فهد البديوي
04 Jul 2006, 11:53 PM
جريدة الرياض
الاربعاء 12 ربيع الآخر 1427هـ - 10 مايو 2006م - العدد 13834
زواج (الفرند) وموقف المجمع الفقهي منه!
د. عبدالملك بن يوسف المطلق
ما أن أجاز المجمع الفقهي زواج الفرند إلا وصاحبه كثير من التساؤلات والاستفسارات ولعل أهم هذه التساؤلات هو:
1) ما المراد بزواج الفرند؟
2) هل له واقع في المجتمع؟ أم هو عبارة عن نسج من الخيال؟
3) هل له محاذير أم مساوئ بالنسبة للزواج المعتاد؟ أم لا يوجد فرق بينهما سوى هذه المسميات والأوصاف؟
لذلك أخي القارئ الكريم أحببت أن أشارك في تجلية مفهوم هذا الزواج وذكر واقعيته حتى يتضح للعموم وذلك على النحو الآتي:
1- المراد بزواج الفرند أو الزواج الميسر هو: «زواج الأصدقاء» «إذ أن كلمة فرند» كلمة انجليزية كما هو معروف ومعناها الصديق، وقد تبنى هذه الفكرة فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، يقول فيها: إن هذه الفكرة بنيت على أسس شرعية تعطي الزوجين الحق في أن يستمتعا ببعضهما إثر إتمام العقد الشرعي الصحيح، المستوفي لجميع أركانه وشروطه ومنها: الولي، والشاهدان، وصيغة العقد الشرعية، والمهر، ورضا الزوجين، وخلوهما من الموانع الشرعية التي تمنع زواجهما، ومن ثم فإن عقد الزواج هنا مستوف لجميع الشروط، وبعد ذلك يحق للزوج أن يستمتع بزوجته، وتثبت المصاهرة والنسب واستحقاق الإرث وغيرها من الأمور التي تجعل هذا الزواج يختلف تماما عن زواج المتعة، الذي يقوم على التوقيت، ولا يترتب عليه استحقاق الإرث بين الرجل والمرأة، ولا ينتهي بالطلاق المشروع.
أقول: إن الصداقة من القيم الإنسانية الجميلة إذا وجهت بطاقاتها العظيمة نحو الأخلاق الفاضلة التي بها تسمو الحياة وترتقي، وبدونها تضعف وتنحدر، إذ أن الأصل في الإنسان كونه اجتماعيا بطبعه وفطرته، ينشد الدفء والمحبة والراحة والأنس عبر هذا التواصل واللقاء. فيا حبذا أن تكون هذه الصداقة بعد الزواج لا قبله!!! حتى تكون في أروع معانيها وأجل قيمها، إذ أنها نتيجة للزواج لا سببا له!!!
وأقول: بأن زواج الفرند وجد لحالة خاصة، وهذه الحالة هم من فئة الشباب المغترب الذين تداهمهم الفتن بالليل والنهار وأثناء الدراسة، وعبر التنقلات من مكان لآخر، ومن مدينة لأخرى، وهكذا المصادر الأساسية للتعلم، كالمكتبات، والمعامل، التي يضطر الطالب أحياناً إلى الاختلاط المباشر مع المرأة. فهذا الزواج أفضل ما يقال فيه انه ارتكاب لأخف الضررين- وقد أكد المجمع الفقهي بأن هذا الزواج خلاف الأولى- والضرران هما:
1) عدم تحقق أغلب المقاصد الأساسية في الزواج، والتي منها حصول المسكن والطمأنينة والإنجاب، وهذا الأخير متصور في اصله إذ كيف يعول الزوج أولاداً وهو لم يجد مسكناً خاصاً له ولأمهم!!
2) الخوف من الوقوع في جريمة الزنا مع عدم الاستطاعة على الزواج المعتاد الذي يشمل السكن الدائم وكذلك عدم موافقة الجهة المبتعثة- الدولة- للطالب على الزواج.
