أبوالزبير
08 Jul 2006, 08:57 AM
::: أحداث اللحظة : العراق وغزة :::
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- في غزة :
المدينة محاصرة، فيها الناس يقتلون؛ الشيوخ، والأطفال، والنساء يقتلون. والبيوت، والمرافق العامة، والمصالح تدمر. وخيرة الرجال والشباب منهم من يقتل، ومنهم من يعتقل.
- وفي العراق :
جنود الاحتلال الأمريكي يغتصبون الفتيات الصغيرات، ويقتلون الأسر الآمنة، من الوريد إلى الوريد، حتى لا يبقى في البيت وليد.
المشكلة خطيرة، هم يعانون منها، ونحن نعاني منها .. أهل العراق وغزة يخوضون حربا غير متكافئة، ونحن المسلمون عاجزون عن فعل شيء ؟!!!.
فالمشكلة مزدوجة: ظلم وأذى هناك، وهنا عجز معيب عن إيقاف ذلك الظلم والأذى !!!.
الظلم والأذى عدوان بغير حق. والعجز عن إيقافه ضعف عن غير حق !!.
فكلاهما عري من الحق، فليس أنكى من العدوان إلا العجز عن ردعه.
وكلاهما يكونان معا؛ العدوان حصاد الضعف، والضعف بذرة العدوان.
فلولا هذا ما حصل هذا، ولولا هذا ما حصل هذا؛ فالشر في الإنسان كامن، حيث وجد ثغرة بدا فاعتدى، وحيث لم يجد خنس واهتدى.
والثغرة هي الضعف، والضعف هو الوهن، والوهن هو: حب الدنيا، وكراهية الموت. كذلك هذان يكونان معاً، فلولا حب الدنيا ما كُره الموت، وما كرُه الموت إلا لحب الدنيا.
فهذا المحتل المعتدي ما عدا إلا لما وجد في المسلمين: حب الدنيا، وكراهية الموت. فإن حب الدنيا مانع يمنع، وقاطع يقطع، والمسلمون أحبوا الدنيا، فخافوا عليها أن تنقص أو تذهب، فأصابهم الوهن، أو الضعف، أو العجز. فكلما أرادوا فعل شيء يعيد الحق، وينصر المظلوم، وينتصف من الظالم، تذكروا دنياهم، وما جمعوا، وما كنزوا. تذكروا فإذا قلوبهم معلقة بـ: المنصب، والجاه، والرياسة، والمال، والنساء، والولد، والحرث، والأنعام. حولها تطوف، وبين طرائقها تسعى، فذلك ألقى في قلوبهم الوهن والعجز عن القيام بالحق؛ لذا كان العجز عن إيقاف العدوان ضعفا عن غير حق؛ أي ضعف لا يعذر به. بل هو ضعف عن باطل، فما الباطل إلا إضاعة الحق.
ومتى كان حب الدنيا عذرا يعتذر به فيقبل ؟، بل هو أسّ كل بلية، ورأس كل خطيئة.
ولقد كان من أسباب كفر الكافرين، وعذابهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة}.
تمكن حب الدنيا من قلوب المسلمين، فأصابهم الوهن، فنزع من قلوب أعدائهم مهابتهم، فعدوا عليهم عدو الذئاب على الخراف الضالة.!!.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعي عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ ؟، قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا، وكراهيتكم الموت). أحمد
حب الدنيا أوهن القلب؛ أي أضعفه، فصار جبانا. فكره الموت. فنزع الرعب من قلوب العدو، فما عاد يهاب جانب المسلمين، فاعتدى، واحتل، وسفك، واغتصب، ودمر.
وإذا كان كذلك، فلن يكف، فيرتدع، ويعود من حيث أتى، إلا بعود الرعب في قلوبه؛ خوفا وهيبة. ولن يعود إلا بحب المسلمين الموت. ولن يحبوا الموت إلا بكراهية الدنيا.
هكذا هي المقدمات والنتائج. فهذا داؤنا، وهذا دواءنا. حب الدنيا داؤنا، وكراهية الدنيا دواءنا
.
هذا هو الحل باختصار شديد، لعلاج عجزنا عن إيقاف العدوان على: غزة، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير. وأي بلد مسلم هو تحت الاحتلال.
ومع كونه علاجا واضحا، معروفا، غير معقد، إلا أنه من السهل الممتنع.؟!.
عجزنا عنه جميعا إلا القلة. وآية عجزنا: عدوان العدوان على ديارنا، وأنفسنا، وأموالنا، وأعراضنا.
