محروم
13 Mar 2004, 09:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذى هدانا لكتابه وفضلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه حمداً يستجلب المرغوب من رضائه ويستعطف المخزون من عطائه ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه والعارفين لأوليائه وألائه,وصلى الله على سيدنا محمد رسوله المصطفى ونبيه المجتبى وعلى أله وعترته الطيبين وعلى أصحابه وأمته أجمعين.
قاله الله تعالى:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(الذريات:55)
عن ابى هريره رضى الله تعالى عنه قال: (قلنا يا رسول الله مم
خلقت الجنه؟قال من الماء.قلنا اخبرنا عن بناء الجنه ؟ قال
لبنه من ذهب ولبنه من فضه وملاطها: أى طينها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت,ومن يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد
ولا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه,ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم
ثلاث لا ترد دعوتهم:الامام العادل,والصائم حين يفطر,ودعوة المظلوم,فانها
ترفع فوق الغمام فينظر الرب جلّ جلاله فيقول: وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين).
وعن ابى هريره رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه
قال: (ان فى الجنه شجره يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها,اقرءوا ان
شئتم(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(الواقعة:30) وفى الجنه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر اقرءوا ان شئتم
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:17) ولموضع سوط فى الجنه خير من الدنيا
وما فيها,اقرءوا ان شئتم(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ))(آل عمران:185)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال: (ان فى الجنه حوراء يقال لها لعبه
خلقت من اربعة اشياء:من المسك والعنبر والكافور والزعفران,وعجن طينها
بماء الحيوان,فقال لها العزيز كونى فكانت,وجميع الحور عشاق لها,ولو بزقت
فى البحر بزقه لعذب ماء البحر,مكتوب على نحرها: من احب أن يكون له مثلى
فليعمل بطاعة ربى). وقال مجاهد:أرض الجنه من فضه وترابها مسك وأصول شجرها
فضه وأغصانها لؤلؤ وزبرجد والورق والثمر تحت ذلك,فمن أكل قائما لم يؤذه
ومن أكل جالسا لو يؤذه,ومن أكل مضطجعا لم يؤذهثم قرأ(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)(الانسان:14) يعنى قربت ثمرتها حتى ينالها القائم والقاعد. وعن ابى هريره رضى الله تعالى عنه قال: والذى أنزل الكتاب على محمد صلى الله
عليه وسلم ان اهل الجنه ليزدادون جمالا وحسنا كما يزدادون فى الدنيا هرما
وعن عبدالرحمن بن ابى ليلى عن صهيب أن رسةل الله صلى الله عليه وسلم قال
(اذا دخل أها الجنه الجنه,وأهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنه ان لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه,فيقولون ما هو؟ ألم يثقل موازيننا وبيض وجوهنا وأدخلنا الجنه وأخرجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فينظرون
اليه فوالذى نفسى بيده ما أعطاهم شيئا هو أحب اليهم من النظر اليه).
وروى أنس بن مالك رضى الله عنه قال(جاء جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم بمرأه بيضاء فيها نكته سوداء فقال النبى صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما هذه المزاَة البيضاء؟قال هذه الجمعه وهذه النكته السوداء الساعه التى تقوم بالجمعه قد فضلت أنت بها وقومك على من كان قبلك, فالناس لكم فيها تبع: يعنى اليهود والنصارى,وفيها ساعه لا يوافقها مؤمن يسأل الله تعالى من خير الا استجاب الله له ولا يستعيذه من شر الا اعاذه منه.قال وقال:وهى عندنا يوم المزيد.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يوم المزيد ؟قال ان ربك اتخذ واديا فى الفردوس فيه كثيب من مسك فاذا كان يوم الجمعه حفت بمنابر من نور عليها النبيون,وحفت بمنابر من ذهب مكلله بالياقوت والزبرجد عليها الصديقون والشهداء والصالحون ,وينزل أهل الغرف فيجلسون من ورائهم على ذلك الكثيب,فيجتمعون الى ربهم فيحمدونه ويثنون عليه فيقول الله تعالى لهم: سلونى؟ فيقولون نسألك الرضا, فيقول رضيت عنكم رضاء احلكم دارى وأنيلكم كرامتى ,فيتجلى لهم حتى يرونه فليس يوم أحب اليهم من يوم الجمعه لما يزيدهم من الكرامه)