2- ردود الفعل حول زواج الفرند
لعل أول ما أثار الجدل في هذه القضية: الصيغة التي طرحت في إطارها الفتوى وذلك لارتباطها بمصطلحات تهتم بالصداقة والحرية الجنسية في بلاد الغرب مثل: «البوي فرند والجيرل فرند «Girl friend- boy friend » في حين تتوافر في مصادرنا الفقهية ومراجعنا الشرعية ما يغني عن مثل هذه التسميات.
أقول: والذي ينبغي أن يعرف من فكرة الشيخ الزنداني أنها ليست فتوى بالجواز مطلقا، وإنما هي رأي لمن هم في بلاد الغرب من المسلمين وخافوا على أنفسهم الزنا. فكأنه جعل هذا الرأي علاجاً لهم كالمضطر في أكل المحرم خشية الهلاك ونحوه، وهذا الأمر لا شك أنه يختلف عن الذي يفتي بالجواز ويدافع عن فتواه بقوة مدعماً ما يقول بالأدلة والشواهد، فهو مجرد رأي أستحسنه الشيخ وكما أنه رأي وليس بفتوى أو تشريع فينبغي قصره على الشيخ دون تعميمه، خاصة إذا علمت المفاسد الناتجة عن هذا الرأي وآثاره السيئة على الإسلام أولاً ثم على المجتمع. وهذا الزواج له إيجابيات وله سلبيات لعل المقام لا يتسع لذكرها.
3- واقعية هذا الزواج ووجوده بشكل عام
وجد هذا الزواج في بعض الدول العربية والأوروبية، ففي المغرب مثلاً: ما كاد الشيخ عبدالمجيد الزنداني يلوح بفكرة «زواج فرند» حتى أمسك الشباب المغربي بتلابيب الفكرة ليجد فيها مخرجاً ومهرباً من تبعات وتكاليف الزواج المعتاد التي لا يطيقها معظمهم.
يقول أحد المنفذين لفكرة «زواج فرند» ويدعى محمود القاسم: إنه عاش تجربة ناجحة وشرعية وغير مكلفة؟ وقد أبعدته عن علاقات محرمة ولقاءات مشبوهة مؤكداً أن بلداً مثل المغرب فيها مدارس مختلطة ولقاءات بين الجنسين قد تدفع بعض الشباب والفتيات للوقوع في الإثم والمنكرات، وهذه الفكرة قد تكون إيذاناً بميلاد مرحلة أكثر بعداً عن المنكرات والفواحش، وأقرب إلى الطريقة السليمة في تفريغ طاقات كامنة بطريقة شرعية وغير مكلفة، مؤكدا أن الشباب سيبدأ «بزواج فرند» أولاً، وبعد أن يستقر وضعه ويتخرج، ويحصل على ما يمكنه من فتح منزل يستقل به سينتقل إليه، بدلاً من أن يضيع عمره وشبابه ويفوت قطار الزواج عليه وعلى غيره من الفتيات، وفي هولندا يصف أبو القاسم الناعس، ناظر مدرسة ابن خلدون الثانوية الإسلامية في روتردام «زواج فرند» بأنه سهل كثيراً من أمور الزواج المعقدة، خاصة في الغرب، وقال: هناك العديد من التجارب الإيجابية والمشجعة حتى الآن، فقد أكمل جميع المتزوجين إناثاً وذكوراً دراستهم الثانوية، وانتقلوا إلى الدراسة الجامعية والمدارس العليا، وعاشوا مدة من الزمن مع ذويهم، وارتحلوا بعدها للإقامة في بيوتهم الخاصة، ودافع الناعس بشدة عن الفكرة التي أطلقها الشيخ الزنداني، والتي سميت «بزواج فرند» قائلا لقد تفهم الشيخ الزنداني الخصوصية والظروف التي يعيشها المسلمون في الغرب، وحرص على إعفافهم بهذا الأسلوب الشرعي العصري بدلاً من الوقوع في المحرمات.
