العمري
05 Jul 2006, 10:36 PM
دور المرأة في إصلاح المجتمع
لفضيــلة الشــيخ
محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإنه يسرني أن أحضر لأعبر عما في نفسي في هذا الموضوع الخطير ، وهو ( دور المرأة في إصلاح المجتمع ) .
فأقول مستعيناً بالله عز وجل ، طالباً منه التوفيق للصواب والسداد .
إن دور المرأة في إصلاح المجتمع دور له أهميته الكبرى ، وذلك لأن إصلاح المجتمع يكون على نوعين :
النوع الأول : الإصلاح الظاهر :
وهو الذي يكون في الأسواق ، وفي المساجد ، وفي غيرها من الأمور الظاهرة ، وهذا يغلب فيه جانب الرجال لأنهم هم أهل البروز والظهور .
النوع الثاني : إصلاح المجتمع فيما وراء الجدر :
وهو الذي يكون في البيوت ، وغالب مهمته موكول إلى النساء ، لأن المرأة هي ربة البيت ، كما قال الله سبحانه وتعالى موجهاً الخطاب والأمر إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) " الأحزاب : 33 "
أهمية دور المرأة في إصلاح المجتمع :
نظن بعد ذلك أنه لا ضير علينا إن قلنا : إن إصلاح نصف المجتمع أو أكثر يكون منوطاً بالمرأة ، وذلك أن النساء كالرجال عدداً ، إن لم يكن أكثر ، أعني أن ذرية آدم أكثرهم من النساء ، كما دلت على ذلك السنة النبوية ، ولكنها تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن ، فقد تكون النساء في بلد ما أكر من الرجال ، وقد يكون العكس في بلد آخر ، كما أن النساء قد يكن أكثر من الرجال في زمن ، والعكس في زمن آخر .
وعلى كل حال فإن للمرأة دوراً كبيراً في إصلاح المجتمع .
السبب الثاني :
أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء ، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع .
مقومات إصلاح المرأة في المجتمع :
لكي تتحق أهمية المرأة في إصلاح المجتمع ، لابد للمرأة من مؤهلات أو مقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح .. وإليكم جانباً من هذه المقومات:
المقوم الأول : صلاح المرأة:
أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها ، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟
لتعلم كل إمرأة أنها لن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم ، وما أعنيه هو العلم الشرعي الذي تتلقاه ، إما من بكون الكتب ـ إن أمكنها ذلك ـ وإما من أفواه العلماء ، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء .
وفي عصرنا هذا يسهل كثيراً أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء ، وذلك بواسطة الأشرطة المسجلة ، فإن هذه الأشرطة ـ ولله الحمد ـ لها دور كبير في توجيه المجتمع إلى ما فيه الخير والصلاح ، إذا استعملت في ذلك.
إذن فلا بد لصلاح المرأة من العلم ، لأنه لا صلاح إلا بالعلم .
المقوم الثاني : البيان والفصاحة:
أي أن يمن الله عليها ـ أي على المرأة ـ بالبيان والفصاحة ، بحيث يكون عندها طلاقة لسان وتعبير بيان تعبر به عما في ضميرها تعبيراً صادقاً ، يكشف ما في قلبها وما في نفسها من المعاني ، التي قد تكون عند كثير من الناس ، ولكن يعجز أن يعبر عنها، أو قد يعبر عنها بعبارات غير واضحة وغير بليغة ، وحينئذٍ لا يحصل المقصود الذي في نفس المتكلم من إصلاح الخلق.
وبناءً على ذلك نسأل : ما الذي يوصل إلى هذا ؟ أي يوصل إلى اليان والفصاحة والتعبير عما في النفس بعبارة صادقة كاشفة عما في الضمير ؟
نقول : الطريق إلى ذلك هو أنيكون عند المرأة شيء من العلوم العربية : نحوها ، وصرفها ، وبلاغتها ، وحينئذٍ لابد أن يكون للمرأة دروس في ذلك ولو قليلة ، بحيث تعبر عما في نفسها تعبيراً صحيحاً تستطيع به أن توصل المعنى إلى أفئدة النساء اللاتي تخاطبهنّ .