وروى فى خبر اخر: (ان الله تعالى يقول لملائكته: أطعموا أوليائى,فيؤتى بألوان الأطعمه فيجدون لكل لقمه لذه غير ما يجدون للأخرى,فاذا فرغوا من الطعام يقول الله تعالى لهم: أسقوا عبادى, فيؤتى بأشربه فيجدون لكل نفس لذه بخلاف الأخرى, فاذا فرغوا يقول الله تعالى لهم :أنا ربكم قد صدقتكم وعدى فسألونى أعطكم؟قالو: ربنا نسأل رضوانك مرتين أو ثلاث,فيقول:قد رضيت عنكم ولدى المزيد,اليوم أكرمكم بكرامه أعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون ما شاء الله,فيخرون له سجداً فكانوا فى السجود ما شاء الله, ثم يقول لهم ارفعوا رؤوسكم ليس هذا موضع عباده ,فينسون كل نعمه كانوا فيها,ويكون النظر أحب اليهم من جميع النعم,ثم يرجعون فتهيج ريح من تحت العرش على تل من مسك أبيض فينثر ذلك على رؤوسهم ونواصى خيولهم,فاذا رجعوا الى اهليهم يرونهن أزواجهن فى الحسن والبهاء أفضل مما تركوهن,فيقول لهم ازواجهن :انكم قد رجعتم على أحسن ما كنتم).
قال عكرمه : أهل الجنه كأمثال أولاد ثلاث وثلاثين سنه رجالهم ونساؤهم,والقامه ستون ذراعا على قامة ابيهم أدم عليه الصلاة والسلام شباب جرد مرد مكحلون,عليهم سبعون حله تتلوّن كل حله فى كل ساعه سبعين لونا فيرى وجهه فى وجهها: يعنى فى وجه زوجته,وفى صدرها وفى ساقها وترى وجهها فى وحهه وصدره وساقه,لا يبزقون ولا يتخمطون وما كان فوق ذلك من الاذى فهة أبعد.
وروى فى الخبر(أنه لو اطلعت امرأه من أهل الجنه كفها من السماء لأضاءت ما بين السماء والأرض)
وعن زيد بن أرقم: جاء رجل من أهل الكتاب الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنه يأكلون ويشربون؟ فقال نعم واللذى نفسى بيده ان احدهم ليعطى قوة مئة رجل فى الأكل والشرب والجماع قال فان الذى يأكل ويشرب يكون له حاجه والجنه طيبه ليس فيها أذى,قال حاجة أحدهم عرق كريح المسك.
وقيل فى قول الله تعالى
(طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(الرعد: من الآية29)
طوبى شجره فى الجنه ليس فى الجنه دار لا يظلها غصن من أغصانها فيه ألوان الثمار,ويقع عليها طير كأمثال البخت فاذا اشتهى أحدهم طيراً دعاه فوقع على خوانه وأكل م نأحد جانبيه قديداً زمن الأخر شواء ثم يعود طيراً فيذهب.
وعن أبى هريره رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال(أول زمره تدخل الجنه من أمتى على صورة القمر ليلة البدر,ثم الذين يلونهم على صورة أشد نجم فى السماء,اضاءه,ثم هم بعد ذلك على منازل لا يبولون ولا يتغوطون ولا يبزقون ولا يتمخطون,أمشاطهم الذهب ومجامرهم الألوة: أى العود. ورشحهم المسك وأخلاقهم على خلق رجل واحد,على طول أبيهم أدم عليه الصلاة والسلام ستون ذراعاً )
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ان أهل الجنه شبان جرد مرد ليس لهم شعر الا فى الرأس والحاجبين وأهداب العينين يعنى ليس لهم شعر عانه ولا شعر ابط , طول أدم ستون ذراعاً, على مولد عيسى ابن مريم ثلاثه وثلاثين سنه, بيض الألوان خضر الثياب يضع أحدهم مائده بين يديه فيقبل طائر فيقول يا ولى الله أما انى قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنه تحت العرش وأكلت منثمار كذا طعم أحد الجانبين مطبوخ وطعم الجانب الأخر مشوى,فيأكل منها ما شاء وعلى الولى سبعون حلة ليس فيها حلة الا على لون أخر,فى أصابعهم عشرة خواتيم مكتوب فى الأول (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ)(الرعد: من الآية24) وفى الثانى (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)(الحجر:46) وفى الثالث(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزخرف:72) وفى الرابع رفعت عنكم الأحزان والهموم وفى الخامس ألبسناكم الحلى والحلل. وفى السادس: زوجناكم الحور العين وفى السابع (فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف: من الآية71) وفى الثامن: ((وافقتم النبيين والصديقين)) وفى التاسع :صرتم شباباً لا تهرمون :سكنتم بجوار من لا يؤذى الجيران.
