .
2. من نطفة .
3. من علقة .
4. من مضغة ( مخلَّقة وغير مخلَّقة ) .
5. إلى أجل مسمى ( مدّة الحمل ) .
6. ثم نخرجكم طفلاً ( الولادة + الطفولة ) .
7. ثم لتبلغوا أشدكم ( الشباب + الكهولة ) .
8. ومنكم من يُردّ إلى أرذل العمر ( الشيخوخة ) .
9. ومنكم من يُتوفى .
وهي كلها مصطلحات وألفاظ علمية معجزة ، تعبّر عن مراحل خلقية مختلفة ،
سنتناولها في هذا البحث بالتفصيل ، وبنفس الترتيب القرآني المعجز ...
أولاً : مرحلة التراب : (( إنا خلقناكم من تراب )) .
يؤكد القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهّرة ، جملة من الحقائق العلمية
المذهلة ، عن أصل خلق الإنسان ، نتناولها في النقاط التالية:
1. من تراب : (( ومن آياته أن خلقكم من تراب ، ثم إذا أنتم بشر
تنتشرون )) .الروم ( 20 )
من ماء : (( وهو الذي خلق من الماء بشراً ، فجعله نسباً وصهراً ، وكان ربك
قديراً )) الفرقان (54)
من طين : ( تراب + ماء = طين ) (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من
طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين )) ص ( 71)
2. من سلالة من طين : ( أي خلاصة من الأرض ) (( ولقد خلقنا
الإنسان من سلالة من طين )) . المؤمنون (12)
ماذا تعني هذه الحقائق .!؟
إنها تعني أن الإنسان مخلوق من طينة هذه الأرض ، بل من خلاصتها ...
ثم جاءت السنة المطهرة فألقت المزيد من الضوء على أصل الخلقة البشرية ،
فقد بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى أمر جبريل (ع) ، أن
يحضر له حفنة من تراب الأرض ، من مواضع مختلفة ، ففعل . ثم أمر تعالى أن
يراق فوقه الماء حتى صار طيناً ، ثم صوره على شكل إنسان ، وتركه ما شاء
الله أن يتركه تحت أشعة الشمس حتى أحرقته ، فتحول إلى فخار ، أو بتعبير
القرآن ( حمأ مسنون ) ، فجعلت الملائكة تطوف به ، وتعجب منه ، وجعل
إبليس يطوف به أيضاً ، ويسخر منه ..!
ثم نفخ الله فيه من روحه ، وعلّمه من علمه ، وأسبغ عليه من مهابته ، وأسجد
له ملائكته ، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً ...
روى البيهقي وأبو داوود والترمذيّ وغيرهم : أن رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) قال :
(( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر
الأرض ، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك ، والسهل والحزن
والخبيث والطيب . ثم بلّت طينه حتى صارت طيناً لازباً ، ثم تركت حتى صارت
حمأً مسنوناً ، ثم تركت حتى صارت صلصالاً ، قال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان
من صلصال من حمأٍ مسنون )) الحجر(26) . قصص الأنبياء (39) .
وروى الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة (رض ) قال : قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) :
(( إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ، ثم تركه حتى إذا كان حمأً
مسنوناً ، خلقه الله وصوره،
ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار ، قال : فكان إبليس يطوف به فيقول :
لقد خُلقت لأمر عظيم!
ثم نفخ فيه من روحه ...إلخ ... )) قصص الأنبياء ( 41 ) .
هذا ما قاله القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، عن أصل الإنسان قبل أكثر من
أربعة عشر قرناً ، فماذا قال العلم الحديث يا ترى .!؟
لقد أجرى العلماء تحليلاً دقيقاً لمكوّنات الأرض ، فوجدوا فيها أكثر من مائة
عنصر من عناصر الطبيعة المعروفة حتى الآن ... كما أجروا تحليلاً لجسم
الإنسان نفسه ، فوجدوه مكوّناً من حوالي ثلاثة وعشرين عنصراً هي خلاصة
عناصر الأرض ، أو العناصر المهمة فيها ، وهي كما يلي :
• مجموعة العناصر الأساسية :
1. الأوكسجين ( O2 )
الهيدروجين ( H )
ومن مجموعهما يتكون الماء ، الذي هو أصل الحياة ، والذي يشكل حوالي 70
% من جسم الإنسان ، ومن الأرض أيضاً ...