المقوم الثالث : الحكمة :
أي أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة ، وفي إيصال العلم إلى من تخاطب ، وحكمة في وضع الشيء في موضعه، كما قال أهل العلم ، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد ، أن يؤتيه الله الحكمة . قال الله عز وجل : (( يؤتي الحمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً )) [ البقرة 269 ].
وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل ، إذا لم تكن هناك حكمة فمن الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به ، فإذا كان جاهلاً عومل المعاملة التي تناسب حاله ، وإذا كان عالماً ، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة عومل بما تقتضيه حاله ، وإذا كان عالماً ولكن عنده شيء من الإستكبار وردّ الحق عومل بما تقتضيه حاله .
فالناس ـ إذن ـ على درجات ثلاث : جاهل ، وعالم متكاسل ، زعالم معاند ، ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر ، بل لابد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له " إنك تأتي قوماً أهل كتاب " وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليعرف معاذ حالهم كي يستعد لهم بما تقتضيه هذه الحال ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضاً .
أمثلة على استعمال الحكمة في دعوته صلى الله عليه وسلم
ويدل على استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله وقائع وقعت ممن هو أحكم الخلق في الدعوة إلى الله ، ألا وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنضرب لذلك أمثلة :
المثال الأول : الأعرابي الذي بال في المسجد :
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما : من حديث أنس ابن مالك أن أعرابياً دخل المسجد ثم جعل يبول فأخذت الصحابة الغيرة ، فنهوه وصاحوا به ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل ، قال : " لا تزرموه " أي لا تقطعوا عليه بوله ، فلما قضى الأعرابي بوله أمر النبي صلى الله وعليه وسلم أن يصب عليه ( أي على البول ) ذنوب من ماء ( أي دلو من ماء ) ثم دعا الأعرابي وقال له : " إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى ( أو من القذر ) وإنما هي للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله أن هذا الأعرابي قال : " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحد " .
ونأخذ من هذه القصة العبر التالية :
العبرة الأولى :
أن الصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي ، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر ، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر ، ولكن إذا كانت المبادرة تؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ، فإن الواجب التأني ، حتى تزول هذه المفسدة الكبرى ، ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به .
العبرة الثانية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر بالمنكر لدفع ما هو أنكر منه ، فالمنكر الذي أقره هو استمرار هذا الأعرابي في التبول ، والمنكر الذي دفعه بهذا الإقرار هو أن هذا الأعرابي لو قام لا يخلو من أمرين :
1- إما أن يقوم مكشوف العورة لئلا تتلوث ثيابه بالبول ، وحينئذٍ يتلوث منه المسجد بقدر أكبر، ويبدو الرجل للناس وهو كاشف عورته وهاتان مفسدتان .
2- وإما إذا لم يقم على هذا الوجه ، فإنه سوف يستر عورته ، ولكن تتلوث ثيابه بما يصيبها من البول ، فمن أجل هاتين المفسدتين أقره النبي صلى الله عليه وسلم على استكمال البول ، على أنه أيضاً قد حصلت هذه المفسدة بالبول في المسجد من أول الأمر ، فإذا قام ، فإن هذه المفسدة التي حصلت لن تختفي ، فنأخذ من هذه النقطة عبرة ، وهي أن المنكر إذا كان لا يؤول إلا لشيء أنكر منه ، فإن الواجب الإمساك دفعاً لكبرى المفسدتين بصغراهما .
ولهذا أصل في كتاب الله ، فقد قال الله تعالى : (( وَلا تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ )) [ الأنعام 108 ] .
كلنا يعلم أن سب آلهة المشركين من الأمور المحبوبة لله عز وجل ، ولكن لما كان سب هذه الآلهة يؤدي إلى سب من ليس أهلاً للسب ، وهو الرب عز وجل ، فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن سب آلهتهم في الآية السابقة .
