أبوالزبير
06 Jul 2006, 12:54 AM
::: عفوا، هل تسمح لي بكلمة ؟ :::
أمين الغنام
الحمد لله مُعزّ من أطاعه واتقاه، وقاصِم من حاربه، وصلاة وسلاماً أتمين أكملين على سيد البشرية وأزكى البرية نبي الرحمة والملحمة، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
أخي المسلم الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مبدأ التناصح والتواصي بالحق مبدأ رباني، وعبادة يرجو فاعلها الأجر الوافر عليها، إضافة إلى التوقي من الخسران، قال تعالى : { وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ } [ العصر: 1-3 ].
فلا يزال فينا خير، ما تناصحنا، ولا نزال نسلك سبيل الفلاح ما تعاونّا على البر والتقوى.
ومن هذا المنطلق، جاءت رسالتي إليك أخي العزيز.
أنا مسلم
إنه جواب سهل بادئ ذي بدء عند كثير من المسلمين عندما تسأله عن دينه الذي يدين الله تعالى به. ولكن -ويا للأسف- نرى كثيراً من المسلمين لا يستشعرون هذه الكلمة التي ينطقون بها ( مسلم )، ولا يعرفون أي معنى تعنيه هذه الكلمة.
إنها تعني كونهم مهديين، وغيرهم يتخبَّط في الضلال.
إنها تعني أنهم يرجون رحمة الله وجنته، وغيرهم ينتظر الجحيم والعذاب المقيم.
إنها تعني أنهم أصحاب رسالة وهداية ومنهج وهدف سامٍ.
إنها تعني عقيدة صافية ومنهاجاً سوياً، يرفع صاحبه عن السفاسف والتوافه؛ استجابة لأمر ربه، ونهياً للنفس عن الهوى لتكون الجنة - بإذن الله - هي المأوى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:40-41].
فهل يليق بك يا مسلم أن تقتني ما يحارب فيك دينك، ويهدم فيك عقيدتك، ويقضي على آدابك، ويفسد أخلاقك ؟! فهل شكرت؟
كم هو مسكين ذلك الرجل الأعمى الذي يعيش عالة على يد تمتد إليه لتهديه الطريق أو لتطعمه أو لتسقيه. وكم هو محزن منظر ذلك الأصم الذي يدير رأسه بين الناس هنا وهناك محاولاً فهم كلمة واحدة ولكن بدون جدوى. ولكَمْ دمعت العين لرؤية ذلك المصاب الذي يعيش غائباً عن الوعي في غرف العناية المركزة وأهله ينتظرون وفاته كل يوم. وأما نحن فمتقلِّبون بنعم عظيمة لا حول لنا فيها ولا قوة، وإنما هي محض فضل من الله تبارك وتعالى علينا. فهل شكرنا هذه النعم بتسخيرها لطاعة الله تعالى؟ أم كفرناها فصيَّرناها سيوفاً نحارب بها الله الذي منّ بها علينا؟
هنّ سيشهدن
إن هذه الجوارح التي مَنّ الله تعالى بها عليّ وعليك، هي اليوم نِعَم، وغداً ستكون خصمك الشاهد عليك عند الله تعالى، ولن تُخفي من عوراتك شيئاً.
وكيف تخفي وتكتم والله سينطقها، قال تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء:36]، وقال سبحانه: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } [النور:24-25]، وقال أيضاً: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يس:65].
وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ضحك يوماً فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تُجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى. قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً. قال: فيُختم على فِيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعْداً لكُنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل ».
فبماذا ستعترف جوارحك أمام ربك؟ فيا له من موقف مخجل، مرعب، محزن، أعيذك ونفسي بالله يا أخي أن نقفه أمام ربنا عز وجل يوم القيامة.
إلى هذه الدرجة نستغفل!
إني وإياك نعلم علم اليقين أن هذه القنوات تُدار بأيدٍ ماكرة هدفها نسخ العبودية والتوحيد من نفوسنا، ومسخ هويتنا، والقضاء على أخلاقنا، وجعلنا شعوباً شهوانية هدفها المتعة الجنسية، ومعشوقها الصورة المحرمة وكل تافه رخيص، كما اعترف بذلك المنصِّرون في مؤتمراتهم .
