AL SHAIMAA
14 Mar 2004, 03:53 AM
دعاء الأنبياء في القرآن
للشيخ عائـــــــض القرني
من أدعية إبراهيم عليه السلام
إبراهيم عليه السلام كان يدعو حتى وصل إلى الذنب والخطيئة فقال: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] احترام ووجل وخوف، ما قال: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، مع أن الله غفر له لأنه نبي، لكن قال حياء من الله: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] ثم دعا بدعوات صالحات: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء:83] أمتني على لا إله إلا الله، وعلى الدين الخالص: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:83-85].
ما هو لسان الصدق في الآخرين؟ الذكر الحسن، أن تموت ولك ذكر حسن في الناس:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أتاه رجل أعرابي، فقال: أريد منك حاجة يا أمير المؤمنين! -وهذه يذكرها ابن قتيبة - فقال علي : اكتب حاجتك على الأرض لئلا تصب ماء الحياء والمروءة من وجهك -يقول: لا أريد أن أحرجك وأخجلك، فلعل هذه الحاجة طلب شيء، لأن بعض الناس يستحي أن يطلب- فكتب على الأرض حاجته، فأتى علي فقضى حاجته.
وقد كان أمير المؤمنين في الكوفة ، فقال الأعرابي وقد أعطاه حلة ومالاً كما طلب:
كسوتني حلة تبلو محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا
قال علي : ذلك خير، يقول: والله لأثني عليك في الناس أحسن من هذه الحلة التي أعطيتني، قال علي : ذلك خير.
أتى وفد غطفان إلى عمر وفيهم أبناء هرم بن سنان ، شيخ قبائل غطفان، وهو الذي أصلح بين قبيلة عبس وذبيان في معركة استمرت أربعين سنة، حتى كانت ديات القتلى آلاف الإبل، وقد قالت قبيلة عبس وذبيان: لا نصطلح حتى تودي قتلانا أنت -شيخ قبيلة غطفان- قال: قتلاكم عندي أوديهم، فذهب هرم في قبائل العرب فجمع الديات وسلمها وأصلح بينهم، حتى يقول له زهير يمدحه:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
ثم مدحهم مدائح سارت بها الركبان، وكانت العرب تسمر عليها، فأتى أبناء هرم بعد موت زهير الشاعر وموت أبيهم، فقال عمر لأبناء هرم : ماذا أعطيتم زهيراً ؟ قالوا: مدحنا فأعطيناه، قال عمر : ذهب والله ما أعطيتموه وبقي والله ما أعطاكم، وهو الذكر الحسن، والذكر الحسن لا يتأتى إلا للمؤمن، والله لو حاول الفاجر أن يجمع الدنيا ويجعل الدنيا صحفاً ويجعلها مجلات ودعايات، ويجعلها لوائح ولافتات، والله لا يقود القلوب إلا من خلق القلوب.
قال البخاري في الصحيح، في كتاب الرقاق: باب: المِقة من الله، أي: الحب من الله، كل شيء يستطيع أن يتصرف فيه العبد إلا الحب هذا، ثم أتى بحديث: {إن الله عز وجل إذا أحب عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يضع الله له القبول في الأرض -حتى يشرب قبوله وحبه مع الماء البارد- وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فتبغضه الملائكة، ثم ينـزل له البغض والمقت } حتى يشرب الناس بغضه وكراهيته مع الماء البارد.
فالحب من الله تبارك وتعالى وهو لسان الذكر في الخالدين، فيحرص عليه المؤمن بأن يحسن سريرته مع الله، وبالصدق مع الله تبارك وتعالى.
من أدعية نوح عليه السلام
وأما نوح عليه السلام، فإنه دعا بأدعية، لكن كانت أدعيته مؤثرة، فإن نوحاً عليه السلام عاش ألف سنة في الدعوة إلا خمسين عاماً، تحمل وصبر ودعا ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، دعا بكل وسيلة، وفي الأخير ماذا يتحرى من هؤلاء الجثث الهامدة الفجرة، ماذا يتحرى؟ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
يقول: يا رب! خذ أولادهم معهم، ما يأتي الولد إلا مثل أبيه.
> تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية
فيقول: يا رب! أخرجهم من الدنيا جميعاً، لا تترك حتى أطفالهم؛ لأنهم لا يهتدون، أنا جربتهم.
حتى يقول صلى الله عليه وسلم: {أما أنت يا عمر ! فمثلك كمثل نوح } لأنه استشارهم في أسارى بدر يقول: ما رأيكم؟ قال أبو بكر : احلم واعف عنهم يا رسول الله! إخواننا وأبناء عمومتنا وأقاربنا، قال: وأنت يا عمر ؟ قال: يا رسول الله! ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، هذا السيف واقتلهم، واعط العباس سيفه يقتل قريبه، وأعطني سيفاً أقتل أقاربي، فكان الرأي رأي عمر والإقرار على رأي أبي بكر ، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أما أنت يا أبا بكر ! فمثلك كمثل إبراهيم عليه السلام، وكمثل عيسى، أما أنت يا عمر ! فمثلك كمثل نوح ومثل موسى } فنوح قال: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
من أدعية موسى عليه السلام
ومن أدعيتهم، وينبغي على المسلم أن يجمعها وأن يحاول أن يتحفظها من القرآن، لأن أحسن الدعاء دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل دعاء موسى، فقد كان يرعى الغنم ويهش على ضأنه بالعصا وفجأة وهو بالصحراء وإذا بالله يناديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] فقال: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:25-28] إلى دعاء أخير أتى به عليه الصلاة والسلام، لكن هذا من أحسن الدعاء، حتى يمتن الله عز وجل على رسوله عليه الصلاة والسلام فيقول: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1].