العبرة الثالثة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ، بادر بإزالة المفسدة ، لأن التأخير له آفات ، إذ كان من الممكن أن يؤخر النبي صلى الله عليه وسلم تطهير هذه البقعة من المسجد حتى يحتاج الناس إلى الصلاة فيها ، فتطهر من أجل ذلك ، ولكن من الأولى أن يبادر الإنسان إلى إزالتة المفسدة حتى لا يعتريه فيما بعد عجز أو نسيان ، وهذه نقطة هامة جداً ، وهي أن يبادر بإزالته المفسدة خوفاً من العجز عن إزالتها في السمتقبل ، أو نسيانه فمثلاً : لو أصابت الثوب نجاسة وهو ثوب يصلي فيه ، أو لا يصلي فيه فالأولى أن يبادر بغسل هذه النجاسة ، وألا يؤخره لأنه ربما ينسى في السمتقبل ، أو يعجز عن إزالتها إما لفقد الماء ، أو لغير ذلك .
ولهذا لما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي أقعده في حجره فبال الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فأمر صلى الله عليه مسلم بماء فأتبع البول مباشرة ، ولم يؤخر غسل ثوبه إلى وقت الصلاة لما ذكرنا آنفاً .
العبرة الرابعة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الأعرابي بشأن هذه المساجد وأنها إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله أو كما قال صلى الله عليه وسلم لا ييصلح فيها شيء من الأذى والقذر .
إذن فشأن المساجد : أن تعظم وأن تنظف وأن تطهر وألا يعمل فيها إلا ما يرضي الله تعالى ، من الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ونحو ذلك .
العبرة الخامسة :
أن الانسان اذا دعا غيره بالحكمة واللطف واللين حصل من المطلوب ما هو أكبر مما لو أراد معالجة الشيء بالعنف وقد اقتنع هذا الأعرابي اقتناعاً تاماً بما علمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه قال هذه الكلمة المشهورة " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً " .
فنجد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل مه هذا الرجل جانب اللين والرفق لأنه جاهل بلا شك ، إذ لا يمكن لعالم بحرمة المسجد ، ووجوب تعظيمه أن يقوم أمام الناس ليبول في جانب منه .
المثال الثاني : الصحابي الذي جامع زوجته في نهار رمضان:
أخرج البخاري : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكتُ . قال " ما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ، وهذا جرم عظيم أن يتعمد الإنسان جماع زوجته وهو صائم في رمضان، ولكن للنظر كيف عامله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل زجره ؟ هل تكلم عليه ؟ هل وبّخه ؟ لا . لأن الرجل جاء تائباً نادماً ، وليس معرضاً مستهتراً غير مبالٍ بما جرى منه .فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : هل هل نجد رقبة ليعتقها كفارة عما وقع منه ؟ فقال لا .
فسأله : هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين ؟ فقال لا ، فسأله : هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً ؟ فقال : لا . ثم جلس الرجل فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة ، فقال : " خذ هذا فتصدق به " يعني كفارة . فقال : أعلى أفقر مني يا رسول الله ، ، ما بين لا بيتها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده ، ثم قال : " أطعمه أهلك " .
فنجد في هذه القصة عبراً منها ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف الرجل ولم يجزره ولم يوبخه لأنه جاء تائباً نادماً ، وهناك فرق بين رجل معاند ورجل مسالم ، جاء يستنجد بنا ويطلب منا أن نخلصه مما وقع فيه ، لذلك عامله النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعاملة حيث رده إلى أهله ومعه الغنيمة التي حملها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي هذا التمر الذي كان مفروضاً عليه أن يطعمه ستين مسكيناً ، ولو لم يكن فقيراً .
المثال الثالث : الرجل الذي عطس في الصلاة :
نأخذ هذا المثال من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ، حين دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فعطس رجل من القوم ، فقال : الحمد لله . فقال له معاوية : يرحمك الله . فرماه الناس بأبصارهم ، يعني استنكاراً لقوله فقال : واثكل أميّاه ، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، دعاة وقال له : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير ، وقراءة القرآن " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
قال معاوية : بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه ، والله ما كهرني ، ولا نهوني .