قال الفقيه السمرقندى رحمه الله تعالى : من أرادأن ينال هذه الكرامات فعليه أن يداوم على خمسة أشياء أولها أن يمنع نفسه من جميع المعاصى قال الله تعالى:(وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)(النازعـات:41)
والثانى أن يرضى باليسير من الدنيا لأنه روى فى الخبر((أن ثمن الجنه ترك الدنيا)) والثالث أن يكون حريصاً على الطاعات فيتعلق بكل طاعه فلعل تلك الطاعه تكون سبباً للمغفره ووجوب الجنه قال الله تعالى:(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(الزخرف:72) وفى أيه أخرى ( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة: من الآية17) وانما ينالون بالاجتهاد فى الطاعات.والرابع أن يحب الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فان واحداً منهم اذا غفر له يشفع لأصحابه واخوانه كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال((أكثروا الاخوان فان لكل أخ شفاعه يوم القيامه)) والخامس أن يكثر الدعاء ويسأل الله تعالى أن يرزقه الجنه وأن يجعل خاتمته الى خير.
وقال بعض الحكماء: الركون الى الدنيا مع ما يعاين من الثواب جهل,وان ترك الجهد فى الاعمال بعد ما عرف ثوابه عجز, وان فى الجنه راحه ما يجدها الا من لم يكن له فى الدنيا راحه,فيها غنى لا يجده الا من ترك فضول الدنيا واقتصر على اليسير من الدنيا, وذكر عن بعض الزهاد انه كان يأكل بقلاً وملحاً من غير خبز,فقال له رجل قد اقتصرت على هذا فقال انى انما جعلت الدنيا للجنه وأنت وأنت جعلت الدنيا للمزبله: يعنى تأكل الطيبات فتصير الى المزبله ,وانى لأكل لاقامه الطاعه لعلى أصير الى الجنه. وذكر عن ابراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أنه أرادأن يدخل الحمام فمنعه صاحب الحمام وقال: لا تدخل الاجره, فبكى ابراهيم وقال :اللهم لا يؤذن لى أن أدخل بيت الشياطين مجاناً فكيف لى بالدخول بيت النبيين والصدقين مجاناً.وذكر أن فى بعض ما أنزل الله تعالى على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام :يابن أدم تشترى النار بثمن غال ولا تشترى الجنه بثمن رخيص,وتفسير ذلك أن فاسقاً لو أراد أن يتخذ ضيافه للفساق فربما ينفق فيها المائة أو المائتين ويخفّ عليه ذلك فهو يشترى النار بثمن غال,ولو أنه اتخذ ضيافه لأجل الله تعالى بدرهم أو درهمين فيدعو اليها بعض المحتاجين لثقل عليه ذلك فيكون ذلك ثمن الجنه .
وروى عن أبى حازم أنه قال: لو كانت الجنه لا يدخل فيها أحد بترك جميع ما يحب من الدنيا لكان يسيراً فى جانبها,ولوكانت النار لا ينجو منها الا بتحمل جميع ما يكره لكان يسيراً فى جانبها,فكيف وقد تدخل الجنه بترك جزء من ألف جزء مما تحب وقد تنجو من النار بتحمل جزء من ألف مما تكره
قال يحى بن معاذ الرازى: ترك الدنيا شديد وترك الجنه أشد منه وان مهر الجنه ترك الدنيا.