ولكننا ومع هذه المعرفة نتابع ونتابع ونشاهد ونشاهد وكأن كل ذلك لا يعنينا . فكيف ترضى يا مسلم، يا مصلي، يا عبد الله، كيف ترضى أن تكون ألعوبة بأيدي أعداء ملتك من يهود ونصارى وغيرهم من المنحرفين، وتسير كيفما سيَّروك ( كاللعبة التي تُحرَّك بجهاز التحكم عن بعد) مستغفلاً عما يراد بك، متنكِّباً عن سبل السلام والعلا، سائراً في دروب مظلمة موحشة نهايتها والعياذ بالله غضب الله تعالى.
ثم ماذا؟!
هَبْ أنك اقتنيت هذا الطبق الفضائي لمتابعة الأخبار -مع أني أستبعد ذلك- فهل تسمح أن تجيب عن هذه الأسئلة:
هل أنت تنظر إلى الأخبار فقط؟
هذه الأخبار أليس فيها أخبار سيئة؛ كالرياضة النسائية، وعروض الأزياء، وتقديم النساء المتجملات، وأخبار الحفلات الراقصة، وغيرها ممّا يثير؟
أليس للأخبار والرياضة صحف وإذاعات تزوِّدك بكل شيء عنها؟
وبعد إحاطتك بأخبار العالم كله: ما الواقع العملي الذي استفدته في حياتك؟ وهل زاد إيمانك أم نقص؟ وهل تستطيع أن تغير شيئاً من واقع المسلمين البائس؟ وهل قربت من الله أم بعدت؟ أجب نفسك وبصدق.
ألم تنظر إلى نفسك؟!
ألم تنظر في نفسك وإلى التغير الذي حدث في نفسك منذ أقبلت على مشاهدة قنوات العهر والفساد؟
ماذا حدث؟ ضعف في الإيمان، وتعلق بالصور المحرمة، وغفلة عن ذكر الله، وهجر للقرآن الكريم، وبعدٌ عن الصالحين، وعن مجالس الذكر، وحب للفاسقين، بل وإعجاب بحياة الكافرين، ووحشة بينك وبين رب العالمين، وظلمة في وجهك من أثر المعصية. وعدِّد ما شئت من ثمرات هذه القنوات الخبيثة.
فيا لله كم حرفت هذه القنوات من مستقيم؟ وكم نكست من ملتزم طائع؟ وكم أضلَّت من داعية صالح؟ وكم هدمت من منزل كان سعيداً يوماً من الدهر؟
فإلى الله المشتكى.
كيف تر ضى؟ وكيف تقبلين؟
أخي العزيز..
اسمح لي: إني لأبحث أحياناً عن الغيرة على الأعراض في بعض بيوت المسلمين فلا أجدها، إذ هي قد طُردت من بعض البيوت في نفس اليوم الذي اُقتُني فيه الدش. ولسان حال الدش يقول: لا أدخل بيتاً فيه غيرة على الأعراض، أو بغض للخلاعة والفاحشة.
فكيف ترضى - يا مسلم يا غيور - أن تنظر زوجتك إلى صور الممثلين واللاعبين والراقصين والمطربين وهم في صور فاتنة، وقد تبدو عوراتهم، وقد يتغنَّجون في حركاتهم وأصواتهم؛ فتهيج مشاعرها وترغب لو كان الذي بجانبها هو ذلك الذي في الشاشة وليس أنت؟!
وبالمقابل : فإني أوجه السؤال ذاته إلى كل مسلمة اُبتلي بيتها بهذا الوباء الفتاك فأقول: كيف تقبلين أن ينظر زوجك إلى صور النساء المتزينات وهن في أوضاع فاتنة، وصور عارية مهيجة؛ فينظر ويتلذذ، ويتمنى لو كانت تلك المطربة أو الممثلة أو الراقصة هي التي تضاجعه لا أنتِ؟!
إني لأعلم علم اليقين أنك ستغضبين لو عرفت أن زوجك نظر إلى وجه أختك أو وجه زوجة أخيه عمداً. وربما انتهت حياتكما الزوجية بذلك، فكيف إذن تقبلين أن ينظر زوجك- لا أقول إلى وجوه النساء بل إلى عورات نساء ارتضعن الإغراء والإغواء من ثدي إبليس المسموم ؟!
أي جيل ننتظر؟ وأي نصر نأمل؟!