المثال الرابع : الرجل الذي لبس خاتماً من ذهب :
نأخذ هذا المثال من قصة الرجل الذي كان عليه خاتم من ذهب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن أن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده " . ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم بنفسه ، ورمى به فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل : خذ خاتمك وانتفع به ، فقال : والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم .
نرى في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ، شيئاً من الشدة ، إذ الظاهر أن هذا الرجل كان قد بلغه الخبر ، بأن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة فلهذا عامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة التي هي أشد من معاملة من ذكرنا سابقاً .
إذن لابد أن يكون الداعية منزلاً لكل إنسان منزلته بحسب ما تقتضيه الحال : فهناك جاهل لا يدري ، وهناك عالم ولكن عنده فتور وكسل ، وهناك عالم ولكنه معاند ومستكبر ، فيجب أن ينزل كل واحد من هؤلاء المنزلة اللائقة به.
المقوم الرابع : حسن التربية :
أي أن تكون المرأة حسنة التربية لأولادها ، لأن أولادها هم رجال المستقبل ، ونساء المستقبل ، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم ، فإذا كانت الأم على جانب من الأخلاق وحسن المعاملة ، وظهروا على يديها وتربوا عليها ، فإنهم سوف يكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع .
لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها ، وأن تهتم بتربيتهم ، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحدها ، بأبيهم أو بولي أمرهم ، إذا لم يكن لهم أب من إخوة أو أعمام أو بني أخوة أو غير ذلك.
ولا ينبغي للمرأة أن تستسلم لواقع ، وتقول : سار الناس على هذا فلا أستطيع أن أغيّر ، لأننا لو بقينا هكذا مستسلمين للواقع ما تم الإصلاح إذ إن الاصلاح لابد أن يغير ما فسد على وجه صالح ، ولابد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه حتى تستقيم الأمور .
ثم إن التسليم للواقع أمر غير وارد في الشريعة الإسلامية ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أمته مشركة يعبد أفرادها الأصنام ، ويقطعون الأرحام ، ويظلمون ويبغون على الناس بغير حق ، لم يستسلم صلى الله عليه وسلم ، بل لم يأذن الله له أن يستسلم للأمر الواقع ، بل قال سبحانه وتعالى له : (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ )) [ الحجر:94 ] .
فأمره سبحانه أن يصدع بالحق ، وأن يعرض عن المشركين ويتناسى شركهم وعدوانهم حتى يتم له الأمر وهذا هو الذي حصل ، نعم قد يقول قائل : إن من الحكمة أن نغير ، لكن ليس بالسرعة التي نريدها ، لأن المجتمع على خلاف ما نريد من الإصلاح . فحينئذٍ لابد أن ينتقل الإنسان بالناس لإصلاحهم من الأهم إلى ما دونه ، أي يبدأ بإصلاح الأهم والأكثر إلحاحاً ثم ينتقل بالناس شيئاً فشيئاً حتى يتم له مقصوده .
المقوم الخامس : النشاط في الدعوة :
أي أن يكون للمرأة دور في تثقيف بنات جنسها ، وذلك من خلال المجتمع سواء أكان في المدرسة أو الجامعة أو في مرحلة ما بعد الجامعة كالدراسات العليا .
كذلك أيضاً من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي تحصل فيها من الكلمات المفيده ما يحصل .
ولقد بلغنا – ولله الحمد – أن لبعض النساء دوراً كبيراً في هذه المسألة ، وأنهن قد رتّبْنَ جلسات لبنات جنسها في العلوم الشرعية ، والعلوم العربية ، وهذا لاشك أمر طيب تحمد المرأة عليه ، وثوابه باقٍ لها بعد موتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .
فإذا كانت المرأة ذات نشاط في مجتمعها في نشر الدعوة : من خلال الزيارات ، أو من خلال المجتمعات في المدارس أو غيرها ، كان لها أثر كبير ، ودور واسع في إصلاح المجتمع . هذا هو ما حضرني الآن بالنسبة لدور المرأة في إصلاح المجتمع ، وذكر مقومات هذا الإصلاح .