قال تعالى مؤكداً هذه الحقيقة العلمية : (( وجعلنا من الماء كل شيء حيّ ))
الأنبياء (30 ) .
2. الكربون ( C )
3. النتروجين ( N )
وهذه العناصر الأربعة تشكل أساس المواد العضوية ( السكريات ، البروتينات ،
الدهنيات ، الفيتامينات ، الهرمونات ، والخمائر أو الإنزيمات ).
مجموعة عناصر أقل أهمية :
1. الكلور ( Cl )
الكبريت ( S )
الفوسفور ( P )
المنغنيز ( Mn )
الكالسيوم ( Ca )
الصوديوم ( Na )
2. البوتاسيوم ( K )
•
مواد أخرى جافة :
1. الحديد ( Fe )
النحاس ( Cu )
اليود ( I )
المغنيزيوم ( Mg )
الكوبالت ( Co )
التوتياء ( Zn )
2. المولبيديوم ( Mo )
•
مواد أخرى نادرة :
1. الفلور ( F )
الألمنيوم ( Al )
البور ( B )
2. السيلينيوم ( Se )
3. الكادميوم ( Cd )
وصدق الله العظيم الذي قال في قرآنه المعجز : (( ولقد خلقنا الإنسان من
سلالة من طين )) أي من خلاصة الأرض ... وهذه هي الحقيقة بعينها ..
فتبارك الله أحسن الخالقين ...!!!
• خلق حوّاء :
قال تعالى في كتابه المبين : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً
ونساءً )) النساء(1)
يشير هذا النص القرآني المعجز ، إلى أن أصل خلق البشرية من نفس واحدة
هي نفس آدم (ع) ، وأن زوج آدم ، والتي شاع بين الناس تسميتها باسم حواء
، هي من تلك النفس الواحدة أيضاً ...
أما أبناء آدم ، والبشر من بعدهم ، فقد جاؤوا بقانون التقاء الذكر مع الأنثى
المعروف ، والذي عبّر عنه المصطلح القرآني المعجز بقوله : (( وبثَّ منهما
رجالاً كثيراً ونساءً )) .
روى السديُّ ،عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ،
وعن ناس من الصحابة ، قالوا : أُخرج إبليس من الجنة ، وأُسكن آدم فيها ،
فكان يمشي فيها وحشيّاً ، ليس له فيها زوجٌ يسكن إليها ، فنام نومةً ،
فاستيقظ وعند رأسه امرأة خلقها الله من ضلعه ...
وذكر محمد بن اسحق ، عن ابن عباس (رض) : أنها خُلقت من ضلعه الأقصر
الأيسر ، وهو نائم ولأم مكانه لحم ... قصص الأنبياء (20)
وفي الصحيحين ، من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعيّ ، عن أبي حازم ،
عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( استوصوا بالنساء
خيراً ، فإن المرأة خُلقت من ضلع )) .
ونقف أمام هذه النصوص المعجزة لنسأل أنفسنا سؤالين محدّدين :
الأول : لماذا خُلقت حواء من آدم وليس العكس ..!!!؟
والثاني : لماذا خُلقت من الضلع تحديداً .!!!؟
ويأتي العلم بعد أربعة عشر قرناً من تنزّل هذه النصوص المعجزة ، ليجيب
على هذين السؤالين وعلى عشرات ، بل مئات الأسئلة غيرها ، والتي كانت
أكبر بكثير من مستوى العصر الذي تنزلت فيه ، ولا نشك بوجود حكمة بالغة
لله تعالى في الإشارة إليها منذ ذلك الوقت المبكّر ، ولعل في اكتشاف العلم
لها اليوم ، ووقوف العلماء أمامها بكل خشوع واحترام ، وإيمان الكثير منهم بالله
الخالق المبدع ، لخير دليل على ذلك ...
