منير 83
13 May 2006, 01:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيـــــــــــــــم
كانوا ثلاثة أصدقاء جمعهم حبّ العلم، ومهابة المعلم..
دخلوا عصر يوم إلى المسجد، فإذا معلمهم يحيى القطان يلقي في الناس درس الحديث، مستنداً إلى سارية المسجد، فوقفوا على أقدامهم يستمعون إلى الكلام المبارك حتى أذان المغرب..
لم يجلسوا حياء، وما أجلسهم المعلم!
كانوا ثلاثة أصدقاء، لا يكادون يفترقون.. وكيف؟! وقد كانوا معاً على موعد مع التاريخ..
فعلي بن المديني سيغدو أستاذ العلل، ومعلم الإمام البخاري الذي قال: "ما استصغرتُ نفسي أمام أحد إلا أمام ابن المديني"..
ويحيى بن معين سيغدو أستاذ الجرح والتعديل، وعلم الرجال..
وثالثهم سيغدو الأجمع في علم الرواية؛ إذ سيحفظ ألف ألف حديث نبوي، وسيترك لنا المُسنَد العظيم..
وزيادة فوق الحسنى، سيغدو أحمد بن حنبل "ناصر السنة"، وسيحبس التاريخُ أنفاسه أمامه..
وقليلاً ما يفعل التاريخ!
فقد حبسها من قبل في الغار يومَ الرسالة، إذ قال أمين السماء لأمين الأرض: اِقرأ..
وحبسها يوم الردة؛ إذ وقف الصدّيق وحده يقول: "لأقاتلنّهم حتى لو انفردت سالفتي.. لأقاتلنّهم ما استمسك السيف في معصمي"..
وحبسها يوم الجهاد في عين جالوت؛ إذ قال المظفر قطز: "واإسلاماه"..!!
وحبس التاريخ أنفاسه يوم المحنة، محنة ناصر السنة..
إذ أجاب العلماء إرهابَ المعتصم تحت لذع السياط، وقطع الرؤوس..
وأخذوا كلهم بالرخصة والتقية، إلا أبا عبد الله؛ فقد كان كلما نصحوه بالرخصة يقول: "إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يتمادى في جهله، فمتى يتبين الحق؟!"..
وكان يقول: "من ينجّيني يوم القيامة من هؤلاء الذين يمسكون أقلامهم ينتظرون ما أقول؟! الجماعة ما وافق الحق، ولو كنت وحدك"..
وسجِن الإمام سنتين.. و جلَده مائة وخمسون جلاداً، يتداولون ما بينهم السياط، فما قال للإرهاب الفكري يوماً: نعم..
بل كان هو الذي يجلدهم بالصبر والثبات..
وفي يوم رجع الإمام بعد الجلد إلى زنزانته متألماً، فسمع سجين أنينه..
فدنا منه وقال له: "أنا أبو الهيثم العيّار اللص! ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في طاعة الشيطان لأجل الدنيا، ألا تصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين؟!"..
ويضيق المعتصم بالإمام، فيُعلن في الجلادين:
- من يقتله بالسوط؟!
ويجيب أغلظهم،أبوالدنّ: أنا..
- بكم تقتله؟!
- بعشرين سوطاً..
- شدّ .. اِقطعْ .. قطع الله يدك!
فشدّ وما قطع، وما قُتل الإمام ولا استكان، وكان كلّما ضعفت نفسه تذكر مقالة صاحبه السجين!
ويشاء الله أن ينتصر الإمام بالصبر، فيخرج من السجن حاملاً جراحَه والمبدأ..
وتلتئم الجراح، ويبقى من زمن المحنة ثلاث صور..
أُولاها:
صورة المعتصم وهو يفتح مدينة عمورية، فيقول الإمام: "غفرت للمعتصم ماصنع بي، بفتح عمورية"..
والثانية:
صورة الإمام وقد هجر -وهو المحب- من وقفا معه أمام السارية بين العصر والمغرب؛ لأنهما أجابا الرخصة..
وحتى في مرض موته، يدخل عليه ابن المديني يودعه، فيشيح الإمام بوجهه عنه!
فيقول علي: سبحان الله! يا أبا عبد الله، ألا تغفر؟!
وبعد حين، سأل طالبٌ أستاذه ابن المديني: "لماذا لم تصبر كما صبر أحمد بن حنبل؟!
فوكزه الأستاذ بمرفقه، وقال له: "اسكت.. ذاك رجل كنا نشبّهه بالأنبياء"..
والثالثة:
صورة الإمام بين طلابه، وهو يذكر صاحب السجن، ويقول:
"رحم الله أبا الهيثم"..