فكيف يمكن تجاوز هذا العجز المعيب ؟.
فإنه لا بد من تجاوزه، وإلا فالأمر كما نرى: سيزيد العدوان عدوانه، ويستبيح ما لم يستبح؛ ليكون الآتي أسوأ من الفائت، وهذا قد حصل.
دعونا من: شرعية دولية، والأسرة الدولية، وهيئة الأمم المتحدة، والتسامح، والآخر.!!.
فكل هذه الشعارات، الذي وضعها هو الذي داسها، فوضعها تحت قدمه أمام العالم أجمع، هو الذي يصول ويجول في بلاد المسلمين احتلالا، وإذلالا، وهو الذي يقف مع إسرائيل بالدعم، والعون الكامل، فانحيازه السافر إلى هذه الدولة لا يخفى على أحد.
لكن مسلوبي الإرادة وضعوا تلك الشعارات فوق رؤوسهم، يصيحون بها ليل نهار، جذلين بها فرحين، كأنهم حازوا نصرا غير خاسر. ولو أنهم تعاملوا بها سياسية لكانت لهم فيها مندوحة، يحرجون بها هذا المحتل المخالف لشعاراته، لكنهم آمنوا بها وأخلصوا لها، مع أنهم لا يملكون حيالها أي تأثير، ولا تعديل، وتفعيل.
هذا المحتل لا يعرف، وكل محتل، لا يعرف سوى لغة واحدة، لغة لا يفهمها إلا من فهم معنى: حب الموت، وكراهية الدنيا. لا يفهمها أبدا الذي يحب الدنيا، ويكره الموت.
ما عز الإسلام والمسلمون إلا برجال يحبون الموت، رجاء لقاء الله تعالى وثوابه، ويكرهون الدنيا، لما يعلمون من فنائها، وقصرها، وكدرها، وقلتها بالنظر إلى الآخرة.
هكذا كان النبي صلوات الله وسلامه عليه، فلا يدع مدع أنه كان يحب الدنيا، بل رفضها في كل موقف، فلم يقبل مالها، ولا ملكها، فعاش على حياة الفقراء، وحذر أصحابه من زهرة الدنيا:
- عن أنس قال: (لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات). [البخاري، الرقاق، فضل الفقر]
- عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل). [البخاري، الرقاق، باب قول النبي: (كن في الدنيا كأنك غريب)]
- عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء). [البخاري، الرقاق، فضل الفقر]
وهكذا كان أصحابه من بعده رضوان الله عليهم، وهكذا التابعون، وتابع التابعين، أهل القرون المفضلة. فأعز الله تعالى الإسلام والمسلمين، حيث دانت لهم البلاد شرقا إلى الصين، وغربا إلى المحيط، وشمالا إلى أوربا، وجنوبا إلى إفريقيا.
في هذه الفترة صار للإسلام دولة عظمى، ليس في الدنيا مثلها. لقد كان الذين يحبون الموت، ويكرهون الدنيا فيها كثير، لا يحصون. ثم لا زالوا يتناقصون، ليكثر مقابلهم الذين يكرهون الموت، ويحبون الدنيا، فكان من أثر ذلك: أن اشتغل الناس بدنياهم، الملوك بملكهم، والتجار بأموالهم، وأهل الأنعام بأنعامهم، وأهل الحرث بحرثهم، وكل صاحب دنيا بدنياه، فتوقفت الفتوحات، وبدا الضعف يدب إلى الأمة، وكثر الخارجون عليها، وكثر التفرق والاختلاف، والفرق والأحزاب. فوجد العدو الفرصة سانحة للعدوان، فغزا بلاد الإٍسلام الشام ومصر، فاحتل منها المدن والسواحل، حتى احتل بيت المقدس سنة 492هـ في الحملة الصيلبية.
في هذه الأثناء كانت طائفة من المسلمين تستعيد هيبتها بالشرط: حب الموت، وكراهية الدنيا. فتسترد البلاد، وتحرر العباد.
وهكذا مضى الأمر سجالا. كلما تحقق المسلمون بالشرط انتصروا، وكلما تخلوا انهزموا. كان ذلك في بعض الأحيان، وبعض البلدان، فالتحقيق الشامل العام من الأمة كلها لشرط الهيبة، لم يتحقق إلا في القرون الأولى المفضلة. ثم أقبل المسلمون بعدها على الدنيا بعامتهم؛ حكاما، ومحكومين، عدا بعض الذين كانوا يذكرون الأمة بوجود هيبتها حية، وإن انحسرت.
