أبوحديفه
09 Mar 2004, 02:31 PM
أ
ها أنا اكتب اليك ولا أعرف لماذا، ولكن فقط وجدت في نفسي أن اكتب اليك، ولعلك تسمع مني العتاب، وتسمع مني المدح والاطراء، وتارة الرثاء، وتارة اخرى التأسف والتأوه، واحياناً انقل اليك شيئاً من اخبارنا واحوالنا بعدما تركتنا ورحلت عنا، وأحاول ان لا أجاملك فيها في شئ، وعفواً ان قلت لك بداية انك ستسمع ما لايسرك ويفرحك بل ما يحزنك، وما يكدر عليك صفو لذائدك، وينكد عليك نعمتك، ولكن ما ذنبي -انا الكاتب اليك- طالما كل ما أقوله لك حق وصدق، وان كان هذا هو حالنا ولاندري كيف سيكون مآلنا ونعوذ بالله ان نرجم بالغيب
اخي الشهيد
من يدري لعلي تأخرت عنك كثيراً في الكتابة لك، بل ولعل رسائل كثيرة وصلتك منا .. ويا عظم خوفي عن أي شئ كتبوا لك؟ هل ياترى عن ملاحم مزعومة سطروها لك ؟ أم عن بطولات موهومة وصفوها لك؟ أم عن غنائم مغنومة بشروك بها؟ .. ولكن ما اظن ان كل هذا ينطلي عليك لانه لو كان الأمر كذلك لأعلمك واخبرك بها من لحق بك وجاورك، وإلا أيعقل ان تكون معاركنا كلها انتصارات وفتوحات، لاقتلى فيها ولا حتى جراحات ؟! آمنت بالله
وأعود فأقول : ولربما كان في بعض هذه الرسائل من يتجرأ عليك بعدما يدوس على كل خلق حسن، وطبع شهم، وينكر بل ويوبخك أيما توبيخ على فعلتك التي فعلت، ومنهم من يتمادى اكثر ويكتب اليك ويتهمك بأنك وليت الدبر واعطيت الظهر والدليل هو انك لم تعُد تُرى في الركب ولا أدري أي الركائب يعنون .. واني لأتساءل في نفسي واقول انه لمن الاضداد ان يجتمع نعيمك وحياتك التي تحياها الآن وبين ما يصلك عنا وعن احوالنا .. ولكن ارجوك لا تلمني
وابدأ فأقول : اخي لقد رحلت عنا وتركتنا ونحن اصفار عن اليمين وعن الشمال وفي كل مكان، فلقد فقدنا بعدك كل شئ فلا تجمعنا هوية، ولا تهمنا قضية، بل ان قضيتنا هي قضية انعدام القضية، نعيش أشتاتاً في شتات ولاهم لأحدنا إلا الاقتيات، نفر ونهرب الى الامام فيصدمنا جدار، فنرد على أعقابنا فيتلاقنا جدار، وهكذا فنحن بين جدار وجدار وحالنا من شجار الى شجار .. ترحالنا لايكون الا في الليل بل وفي غسقه فإذا ما انبلج الصباح فلا ترى إلا قاعداً أو منبطحاً وكأنما حرم علينا السير الا في الظلام، نسير بلا دليل، ونرحل ونقاد وأفضلنا حالاً من يتساءل الى أين؟ ولكن لاجواب بل كل الكلام تضجر وشتام، ولعن وسباب .. التعب انهكنا، والظمأ اهلكنا، والغبار تلحفنا، فلا نجم نستهدي به الطريق، ولا بدر نستبصر به الرفيق، قد ضللنا الأثر أثر قومنا صحراء متحركة، وسماء مغيمة .. احلولك الظلام وتشعبت الافهام فنحن على وجوهنا هيام ومن هنا وهناك تسمع ما يقطع القلب ويمزق الفؤاد.. بكاء الصبيان وأنين النسوان
أخي الشهيد
صدقني .. لاسيف يحمينا، ولا نور يأنسنا ولو من بعيد، ولا أمل ، لا أقول يحذونا بل ليته كان وراءنا لكنا توقفنا وانتظرناه، ولا حتى سراب أمامنا يترائ لنا ، ولا أقول لابتذرناه، بل لناديناه ليسقينا
نعم ومع هذا كله تتلصلص الذئاب الجائعة والضباع الطامعة من حولنا نسمع عواءها من قريب وبعيد، ولا أحد منا يجهد نفسه ويلتفت الى من ورائه .. لحم ينهش وهو نيئ وعظم يُهشم وهو حي، والدم ينـزف والدم ينـزف .. موقف يقطع القلب ويدميه ويدمع العين ويبكيها، والقافلة تسير .. الله اكبر
ونحن في حالنا هذه اذ بي اسمع نداءات خفيفة تنادي – زاعمة نصح القوم الرُّحل – بأن يلقوا المتاع ليتخففوا من الحمل، ليت شعري من دبر لهم هذا؟ أهنا يلقى الراحل رَحْلَه !! ياللعجب العجاب