هذا والله سبحانه أسأل أن يجعلنا هداة مهتدين ، وصالحين مصلحين ، وأن يهبنا منه رحمته إنه هو الوهاب .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لفضيــلة الشــيخ
محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإنه يسرني أن أحضر لأعبر عما في نفسي في هذا الموضوع الخطير ، وهو ( دور المرأة في إصلاح المجتمع ) .
فأقول مستعيناً بالله عز وجل ، طالباً منه التوفيق للصواب والسداد .
إن دور المرأة في إصلاح المجتمع دور له أهميته الكبرى ، وذلك لأن إصلاح المجتمع يكون على نوعين :
النوع الأول : الإصلاح الظاهر :
وهو الذي يكون في الأسواق ، وفي المساجد ، وفي غيرها من الأمور الظاهرة ، وهذا يغلب فيه جانب الرجال لأنهم هم أهل البروز والظهور .
النوع الثاني : إصلاح المجتمع فيما وراء الجدر :
وهو الذي يكون في البيوت ، وغالب مهمته موكول إلى النساء ، لأن المرأة هي ربة البيت ، كما قال الله سبحانه وتعالى موجهاً الخطاب والأمر إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) " الأحزاب : 33 "
أهمية دور المرأة في إصلاح المجتمع :
نظن بعد ذلك أنه لا ضير علينا إن قلنا : إن إصلاح نصف المجتمع أو أكثر يكون منوطاً بالمرأة ، وذلك أن النساء كالرجال عدداً ، إن لم يكن أكثر ، أعني أن ذرية آدم أكثرهم من النساء ، كما دلت على ذلك السنة النبوية ، ولكنها تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن ، فقد تكون النساء في بلد ما أكر من الرجال ، وقد يكون العكس في بلد آخر ، كما أن النساء قد يكن أكثر من الرجال في زمن ، والعكس في زمن آخر .
وعلى كل حال فإن للمرأة دوراً كبيراً في إصلاح المجتمع .
السبب الثاني :
أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء ، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع .
مقومات إصلاح المرأة في المجتمع :
لكي تتحق أهمية المرأة في إصلاح المجتمع ، لابد للمرأة من مؤهلات أو مقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح .. وإليكم جانباً من هذه المقومات:
المقوم الأول : صلاح المرأة:
أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها ، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟
لتعلم كل إمرأة أنها لن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم ، وما أعنيه هو العلم الشرعي الذي تتلقاه ، إما من بكون الكتب ـ إن أمكنها ذلك ـ وإما من أفواه العلماء ، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء .
وفي عصرنا هذا يسهل كثيراً أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء ، وذلك بواسطة الأشرطة المسجلة ، فإن هذه الأشرطة ـ ولله الحمد ـ لها دور كبير في توجيه المجتمع إلى ما فيه الخير والصلاح ، إذا استعملت في ذلك.
إذن فلا بد لصلاح المرأة من العلم ، لأنه لا صلاح إلا بالعلم .
المقوم الثاني : البيان والفصاحة:
أي أن يمن الله عليها ـ أي على المرأة ـ بالبيان والفصاحة ، بحيث يكون عندها طلاقة لسان وتعبير بيان تعبر به عما في ضميرها تعبيراً صادقاً ، يكشف ما في قلبها وما في نفسها من المعاني ، التي قد تكون عند كثير من الناس ، ولكن يعجز أن يعبر عنها، أو قد يعبر عنها بعبارات غير واضحة وغير بليغة ، وحينئذٍ لا يحصل المقصود الذي في نفس المتكلم من إصلاح الخلق.
وبناءً على ذلك نسأل : ما الذي يوصل إلى هذا ؟ أي يوصل إلى اليان والفصاحة والتعبير عما في النفس بعبارة صادقة كاشفة عما في الضمير ؟
نقول : الطريق إلى ذلك هو أنيكون عند المرأة شيء من العلوم العربية : نحوها ، وصرفها ، وبلاغتها ، وحينئذٍ لابد أن يكون للمرأة دروس في ذلك ولو قليلة ، بحيث تعبر عما في نفسها تعبيراً صحيحاً تستطيع به أن توصل المعنى إلى أفئدة النساء اللاتي تخاطبهنّ .