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أن قال:((من يسأل الله تعالى الجنه ثلاث مرات قالت الجنه اللهم أدخله الجنه,ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار))فنسأل الله تعالى أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنه,ولو لم يكن فى الجنه سوى لقاء الاخوان واجتماعهم لكان هنيئاً طيباً فكيف وفيها ما فيها من فنون الكرامات ؟
وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ان فى الجنه أسواقاً لا شراء فيها ولا بيع يجتمعون فيها حلقاً حلقاً يتذاكرون كيف كانت الدنيا وكيف كانت عبادة الرب,وكيف كان فقراء أهل الدنيا وأغنياؤها,وكيف كان الموت وكيف صرنا بعد طول البلى الى الجنه))
وعن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: يرد الناس جميعاً الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم,فمنهم من يمر مث البرق ومنهم يمر مثل الريح ومنهم يمر مثل الطير ومنهم من يمر كأجود خيل, ومنهم من يمر كأجود الابل,ومنهم من يمر كعدو الرجل,حتى ان أخرهم رجل يمر على موضع ابهامى قدميه ثم يتكفأ به الصراط, والصراط دحض مزلة كحد السيف,عيله حسك كحسك القتاد,على حافتيه ملائكه معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس فمن بين مارّ ناج ومن بين مخدوش ناج ومن بين مكدوش فى النار,والملائكهيقولون رب سلم سلم,فيمر رجل وهو أخر أهل الجنه دخولاً فاذا جاز الصراط رفع له باب من الجنه فلا يرى فى الجنه مقعداً فاذا نظر اليها قال : رب أنزلنى هنا,فيقول له: فلعلك ان أنزلتك هنا تسألنى غيره فيقول لا وعزتك فينزله ثميرفع له فى الجنه منازل فيتحاقر اليه ما أعطى مما يرى فيقول رب أنزلنى هناك,فيقول فلعلك ان أنزلتك ههنا أن تسألنى غيره,فيقول لاوعزتك,فينزله فينزله ثم يرفع له فى الجنه حتى الرابعه,فاذا كانت الرابعه رفع له فيتحاقر اليه كل شىء أعطى فيسكت فلا يسأل شيئاً ,فيقول له ألا تسأل؟ فيقول سألت حتى استحيت,فيقول الله تعالى لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)) فهذا هو أوضع أهل الجنه منزلاً.
قال عبدالله بن مسعود:كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يتحدث بذلك الا ضحك حتى بدت نواجذه.
وروى فى الخبر((أن نساء أهل الدنيا من جعل منهن فى الجنه يفضلن على الحور العين بأعمالهن فى الدنيا قال الله تعالى:(إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءفَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًافَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًاعُرُبًا أَتْرَابًالِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ) الواقعه:35)
ونسأل الله التوفيق لأزكى الأعمال وأعظم البركات انه منان قدير.
الحمد لله الذى هدانا لكتابه وفضلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه حمداً يستجلب المرغوب من رضائه ويستعطف المخزون من عطائه ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه والعارفين لأوليائه وألائه,وصلى الله على سيدنا محمد رسوله المصطفى ونبيه المجتبى وعلى أله وعترته الطيبين وعلى أصحابه وأمته أجمعين.
قاله الله تعالى:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(الذريات:55)
عن ابى هريره رضى الله تعالى عنه قال: (قلنا يا رسول الله مم
خلقت الجنه؟قال من الماء.قلنا اخبرنا عن بناء الجنه ؟ قال
لبنه من ذهب ولبنه من فضه وملاطها: أى طينها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت,ومن يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد
ولا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه,ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم
ثلاث لا ترد دعوتهم:الامام العادل,والصائم حين يفطر,ودعوة المظلوم,فانها
ترفع فوق الغمام فينظر الرب جلّ جلاله فيقول: وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين).
وعن ابى هريره رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه
قال: (ان فى الجنه شجره يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها,اقرءوا ان
شئتم(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(الواقعة:30) وفى الجنه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر اقرءوا ان شئتم
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:17) ولموضع سوط فى الجنه خير من الدنيا
وما فيها,اقرءوا ان شئتم(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ))(آل عمران:185)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال: (ان فى الجنه حوراء يقال لها لعبه
خلقت من اربعة اشياء:من المسك والعنبر والكافور والزعفران,وعجن طينها
بماء الحيوان,فقال لها العزيز كونى فكانت,وجميع الحور عشاق لها,ولو بزقت
فى البحر بزقه لعذب ماء البحر,مكتوب على نحرها: من احب أن يكون له مثلى
فليعمل بطاعة ربى). وقال مجاهد:أرض الجنه من فضه وترابها مسك وأصول شجرها
فضه وأغصانها لؤلؤ وزبرجد والورق والثمر تحت ذلك,فمن أكل قائما لم يؤذه
ومن أكل جالسا لو يؤذه,ومن أكل مضطجعا لم يؤذهثم قرأ(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)(الانسان:14) يعنى قربت ثمرتها حتى ينالها القائم والقاعد. وعن ابى هريره رضى الله تعالى عنه قال: والذى أنزل الكتاب على محمد صلى الله
عليه وسلم ان اهل الجنه ليزدادون جمالا وحسنا كما يزدادون فى الدنيا هرما
وعن عبدالرحمن بن ابى ليلى عن صهيب أن رسةل الله صلى الله عليه وسلم قال
(اذا دخل أها الجنه الجنه,وأهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنه ان لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه,فيقولون ما هو؟ ألم يثقل موازيننا وبيض وجوهنا وأدخلنا الجنه وأخرجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فينظرون
اليه فوالذى نفسى بيده ما أعطاهم شيئا هو أحب اليهم من النظر اليه).
