المسترشد
19 May 2006, 12:00 AM
اتقوا الله يا أكلة لحوم البشر !!!
محمد محمد ابوجليل الهدار
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى .
وبعد ...
إن المتأمل والمتفحص لغالب مجالس الناس اليوم ذكورا وإناثا يجدها مليئة بفاحشة نكراء وجريمة بشعة وإثم شنيع ، يراه بعض العلماء من كبائر الذنوب ، وهو محرم بنص الكتاب والسنة والإجماع ،هذا الجرم هو أكل لحوم البشر والخوض في أعراضهم ، وتسمى هذه الحالة بالغيبة ، قال الله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا ) ، ثم بين شناعة هذه الجريمة ووصف حال فاعليها بقوله جل شأنه (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) ، قال الإمام القرطبى رحمه الله (مثل الله الغيبة بأكل الميتة ،لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه).وقال ابن عباس رضي الله عنهما : (إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل الميت حرام مستقذر ، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس ). وقال قتاده رحمه الله : ( كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا ). وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيثمي رحمه الله : الغيبة والنميمة حرام بالإجماع، وإنما الخلاف في الغيبة هل هي كبيرة أو صغيرة ؟ ونقل الإجماع على أنها كبيرة ،وقال آخرون : (محله – أي الإجماع - إن كانت في طلبة العلم، وحملة القرآن، وإلا كانت صغيرة ) ،وقال القرطبي رحمه الله : (لا خلاف أن الغيبة من الكبائر ،وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل )، قلت: وقد أمر الله في نهاية آيةتحريم الغيبة بما يساهم ويساعد في الإقلاع عن اقتراف هذا المنكر فقال سبحانه (واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) .
روى أحمد وأبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم ) . كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر منها أشد تحذير حيث روى أحمد وأبو داوود والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ،تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ، يفضحه ولو في جوف بيته )، وعموما داء الغيبة قد استشرى بين أفراد المجتمع استشراء النار في الهشيم ، إلا من رحم ربي ، لدرجة أن بعض أهل العلم الشرعي تجده يمارسها مع من يمارسها من العوام ، و لله در أستاذنا وشيخنا الفاضل محمد سالم المزوغي حن قال :
وقل من تجده منها سلم *** أنظر تراها حتى بين العلماء
والغيبة قد عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم خير تعريف كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هل تدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله اعلم ، قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته ) ،أي قلت فيه بهتان وهو أشد ظلما من الغيبة ؛ لأنه كذب وافتراء .وجاء في الموطأ مرسلا :أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ) ،وقد شرح الإمام النووي – رحمه الله – معنى الغيبة .
وإليكم بعض ما قاله بتصرف ذكره بعض العلماء : الغيبة ذكر المرء بما يكره ؛ سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه ،أو دنياه ،أو نفسه ، أو خلْقِه ، أو في خُلُقه ، أو ماله ، أو ولده ، أو زوجه ،أو خادمه ، أو ثوبه ،أو حركته ، أو طلاقته ، أو عبوسته ، أو غير ذلك مما يتعلق به ، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز .
قلت : نسال الله السلامة والنجاة ، فالأمر إذا ليس هيناً ،وإن كان البعض يحسبه هينا ،لكنه عند الله عظيم ؛ روى أحمد وأبو داوود والترمذي ، أن عائشة رضي الله عنها قالت :قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ، قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) . ومما يؤسف له أن الغيبة أصبحت تطال حتى بعض علماء الأمةوصلحائها كالإمام مالك رضي الله عنه والإمام أبي حنيفة والإمام ابن حجر وغيرهم رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة، فتقرأ وتسمع عمن يقول عن الإمام مالك : الهالك ، ويقول عن الإمام أبي حنيفة : أبو جيفه ، وتسمع عمن يقول عن النووي وابن حجر أنهما أصحاب بدع و ...الخ .
وهذا أمر خطير ومعول هدم للفقه الإسلامي المبارك ، إذ أن اغتياب الأئمة الأعلام ، يعني عدم احترامهم ،وبالتالي عدم احترام ما قدموه للأمة من علم ، وهذه هي الطامة والحالقة ،وهي بغي خطير يجلب لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، روى أبو داوود والترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم ) ، فغيبة العلماء والصلحاء والأتقياء خرق في الدين خطير حذر منه أهل العلم أشد تحذير ،فقال مالك ابن دينار رحمه الله : كفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا ، وهو يقع في الصالحين ) وقال الإمام أحمد بن الأذرعي رحمه الله : ( الوقيعة في أهل العلم لا سيما أكابرهم ، من كبائر الذنوب ) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : لحوم العلماء مسمومة ، من شمها مرض ،ومن أكلها مات ) . ورحم الله من قال : ( إن العلماء هم عقول الأمة والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء ). فعجيب أمر من يسب العلماء ويطعن فيهم ويغتابهم ، أما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك ، لأنه يدعو إلى الصلاة ، كما روى أحمد وأبو داوود ، فكيف يستبيح قوم إطلاق ألسنتهم في ورثة الأنبياء الداعين إلى الله عز وجل ؟!!! قال الله تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ، فينبغي الذب عن عرض كل مسلم وخصوصا العلماء والصلحاء والأتقياء والدعاة ، وليبشر من كان هذا ديدنه بما رواه أحمد وغيره ،أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذب عن عرض أخيه بالغَيبة كان حق على الله أن يعتقه من النار ).
ويجب على كل مسلم بالغ عاقل ذكر أو أنثى أن يصن لسانه عن الغيبة وفحش الكلام ولا يتكلم إلا بخير وبما ينفع ، لما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، وجاء في الصحيحين عن أبي موسىالأشعرى رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل ؟ قال : ( من سلم المسلمون من لسانه ويده ) . وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ). وجاء في كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله قال : ( بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا ، فقال أحدهم لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ فقال : هي أكثر من أن تحصى والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب ، ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها ، قال ما هي ؟ قال : حفظ اللسان ) . وإن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : ( من عدَ كلامه من عمله قل كلامه في ما لا يعنيه ) . ومما ينفع في هذا المقام كذلك ما قاله أحد الصالحين : ( والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق ، فكيف تؤذي مسلما ) . وأخرج مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أن عيسى بن مريم عليه السلام لقي خنزيرا بالطريق ، فقال له : (أنفذ بسلام ) ، فقيل له تقول هذا لخنزير ؟ فقال عيسى عليه السلام : ( إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء ) .
وقال يحي بن كثير رحمه الله : (خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أنما وراءهما خير منهما : إذا كان حابسا للسانه ، يحافظ على صلاته ) . فعلى المرء أن يجاهد نفسه وينهها عن الغيبة وغيرها من الذنوب ، وليكن قائدنا في ذلك خوف الله وتقواه ، وليرغب كل واحد منا نفسه بما سبق من أدلة ، ويرغبها أيضا بمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل ) والحديث رواه أبو نعيم في الحلية وهو صحيح عند بعض المحدثين ، وأختم هذه الكلمة بما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يخذله ، كل المسلم على المسلم حرام : عرضه وماله ودمه ، التقوى هاهنا - وأشارإلى صدره الشريف – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) . فعلينا أن نحفظ هذا الحديث ، ونعمل بمقتضاه ، ونتذكره بين الحين والآخر ، ونُذكر به ، وعلى الأخوة أكلة لحوم البشر الميتة أن يتقو الله ربهم .
وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد أعظم من علَم الناس الخير وعلى آله وصحابته وأتباعه ، والحمد لله أولا وآخرا ......
محمد محمد ابوجليل الهدار
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى .
وبعد ...
إن المتأمل والمتفحص لغالب مجالس الناس اليوم ذكورا وإناثا يجدها مليئة بفاحشة نكراء وجريمة بشعة وإثم شنيع ، يراه بعض العلماء من كبائر الذنوب ، وهو محرم بنص الكتاب والسنة والإجماع ،هذا الجرم هو أكل لحوم البشر والخوض في أعراضهم ، وتسمى هذه الحالة بالغيبة ، قال الله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا ) ، ثم بين شناعة هذه الجريمة ووصف حال فاعليها بقوله جل شأنه (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) ، قال الإمام القرطبى رحمه الله (مثل الله الغيبة بأكل الميتة ،لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه).وقال ابن عباس رضي الله عنهما : (إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل الميت حرام مستقذر ، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس ). وقال قتاده رحمه الله : ( كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا ). وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيثمي رحمه الله : الغيبة والنميمة حرام بالإجماع، وإنما الخلاف في الغيبة هل هي كبيرة أو صغيرة ؟ ونقل الإجماع على أنها كبيرة ،وقال آخرون : (محله – أي الإجماع - إن كانت في طلبة العلم، وحملة القرآن، وإلا كانت صغيرة ) ،وقال القرطبي رحمه الله : (لا خلاف أن الغيبة من الكبائر ،وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل )، قلت: وقد أمر الله في نهاية آيةتحريم الغيبة بما يساهم ويساعد في الإقلاع عن اقتراف هذا المنكر فقال سبحانه (واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) .
روى أحمد وأبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم ) . كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر منها أشد تحذير حيث روى أحمد وأبو داوود والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ،تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ، يفضحه ولو في جوف بيته )، وعموما داء الغيبة قد استشرى بين أفراد المجتمع استشراء النار في الهشيم ، إلا من رحم ربي ، لدرجة أن بعض أهل العلم الشرعي تجده يمارسها مع من يمارسها من العوام ، و لله در أستاذنا وشيخنا الفاضل محمد سالم المزوغي حن قال :
وقل من تجده منها سلم *** أنظر تراها حتى بين العلماء
والغيبة قد عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم خير تعريف كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هل تدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله اعلم ، قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته ) ،أي قلت فيه بهتان وهو أشد ظلما من الغيبة ؛ لأنه كذب وافتراء .وجاء في الموطأ مرسلا :أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ) ،وقد شرح الإمام النووي – رحمه الله – معنى الغيبة .
وإليكم بعض ما قاله بتصرف ذكره بعض العلماء : الغيبة ذكر المرء بما يكره ؛ سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه ،أو دنياه ،أو نفسه ، أو خلْقِه ، أو في خُلُقه ، أو ماله ، أو ولده ، أو زوجه ،أو خادمه ، أو ثوبه ،أو حركته ، أو طلاقته ، أو عبوسته ، أو غير ذلك مما يتعلق به ، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز .
قلت : نسال الله السلامة والنجاة ، فالأمر إذا ليس هيناً ،وإن كان البعض يحسبه هينا ،لكنه عند الله عظيم ؛ روى أحمد وأبو داوود والترمذي ، أن عائشة رضي الله عنها قالت :قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ، قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) . ومما يؤسف له أن الغيبة أصبحت تطال حتى بعض علماء الأمةوصلحائها كالإمام مالك رضي الله عنه والإمام أبي حنيفة والإمام ابن حجر وغيرهم رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة، فتقرأ وتسمع عمن يقول عن الإمام مالك : الهالك ، ويقول عن الإمام أبي حنيفة : أبو جيفه ، وتسمع عمن يقول عن النووي وابن حجر أنهما أصحاب بدع و ...الخ .
وهذا أمر خطير ومعول هدم للفقه الإسلامي المبارك ، إذ أن اغتياب الأئمة الأعلام ، يعني عدم احترامهم ،وبالتالي عدم احترام ما قدموه للأمة من علم ، وهذه هي الطامة والحالقة ،وهي بغي خطير يجلب لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، روى أبو داوود والترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم ) ، فغيبة العلماء والصلحاء والأتقياء خرق في الدين خطير حذر منه أهل العلم أشد تحذير ،فقال مالك ابن دينار رحمه الله : كفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا ، وهو يقع في الصالحين ) وقال الإمام أحمد بن الأذرعي رحمه الله : ( الوقيعة في أهل العلم لا سيما أكابرهم ، من كبائر الذنوب ) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : لحوم العلماء مسمومة ، من شمها مرض ،ومن أكلها مات ) . ورحم الله من قال : ( إن العلماء هم عقول الأمة والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء ). فعجيب أمر من يسب العلماء ويطعن فيهم ويغتابهم ، أما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك ، لأنه يدعو إلى الصلاة ، كما روى أحمد وأبو داوود ، فكيف يستبيح قوم إطلاق ألسنتهم في ورثة الأنبياء الداعين إلى الله عز وجل ؟!!! قال الله تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ، فينبغي الذب عن عرض كل مسلم وخصوصا العلماء والصلحاء والأتقياء والدعاة ، وليبشر من كان هذا ديدنه بما رواه أحمد وغيره ،أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذب عن عرض أخيه بالغَيبة كان حق على الله أن يعتقه من النار ).
ويجب على كل مسلم بالغ عاقل ذكر أو أنثى أن يصن لسانه عن الغيبة وفحش الكلام ولا يتكلم إلا بخير وبما ينفع ، لما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، وجاء في الصحيحين عن أبي موسىالأشعرى رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل ؟ قال : ( من سلم المسلمون من لسانه ويده ) . وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ). وجاء في كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله قال : ( بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا ، فقال أحدهم لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ فقال : هي أكثر من أن تحصى والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب ، ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها ، قال ما هي ؟ قال : حفظ اللسان ) . وإن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : ( من عدَ كلامه من عمله قل كلامه في ما لا يعنيه ) . ومما ينفع في هذا المقام كذلك ما قاله أحد الصالحين : ( والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق ، فكيف تؤذي مسلما ) . وأخرج مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أن عيسى بن مريم عليه السلام لقي خنزيرا بالطريق ، فقال له : (أنفذ بسلام ) ، فقيل له تقول هذا لخنزير ؟ فقال عيسى عليه السلام : ( إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء ) .
وقال يحي بن كثير رحمه الله : (خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أنما وراءهما خير منهما : إذا كان حابسا للسانه ، يحافظ على صلاته ) . فعلى المرء أن يجاهد نفسه وينهها عن الغيبة وغيرها من الذنوب ، وليكن قائدنا في ذلك خوف الله وتقواه ، وليرغب كل واحد منا نفسه بما سبق من أدلة ، ويرغبها أيضا بمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل ) والحديث رواه أبو نعيم في الحلية وهو صحيح عند بعض المحدثين ، وأختم هذه الكلمة بما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يخذله ، كل المسلم على المسلم حرام : عرضه وماله ودمه ، التقوى هاهنا - وأشارإلى صدره الشريف – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) . فعلينا أن نحفظ هذا الحديث ، ونعمل بمقتضاه ، ونتذكره بين الحين والآخر ، ونُذكر به ، وعلى الأخوة أكلة لحوم البشر الميتة أن يتقو الله ربهم .
وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد أعظم من علَم الناس الخير وعلى آله وصحابته وأتباعه ، والحمد لله أولا وآخرا ......