4- واقعية هذا الزواج ووجوده بشكل خاص- في المملكة العربية السعودية-
تمكن هذه الواقعية في حالة من حالات زواج المسيار ألا وهي إذا كانت الزوجة في بيت أهلها فالغالب أنه يأتي إليها ويأخذها إلى مكان ما، حيث التحرج من أهلها، أو إذا كانت في بلد آخر بعيداً عن بلده فهو في الغالب لا يضع لها مسكناً خاصاً وذلك لقلة تواجده في بلدها، وإنما يكتفي بأخذها من بيت أهلها- عند زيارته لها- إلى مكان يؤويان إليه كالشقة المفروشة مثلاً، أو الفندق، وما شابه ذلك مثل: أن تأتي هي إلى بلده في أوقات قصيرة أو في الصيف مثلاً ونحوه.
5- والذي أراه هنا والله أعلم:
أننا لو دققنا النظر في هذا المسألة لوجدنا أنها بنيت لحالة خاصة- فردية- من أبناء الجاليات العربية الذين اضطرتهم ظروفهم إلى المكث وقتا من الزمن في بلاد الغرب- وأهل هذه البلاد لا يرون في الصداقة بين الجنسين بأسا أوحرجا أو حرمة إلا من رحم الله وقليل ما هم.. -فهذا الزواج- والله اعلم- يدخل في ما يسمى «الزواج بنية الطلاق» فمتى ما رجع لبلده طلق وانتهى أمره.
ولذلك ينبغي- بالنظر إلى اجازته من قبل المجمع الفقهي- أن يعدل هذا الزواج ويحور ليتوافق وروح الشريعة السمحة، ومن ذلك حصول المقاصد المطلوبة في الزواج المنشود، أو أغلبها على الأقل، ويمكن ضبط ذلك في أمور منها:
1) عدم منع الطالب من الزواج المعتاد في بلد الدراسة لمن اضطر إليه، وذلك حتى لا نجبره- من دون قصد- إلى ارتكاب جريمة الزنا، فيكون علمه على حساب أخلاقه، ويمكن التنسيق في هذا الأمر مع سفارة بلده.
2) قصر إباحة هذا الزواج في البلدان التي يكثر فيها الفتن، والتفكك الأسري، وكثرة اختلاط الجنسين ببعضهما، والسفور والتبرج، ومن ترك له الحبل في دعوة المرأة إلى الحرية القاصرة، والتي يفهمها العقلاء بأنها: حرية من القيم والأخلاق الفاضلة إلى الأخلاق الفاضحة!!
3) تيسير وتسهيل الزواج المعتاد من قبل الأسرة والمجتمع بشكل عام، بحيث يوجد الإعفاف والبعد عن مسببات الفاحشة.
4) وهذا أهمها: أن يؤكد على توثيق هذا الزواج كتابة، ولا ينظر في من ادعى -أو ادعت- الزواج دون توثيق رسمي وذلك حتى ندرأ الشر والفتن، ونقطع الطريق على من يريد التلاعب بمحارم الله عز وجل باسم زواج الفرند!!
وصورة هذا التلاعب تكمن- إذا لم يوثق العقد- فيما يلي:
- تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة
- تعدد الصديقات والعشيقات مما ينشر الفاحشة في المجتمع باسم هذا الزواج
- التغطية على أولاد الزنا مما يثير الشكوك في كل مكان. أقول كذلك: إن منع هذا الزواج مطلقاً في وقت تكثر فيه الفتن العظيمة، وإثارة الشهوات من قبل الإعلام ومجال الحياة الأخرى، كالعمل، والدراسة، والأسواق وغيرها، وفي نفس الوقت يشدد على الزواج المعتاد، ويكبل بالأعباء والتكاليف، والمهور، الغالية، ليعد تصادما فضيعاً بين العلم الشرعي- المبني على مصلحة الإنسان- وبين الواقع المعاصر؟ وسوف نسأل عنه يوم القيامة وبالتالي نسهل - من دون قصد- قضاء الشهوة عن طريق المحرم «الزنا» والعياذ بالله، دون القدرة على إحجامها أو التخلص منها.