حتى كان قرن الاستعمار؛ حيث زالت الهيبة بالكامل بسقوط الخلافة العثمانية، فتكاملت استباحة الأعداء لبلاد الإسلام، بما لم يمر مثله على المسلمين يوما.
فهي ثلاث مراحل من الهيبة مرت بالمسلمين:
المرحلة الأولى:
الهيبة كاملة متمكنة من قلوب العدو، فكان المسلمون في كل معركة ينتصرون، وعز جانبهم، وفتحوا البلاد. وهي المدة من عهد النبوة، إلى الدولة الأموية.
المرحلة الثانية:
الهيبة ناقصة ، فاستغل العدو الفرصة، فتمكن من الاحتلال لبعض البلاد، لكن بقية من الهيبة كانت كافية في ردعه عن المزيد. وهي الفترة من الدولة العباسية إلى سقوط الدولة العثمانية.
المرحلة الثالثة:
الهيبة مفقودة، فما عاد العدو يأبه للمسلمين، فاستباح كل شيء منهم. وهي المدة من سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم.
* * *
ومع عودة روح الجهاد والمقاومة، بدأت الأمة تسترجع شيئا يسيرا من هيبتها، الضرورية اللازمة لبقائها، لزوم الماء والهواء للحياة.
وهو أول الطريق، فتجربة جهاد العدو، وإن كانت من تراث الإسلام وتاريخ المسلمين، إلا أنها اليوم وليدة، حديثة التجربة؛ لاختلاف وسائل المقاومة في هذا العصر.
وقد فتحت على المسلمين أبواب كثيرة يجاهدون منها، لم تفتح من قبل، ليس مقاومة العدو إلا إحداها، والقدرة على مخاطبة جميع العالم، ودعوته إلى الإسلام باب من هذه الأبواب.
وهناك اليوم في الثغور مرابطون، مجاهدون، نحورهم في نحر العدو، بصدورهم يتلقون سلاحه، ومهما قيل عنهم، ومهما نعتوا، فإنهم درع الأمة، وسياج منع عنها كثيرا من الشر، وخفف عنها من كيد العدو بإشغاله، وصرفه عن مزيد من الاستباحة، والعدوان، والاحتلال. وما قد يقع منهم من خطأ فإصلاحه بالاحتضان، والتوجيه، والنصيحة من أهل العلم والرأي.
ونحن في زمان غريب؛ فإنه في كل أمة، يتبوأ مناضلوها، والمقاومون للعدو المحتل فيها المقامات الرفيعة، والشرف الكبير. غير أننا نرى مجاهدينا، والواقفين بطريق العدو، وخططه لاحتلال سائر بلاد الإسلام، يتهمون ولا ينصفون..!!؛ يتهمون بالإرهاب، وبنقصان الوعي والإدراك.
أي إرهاب أعظم من أن يحتل الكافر بلاد المسلمين.؟!.
أفيكون هذا المحتل، المستبيح للحرمات، مسالما، متسامحا، يحمل الورد والخير معه. والذي يقاومه، ويجاهده، فيمنعه من احتلال البلاد، إرهابيا ؟!!.
وأي رأي أفسد من الدعوة إلى ترك مقاومة العدو، ليسلم البلاد له على صحفة من الفضة ؟!.
أفيكون هذا رأيا، ووعيا، وإدراكا. والدفاع عن شرف الأمة، واستقلالها نقصا ؟!.
لا عجب أن تنقلب الثوابت والموازين؛ لأن لغة العصر اليوم هي لغة المحتل، فهو الذي يملي التصورات، وهو الذي يضع الموازين، فيتبعه من يحبه من كل قلبه. ويخضع له الضعيف العاجز، الذي أحب دنياه، حيث استكثر منها، بحق وبغير حق، فعز عليه نقصانها، أو ذهابها، فبذل كل شيء لتسلم له، فكره الموت، فقاده ذلك إلى الاستخذاء، والخنوع، فسلب الهيبة، فأذلة العدو، وأملى عليه ما يريد، فلم يملك إلا الإجابة؛ فقد استبدل الرعب بالهيبة، فما ربحت تجارته، وما كان من المهتدين.
لكن الأمة فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والأمل فيهم، وعلى القادة، والعلماء، والتجار، وأصحاب الرأي، والعموم، عونهم، ونصحهم، وتسديدهم؛ فإنهم سدوا مكانا لم يسده غيرهم.