المقوم الثالث : الحكمة :
أي أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة ، وفي إيصال العلم إلى من تخاطب ، وحكمة في وضع الشيء في موضعه، كما قال أهل العلم ، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد ، أن يؤتيه الله الحكمة . قال الله عز وجل : (( يؤتي الحمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً )) [ البقرة 269 ].
وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل ، إذا لم تكن هناك حكمة فمن الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به ، فإذا كان جاهلاً عومل المعاملة التي تناسب حاله ، وإذا كان عالماً ، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة عومل بما تقتضيه حاله ، وإذا كان عالماً ولكن عنده شيء من الإستكبار وردّ الحق عومل بما تقتضيه حاله .
فالناس ـ إذن ـ على درجات ثلاث : جاهل ، وعالم متكاسل ، زعالم معاند ، ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر ، بل لابد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له " إنك تأتي قوماً أهل كتاب " وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليعرف معاذ حالهم كي يستعد لهم بما تقتضيه هذه الحال ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضاً .
أمثلة على استعمال الحكمة في دعوته صلى الله عليه وسلم
ويدل على استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله وقائع وقعت ممن هو أحكم الخلق في الدعوة إلى الله ، ألا وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنضرب لذلك أمثلة :
المثال الأول : الأعرابي الذي بال في المسجد :
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما : من حديث أنس ابن مالك أن أعرابياً دخل المسجد ثم جعل يبول فأخذت الصحابة الغيرة ، فنهوه وصاحوا به ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل ، قال : " لا تزرموه " أي لا تقطعوا عليه بوله ، فلما قضى الأعرابي بوله أمر النبي صلى الله وعليه وسلم أن يصب عليه ( أي على البول ) ذنوب من ماء ( أي دلو من ماء ) ثم دعا الأعرابي وقال له : " إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى ( أو من القذر ) وإنما هي للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله أن هذا الأعرابي قال : " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحد " .
ونأخذ من هذه القصة العبر التالية :
العبرة الأولى :
أن الصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي ، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر ، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر ، ولكن إذا كانت المبادرة تؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ، فإن الواجب التأني ، حتى تزول هذه المفسدة الكبرى ، ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به .
العبرة الثانية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر بالمنكر لدفع ما هو أنكر منه ، فالمنكر الذي أقره هو استمرار هذا الأعرابي في التبول ، والمنكر الذي دفعه بهذا الإقرار هو أن هذا الأعرابي لو قام لا يخلو من أمرين :
1- إما أن يقوم مكشوف العورة لئلا تتلوث ثيابه بالبول ، وحينئذٍ يتلوث منه المسجد بقدر أكبر، ويبدو الرجل للناس وهو كاشف عورته وهاتان مفسدتان .
2- وإما إذا لم يقم على هذا الوجه ، فإنه سوف يستر عورته ، ولكن تتلوث ثيابه بما يصيبها من البول ، فمن أجل هاتين المفسدتين أقره النبي صلى الله عليه وسلم على استكمال البول ، على أنه أيضاً قد حصلت هذه المفسدة بالبول في المسجد من أول الأمر ، فإذا قام ، فإن هذه المفسدة التي حصلت لن تختفي ، فنأخذ من هذه النقطة عبرة ، وهي أن المنكر إذا كان لا يؤول إلا لشيء أنكر منه ، فإن الواجب الإمساك دفعاً لكبرى المفسدتين بصغراهما .
ولهذا أصل في كتاب الله ، فقد قال الله تعالى : (( وَلا تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ )) [ الأنعام 108 ] .
كلنا يعلم أن سب آلهة المشركين من الأمور المحبوبة لله عز وجل ، ولكن لما كان سب هذه الآلهة يؤدي إلى سب من ليس أهلاً للسب ، وهو الرب عز وجل ، فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن سب آلهتهم في الآية السابقة .