الاربعاء 12 ربيع الآخر 1427هـ - 10 مايو 2006م - العدد 13834
زواج (الفرند) وموقف المجمع الفقهي منه!
د. عبدالملك بن يوسف المطلق
ما أن أجاز المجمع الفقهي زواج الفرند إلا وصاحبه كثير من التساؤلات والاستفسارات ولعل أهم هذه التساؤلات هو:
1) ما المراد بزواج الفرند؟
2) هل له واقع في المجتمع؟ أم هو عبارة عن نسج من الخيال؟
3) هل له محاذير أم مساوئ بالنسبة للزواج المعتاد؟ أم لا يوجد فرق بينهما سوى هذه المسميات والأوصاف؟
لذلك أخي القارئ الكريم أحببت أن أشارك في تجلية مفهوم هذا الزواج وذكر واقعيته حتى يتضح للعموم وذلك على النحو الآتي:
1- المراد بزواج الفرند أو الزواج الميسر هو: «زواج الأصدقاء» «إذ أن كلمة فرند» كلمة انجليزية كما هو معروف ومعناها الصديق، وقد تبنى هذه الفكرة فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، يقول فيها: إن هذه الفكرة بنيت على أسس شرعية تعطي الزوجين الحق في أن يستمتعا ببعضهما إثر إتمام العقد الشرعي الصحيح، المستوفي لجميع أركانه وشروطه ومنها: الولي، والشاهدان، وصيغة العقد الشرعية، والمهر، ورضا الزوجين، وخلوهما من الموانع الشرعية التي تمنع زواجهما، ومن ثم فإن عقد الزواج هنا مستوف لجميع الشروط، وبعد ذلك يحق للزوج أن يستمتع بزوجته، وتثبت المصاهرة والنسب واستحقاق الإرث وغيرها من الأمور التي تجعل هذا الزواج يختلف تماما عن زواج المتعة، الذي يقوم على التوقيت، ولا يترتب عليه استحقاق الإرث بين الرجل والمرأة، ولا ينتهي بالطلاق المشروع.
أقول: إن الصداقة من القيم الإنسانية الجميلة إذا وجهت بطاقاتها العظيمة نحو الأخلاق الفاضلة التي بها تسمو الحياة وترتقي، وبدونها تضعف وتنحدر، إذ أن الأصل في الإنسان كونه اجتماعيا بطبعه وفطرته، ينشد الدفء والمحبة والراحة والأنس عبر هذا التواصل واللقاء. فيا حبذا أن تكون هذه الصداقة بعد الزواج لا قبله!!! حتى تكون في أروع معانيها وأجل قيمها، إذ أنها نتيجة للزواج لا سببا له!!!
وأقول: بأن زواج الفرند وجد لحالة خاصة، وهذه الحالة هم من فئة الشباب المغترب الذين تداهمهم الفتن بالليل والنهار وأثناء الدراسة، وعبر التنقلات من مكان لآخر، ومن مدينة لأخرى، وهكذا المصادر الأساسية للتعلم، كالمكتبات، والمعامل، التي يضطر الطالب أحياناً إلى الاختلاط المباشر مع المرأة. فهذا الزواج أفضل ما يقال فيه انه ارتكاب لأخف الضررين- وقد أكد المجمع الفقهي بأن هذا الزواج خلاف الأولى- والضرران هما:
1) عدم تحقق أغلب المقاصد الأساسية في الزواج، والتي منها حصول المسكن والطمأنينة والإنجاب، وهذا الأخير متصور في اصله إذ كيف يعول الزوج أولاداً وهو لم يجد مسكناً خاصاً له ولأمهم!!
2) الخوف من الوقوع في جريمة الزنا مع عدم الاستطاعة على الزواج المعتاد الذي يشمل السكن الدائم وكذلك عدم موافقة الجهة المبتعثة- الدولة- للطالب على الزواج.