* * *
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- في غزة :
المدينة محاصرة، فيها الناس يقتلون؛ الشيوخ، والأطفال، والنساء يقتلون. والبيوت، والمرافق العامة، والمصالح تدمر. وخيرة الرجال والشباب منهم من يقتل، ومنهم من يعتقل.
- وفي العراق :
جنود الاحتلال الأمريكي يغتصبون الفتيات الصغيرات، ويقتلون الأسر الآمنة، من الوريد إلى الوريد، حتى لا يبقى في البيت وليد.
المشكلة خطيرة، هم يعانون منها، ونحن نعاني منها .. أهل العراق وغزة يخوضون حربا غير متكافئة، ونحن المسلمون عاجزون عن فعل شيء ؟!!!.
فالمشكلة مزدوجة: ظلم وأذى هناك، وهنا عجز معيب عن إيقاف ذلك الظلم والأذى !!!.
الظلم والأذى عدوان بغير حق. والعجز عن إيقافه ضعف عن غير حق !!.
فكلاهما عري من الحق، فليس أنكى من العدوان إلا العجز عن ردعه.
وكلاهما يكونان معا؛ العدوان حصاد الضعف، والضعف بذرة العدوان.
فلولا هذا ما حصل هذا، ولولا هذا ما حصل هذا؛ فالشر في الإنسان كامن، حيث وجد ثغرة بدا فاعتدى، وحيث لم يجد خنس واهتدى.
والثغرة هي الضعف، والضعف هو الوهن، والوهن هو: حب الدنيا، وكراهية الموت. كذلك هذان يكونان معاً، فلولا حب الدنيا ما كُره الموت، وما كرُه الموت إلا لحب الدنيا.
فهذا المحتل المعتدي ما عدا إلا لما وجد في المسلمين: حب الدنيا، وكراهية الموت. فإن حب الدنيا مانع يمنع، وقاطع يقطع، والمسلمون أحبوا الدنيا، فخافوا عليها أن تنقص أو تذهب، فأصابهم الوهن، أو الضعف، أو العجز. فكلما أرادوا فعل شيء يعيد الحق، وينصر المظلوم، وينتصف من الظالم، تذكروا دنياهم، وما جمعوا، وما كنزوا. تذكروا فإذا قلوبهم معلقة بـ: المنصب، والجاه، والرياسة، والمال، والنساء، والولد، والحرث، والأنعام. حولها تطوف، وبين طرائقها تسعى، فذلك ألقى في قلوبهم الوهن والعجز عن القيام بالحق؛ لذا كان العجز عن إيقاف العدوان ضعفا عن غير حق؛ أي ضعف لا يعذر به. بل هو ضعف عن باطل، فما الباطل إلا إضاعة الحق.
ومتى كان حب الدنيا عذرا يعتذر به فيقبل ؟، بل هو أسّ كل بلية، ورأس كل خطيئة.
ولقد كان من أسباب كفر الكافرين، وعذابهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة}.
تمكن حب الدنيا من قلوب المسلمين، فأصابهم الوهن، فنزع من قلوب أعدائهم مهابتهم، فعدوا عليهم عدو الذئاب على الخراف الضالة.!!.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعي عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ ؟، قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا، وكراهيتكم الموت). أحمد
حب الدنيا أوهن القلب؛ أي أضعفه، فصار جبانا. فكره الموت. فنزع الرعب من قلوب العدو، فما عاد يهاب جانب المسلمين، فاعتدى، واحتل، وسفك، واغتصب، ودمر.
وإذا كان كذلك، فلن يكف، فيرتدع، ويعود من حيث أتى، إلا بعود الرعب في قلوبه؛ خوفا وهيبة. ولن يعود إلا بحب المسلمين الموت. ولن يحبوا الموت إلا بكراهية الدنيا.
هكذا هي المقدمات والنتائج. فهذا داؤنا، وهذا دواءنا. حب الدنيا داؤنا، وكراهية الدنيا دواءنا
.
هذا هو الحل باختصار شديد، لعلاج عجزنا عن إيقاف العدوان على: غزة، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير. وأي بلد مسلم هو تحت الاحتلال.
ومع كونه علاجا واضحا، معروفا، غير معقد، إلا أنه من السهل الممتنع.؟!.
عجزنا عنه جميعا إلا القلة. وآية عجزنا: عدوان العدوان على ديارنا، وأنفسنا، وأموالنا، وأعراضنا.