• أما عن السؤال الأول : فقد أكّد العلم ، بأن حواء يمكن أن تُخلق من
آدم وليس العكس ، وذلك لأننا لو أخذنا التركيب الوراثي لآدم عليه السلام ،
لوجدناه مؤلفاً من (44) صبغي جسمي + صبغيان جنسيان هما ( xy ). أي
أن آدم عليه السلام يمكن أن يعطي في حيواناته المنوية ( النطاف ) : النطفة
المذكرة ( y ) التي تكون الذكر . والنطفة المؤنّثة ( x ) التي تكون الأنثى .
أي : يمكن اشتقاق الأنثى من آدم عليه السلام ...
أما حواء ، فإن شفرتها الوراثية تتكون من (44) صبغي جسمي + صبغيان
جنسيان متماثلان هما: ( xx ) ، أي أنها غير قادرة على إعطاء العنصر الذكري
أبداً ...
• وأما عن السؤال الثاني : فهو من الأمور التي لم يتوصل العلم إلى
حقيقتها حتى الآن فيما أعلم ، وأرجو أن تكون محاولتي هذه خطوة في
الطريق الصحيح .
لماذا خُلقت حواء من ضلع آدم وليس من أي مكان آخر .!؟
لكي نجيب على هذا التساؤل المهم ، من المفيد جدّاً الاستعانة بالنصوص
التالية :
• نصوص القرآن الكريم : قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله
الرحمن الرحيم (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم ، وأشهدهم
على أنفسهم ، ألست بربّكم !؟ قالوا : بلى ، شهدنا )) الأعراف(172) .
يفيد هذا النص القرآني بأن الذريّة من الظهور ...
(( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم )) النساء (23) . والصلب هو أسفل
الظهر ... (( خُلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب )) الطارق (4)
أي أن الماء الدافق ، الذي هو المني يتكوّن من مكانين رئيسيين هما : الصلب
( أسفل الظهر ) والترائب ( الأضلاع ) . تذكَّر بأن الدم يتكون في الإنسان البالغ
من العظام المسطّحة ، وهي بشكل رئيسي عظام الفقرات والأضلاع ...
• نصوص السنّة المطهّرة :
1. الصندوق الأسود : هل سمعتم بالصندوق الأسود .!؟ لا أعني ذلك
الموجود في كل طائرة ، والذي يسجل دقائق وتفاصيل كل رحلة جوية ،
ويستعين به خبراء الطيران ، ورجال المخابرات ، للتعرف على أسباب تحطم
الطائرات .!!!
انما الصندوق الأسود الذي في البشر ، والذي يختزن الشفرة الوراثية لكل إنسان .!
فإليكم ما قاله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ، النبيّ الأميّ ، الذي
بُعث إلى أمة أمية قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، قال : (( كلُّ بني آدم تأكله
الأرض ( أي بعد الموت ) ، إلا عَجْبَ الذَّنَبِ ، منه خُلق ، وفيه يُرَكَّبْ . قيل : وما
هو يا رسول الله .!؟ قال : مثل حبة خردل ، منه تنشؤون )) رواه الإمام البخاري
ومسلم ومالك وأبو داوود والنَّسائي .
2. حديث الذّر : روى الإمام الترمذيُّ ، عن أبي هريرة (رض ) ، قال : قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : (( لما خلق الله آدم (ع ) ، مسح ظهره ،
فسقط من ظهره كل نسمة خالقها إلى يوم القيامة ..إلخ )) قال الترمذي :
حسن صحيح ، وكذلك رواه الإمام الحاكم .
من هذه النصوص المعجزة نخلص إلى النتيجة التالية :
لما خلق الله آدم عليه السلام بقدرته المطلقة ، أودع فيه السرّ البشري ،
الذي نعني به الشفرة الوراثية التي تحفظ النوع البشري إلى يوم القيامة
وهي ( DNA) ، وجعل مخزنها في نقطتين رئيسيّتين في جسمه هما :
الصلب ، وهي عظام الفقرات في أسفل الظهر ، وبشكل خاص في عظم
العصعص الذي ورد في الحديث الشريف باسم عظم العَجْب ، والترائب التي
هي عظام الأضلاع .. ولقد أثبت الطب فعلاً بأن الفقرات والأضلاع هي
المسؤولة بشكل أساسي عن تركيب الدم في الإنسان في مرحلة ما بعد
الحياة الجنينية ، وبالتالي فيمكن الوصول إلى حقيقة أن الصلب والترائب هي
مخزن الشفرة الوراثية (DNA) في الإنسان .