2- ردود الفعل حول زواج الفرند
لعل أول ما أثار الجدل في هذه القضية: الصيغة التي طرحت في إطارها الفتوى وذلك لارتباطها بمصطلحات تهتم بالصداقة والحرية الجنسية في بلاد الغرب مثل: «البوي فرند والجيرل فرند «Girl friend- boy friend » في حين تتوافر في مصادرنا الفقهية ومراجعنا الشرعية ما يغني عن مثل هذه التسميات.
أقول: والذي ينبغي أن يعرف من فكرة الشيخ الزنداني أنها ليست فتوى بالجواز مطلقا، وإنما هي رأي لمن هم في بلاد الغرب من المسلمين وخافوا على أنفسهم الزنا. فكأنه جعل هذا الرأي علاجاً لهم كالمضطر في أكل المحرم خشية الهلاك ونحوه، وهذا الأمر لا شك أنه يختلف عن الذي يفتي بالجواز ويدافع عن فتواه بقوة مدعماً ما يقول بالأدلة والشواهد، فهو مجرد رأي أستحسنه الشيخ وكما أنه رأي وليس بفتوى أو تشريع فينبغي قصره على الشيخ دون تعميمه، خاصة إذا علمت المفاسد الناتجة عن هذا الرأي وآثاره السيئة على الإسلام أولاً ثم على المجتمع. وهذا الزواج له إيجابيات وله سلبيات لعل المقام لا يتسع لذكرها.
3- واقعية هذا الزواج ووجوده بشكل عام
وجد هذا الزواج في بعض الدول العربية والأوروبية، ففي المغرب مثلاً: ما كاد الشيخ عبدالمجيد الزنداني يلوح بفكرة «زواج فرند» حتى أمسك الشباب المغربي بتلابيب الفكرة ليجد فيها مخرجاً ومهرباً من تبعات وتكاليف الزواج المعتاد التي لا يطيقها معظمهم.
يقول أحد المنفذين لفكرة «زواج فرند» ويدعى محمود القاسم: إنه عاش تجربة ناجحة وشرعية وغير مكلفة؟ وقد أبعدته عن علاقات محرمة ولقاءات مشبوهة مؤكداً أن بلداً مثل المغرب فيها مدارس مختلطة ولقاءات بين الجنسين قد تدفع بعض الشباب والفتيات للوقوع في الإثم والمنكرات، وهذه الفكرة قد تكون إيذاناً بميلاد مرحلة أكثر بعداً عن المنكرات والفواحش، وأقرب إلى الطريقة السليمة في تفريغ طاقات كامنة بطريقة شرعية وغير مكلفة، مؤكدا أن الشباب سيبدأ «بزواج فرند» أولاً، وبعد أن يستقر وضعه ويتخرج، ويحصل على ما يمكنه من فتح منزل يستقل به سينتقل إليه، بدلاً من أن يضيع عمره وشبابه ويفوت قطار الزواج عليه وعلى غيره من الفتيات، وفي هولندا يصف أبو القاسم الناعس، ناظر مدرسة ابن خلدون الثانوية الإسلامية في روتردام «زواج فرند» بأنه سهل كثيراً من أمور الزواج المعقدة، خاصة في الغرب، وقال: هناك العديد من التجارب الإيجابية والمشجعة حتى الآن، فقد أكمل جميع المتزوجين إناثاً وذكوراً دراستهم الثانوية، وانتقلوا إلى الدراسة الجامعية والمدارس العليا، وعاشوا مدة من الزمن مع ذويهم، وارتحلوا بعدها للإقامة في بيوتهم الخاصة، ودافع الناعس بشدة عن الفكرة التي أطلقها الشيخ الزنداني، والتي سميت «بزواج فرند» قائلا لقد تفهم الشيخ الزنداني الخصوصية والظروف التي يعيشها المسلمون في الغرب، وحرص على إعفافهم بهذا الأسلوب الشرعي العصري بدلاً من الوقوع في المحرمات.