فكيف يمكن تجاوز هذا العجز المعيب ؟.
فإنه لا بد من تجاوزه، وإلا فالأمر كما نرى: سيزيد العدوان عدوانه، ويستبيح ما لم يستبح؛ ليكون الآتي أسوأ من الفائت، وهذا قد حصل.
دعونا من: شرعية دولية، والأسرة الدولية، وهيئة الأمم المتحدة، والتسامح، والآخر.!!.
فكل هذه الشعارات، الذي وضعها هو الذي داسها، فوضعها تحت قدمه أمام العالم أجمع، هو الذي يصول ويجول في بلاد المسلمين احتلالا، وإذلالا، وهو الذي يقف مع إسرائيل بالدعم، والعون الكامل، فانحيازه السافر إلى هذه الدولة لا يخفى على أحد.
لكن مسلوبي الإرادة وضعوا تلك الشعارات فوق رؤوسهم، يصيحون بها ليل نهار، جذلين بها فرحين، كأنهم حازوا نصرا غير خاسر. ولو أنهم تعاملوا بها سياسية لكانت لهم فيها مندوحة، يحرجون بها هذا المحتل المخالف لشعاراته، لكنهم آمنوا بها وأخلصوا لها، مع أنهم لا يملكون حيالها أي تأثير، ولا تعديل، وتفعيل.
هذا المحتل لا يعرف، وكل محتل، لا يعرف سوى لغة واحدة، لغة لا يفهمها إلا من فهم معنى: حب الموت، وكراهية الدنيا. لا يفهمها أبدا الذي يحب الدنيا، ويكره الموت.
ما عز الإسلام والمسلمون إلا برجال يحبون الموت، رجاء لقاء الله تعالى وثوابه، ويكرهون الدنيا، لما يعلمون من فنائها، وقصرها، وكدرها، وقلتها بالنظر إلى الآخرة.
هكذا كان النبي صلوات الله وسلامه عليه، فلا يدع مدع أنه كان يحب الدنيا، بل رفضها في كل موقف، فلم يقبل مالها، ولا ملكها، فعاش على حياة الفقراء، وحذر أصحابه من زهرة الدنيا:
- عن أنس قال: (لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات). [البخاري، الرقاق، فضل الفقر]
- عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل). [البخاري، الرقاق، باب قول النبي: (كن في الدنيا كأنك غريب)]
- عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء). [البخاري، الرقاق، فضل الفقر]
وهكذا كان أصحابه من بعده رضوان الله عليهم، وهكذا التابعون، وتابع التابعين، أهل القرون المفضلة. فأعز الله تعالى الإسلام والمسلمين، حيث دانت لهم البلاد شرقا إلى الصين، وغربا إلى المحيط، وشمالا إلى أوربا، وجنوبا إلى إفريقيا.
في هذه الفترة صار للإسلام دولة عظمى، ليس في الدنيا مثلها. لقد كان الذين يحبون الموت، ويكرهون الدنيا فيها كثير، لا يحصون. ثم لا زالوا يتناقصون، ليكثر مقابلهم الذين يكرهون الموت، ويحبون الدنيا، فكان من أثر ذلك: أن اشتغل الناس بدنياهم، الملوك بملكهم، والتجار بأموالهم، وأهل الأنعام بأنعامهم، وأهل الحرث بحرثهم، وكل صاحب دنيا بدنياه، فتوقفت الفتوحات، وبدا الضعف يدب إلى الأمة، وكثر الخارجون عليها، وكثر التفرق والاختلاف، والفرق والأحزاب. فوجد العدو الفرصة سانحة للعدوان، فغزا بلاد الإٍسلام الشام ومصر، فاحتل منها المدن والسواحل، حتى احتل بيت المقدس سنة 492هـ في الحملة الصيلبية.
في هذه الأثناء كانت طائفة من المسلمين تستعيد هيبتها بالشرط: حب الموت، وكراهية الدنيا. فتسترد البلاد، وتحرر العباد.
وهكذا مضى الأمر سجالا. كلما تحقق المسلمون بالشرط انتصروا، وكلما تخلوا انهزموا. كان ذلك في بعض الأحيان، وبعض البلدان، فالتحقيق الشامل العام من الأمة كلها لشرط الهيبة، لم يتحقق إلا في القرون الأولى المفضلة. ثم أقبل المسلمون بعدها على الدنيا بعامتهم؛ حكاما، ومحكومين، عدا بعض الذين كانوا يذكرون الأمة بوجود هيبتها حية، وإن انحسرت.