>>>>>>>>>>>>>>>>>>يتبع >>>>>>>>>>>>>>>...
(( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ، فإنا خلقناكم من تراب ، ثم من
نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، مخلّقة ، وغير مخلّقة ، لنبيّن لكم ، ونقرُّ
في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ، ثمّ نخرجكم طفلاً ، ثمّ لتبلغوا أشدّكم ،
ومنكم من يُتَوفّى ، ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم
شيئاً )). الحج (5)
1. من تراب :
2. من نطفة :
3. من علقة :
4. من مضغة : مخلّقة ، وغير مخلّقة :
5. إلى أجل مسمى :
6. ثمّ نخرجكم طفلاً :
7. ثمّ لتبلغوا أشدّكم :
8. ومنكم من يُتَوفّى :
9. أرذل العمر :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين ، ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ،
ثم خلقنا النطفة عَلَقَةً ، فخلقنا العلقة مُضْغَةً ، فخلقنا المضغة عظاماً ،
فكسونا العظام لحماً ، ثمَّ أنشأناه خلقاً آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين )) .
المؤمنون ( 14 )صدق الله العظيم.
إن أي طبيب في العالم اليوم ، يرزقه الله نعمة تذوّق القرآن الكريم وفهمه ،
وخاصة أمثال هذه الآيات العلمية التي بين أيدينا ، لا بدّ أن يعترف وبمنتهى
الإجلال والإكبار ، بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من صنع رجل أميّ - كان قد
عاش قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، في بيئة عربية أمية ، كان الواحد منهم
يضرب أكباد الإبل ، ويقطع الفيافي والصحارى ، فلا يكاد يجد المتعلّم و القارئ ،
فضلاً عن الطبيب - بل لا بد أن يكون من عند العليم الخبير ، المبدع الحكيم ،
الذي أحسن كلّ شيء خلقه ، ثم بدأ خلق الإنسان من طين ، والذي لا تخفى
عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .
لقد بقي العالم لعدة قرون يعيش في وهم النظريات التي تسمي نفسها
علمية ، وليس لها - في الحقيقة - من العلمية إلا الاسم . فمرّة ، يدّعون بأن
الإنسان كان قد تطور إلى صورته الحالية من الحيوانات والقردة .!!! وتارة ،
يقولون بأن الإنسان مخلّق في النطفة الذكرية بصورة كاملة ، ولكن بحجم
مجهري صغير ، ووظيفة الرحم هي في تكبير هذا الشكل المجهري فقط ...!!!
و هكذا ... إلى أن جاء العلم الحديث ، ليثبت تخبط كل تلك النظريات و مجانبتها
للحقيقة ، وليعترف للقرآن العظيم بمعجزته الخالدة في السبق العلمي
الرهيب ، والذي جاء بمعلومات علمية وطبية متقدمة على العصر الذي نزل
فيه بعشرات القرون ...
ومن الجدير ذكره ، بأن العلم الحديث ، وبالرغم من تطوره الهائل في المجالات
الطبية ، إلا أنه لم يستطع أن يضيف للحقائق القرآنية في خلق الإنسان شيئاً
يذكر ، بل لم يستطع الاستغناء ، حتى عن مراحله ، ومصطلحاته ، وألفاظه ...
وإذا ألقينا نظرة على الآيات التي بين أيدينا مثلاً ، لوجدناها تشتمل على
المصطلحات الخلقية التالية :
1. من تراب .
2. من نطفة .
3. من علقة .
4. من مضغة ( مخلَّقة وغير مخلَّقة ) .
5. إلى أجل مسمى ( مدّة الحمل ) .
6. ثم نخرجكم طفلاً ( الولادة + الطفولة ) .
7. ثم لتبلغوا أشدكم ( الشباب + الكهولة ) .
8. ومنكم من يُردّ إلى أرذل العمر ( الشيخوخة ) .