وروى أنس بن مالك رضى الله عنه قال(جاء جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم بمرأه بيضاء فيها نكته سوداء فقال النبى صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما هذه المزاَة البيضاء؟قال هذه الجمعه وهذه النكته السوداء الساعه التى تقوم بالجمعه قد فضلت أنت بها وقومك على من كان قبلك, فالناس لكم فيها تبع: يعنى اليهود والنصارى,وفيها ساعه لا يوافقها مؤمن يسأل الله تعالى من خير الا استجاب الله له ولا يستعيذه من شر الا اعاذه منه.قال وقال:وهى عندنا يوم المزيد.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يوم المزيد ؟قال ان ربك اتخذ واديا فى الفردوس فيه كثيب من مسك فاذا كان يوم الجمعه حفت بمنابر من نور عليها النبيون,وحفت بمنابر من ذهب مكلله بالياقوت والزبرجد عليها الصديقون والشهداء والصالحون ,وينزل أهل الغرف فيجلسون من ورائهم على ذلك الكثيب,فيجتمعون الى ربهم فيحمدونه ويثنون عليه فيقول الله تعالى لهم: سلونى؟ فيقولون نسألك الرضا, فيقول رضيت عنكم رضاء احلكم دارى وأنيلكم كرامتى ,فيتجلى لهم حتى يرونه فليس يوم أحب اليهم من يوم الجمعه لما يزيدهم من الكرامه)
وروى فى خبر اخر: (ان الله تعالى يقول لملائكته: أطعموا أوليائى,فيؤتى بألوان الأطعمه فيجدون لكل لقمه لذه غير ما يجدون للأخرى,فاذا فرغوا من الطعام يقول الله تعالى لهم: أسقوا عبادى, فيؤتى بأشربه فيجدون لكل نفس لذه بخلاف الأخرى, فاذا فرغوا يقول الله تعالى لهم :أنا ربكم قد صدقتكم وعدى فسألونى أعطكم؟قالو: ربنا نسأل رضوانك مرتين أو ثلاث,فيقول:قد رضيت عنكم ولدى المزيد,اليوم أكرمكم بكرامه أعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون ما شاء الله,فيخرون له سجداً فكانوا فى السجود ما شاء الله, ثم يقول لهم ارفعوا رؤوسكم ليس هذا موضع عباده ,فينسون كل نعمه كانوا فيها,ويكون النظر أحب اليهم من جميع النعم,ثم يرجعون فتهيج ريح من تحت العرش على تل من مسك أبيض فينثر ذلك على رؤوسهم ونواصى خيولهم,فاذا رجعوا الى اهليهم يرونهن أزواجهن فى الحسن والبهاء أفضل مما تركوهن,فيقول لهم ازواجهن :انكم قد رجعتم على أحسن ما كنتم).
قال عكرمه : أهل الجنه كأمثال أولاد ثلاث وثلاثين سنه رجالهم ونساؤهم,والقامه ستون ذراعا على قامة ابيهم أدم عليه الصلاة والسلام شباب جرد مرد مكحلون,عليهم سبعون حله تتلوّن كل حله فى كل ساعه سبعين لونا فيرى وجهه فى وجهها: يعنى فى وجه زوجته,وفى صدرها وفى ساقها وترى وجهها فى وحهه وصدره وساقه,لا يبزقون ولا يتخمطون وما كان فوق ذلك من الاذى فهة أبعد.