إن قوة الأمم وعزتها تقاس بمستوى صلاح شبابها، وتمسكهم بمبادئهم ومعتقداتهم، وحرصهم على تحقيق أهدافهم العلية. وإننا اليوم نضع أيدينا على قلوبنا، لماذا؟ خوفاً من جيلٍ ننتظره قد ربَّته قنوات الكفر والانحلال، فهو يهوى الهوى، ويشتهي الشهوة، ويحارب الفضيلة، ويبحث عن مظانّ الرذيلة، ويرى التدين والاستقامة تعقيداً وقيوداً تقيِّد حريته وتؤخره عن ركب التقدم والحضارة.
جيل غربي بثوب عربي !!
يسكن جسمه هنا، ويعيش قلبه هناك !!
فماذا ننتظر من هذا الجيل؟ هل ننتظر منه نصراً أو تقدماً أو إنجازات أو مخترعات؟ لا والله فإنك لا تجني من الشوك العنب.
اللهم رُدَّ شبابنا إليك رداً جميلاً.
لو أن رجلاً ثقة عاقلاً قام في مسجد بعد الصلاة وأخبر الجماعة أن في الحي بيت مُنصِّر يدعو أولادنا إلى النصرانية والشرك، فماذا تتوقع أن يفعل جماعة المسجد؟ أما أنا فأتوقع أن يهدموا عليه بيته. ولو قال هذا الرجل : إن في الحي الفلاني عصابة لصوص تعلم الصغار طرق السرقة والنهب، لقام الناس ومزقوهم تمزيقاً، أو على أقل تقدير لطردوهم شر طردة.
ولو قيل : إن في حي آخر بيت امرأة بغي تعلم بنات المسلمين الرقص والفاحشة، وتقودهن للزنا، لخرج كل من سمع ذلك إليها ولأطاحوا سقف بيتها على رأسها.
ولكن - وللأسف - أقول لك : إن هؤلاء جميعاً هم في بيتك أو في استراحتك الآن. فما عساك أن تصنع بهم؟
وأخيراً
أخي المؤمن
هذه كلمات جاد بها قلبي قبل قلمي، خشية عليك من نار تلظى، ومن عذاب الحريق، { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6].
وبعد أخي: فطوق النجاة بجانبك.. فامدد إليه يدك لتنجو.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير، ويحفظك من كل شر.
أمين الغنام
الحمد لله مُعزّ من أطاعه واتقاه، وقاصِم من حاربه، وصلاة وسلاماً أتمين أكملين على سيد البشرية وأزكى البرية نبي الرحمة والملحمة، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
أخي المسلم الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مبدأ التناصح والتواصي بالحق مبدأ رباني، وعبادة يرجو فاعلها الأجر الوافر عليها، إضافة إلى التوقي من الخسران، قال تعالى : { وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ } [ العصر: 1-3 ].
فلا يزال فينا خير، ما تناصحنا، ولا نزال نسلك سبيل الفلاح ما تعاونّا على البر والتقوى.
ومن هذا المنطلق، جاءت رسالتي إليك أخي العزيز.
أنا مسلم
إنه جواب سهل بادئ ذي بدء عند كثير من المسلمين عندما تسأله عن دينه الذي يدين الله تعالى به. ولكن -ويا للأسف- نرى كثيراً من المسلمين لا يستشعرون هذه الكلمة التي ينطقون بها ( مسلم )، ولا يعرفون أي معنى تعنيه هذه الكلمة.
إنها تعني كونهم مهديين، وغيرهم يتخبَّط في الضلال.
إنها تعني أنهم يرجون رحمة الله وجنته، وغيرهم ينتظر الجحيم والعذاب المقيم.
إنها تعني أنهم أصحاب رسالة وهداية ومنهج وهدف سامٍ.
إنها تعني عقيدة صافية ومنهاجاً سوياً، يرفع صاحبه عن السفاسف والتوافه؛ استجابة لأمر ربه، ونهياً للنفس عن الهوى لتكون الجنة - بإذن الله - هي المأوى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:40-41].
فهل يليق بك يا مسلم أن تقتني ما يحارب فيك دينك، ويهدم فيك عقيدتك، ويقضي على آدابك، ويفسد أخلاقك ؟! فهل شكرت؟
كم هو مسكين ذلك الرجل الأعمى الذي يعيش عالة على يد تمتد إليه لتهديه الطريق أو لتطعمه أو لتسقيه. وكم هو محزن منظر ذلك الأصم الذي يدير رأسه بين الناس هنا وهناك محاولاً فهم كلمة واحدة ولكن بدون جدوى. ولكَمْ دمعت العين لرؤية ذلك المصاب الذي يعيش غائباً عن الوعي في غرف العناية المركزة وأهله ينتظرون وفاته كل يوم. وأما نحن فمتقلِّبون بنعم عظيمة لا حول لنا فيها ولا قوة، وإنما هي محض فضل من الله تبارك وتعالى علينا. فهل شكرنا هذه النعم بتسخيرها لطاعة الله تعالى؟ أم كفرناها فصيَّرناها سيوفاً نحارب بها الله الذي منّ بها علينا؟
هنّ سيشهدن
إن هذه الجوارح التي مَنّ الله تعالى بها عليّ وعليك، هي اليوم نِعَم، وغداً ستكون خصمك الشاهد عليك عند الله تعالى، ولن تُخفي من عوراتك شيئاً.
وكيف تخفي وتكتم والله سينطقها، قال تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء:36]، وقال سبحانه: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } [النور:24-25]، وقال أيضاً: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يس:65].
وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ضحك يوماً فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تُجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى. قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً. قال: فيُختم على فِيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعْداً لكُنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل ».
فبماذا ستعترف جوارحك أمام ربك؟ فيا له من موقف مخجل، مرعب، محزن، أعيذك ونفسي بالله يا أخي أن نقفه أمام ربنا عز وجل يوم القيامة.
إلى هذه الدرجة نستغفل!
إني وإياك نعلم علم اليقين أن هذه القنوات تُدار بأيدٍ ماكرة هدفها نسخ العبودية والتوحيد من نفوسنا، ومسخ هويتنا، والقضاء على أخلاقنا، وجعلنا شعوباً شهوانية هدفها المتعة الجنسية، ومعشوقها الصورة المحرمة وكل تافه رخيص، كما اعترف بذلك المنصِّرون في مؤتمراتهم .
ولكننا ومع هذه المعرفة نتابع ونتابع ونشاهد ونشاهد وكأن كل ذلك لا يعنينا . فكيف ترضى يا مسلم، يا مصلي، يا عبد الله، كيف ترضى أن تكون ألعوبة بأيدي أعداء ملتك من يهود ونصارى وغيرهم من المنحرفين، وتسير كيفما سيَّروك ( كاللعبة التي تُحرَّك بجهاز التحكم عن بعد) مستغفلاً عما يراد بك، متنكِّباً عن سبل السلام والعلا، سائراً في دروب مظلمة موحشة نهايتها والعياذ بالله غضب الله تعالى.
ثم ماذا؟!
هَبْ أنك اقتنيت هذا الطبق الفضائي لمتابعة الأخبار -مع أني أستبعد ذلك- فهل تسمح أن تجيب عن هذه الأسئلة:
هل أنت تنظر إلى الأخبار فقط؟
هذه الأخبار أليس فيها أخبار سيئة؛ كالرياضة النسائية، وعروض الأزياء، وتقديم النساء المتجملات، وأخبار الحفلات الراقصة، وغيرها ممّا يثير؟
أليس للأخبار والرياضة صحف وإذاعات تزوِّدك بكل شيء عنها؟
وبعد إحاطتك بأخبار العالم كله: ما الواقع العملي الذي استفدته في حياتك؟ وهل زاد إيمانك أم نقص؟ وهل تستطيع أن تغير شيئاً من واقع المسلمين البائس؟ وهل قربت من الله أم بعدت؟ أجب نفسك وبصدق.
ألم تنظر إلى نفسك؟!
ألم تنظر في نفسك وإلى التغير الذي حدث في نفسك منذ أقبلت على مشاهدة قنوات العهر والفساد؟
ماذا حدث؟ ضعف في الإيمان، وتعلق بالصور المحرمة، وغفلة عن ذكر الله، وهجر للقرآن الكريم، وبعدٌ عن الصالحين، وعن مجالس الذكر، وحب للفاسقين، بل وإعجاب بحياة الكافرين، ووحشة بينك وبين رب العالمين، وظلمة في وجهك من أثر المعصية. وعدِّد ما شئت من ثمرات هذه القنوات الخبيثة.