منــــــــــــــــــــقول
كانوا ثلاثة أصدقاء جمعهم حبّ العلم، ومهابة المعلم..
دخلوا عصر يوم إلى المسجد، فإذا معلمهم يحيى القطان يلقي في الناس درس الحديث، مستنداً إلى سارية المسجد، فوقفوا على أقدامهم يستمعون إلى الكلام المبارك حتى أذان المغرب..
لم يجلسوا حياء، وما أجلسهم المعلم!
كانوا ثلاثة أصدقاء، لا يكادون يفترقون.. وكيف؟! وقد كانوا معاً على موعد مع التاريخ..
فعلي بن المديني سيغدو أستاذ العلل، ومعلم الإمام البخاري الذي قال: "ما استصغرتُ نفسي أمام أحد إلا أمام ابن المديني"..
ويحيى بن معين سيغدو أستاذ الجرح والتعديل، وعلم الرجال..
وثالثهم سيغدو الأجمع في علم الرواية؛ إذ سيحفظ ألف ألف حديث نبوي، وسيترك لنا المُسنَد العظيم..
وزيادة فوق الحسنى، سيغدو أحمد بن حنبل "ناصر السنة"، وسيحبس التاريخُ أنفاسه أمامه..
وقليلاً ما يفعل التاريخ!
فقد حبسها من قبل في الغار يومَ الرسالة، إذ قال أمين السماء لأمين الأرض: اِقرأ..
وحبسها يوم الردة؛ إذ وقف الصدّيق وحده يقول: "لأقاتلنّهم حتى لو انفردت سالفتي.. لأقاتلنّهم ما استمسك السيف في معصمي"..
وحبسها يوم الجهاد في عين جالوت؛ إذ قال المظفر قطز: "واإسلاماه"..!!
وحبس التاريخ أنفاسه يوم المحنة، محنة ناصر السنة..
إذ أجاب العلماء إرهابَ المعتصم تحت لذع السياط، وقطع الرؤوس..
وأخذوا كلهم بالرخصة والتقية، إلا أبا عبد الله؛ فقد كان كلما نصحوه بالرخصة يقول: "إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يتمادى في جهله، فمتى يتبين الحق؟!"..
وكان يقول: "من ينجّيني يوم القيامة من هؤلاء الذين يمسكون أقلامهم ينتظرون ما أقول؟! الجماعة ما وافق الحق، ولو كنت وحدك"..
وسجِن الإمام سنتين.. و جلَده مائة وخمسون جلاداً، يتداولون ما بينهم السياط، فما قال للإرهاب الفكري يوماً: نعم..
بل كان هو الذي يجلدهم بالصبر والثبات..
وفي يوم رجع الإمام بعد الجلد إلى زنزانته متألماً، فسمع سجين أنينه..
فدنا منه وقال له: "أنا أبو الهيثم العيّار اللص! ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في طاعة الشيطان لأجل الدنيا، ألا تصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين؟!"..
ويضيق المعتصم بالإمام، فيُعلن في الجلادين:
- من يقتله بالسوط؟!
ويجيب أغلظهم،أبوالدنّ: أنا..
- بكم تقتله؟!
- بعشرين سوطاً..
- شدّ .. اِقطعْ .. قطع الله يدك!
فشدّ وما قطع، وما قُتل الإمام ولا استكان، وكان كلّما ضعفت نفسه تذكر مقالة صاحبه السجين!
ويشاء الله أن ينتصر الإمام بالصبر، فيخرج من السجن حاملاً جراحَه والمبدأ..
وتلتئم الجراح، ويبقى من زمن المحنة ثلاث صور..
أُولاها:
صورة المعتصم وهو يفتح مدينة عمورية، فيقول الإمام: "غفرت للمعتصم ماصنع بي، بفتح عمورية"..
والثانية:
صورة الإمام وقد هجر -وهو المحب- من وقفا معه أمام السارية بين العصر والمغرب؛ لأنهما أجابا الرخصة..
وحتى في مرض موته، يدخل عليه ابن المديني يودعه، فيشيح الإمام بوجهه عنه!
فيقول علي: سبحان الله! يا أبا عبد الله، ألا تغفر؟!
وبعد حين، سأل طالبٌ أستاذه ابن المديني: "لماذا لم تصبر كما صبر أحمد بن حنبل؟!
فوكزه الأستاذ بمرفقه، وقال له: "اسكت.. ذاك رجل كنا نشبّهه بالأنبياء"..
والثالثة:
صورة الإمام بين طلابه، وهو يذكر صاحب السجن، ويقول:
"رحم الله أبا الهيثم"..
منــــــــــــــــــــقول