وروى فى الخبر(أنه لو اطلعت امرأه من أهل الجنه كفها من السماء لأضاءت ما بين السماء والأرض)
وعن زيد بن أرقم: جاء رجل من أهل الكتاب الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنه يأكلون ويشربون؟ فقال نعم واللذى نفسى بيده ان احدهم ليعطى قوة مئة رجل فى الأكل والشرب والجماع قال فان الذى يأكل ويشرب يكون له حاجه والجنه طيبه ليس فيها أذى,قال حاجة أحدهم عرق كريح المسك.
وقيل فى قول الله تعالى
(طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(الرعد: من الآية29)
طوبى شجره فى الجنه ليس فى الجنه دار لا يظلها غصن من أغصانها فيه ألوان الثمار,ويقع عليها طير كأمثال البخت فاذا اشتهى أحدهم طيراً دعاه فوقع على خوانه وأكل م نأحد جانبيه قديداً زمن الأخر شواء ثم يعود طيراً فيذهب.
وعن أبى هريره رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال(أول زمره تدخل الجنه من أمتى على صورة القمر ليلة البدر,ثم الذين يلونهم على صورة أشد نجم فى السماء,اضاءه,ثم هم بعد ذلك على منازل لا يبولون ولا يتغوطون ولا يبزقون ولا يتمخطون,أمشاطهم الذهب ومجامرهم الألوة: أى العود. ورشحهم المسك وأخلاقهم على خلق رجل واحد,على طول أبيهم أدم عليه الصلاة والسلام ستون ذراعاً )
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ان أهل الجنه شبان جرد مرد ليس لهم شعر الا فى الرأس والحاجبين وأهداب العينين يعنى ليس لهم شعر عانه ولا شعر ابط , طول أدم ستون ذراعاً, على مولد عيسى ابن مريم ثلاثه وثلاثين سنه, بيض الألوان خضر الثياب يضع أحدهم مائده بين يديه فيقبل طائر فيقول يا ولى الله أما انى قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنه تحت العرش وأكلت منثمار كذا طعم أحد الجانبين مطبوخ وطعم الجانب الأخر مشوى,فيأكل منها ما شاء وعلى الولى سبعون حلة ليس فيها حلة الا على لون أخر,فى أصابعهم عشرة خواتيم مكتوب فى الأول (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ)(الرعد: من الآية24) وفى الثانى (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)(الحجر:46) وفى الثالث(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزخرف:72) وفى الرابع رفعت عنكم الأحزان والهموم وفى الخامس ألبسناكم الحلى والحلل. وفى السادس: زوجناكم الحور العين وفى السابع (فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف: من الآية71) وفى الثامن: ((وافقتم النبيين والصديقين)) وفى التاسع :صرتم شباباً لا تهرمون :سكنتم بجوار من لا يؤذى الجيران.
قال الفقيه السمرقندى رحمه الله تعالى : من أرادأن ينال هذه الكرامات فعليه أن يداوم على خمسة أشياء أولها أن يمنع نفسه من جميع المعاصى قال الله تعالى:(وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)(النازعـات:41)
والثانى أن يرضى باليسير من الدنيا لأنه روى فى الخبر((أن ثمن الجنه ترك الدنيا)) والثالث أن يكون حريصاً على الطاعات فيتعلق بكل طاعه فلعل تلك الطاعه تكون سبباً للمغفره ووجوب الجنه قال الله تعالى:(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(الزخرف:72) وفى أيه أخرى ( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة: من الآية17) وانما ينالون بالاجتهاد فى الطاعات.والرابع أن يحب الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فان واحداً منهم اذا غفر له يشفع لأصحابه واخوانه كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال((أكثروا الاخوان فان لكل أخ شفاعه يوم القيامه)) والخامس أن يكثر الدعاء ويسأل الله تعالى أن يرزقه الجنه وأن يجعل خاتمته الى خير.