العبرة الثالثة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ، بادر بإزالة المفسدة ، لأن التأخير له آفات ، إذ كان من الممكن أن يؤخر النبي صلى الله عليه وسلم تطهير هذه البقعة من المسجد حتى يحتاج الناس إلى الصلاة فيها ، فتطهر من أجل ذلك ، ولكن من الأولى أن يبادر الإنسان إلى إزالتة المفسدة حتى لا يعتريه فيما بعد عجز أو نسيان ، وهذه نقطة هامة جداً ، وهي أن يبادر بإزالته المفسدة خوفاً من العجز عن إزالتها في السمتقبل ، أو نسيانه فمثلاً : لو أصابت الثوب نجاسة وهو ثوب يصلي فيه ، أو لا يصلي فيه فالأولى أن يبادر بغسل هذه النجاسة ، وألا يؤخره لأنه ربما ينسى في السمتقبل ، أو يعجز عن إزالتها إما لفقد الماء ، أو لغير ذلك .
ولهذا لما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي أقعده في حجره فبال الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فأمر صلى الله عليه مسلم بماء فأتبع البول مباشرة ، ولم يؤخر غسل ثوبه إلى وقت الصلاة لما ذكرنا آنفاً .
العبرة الرابعة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الأعرابي بشأن هذه المساجد وأنها إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله أو كما قال صلى الله عليه وسلم لا ييصلح فيها شيء من الأذى والقذر .
إذن فشأن المساجد : أن تعظم وأن تنظف وأن تطهر وألا يعمل فيها إلا ما يرضي الله تعالى ، من الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ونحو ذلك .
العبرة الخامسة :
أن الانسان اذا دعا غيره بالحكمة واللطف واللين حصل من المطلوب ما هو أكبر مما لو أراد معالجة الشيء بالعنف وقد اقتنع هذا الأعرابي اقتناعاً تاماً بما علمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه قال هذه الكلمة المشهورة " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً " .
فنجد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل مه هذا الرجل جانب اللين والرفق لأنه جاهل بلا شك ، إذ لا يمكن لعالم بحرمة المسجد ، ووجوب تعظيمه أن يقوم أمام الناس ليبول في جانب منه .
المثال الثاني : الصحابي الذي جامع زوجته في نهار رمضان:
أخرج البخاري : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكتُ . قال " ما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ، وهذا جرم عظيم أن يتعمد الإنسان جماع زوجته وهو صائم في رمضان، ولكن للنظر كيف عامله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل زجره ؟ هل تكلم عليه ؟ هل وبّخه ؟ لا . لأن الرجل جاء تائباً نادماً ، وليس معرضاً مستهتراً غير مبالٍ بما جرى منه .فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : هل هل نجد رقبة ليعتقها كفارة عما وقع منه ؟ فقال لا .
فسأله : هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين ؟ فقال لا ، فسأله : هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً ؟ فقال : لا . ثم جلس الرجل فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة ، فقال : " خذ هذا فتصدق به " يعني كفارة . فقال : أعلى أفقر مني يا رسول الله ، ، ما بين لا بيتها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده ، ثم قال : " أطعمه أهلك " .
فنجد في هذه القصة عبراً منها ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف الرجل ولم يجزره ولم يوبخه لأنه جاء تائباً نادماً ، وهناك فرق بين رجل معاند ورجل مسالم ، جاء يستنجد بنا ويطلب منا أن نخلصه مما وقع فيه ، لذلك عامله النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعاملة حيث رده إلى أهله ومعه الغنيمة التي حملها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي هذا التمر الذي كان مفروضاً عليه أن يطعمه ستين مسكيناً ، ولو لم يكن فقيراً .
المثال الثالث : الرجل الذي عطس في الصلاة :
نأخذ هذا المثال من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ، حين دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فعطس رجل من القوم ، فقال : الحمد لله . فقال له معاوية : يرحمك الله . فرماه الناس بأبصارهم ، يعني استنكاراً لقوله فقال : واثكل أميّاه ، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، دعاة وقال له : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير ، وقراءة القرآن " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
قال معاوية : بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه ، والله ما كهرني ، ولا نهوني .
المثال الرابع : الرجل الذي لبس خاتماً من ذهب :
نأخذ هذا المثال من قصة الرجل الذي كان عليه خاتم من ذهب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن أن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده " . ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم بنفسه ، ورمى به فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل : خذ خاتمك وانتفع به ، فقال : والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم .
نرى في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ، شيئاً من الشدة ، إذ الظاهر أن هذا الرجل كان قد بلغه الخبر ، بأن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة فلهذا عامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة التي هي أشد من معاملة من ذكرنا سابقاً .
إذن لابد أن يكون الداعية منزلاً لكل إنسان منزلته بحسب ما تقتضيه الحال : فهناك جاهل لا يدري ، وهناك عالم ولكن عنده فتور وكسل ، وهناك عالم ولكنه معاند ومستكبر ، فيجب أن ينزل كل واحد من هؤلاء المنزلة اللائقة به.
المقوم الرابع : حسن التربية :
أي أن تكون المرأة حسنة التربية لأولادها ، لأن أولادها هم رجال المستقبل ، ونساء المستقبل ، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم ، فإذا كانت الأم على جانب من الأخلاق وحسن المعاملة ، وظهروا على يديها وتربوا عليها ، فإنهم سوف يكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع .
لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها ، وأن تهتم بتربيتهم ، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحدها ، بأبيهم أو بولي أمرهم ، إذا لم يكن لهم أب من إخوة أو أعمام أو بني أخوة أو غير ذلك.
ولا ينبغي للمرأة أن تستسلم لواقع ، وتقول : سار الناس على هذا فلا أستطيع أن أغيّر ، لأننا لو بقينا هكذا مستسلمين للواقع ما تم الإصلاح إذ إن الاصلاح لابد أن يغير ما فسد على وجه صالح ، ولابد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه حتى تستقيم الأمور .
ثم إن التسليم للواقع أمر غير وارد في الشريعة الإسلامية ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أمته مشركة يعبد أفرادها الأصنام ، ويقطعون الأرحام ، ويظلمون ويبغون على الناس بغير حق ، لم يستسلم صلى الله عليه وسلم ، بل لم يأذن الله له أن يستسلم للأمر الواقع ، بل قال سبحانه وتعالى له : (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ )) [ الحجر:94 ] .
فأمره سبحانه أن يصدع بالحق ، وأن يعرض عن المشركين ويتناسى شركهم وعدوانهم حتى يتم له الأمر وهذا هو الذي حصل ، نعم قد يقول قائل : إن من الحكمة أن نغير ، لكن ليس بالسرعة التي نريدها ، لأن المجتمع على خلاف ما نريد من الإصلاح . فحينئذٍ لابد أن ينتقل الإنسان بالناس لإصلاحهم من الأهم إلى ما دونه ، أي يبدأ بإصلاح الأهم والأكثر إلحاحاً ثم ينتقل بالناس شيئاً فشيئاً حتى يتم له مقصوده .
المقوم الخامس : النشاط في الدعوة :
أي أن يكون للمرأة دور في تثقيف بنات جنسها ، وذلك من خلال المجتمع سواء أكان في المدرسة أو الجامعة أو في مرحلة ما بعد الجامعة كالدراسات العليا .
كذلك أيضاً من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي تحصل فيها من الكلمات المفيده ما يحصل .
ولقد بلغنا – ولله الحمد – أن لبعض النساء دوراً كبيراً في هذه المسألة ، وأنهن قد رتّبْنَ جلسات لبنات جنسها في العلوم الشرعية ، والعلوم العربية ، وهذا لاشك أمر طيب تحمد المرأة عليه ، وثوابه باقٍ لها بعد موتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .
فإذا كانت المرأة ذات نشاط في مجتمعها في نشر الدعوة : من خلال الزيارات ، أو من خلال المجتمعات في المدارس أو غيرها ، كان لها أثر كبير ، ودور واسع في إصلاح المجتمع . هذا هو ما حضرني الآن بالنسبة لدور المرأة في إصلاح المجتمع ، وذكر مقومات هذا الإصلاح .
هذا والله سبحانه أسأل أن يجعلنا هداة مهتدين ، وصالحين مصلحين ، وأن يهبنا منه رحمته إنه هو الوهاب .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .