فهد البديوي
06 Jul 2006, 05:09 AM
جريدة الرياض الخميس 10 جمادى الآخرة 1427هـ - 6 يوليو 2006م - العدد 13891
http://www.alriyadh.com:81/img/print.gif (http://www.alriyadh.com/2006/07/06/article168991.print)http://www.alriyadh.com:81/img/mail.gif (http://www.alriyadh.com/php/article_do/email.php?id=168991)http://www.alriyadh.com:81/img/save.gif (http://www.alriyadh.com/2006/07/06/article168991.save)
مجالسنا ذهاب لهمومنا ولكن!!
http://www.alriyadh.com:81/2006/07/06/img/067041.jpg
د. عبدالملك بن يوسف المطلق
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واقتفى أثره الى يوم الدين وبعد.. فإن الناظر المتأمل في هذه الحياة يجد منغصاتها واحزانها تكاد ان تكون مطبقة عليها فلا وجود للافراح فيها؛ - الا ما رحم الله - فما نسمعه اليوم في العالم العربي من حولنا من قتل ونهب وسلب وتهجير وخطف، وما يحدث في مجتمعنا من مشاكل خطيرة - لا تقل اهمية عنها - تطالعنا بها الصحف يومياً لتجعل الحليم فيها حيران لا يعدو فكره ان يكون عاجزاً عن تفسير ذلك، مما يجعل اللسان ينطق بصوت مرتفع «الله اكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله!! ليفهم الجسد الإنساني ان لا مقر له ولا خلود في هذه الدنيا ابداً؛ كيف لا وقد قال تعالى {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (4) سورة البلد. وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (56) سورة الذاريات ولو نظرنا بعين الاعتبار الى هذه الاحزان والاكدار لوجدنا اننا مهما فعلنا ومهما تطور العلم الدنيوي لدينا فلا يمكن ازاحة هذه الاحزان عن النفس بالكلية؛ ولكن يخفف منها بقدر ما الهمنا الله سبحانه وتعالى به من فضل ومنة؛ كقراءة القرآن الكريم وتدبره، وكتأملنا بحال الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة، وما عمل عليه صحابته الكرام من الصبر وقوة التحمل والتواصي على ذلك، وغيره مما يزيح الهموم او يخففها كمجالسة الصالحين الناصحين الاخيار؛ حيث نجد انفسنا تتوجه الى الاحباب والاخوة الاخيار لنسامرهم الحديث بأنواعه؛ المعرفي والقصصي، ونحو ذلك من مسامرة الجلساء عادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل الا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة؛ وذكرهم الله فيمن عنده» وبهذا يكون المجلس مفعماً ومعطراً بذكر الله سبحانه وتعالى فينعكس ذلك تلقائيا على قلوبنا حيث قال تبارك وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (28) سورة الرعد. فمجلس الاحباب والاصحاب الاخيار جلاء للاحزان بلاشك وقرب للجنان، فبها يطيب الكلام وتأنس النفس؛ لذلك نجد كثيراً من المجالس الطيبة اليوم يحرص روادها بعدم التغيب عنها، بل ويتواصون بالحضور اليها مهما كانت انشغالاتهم رغبة لما فيها من علم نافع متنوع، وحوار هادف يثري الاذهان والعقول، وينورها بوجود الحلول المناسبة لبعض الاشكالات العامة التي ترد على كل حي، بل ويتجدد الفكر ليطلق افكارا جديدة؛ من اهمها: الافكار التربوية الناجحة للروح والجسد، والتي لا يستغني عنها كل احد، متصفة بصفات الادب والاحترام المتبادل لوجهات النظر المختلفة، بإدارة صاحب المجلس الذي عادة ما يكون كبيراً للقوم في السن والعلم والتقدير. وفي حالة انتقال صاحب المجلس عن هذه الدنيا الفانية يبدأ المجلس بالضمور والانكماش، وقلة القادمين اليه؛ فتخفت الاصوات وتضمحل شيئا فشيئا حتى تنتهي، وهذه سنة الله في الحياة البشرية وهذا الكون، فلكل شيء نهاية فيها قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} (88) سورة القصص.
ولكن: المشكلة التي نحن بصدد علاجها هي: ذلك المجلس الذي برز في حواره ووعظه وجلاسه الاخيار ثم انتكس على عقبيه رويدا رويدا حتى مله اصحابه ورواده (بمباركة اصحابه) فذاك يتكلم ساخراً مجاهراً بلا روية ولا احترام؛ وآخر يتكلم مفتيا في كل شيء وهو جاهل لابسط الامور؛ وذاك يقهقه عالياً وكأنه حرر القدس من قبضة اليهود!! واعجبهم من يتصدر المجلس وهم له كارهون؛ فلا علم ولا ادب في استماع الحديث، ولا فائدة تذكر سوى حشو من الكلام يقال! حتى اصاب مستمعيه الضجر والملل؛ فاستقبحوا جلسته، واستهجنوا قولته، ولم يعلموا علته؟ فخرجوا بخفي حنين كما قيل.
واقترح على كل مجلس من المجالس ان يثلث الى ثلاثة اثلاث؛ فثلث للترحيب والسؤال عن الحال والأسرة والطمأنينة عليهم، وما يتبع ذلك من الحكايات الخفيفة التي لا تمل. وثلث يخصص للفوائد العامة؛ سواء كان ذلك قراءة لكتاب جيد قد اعده احدهما مسبقا، او تفسيراً لآية مع ذكر الفوائد منها، او حديثا مع شرحه واستخلاص الفوائد منه، ونحو ذلك من الفوائد التي تنمي الفرد وتوسع مداركه وتصقل مواهبه. والثلث الآخر يكون عاماً اما ان يجعل للاستشارات المهمة والعامة او للتحدث الفردي وغير ذلك مما اعتاده المجتمع، المهم ان لا يكون المجلس فوضويا دون ادارة ودون وعي، فالكل يتكلم متى شاء وبأي موضوع شاء دون اعتبار لمشاعر الآخرين، والكل لهم آراء مختلفة لم تجتمع؛ فهم ينتقدون دون عمل اي شيء لاصلاح هذا المجلس. فالنجاح له خطة وبرنامج منظم يسير عليه من اراد التفوق وهذا يعكس الفشل الذي يجعل صاحبه مبدعاً في اختلاق الاعذار والتبريرات! فهل نثلث مجالسنا أخي القارئ الكريم ام فوضويتها احسن؟!
http://www.alriyadh.com:81/img/print.gif (http://www.alriyadh.com/2006/07/06/article168991.print)http://www.alriyadh.com:81/img/mail.gif (http://www.alriyadh.com/php/article_do/email.php?id=168991)http://www.alriyadh.com:81/img/save.gif (http://www.alriyadh.com/2006/07/06/article168991.save)
مجالسنا ذهاب لهمومنا ولكن!!
http://www.alriyadh.com:81/2006/07/06/img/067041.jpg
د. عبدالملك بن يوسف المطلق
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واقتفى أثره الى يوم الدين وبعد.. فإن الناظر المتأمل في هذه الحياة يجد منغصاتها واحزانها تكاد ان تكون مطبقة عليها فلا وجود للافراح فيها؛ - الا ما رحم الله - فما نسمعه اليوم في العالم العربي من حولنا من قتل ونهب وسلب وتهجير وخطف، وما يحدث في مجتمعنا من مشاكل خطيرة - لا تقل اهمية عنها - تطالعنا بها الصحف يومياً لتجعل الحليم فيها حيران لا يعدو فكره ان يكون عاجزاً عن تفسير ذلك، مما يجعل اللسان ينطق بصوت مرتفع «الله اكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله!! ليفهم الجسد الإنساني ان لا مقر له ولا خلود في هذه الدنيا ابداً؛ كيف لا وقد قال تعالى {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (4) سورة البلد. وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (56) سورة الذاريات ولو نظرنا بعين الاعتبار الى هذه الاحزان والاكدار لوجدنا اننا مهما فعلنا ومهما تطور العلم الدنيوي لدينا فلا يمكن ازاحة هذه الاحزان عن النفس بالكلية؛ ولكن يخفف منها بقدر ما الهمنا الله سبحانه وتعالى به من فضل ومنة؛ كقراءة القرآن الكريم وتدبره، وكتأملنا بحال الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة، وما عمل عليه صحابته الكرام من الصبر وقوة التحمل والتواصي على ذلك، وغيره مما يزيح الهموم او يخففها كمجالسة الصالحين الناصحين الاخيار؛ حيث نجد انفسنا تتوجه الى الاحباب والاخوة الاخيار لنسامرهم الحديث بأنواعه؛ المعرفي والقصصي، ونحو ذلك من مسامرة الجلساء عادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل الا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة؛ وذكرهم الله فيمن عنده» وبهذا يكون المجلس مفعماً ومعطراً بذكر الله سبحانه وتعالى فينعكس ذلك تلقائيا على قلوبنا حيث قال تبارك وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (28) سورة الرعد. فمجلس الاحباب والاصحاب الاخيار جلاء للاحزان بلاشك وقرب للجنان، فبها يطيب الكلام وتأنس النفس؛ لذلك نجد كثيراً من المجالس الطيبة اليوم يحرص روادها بعدم التغيب عنها، بل ويتواصون بالحضور اليها مهما كانت انشغالاتهم رغبة لما فيها من علم نافع متنوع، وحوار هادف يثري الاذهان والعقول، وينورها بوجود الحلول المناسبة لبعض الاشكالات العامة التي ترد على كل حي، بل ويتجدد الفكر ليطلق افكارا جديدة؛ من اهمها: الافكار التربوية الناجحة للروح والجسد، والتي لا يستغني عنها كل احد، متصفة بصفات الادب والاحترام المتبادل لوجهات النظر المختلفة، بإدارة صاحب المجلس الذي عادة ما يكون كبيراً للقوم في السن والعلم والتقدير. وفي حالة انتقال صاحب المجلس عن هذه الدنيا الفانية يبدأ المجلس بالضمور والانكماش، وقلة القادمين اليه؛ فتخفت الاصوات وتضمحل شيئا فشيئا حتى تنتهي، وهذه سنة الله في الحياة البشرية وهذا الكون، فلكل شيء نهاية فيها قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} (88) سورة القصص.
ولكن: المشكلة التي نحن بصدد علاجها هي: ذلك المجلس الذي برز في حواره ووعظه وجلاسه الاخيار ثم انتكس على عقبيه رويدا رويدا حتى مله اصحابه ورواده (بمباركة اصحابه) فذاك يتكلم ساخراً مجاهراً بلا روية ولا احترام؛ وآخر يتكلم مفتيا في كل شيء وهو جاهل لابسط الامور؛ وذاك يقهقه عالياً وكأنه حرر القدس من قبضة اليهود!! واعجبهم من يتصدر المجلس وهم له كارهون؛ فلا علم ولا ادب في استماع الحديث، ولا فائدة تذكر سوى حشو من الكلام يقال! حتى اصاب مستمعيه الضجر والملل؛ فاستقبحوا جلسته، واستهجنوا قولته، ولم يعلموا علته؟ فخرجوا بخفي حنين كما قيل.
واقترح على كل مجلس من المجالس ان يثلث الى ثلاثة اثلاث؛ فثلث للترحيب والسؤال عن الحال والأسرة والطمأنينة عليهم، وما يتبع ذلك من الحكايات الخفيفة التي لا تمل. وثلث يخصص للفوائد العامة؛ سواء كان ذلك قراءة لكتاب جيد قد اعده احدهما مسبقا، او تفسيراً لآية مع ذكر الفوائد منها، او حديثا مع شرحه واستخلاص الفوائد منه، ونحو ذلك من الفوائد التي تنمي الفرد وتوسع مداركه وتصقل مواهبه. والثلث الآخر يكون عاماً اما ان يجعل للاستشارات المهمة والعامة او للتحدث الفردي وغير ذلك مما اعتاده المجتمع، المهم ان لا يكون المجلس فوضويا دون ادارة ودون وعي، فالكل يتكلم متى شاء وبأي موضوع شاء دون اعتبار لمشاعر الآخرين، والكل لهم آراء مختلفة لم تجتمع؛ فهم ينتقدون دون عمل اي شيء لاصلاح هذا المجلس. فالنجاح له خطة وبرنامج منظم يسير عليه من اراد التفوق وهذا يعكس الفشل الذي يجعل صاحبه مبدعاً في اختلاق الاعذار والتبريرات! فهل نثلث مجالسنا أخي القارئ الكريم ام فوضويتها احسن؟!