4- واقعية هذا الزواج ووجوده بشكل خاص- في المملكة العربية السعودية-
تمكن هذه الواقعية في حالة من حالات زواج المسيار ألا وهي إذا كانت الزوجة في بيت أهلها فالغالب أنه يأتي إليها ويأخذها إلى مكان ما، حيث التحرج من أهلها، أو إذا كانت في بلد آخر بعيداً عن بلده فهو في الغالب لا يضع لها مسكناً خاصاً وذلك لقلة تواجده في بلدها، وإنما يكتفي بأخذها من بيت أهلها- عند زيارته لها- إلى مكان يؤويان إليه كالشقة المفروشة مثلاً، أو الفندق، وما شابه ذلك مثل: أن تأتي هي إلى بلده في أوقات قصيرة أو في الصيف مثلاً ونحوه.
5- والذي أراه هنا والله أعلم:
أننا لو دققنا النظر في هذا المسألة لوجدنا أنها بنيت لحالة خاصة- فردية- من أبناء الجاليات العربية الذين اضطرتهم ظروفهم إلى المكث وقتا من الزمن في بلاد الغرب- وأهل هذه البلاد لا يرون في الصداقة بين الجنسين بأسا أوحرجا أو حرمة إلا من رحم الله وقليل ما هم.. -فهذا الزواج- والله اعلم- يدخل في ما يسمى «الزواج بنية الطلاق» فمتى ما رجع لبلده طلق وانتهى أمره.
ولذلك ينبغي- بالنظر إلى اجازته من قبل المجمع الفقهي- أن يعدل هذا الزواج ويحور ليتوافق وروح الشريعة السمحة، ومن ذلك حصول المقاصد المطلوبة في الزواج المنشود، أو أغلبها على الأقل، ويمكن ضبط ذلك في أمور منها:
1) عدم منع الطالب من الزواج المعتاد في بلد الدراسة لمن اضطر إليه، وذلك حتى لا نجبره- من دون قصد- إلى ارتكاب جريمة الزنا، فيكون علمه على حساب أخلاقه، ويمكن التنسيق في هذا الأمر مع سفارة بلده.
2) قصر إباحة هذا الزواج في البلدان التي يكثر فيها الفتن، والتفكك الأسري، وكثرة اختلاط الجنسين ببعضهما، والسفور والتبرج، ومن ترك له الحبل في دعوة المرأة إلى الحرية القاصرة، والتي يفهمها العقلاء بأنها: حرية من القيم والأخلاق الفاضلة إلى الأخلاق الفاضحة!!
3) تيسير وتسهيل الزواج المعتاد من قبل الأسرة والمجتمع بشكل عام، بحيث يوجد الإعفاف والبعد عن مسببات الفاحشة.
4) وهذا أهمها: أن يؤكد على توثيق هذا الزواج كتابة، ولا ينظر في من ادعى -أو ادعت- الزواج دون توثيق رسمي وذلك حتى ندرأ الشر والفتن، ونقطع الطريق على من يريد التلاعب بمحارم الله عز وجل باسم زواج الفرند!!
وصورة هذا التلاعب تكمن- إذا لم يوثق العقد- فيما يلي:
- تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة
- تعدد الصديقات والعشيقات مما ينشر الفاحشة في المجتمع باسم هذا الزواج
- التغطية على أولاد الزنا مما يثير الشكوك في كل مكان. أقول كذلك: إن منع هذا الزواج مطلقاً في وقت تكثر فيه الفتن العظيمة، وإثارة الشهوات من قبل الإعلام ومجال الحياة الأخرى، كالعمل، والدراسة، والأسواق وغيرها، وفي نفس الوقت يشدد على الزواج المعتاد، ويكبل بالأعباء والتكاليف، والمهور، الغالية، ليعد تصادما فضيعاً بين العلم الشرعي- المبني على مصلحة الإنسان- وبين الواقع المعاصر؟ وسوف نسأل عنه يوم القيامة وبالتالي نسهل - من دون قصد- قضاء الشهوة عن طريق المحرم «الزنا» والعياذ بالله، دون القدرة على إحجامها أو التخلص منها.