فيا لله كم حرفت هذه القنوات من مستقيم؟ وكم نكست من ملتزم طائع؟ وكم أضلَّت من داعية صالح؟ وكم هدمت من منزل كان سعيداً يوماً من الدهر؟
فإلى الله المشتكى.
كيف تر ضى؟ وكيف تقبلين؟
أخي العزيز..
اسمح لي: إني لأبحث أحياناً عن الغيرة على الأعراض في بعض بيوت المسلمين فلا أجدها، إذ هي قد طُردت من بعض البيوت في نفس اليوم الذي اُقتُني فيه الدش. ولسان حال الدش يقول: لا أدخل بيتاً فيه غيرة على الأعراض، أو بغض للخلاعة والفاحشة.
فكيف ترضى - يا مسلم يا غيور - أن تنظر زوجتك إلى صور الممثلين واللاعبين والراقصين والمطربين وهم في صور فاتنة، وقد تبدو عوراتهم، وقد يتغنَّجون في حركاتهم وأصواتهم؛ فتهيج مشاعرها وترغب لو كان الذي بجانبها هو ذلك الذي في الشاشة وليس أنت؟!
وبالمقابل : فإني أوجه السؤال ذاته إلى كل مسلمة اُبتلي بيتها بهذا الوباء الفتاك فأقول: كيف تقبلين أن ينظر زوجك إلى صور النساء المتزينات وهن في أوضاع فاتنة، وصور عارية مهيجة؛ فينظر ويتلذذ، ويتمنى لو كانت تلك المطربة أو الممثلة أو الراقصة هي التي تضاجعه لا أنتِ؟!
إني لأعلم علم اليقين أنك ستغضبين لو عرفت أن زوجك نظر إلى وجه أختك أو وجه زوجة أخيه عمداً. وربما انتهت حياتكما الزوجية بذلك، فكيف إذن تقبلين أن ينظر زوجك- لا أقول إلى وجوه النساء بل إلى عورات نساء ارتضعن الإغراء والإغواء من ثدي إبليس المسموم ؟!
أي جيل ننتظر؟ وأي نصر نأمل؟!
إن قوة الأمم وعزتها تقاس بمستوى صلاح شبابها، وتمسكهم بمبادئهم ومعتقداتهم، وحرصهم على تحقيق أهدافهم العلية. وإننا اليوم نضع أيدينا على قلوبنا، لماذا؟ خوفاً من جيلٍ ننتظره قد ربَّته قنوات الكفر والانحلال، فهو يهوى الهوى، ويشتهي الشهوة، ويحارب الفضيلة، ويبحث عن مظانّ الرذيلة، ويرى التدين والاستقامة تعقيداً وقيوداً تقيِّد حريته وتؤخره عن ركب التقدم والحضارة.
جيل غربي بثوب عربي !!
يسكن جسمه هنا، ويعيش قلبه هناك !!
فماذا ننتظر من هذا الجيل؟ هل ننتظر منه نصراً أو تقدماً أو إنجازات أو مخترعات؟ لا والله فإنك لا تجني من الشوك العنب.
اللهم رُدَّ شبابنا إليك رداً جميلاً.
لو أن رجلاً ثقة عاقلاً قام في مسجد بعد الصلاة وأخبر الجماعة أن في الحي بيت مُنصِّر يدعو أولادنا إلى النصرانية والشرك، فماذا تتوقع أن يفعل جماعة المسجد؟ أما أنا فأتوقع أن يهدموا عليه بيته. ولو قال هذا الرجل : إن في الحي الفلاني عصابة لصوص تعلم الصغار طرق السرقة والنهب، لقام الناس ومزقوهم تمزيقاً، أو على أقل تقدير لطردوهم شر طردة.
ولو قيل : إن في حي آخر بيت امرأة بغي تعلم بنات المسلمين الرقص والفاحشة، وتقودهن للزنا، لخرج كل من سمع ذلك إليها ولأطاحوا سقف بيتها على رأسها.
ولكن - وللأسف - أقول لك : إن هؤلاء جميعاً هم في بيتك أو في استراحتك الآن. فما عساك أن تصنع بهم؟
وأخيراً
أخي المؤمن
هذه كلمات جاد بها قلبي قبل قلمي، خشية عليك من نار تلظى، ومن عذاب الحريق، { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6].
وبعد أخي: فطوق النجاة بجانبك.. فامدد إليه يدك لتنجو.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير، ويحفظك من كل شر.