ثم وبعد مسير مضن طويل قطعنا فيه شُعب الوديان ومفاوز الرمال، تنادى القوم في بعضهم أن حطوا الرحال، واينخوا الجمال، فبادروا أيما بدار، فرأينا خياماً ممزقة تصفعها العاصفة، ورأينا بئراً معطلة، وعلى مقربة من البئر رأينا بقايا رماد وقدور منكفئات منكسات، وما في الخيام إلا فُرش بالية مهجورة، وستائر مردومة، وبباب أحد الخيام كان أثر مربط فرس أمامه، ثم صاح رجل: تعالوا وانظروا هنا أثر مربط فرس، ونادى ثانٍ وهنا كان مربط فرس .. نعم وإذا بأثر الحوافر على الارض نراها وكأنها نقوش زخارف، فاقتفى الركب الأثر، وانسابوا وراءه كعقد انصرم، حتى أننا نسينا الرحل والمتاع، وذهب عنا التعب والظمأ، وتلألأت وجوه القوم كأنها المصابيح، وانشرح الصدر والكل على الاثر، هذه اثر حافر وهذه الاخرى وهكذا وكأننا نقرأ ما نكتب بحوافرها حتى أتينا على سفح الجبل، وهنا شيئاً فشيئاً بدأ التعب يعود وتلونت بعض الوجوه وبدأت تُسمع من جنباتهم تمتمات ثم كلمات متقطعات ثم صيحات لا .. لا .. ليس هذا هو الأثر، لقد ضللنا فلنرجع ونعود قبل ان نتيه أكثر، وللأسف رجع بعضهم واثر على الأثر، ولكن ثبت الاخرون وآمنوا بان الوصول قريب وما ضرهم الناكثون، فتلاحموا يداً بيد وهم الى أعلى الجبل، وما أن علوه وعانقوا جبهته إلا وبخيط الفجر قد لاح وبان، فاستبشروا وضاءت وجوههم بضيائه، وعلىمقربة منهم اذا بثلة من الجند مصطفين يصلون صلاة الصبح، متقلدين سيوفهم، وإمامهم يتنغم بقراءة سورة القمر، وتخلط على مسامعنا قراءته مع صهيل خيولهم ، وما أن ختم السورة بقوله } ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر{ إلا والعيون تذرف الدموع .. دموع فرح ودموع أمل دموع حزن ودموع رثاء .. ثم تلمحت في وجوههم فعلمت عندها انهم رفقاؤك الذين رحلتَ عنهم وهم يرثونك أيها الشهيد.. وعذراً أخي اذ توقف مداد قلمي عن الكتابة .. فلقد أبكاني ممشاك حقاً
المصدر:
http://al-fajr.net/
ها أنا اكتب اليك ولا أعرف لماذا، ولكن فقط وجدت في نفسي أن اكتب اليك، ولعلك تسمع مني العتاب، وتسمع مني المدح والاطراء، وتارة الرثاء، وتارة اخرى التأسف والتأوه، واحياناً انقل اليك شيئاً من اخبارنا واحوالنا بعدما تركتنا ورحلت عنا، وأحاول ان لا أجاملك فيها في شئ، وعفواً ان قلت لك بداية انك ستسمع ما لايسرك ويفرحك بل ما يحزنك، وما يكدر عليك صفو لذائدك، وينكد عليك نعمتك، ولكن ما ذنبي -انا الكاتب اليك- طالما كل ما أقوله لك حق وصدق، وان كان هذا هو حالنا ولاندري كيف سيكون مآلنا ونعوذ بالله ان نرجم بالغيب
اخي الشهيد
من يدري لعلي تأخرت عنك كثيراً في الكتابة لك، بل ولعل رسائل كثيرة وصلتك منا .. ويا عظم خوفي عن أي شئ كتبوا لك؟ هل ياترى عن ملاحم مزعومة سطروها لك ؟ أم عن بطولات موهومة وصفوها لك؟ أم عن غنائم مغنومة بشروك بها؟ .. ولكن ما اظن ان كل هذا ينطلي عليك لانه لو كان الأمر كذلك لأعلمك واخبرك بها من لحق بك وجاورك، وإلا أيعقل ان تكون معاركنا كلها انتصارات وفتوحات، لاقتلى فيها ولا حتى جراحات ؟! آمنت بالله
وأعود فأقول : ولربما كان في بعض هذه الرسائل من يتجرأ عليك بعدما يدوس على كل خلق حسن، وطبع شهم، وينكر بل ويوبخك أيما توبيخ على فعلتك التي فعلت، ومنهم من يتمادى اكثر ويكتب اليك ويتهمك بأنك وليت الدبر واعطيت الظهر والدليل هو انك لم تعُد تُرى في الركب ولا أدري أي الركائب يعنون .. واني لأتساءل في نفسي واقول انه لمن الاضداد ان يجتمع نعيمك وحياتك التي تحياها الآن وبين ما يصلك عنا وعن احوالنا .. ولكن ارجوك لا تلمني
وابدأ فأقول : اخي لقد رحلت عنا وتركتنا ونحن اصفار عن اليمين وعن الشمال وفي كل مكان، فلقد فقدنا بعدك كل شئ فلا تجمعنا هوية، ولا تهمنا قضية، بل ان قضيتنا هي قضية انعدام القضية، نعيش أشتاتاً في شتات ولاهم لأحدنا إلا الاقتيات، نفر ونهرب الى الامام فيصدمنا جدار، فنرد على أعقابنا فيتلاقنا جدار، وهكذا فنحن بين جدار وجدار وحالنا من شجار الى شجار .. ترحالنا لايكون الا في الليل بل وفي غسقه فإذا ما انبلج الصباح فلا ترى إلا قاعداً أو منبطحاً وكأنما حرم علينا السير الا في الظلام، نسير بلا دليل، ونرحل ونقاد وأفضلنا حالاً من يتساءل الى أين؟ ولكن لاجواب بل كل الكلام تضجر وشتام، ولعن وسباب .. التعب انهكنا، والظمأ اهلكنا، والغبار تلحفنا، فلا نجم نستهدي به الطريق، ولا بدر نستبصر به الرفيق، قد ضللنا الأثر أثر قومنا صحراء متحركة، وسماء مغيمة .. احلولك الظلام وتشعبت الافهام فنحن على وجوهنا هيام ومن هنا وهناك تسمع ما يقطع القلب ويمزق الفؤاد.. بكاء الصبيان وأنين النسوان
أخي الشهيد
صدقني .. لاسيف يحمينا، ولا نور يأنسنا ولو من بعيد، ولا أمل ، لا أقول يحذونا بل ليته كان وراءنا لكنا توقفنا وانتظرناه، ولا حتى سراب أمامنا يترائ لنا ، ولا أقول لابتذرناه، بل لناديناه ليسقينا
نعم ومع هذا كله تتلصلص الذئاب الجائعة والضباع الطامعة من حولنا نسمع عواءها من قريب وبعيد، ولا أحد منا يجهد نفسه ويلتفت الى من ورائه .. لحم ينهش وهو نيئ وعظم يُهشم وهو حي، والدم ينـزف والدم ينـزف .. موقف يقطع القلب ويدميه ويدمع العين ويبكيها، والقافلة تسير .. الله اكبر
ونحن في حالنا هذه اذ بي اسمع نداءات خفيفة تنادي – زاعمة نصح القوم الرُّحل – بأن يلقوا المتاع ليتخففوا من الحمل، ليت شعري من دبر لهم هذا؟ أهنا يلقى الراحل رَحْلَه !! ياللعجب العجاب
ثم وبعد مسير مضن طويل قطعنا فيه شُعب الوديان ومفاوز الرمال، تنادى القوم في بعضهم أن حطوا الرحال، واينخوا الجمال، فبادروا أيما بدار، فرأينا خياماً ممزقة تصفعها العاصفة، ورأينا بئراً معطلة، وعلى مقربة من البئر رأينا بقايا رماد وقدور منكفئات منكسات، وما في الخيام إلا فُرش بالية مهجورة، وستائر مردومة، وبباب أحد الخيام كان أثر مربط فرس أمامه، ثم صاح رجل: تعالوا وانظروا هنا أثر مربط فرس، ونادى ثانٍ وهنا كان مربط فرس .. نعم وإذا بأثر الحوافر على الارض نراها وكأنها نقوش زخارف، فاقتفى الركب الأثر، وانسابوا وراءه كعقد انصرم، حتى أننا نسينا الرحل والمتاع، وذهب عنا التعب والظمأ، وتلألأت وجوه القوم كأنها المصابيح، وانشرح الصدر والكل على الاثر، هذه اثر حافر وهذه الاخرى وهكذا وكأننا نقرأ ما نكتب بحوافرها حتى أتينا على سفح الجبل، وهنا شيئاً فشيئاً بدأ التعب يعود وتلونت بعض الوجوه وبدأت تُسمع من جنباتهم تمتمات ثم كلمات متقطعات ثم صيحات لا .. لا .. ليس هذا هو الأثر، لقد ضللنا فلنرجع ونعود قبل ان نتيه أكثر، وللأسف رجع بعضهم واثر على الأثر، ولكن ثبت الاخرون وآمنوا بان الوصول قريب وما ضرهم الناكثون، فتلاحموا يداً بيد وهم الى أعلى الجبل، وما أن علوه وعانقوا جبهته إلا وبخيط الفجر قد لاح وبان، فاستبشروا وضاءت وجوههم بضيائه، وعلىمقربة منهم اذا بثلة من الجند مصطفين يصلون صلاة الصبح، متقلدين سيوفهم، وإمامهم يتنغم بقراءة سورة القمر، وتخلط على مسامعنا قراءته مع صهيل خيولهم ، وما أن ختم السورة بقوله } ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر{ إلا والعيون تذرف الدموع .. دموع فرح ودموع أمل دموع حزن ودموع رثاء .. ثم تلمحت في وجوههم فعلمت عندها انهم رفقاؤك الذين رحلتَ عنهم وهم يرثونك أيها الشهيد.. وعذراً أخي اذ توقف مداد قلمي عن الكتابة .. فلقد أبكاني ممشاك حقاً
المصدر:
http://al-fajr.net/