وقال بعض الحكماء: الركون الى الدنيا مع ما يعاين من الثواب جهل,وان ترك الجهد فى الاعمال بعد ما عرف ثوابه عجز, وان فى الجنه راحه ما يجدها الا من لم يكن له فى الدنيا راحه,فيها غنى لا يجده الا من ترك فضول الدنيا واقتصر على اليسير من الدنيا, وذكر عن بعض الزهاد انه كان يأكل بقلاً وملحاً من غير خبز,فقال له رجل قد اقتصرت على هذا فقال انى انما جعلت الدنيا للجنه وأنت وأنت جعلت الدنيا للمزبله: يعنى تأكل الطيبات فتصير الى المزبله ,وانى لأكل لاقامه الطاعه لعلى أصير الى الجنه. وذكر عن ابراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أنه أرادأن يدخل الحمام فمنعه صاحب الحمام وقال: لا تدخل الاجره, فبكى ابراهيم وقال :اللهم لا يؤذن لى أن أدخل بيت الشياطين مجاناً فكيف لى بالدخول بيت النبيين والصدقين مجاناً.وذكر أن فى بعض ما أنزل الله تعالى على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام :يابن أدم تشترى النار بثمن غال ولا تشترى الجنه بثمن رخيص,وتفسير ذلك أن فاسقاً لو أراد أن يتخذ ضيافه للفساق فربما ينفق فيها المائة أو المائتين ويخفّ عليه ذلك فهو يشترى النار بثمن غال,ولو أنه اتخذ ضيافه لأجل الله تعالى بدرهم أو درهمين فيدعو اليها بعض المحتاجين لثقل عليه ذلك فيكون ذلك ثمن الجنه .
وروى عن أبى حازم أنه قال: لو كانت الجنه لا يدخل فيها أحد بترك جميع ما يحب من الدنيا لكان يسيراً فى جانبها,ولوكانت النار لا ينجو منها الا بتحمل جميع ما يكره لكان يسيراً فى جانبها,فكيف وقد تدخل الجنه بترك جزء من ألف جزء مما تحب وقد تنجو من النار بتحمل جزء من ألف مما تكره
قال يحى بن معاذ الرازى: ترك الدنيا شديد وترك الجنه أشد منه وان مهر الجنه ترك الدنيا.
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أن قال:((من يسأل الله تعالى الجنه ثلاث مرات قالت الجنه اللهم أدخله الجنه,ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار))فنسأل الله تعالى أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنه,ولو لم يكن فى الجنه سوى لقاء الاخوان واجتماعهم لكان هنيئاً طيباً فكيف وفيها ما فيها من فنون الكرامات ؟
وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ان فى الجنه أسواقاً لا شراء فيها ولا بيع يجتمعون فيها حلقاً حلقاً يتذاكرون كيف كانت الدنيا وكيف كانت عبادة الرب,وكيف كان فقراء أهل الدنيا وأغنياؤها,وكيف كان الموت وكيف صرنا بعد طول البلى الى الجنه))
وعن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: يرد الناس جميعاً الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم,فمنهم من يمر مث البرق ومنهم يمر مثل الريح ومنهم يمر مثل الطير ومنهم من يمر كأجود خيل, ومنهم من يمر كأجود الابل,ومنهم من يمر كعدو الرجل,حتى ان أخرهم رجل يمر على موضع ابهامى قدميه ثم يتكفأ به الصراط, والصراط دحض مزلة كحد السيف,عيله حسك كحسك القتاد,على حافتيه ملائكه معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس فمن بين مارّ ناج ومن بين مخدوش ناج ومن بين مكدوش فى النار,والملائكهيقولون رب سلم سلم,فيمر رجل وهو أخر أهل الجنه دخولاً فاذا جاز الصراط رفع له باب من الجنه فلا يرى فى الجنه مقعداً فاذا نظر اليها قال : رب أنزلنى هنا,فيقول له: فلعلك ان أنزلتك هنا تسألنى غيره فيقول لا وعزتك فينزله ثميرفع له فى الجنه منازل فيتحاقر اليه ما أعطى مما يرى فيقول رب أنزلنى هناك,فيقول فلعلك ان أنزلتك ههنا أن تسألنى غيره,فيقول لاوعزتك,فينزله فينزله ثم يرفع له فى الجنه حتى الرابعه,فاذا كانت الرابعه رفع له فيتحاقر اليه كل شىء أعطى فيسكت فلا يسأل شيئاً ,فيقول له ألا تسأل؟ فيقول سألت حتى استحيت,فيقول الله تعالى لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)) فهذا هو أوضع أهل الجنه منزلاً.
قال عبدالله بن مسعود:كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يتحدث بذلك الا ضحك حتى بدت نواجذه.
وروى فى الخبر((أن نساء أهل الدنيا من جعل منهن فى الجنه يفضلن على الحور العين بأعمالهن فى الدنيا قال الله تعالى:(إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءفَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًافَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًاعُرُبًا أَتْرَابًالِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ) الواقعه:35)
ونسأل الله التوفيق لأزكى الأعمال وأعظم البركات انه منان قدير.