9. ومنكم من يُتوفى .
وهي كلها مصطلحات وألفاظ علمية معجزة ، تعبّر عن مراحل خلقية مختلفة ،
سنتناولها في هذا البحث بالتفصيل ، وبنفس الترتيب القرآني المعجز ...
أولاً : مرحلة التراب : (( إنا خلقناكم من تراب )) .
يؤكد القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهّرة ، جملة من الحقائق العلمية
المذهلة ، عن أصل خلق الإنسان ، نتناولها في النقاط التالية:
1. من تراب : (( ومن آياته أن خلقكم من تراب ، ثم إذا أنتم بشر
تنتشرون )) .الروم ( 20 )
من ماء : (( وهو الذي خلق من الماء بشراً ، فجعله نسباً وصهراً ، وكان ربك
قديراً )) الفرقان (54)
من طين : ( تراب + ماء = طين ) (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من
طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين )) ص ( 71)
2. من سلالة من طين : ( أي خلاصة من الأرض ) (( ولقد خلقنا
الإنسان من سلالة من طين )) . المؤمنون (12)
ماذا تعني هذه الحقائق .!؟
إنها تعني أن الإنسان مخلوق من طينة هذه الأرض ، بل من خلاصتها ...
ثم جاءت السنة المطهرة فألقت المزيد من الضوء على أصل الخلقة البشرية ،
فقد بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى أمر جبريل (ع) ، أن
يحضر له حفنة من تراب الأرض ، من مواضع مختلفة ، ففعل . ثم أمر تعالى أن
يراق فوقه الماء حتى صار طيناً ، ثم صوره على شكل إنسان ، وتركه ما شاء
الله أن يتركه تحت أشعة الشمس حتى أحرقته ، فتحول إلى فخار ، أو بتعبير
القرآن ( حمأ مسنون ) ، فجعلت الملائكة تطوف به ، وتعجب منه ، وجعل
إبليس يطوف به أيضاً ، ويسخر منه ..!
ثم نفخ الله فيه من روحه ، وعلّمه من علمه ، وأسبغ عليه من مهابته ، وأسجد
له ملائكته ، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً ...
روى البيهقي وأبو داوود والترمذيّ وغيرهم : أن رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) قال :
(( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر
الأرض ، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك ، والسهل والحزن
والخبيث والطيب . ثم بلّت طينه حتى صارت طيناً لازباً ، ثم تركت حتى صارت
حمأً مسنوناً ، ثم تركت حتى صارت صلصالاً ، قال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان
من صلصال من حمأٍ مسنون )) الحجر(26) . قصص الأنبياء (39) .
وروى الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة (رض ) قال : قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) :
(( إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ، ثم تركه حتى إذا كان حمأً
مسنوناً ، خلقه الله وصوره،
ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار ، قال : فكان إبليس يطوف به فيقول :
لقد خُلقت لأمر عظيم!
ثم نفخ فيه من روحه ...إلخ ... )) قصص الأنبياء ( 41 ) .
هذا ما قاله القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، عن أصل الإنسان قبل أكثر من
أربعة عشر قرناً ، فماذا قال العلم الحديث يا ترى .!؟
لقد أجرى العلماء تحليلاً دقيقاً لمكوّنات الأرض ، فوجدوا فيها أكثر من مائة
عنصر من عناصر الطبيعة المعروفة حتى الآن ... كما أجروا تحليلاً لجسم
الإنسان نفسه ، فوجدوه مكوّناً من حوالي ثلاثة وعشرين عنصراً هي خلاصة
عناصر الأرض ، أو العناصر المهمة فيها ، وهي كما يلي :
• مجموعة العناصر الأساسية :
1. الأوكسجين ( O2 )
الهيدروجين ( H )
ومن مجموعهما يتكون الماء ، الذي هو أصل الحياة ، والذي يشكل حوالي 70
% من جسم الإنسان ، ومن الأرض أيضاً ...
قال تعالى مؤكداً هذه الحقيقة العلمية : (( وجعلنا من الماء كل شيء حيّ ))
الأنبياء (30 ) .
2. الكربون ( C )
3. النتروجين ( N )
وهذه العناصر الأربعة تشكل أساس المواد العضوية ( السكريات ، البروتينات ،
الدهنيات ، الفيتامينات ، الهرمونات ، والخمائر أو الإنزيمات ).
مجموعة عناصر أقل أهمية :
1. الكلور ( Cl )
الكبريت ( S )
الفوسفور ( P )
المنغنيز ( Mn )
الكالسيوم ( Ca )
الصوديوم ( Na )
2. البوتاسيوم ( K )
•
مواد أخرى جافة :
1. الحديد ( Fe )
النحاس ( Cu )
اليود ( I )
المغنيزيوم ( Mg )
الكوبالت ( Co )
التوتياء ( Zn )
2. المولبيديوم ( Mo )
•
مواد أخرى نادرة :
1. الفلور ( F )
الألمنيوم ( Al )
البور ( B )
2. السيلينيوم ( Se )
3. الكادميوم ( Cd )
وصدق الله العظيم الذي قال في قرآنه المعجز : (( ولقد خلقنا الإنسان من
سلالة من طين )) أي من خلاصة الأرض ... وهذه هي الحقيقة بعينها ..
فتبارك الله أحسن الخالقين ...!!!
• خلق حوّاء :
قال تعالى في كتابه المبين : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً
ونساءً )) النساء(1)
يشير هذا النص القرآني المعجز ، إلى أن أصل خلق البشرية من نفس واحدة
هي نفس آدم (ع) ، وأن زوج آدم ، والتي شاع بين الناس تسميتها باسم حواء
، هي من تلك النفس الواحدة أيضاً ...
أما أبناء آدم ، والبشر من بعدهم ، فقد جاؤوا بقانون التقاء الذكر مع الأنثى
المعروف ، والذي عبّر عنه المصطلح القرآني المعجز بقوله : (( وبثَّ منهما
رجالاً كثيراً ونساءً )) .
روى السديُّ ،عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ،
وعن ناس من الصحابة ، قالوا : أُخرج إبليس من الجنة ، وأُسكن آدم فيها ،
فكان يمشي فيها وحشيّاً ، ليس له فيها زوجٌ يسكن إليها ، فنام نومةً ،
فاستيقظ وعند رأسه امرأة خلقها الله من ضلعه ...
وذكر محمد بن اسحق ، عن ابن عباس (رض) : أنها خُلقت من ضلعه الأقصر
الأيسر ، وهو نائم ولأم مكانه لحم ... قصص الأنبياء (20)
وفي الصحيحين ، من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعيّ ، عن أبي حازم ،
عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( استوصوا بالنساء
خيراً ، فإن المرأة خُلقت من ضلع )) .
ونقف أمام هذه النصوص المعجزة لنسأل أنفسنا سؤالين محدّدين :
الأول : لماذا خُلقت حواء من آدم وليس العكس ..!!!؟
والثاني : لماذا خُلقت من الضلع تحديداً .!!!؟
ويأتي العلم بعد أربعة عشر قرناً من تنزّل هذه النصوص المعجزة ، ليجيب
على هذين السؤالين وعلى عشرات ، بل مئات الأسئلة غيرها ، والتي كانت
أكبر بكثير من مستوى العصر الذي تنزلت فيه ، ولا نشك بوجود حكمة بالغة
لله تعالى في الإشارة إليها منذ ذلك الوقت المبكّر ، ولعل في اكتشاف العلم
لها اليوم ، ووقوف العلماء أمامها بكل خشوع واحترام ، وإيمان الكثير منهم بالله
الخالق المبدع ، لخير دليل على ذلك ...
• أما عن السؤال الأول : فقد أكّد العلم ، بأن حواء يمكن أن تُخلق من
آدم وليس العكس ، وذلك لأننا لو أخذنا التركيب الوراثي لآدم عليه السلام ،
لوجدناه مؤلفاً من (44) صبغي جسمي + صبغيان جنسيان هما ( xy ). أي
أن آدم عليه السلام يمكن أن يعطي في حيواناته المنوية ( النطاف ) : النطفة
المذكرة ( y ) التي تكون الذكر . والنطفة المؤنّثة ( x ) التي تكون الأنثى .