حتى كان قرن الاستعمار؛ حيث زالت الهيبة بالكامل بسقوط الخلافة العثمانية، فتكاملت استباحة الأعداء لبلاد الإسلام، بما لم يمر مثله على المسلمين يوما.
فهي ثلاث مراحل من الهيبة مرت بالمسلمين:
المرحلة الأولى:
الهيبة كاملة متمكنة من قلوب العدو، فكان المسلمون في كل معركة ينتصرون، وعز جانبهم، وفتحوا البلاد. وهي المدة من عهد النبوة، إلى الدولة الأموية.
المرحلة الثانية:
الهيبة ناقصة ، فاستغل العدو الفرصة، فتمكن من الاحتلال لبعض البلاد، لكن بقية من الهيبة كانت كافية في ردعه عن المزيد. وهي الفترة من الدولة العباسية إلى سقوط الدولة العثمانية.
المرحلة الثالثة:
الهيبة مفقودة، فما عاد العدو يأبه للمسلمين، فاستباح كل شيء منهم. وهي المدة من سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم.
* * *
ومع عودة روح الجهاد والمقاومة، بدأت الأمة تسترجع شيئا يسيرا من هيبتها، الضرورية اللازمة لبقائها، لزوم الماء والهواء للحياة.
وهو أول الطريق، فتجربة جهاد العدو، وإن كانت من تراث الإسلام وتاريخ المسلمين، إلا أنها اليوم وليدة، حديثة التجربة؛ لاختلاف وسائل المقاومة في هذا العصر.
وقد فتحت على المسلمين أبواب كثيرة يجاهدون منها، لم تفتح من قبل، ليس مقاومة العدو إلا إحداها، والقدرة على مخاطبة جميع العالم، ودعوته إلى الإسلام باب من هذه الأبواب.
وهناك اليوم في الثغور مرابطون، مجاهدون، نحورهم في نحر العدو، بصدورهم يتلقون سلاحه، ومهما قيل عنهم، ومهما نعتوا، فإنهم درع الأمة، وسياج منع عنها كثيرا من الشر، وخفف عنها من كيد العدو بإشغاله، وصرفه عن مزيد من الاستباحة، والعدوان، والاحتلال. وما قد يقع منهم من خطأ فإصلاحه بالاحتضان، والتوجيه، والنصيحة من أهل العلم والرأي.
ونحن في زمان غريب؛ فإنه في كل أمة، يتبوأ مناضلوها، والمقاومون للعدو المحتل فيها المقامات الرفيعة، والشرف الكبير. غير أننا نرى مجاهدينا، والواقفين بطريق العدو، وخططه لاحتلال سائر بلاد الإسلام، يتهمون ولا ينصفون..!!؛ يتهمون بالإرهاب، وبنقصان الوعي والإدراك.
أي إرهاب أعظم من أن يحتل الكافر بلاد المسلمين.؟!.
أفيكون هذا المحتل، المستبيح للحرمات، مسالما، متسامحا، يحمل الورد والخير معه. والذي يقاومه، ويجاهده، فيمنعه من احتلال البلاد، إرهابيا ؟!!.
وأي رأي أفسد من الدعوة إلى ترك مقاومة العدو، ليسلم البلاد له على صحفة من الفضة ؟!.
أفيكون هذا رأيا، ووعيا، وإدراكا. والدفاع عن شرف الأمة، واستقلالها نقصا ؟!.
لا عجب أن تنقلب الثوابت والموازين؛ لأن لغة العصر اليوم هي لغة المحتل، فهو الذي يملي التصورات، وهو الذي يضع الموازين، فيتبعه من يحبه من كل قلبه. ويخضع له الضعيف العاجز، الذي أحب دنياه، حيث استكثر منها، بحق وبغير حق، فعز عليه نقصانها، أو ذهابها، فبذل كل شيء لتسلم له، فكره الموت، فقاده ذلك إلى الاستخذاء، والخنوع، فسلب الهيبة، فأذلة العدو، وأملى عليه ما يريد، فلم يملك إلا الإجابة؛ فقد استبدل الرعب بالهيبة، فما ربحت تجارته، وما كان من المهتدين.
لكن الأمة فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والأمل فيهم، وعلى القادة، والعلماء، والتجار، وأصحاب الرأي، والعموم، عونهم، ونصحهم، وتسديدهم؛ فإنهم سدوا مكانا لم يسده غيرهم.
* * *