أي : يمكن اشتقاق الأنثى من آدم عليه السلام ...
أما حواء ، فإن شفرتها الوراثية تتكون من (44) صبغي جسمي + صبغيان
جنسيان متماثلان هما: ( xx ) ، أي أنها غير قادرة على إعطاء العنصر الذكري
أبداً ...
• وأما عن السؤال الثاني : فهو من الأمور التي لم يتوصل العلم إلى
حقيقتها حتى الآن فيما أعلم ، وأرجو أن تكون محاولتي هذه خطوة في
الطريق الصحيح .
لماذا خُلقت حواء من ضلع آدم وليس من أي مكان آخر .!؟
لكي نجيب على هذا التساؤل المهم ، من المفيد جدّاً الاستعانة بالنصوص
التالية :
• نصوص القرآن الكريم : قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله
الرحمن الرحيم (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم ، وأشهدهم
على أنفسهم ، ألست بربّكم !؟ قالوا : بلى ، شهدنا )) الأعراف(172) .
يفيد هذا النص القرآني بأن الذريّة من الظهور ...
(( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم )) النساء (23) . والصلب هو أسفل
الظهر ... (( خُلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب )) الطارق (4)
أي أن الماء الدافق ، الذي هو المني يتكوّن من مكانين رئيسيين هما : الصلب
( أسفل الظهر ) والترائب ( الأضلاع ) . تذكَّر بأن الدم يتكون في الإنسان البالغ
من العظام المسطّحة ، وهي بشكل رئيسي عظام الفقرات والأضلاع ...
• نصوص السنّة المطهّرة :
1. الصندوق الأسود : هل سمعتم بالصندوق الأسود .!؟ لا أعني ذلك
الموجود في كل طائرة ، والذي يسجل دقائق وتفاصيل كل رحلة جوية ،
ويستعين به خبراء الطيران ، ورجال المخابرات ، للتعرف على أسباب تحطم
الطائرات .!!!
انما الصندوق الأسود الذي في البشر ، والذي يختزن الشفرة الوراثية لكل إنسان .!
فإليكم ما قاله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ، النبيّ الأميّ ، الذي
بُعث إلى أمة أمية قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، قال : (( كلُّ بني آدم تأكله
الأرض ( أي بعد الموت ) ، إلا عَجْبَ الذَّنَبِ ، منه خُلق ، وفيه يُرَكَّبْ . قيل : وما
هو يا رسول الله .!؟ قال : مثل حبة خردل ، منه تنشؤون )) رواه الإمام البخاري
ومسلم ومالك وأبو داوود والنَّسائي .
2. حديث الذّر : روى الإمام الترمذيُّ ، عن أبي هريرة (رض ) ، قال : قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : (( لما خلق الله آدم (ع ) ، مسح ظهره ،
فسقط من ظهره كل نسمة خالقها إلى يوم القيامة ..إلخ )) قال الترمذي :
حسن صحيح ، وكذلك رواه الإمام الحاكم .
من هذه النصوص المعجزة نخلص إلى النتيجة التالية :
لما خلق الله آدم عليه السلام بقدرته المطلقة ، أودع فيه السرّ البشري ،
الذي نعني به الشفرة الوراثية التي تحفظ النوع البشري إلى يوم القيامة
وهي ( DNA) ، وجعل مخزنها في نقطتين رئيسيّتين في جسمه هما :
الصلب ، وهي عظام الفقرات في أسفل الظهر ، وبشكل خاص في عظم
العصعص الذي ورد في الحديث الشريف باسم عظم العَجْب ، والترائب التي
هي عظام الأضلاع .. ولقد أثبت الطب فعلاً بأن الفقرات والأضلاع هي
المسؤولة بشكل أساسي عن تركيب الدم في الإنسان في مرحلة ما بعد
الحياة الجنينية ، وبالتالي فيمكن الوصول إلى حقيقة أن الصلب والترائب هي
مخزن الشفرة الوراثية (DNA) في الإنسان .
>>>>>>>>>>>>>>>>>>يتبع >>>>>>>>>>>>>>>...