يقول سيد قطب رحمه الله معلقاً على الآية: فتش في جوانحك وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك فكان واسعاً فسيحاً، وقد كان ضيقاً قبل أن تأتي النبوة، قال: شرحنا لك صدرك.
وشرح الصدر أعظم منة يمنها الله على العبد، تجد المسلم المؤمن في الزنزانة وصدره فسيح واسع، وتجد الفاسق في القصور وفي الدور، وفي السيارات والعمارات، و: صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] كأن اللعنة جمعت له، لماذا؟ لأن الله أخذ على نفسه ميثاقاً وعهداً بيَّنه في سورة "طه" فقال: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] في الدنيا ولا في الآخرة، قال ابن عباس : [[أخذ الله على نفسه، أن من اتبع هذا القرآن فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ]] وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] حتى كلمة ضَنْكاً لا تكاد تقرأ، فالضاد حرف ثقيل، ثم النون بين الضاد والكاف، فعيشته مثل نطق الكلمة: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
دعاء يونس بن متى
ومن الدعاء العظيم الذي وصفه عليه الصلاة والسلام لأمته، دعاء يونس بن متى، يقول عليه الصلاة والسلام: {دعاء الكرب، دعاء أخي يونس ما دعاه مكروب إلا فرج الله كربته } أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الدعاء هو: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وفي هذا الدعاء ميزات ثلاث: -
أوله: أنه اعتراف بالتوحيد.
الأمر الثاني: أنه اعتراف بالتقصير.
الأمر الثالث: أنه استغفار.
فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فوجب على العبد إذا ضاقت به ضائقة وأتاه حادث، أو أتاه هم وغم، أن يكرر هذا الدعاء فإنه بإذن الله فتح عظيم، يقول الأندلسي يوصي ابنه:
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذا النون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ذكر أهل التفسير وأهل السير: أن يونس بن متى غاضب قومه وخرج فأوقعه في البحر الربان وأهل السفينة، لأن القرعة وقعت عليه: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141] ما معنى الآية؟
لما ركب في السفينة كانت تتموج، وثقلت وأصبحت على غير العادة، وكانت في العادة تمشي بحفظ وبراعية وبتؤدة وسكينة، لكنه لما ركب وهو لم يستأذن الله ترجرجت، وهذا فيه درس: أن من التعكير والشؤم وبعض الصعوبات والمشاق على المسافرين والمقيمين المعصية، فقال الربان: معنا رجل فيه معصية، لا بد أن نتساهم ونقرع قرعة فمن أتت فيه أنزلناه في البحر، فشرعوا في أول قرعة فوقعت على يونس، قال: نعيد القرعة، هذه خطأ، فاستهموا مرة ثانية فوقعت عليه، قال: الثالثة، فوقعت الثالثة عليه، فأخذوه بيديه -سبحان الله العظيم، أحبابه وأقاربه تخلوا عنه! لأنهم يهلكون لو لم يفعلوا ذلك- فأخذوه بيديه ثم رموا به في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فقد تلقفه حوت يوم وقع فابتلعه فأصبح في بطنه، انظر إلى الموقف! من يسمعه؟ حتى ولو كان هناك فرق إنذار، أو خفر سواحل أو طوارئ ما سمعوه في بطن الحوت، لكن إلى السميع المجيب، إلى الذي أقرب من حبل الوريد: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] فأتى بكلمة تنفجر من القلب من أعظم الكلمات عند أهل التوحيد، قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] يقول أهل العلم: لما قالها، عبرت بصوته إلى السموات السبع تخترقها، فسمعتها الملائكة فبكت، وقالت: صوت معروف من عبد معروف، يا رب! أين فلان؟ قال: أنا أعلم به، سمعوا الصوت لكن ما يدرون هل هو في بحر قزوين أو في البحر الأحمر ، فأنقذه الله، وأخرجه ونجاه لأنه التجأ إليه، فحق على المسلم أنه إذا ضاقت به الضائقة، أن يردد: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وعند البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم } فهذا دعاء الكرب الذي -بإذن الله- من دعا به استجيب له.
وذكروا عن العلاء بن الحضرمي أنه لما قحط الناس قال: يا علِيُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! فأغاثه الله, وأغاث الصحابة معه.
دعاء سليمان عليه السلام
ومن دعائهم دعاء سليمان عليه السلام، وقد أراد أن يدعو الله في ملك لا يكون لأحد من قبله، فعلم أن الملك ينتهي وأن الملك زائل، وأن الجنود منتهون، وأن الدور تخرب والقصور تهدم: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35] فلما أعطاه الله الملك واستعرض جيوشه، حتى كان الطير يحجب شعاع الشمس بالسماء، والبحار ممتلئة بالجن له، وأما الأرض فامتلأت بالجيوش، فسجد على الأرض وبكى: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40].
دعاء يوسف عليه السلام
وأما يوسف عليه السلام فقال في آخر حياته بعد ما تملك مصر :رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101] ويقول: توفني مسلماً، هذه هي الأمنية العذبة والغاية المنشدودة وهوايتنا في الحياة.
يا معشر المسلمين! والله الذي لا إله إلا هو إن التربية الآثمة، والتربية الأوروبية تربية الخواجات التي أخرجت من شبابنا وفتياننا وأبنائنا من لا يتذكر لقاء الله ولا حسن الخاتمة ولا الموعود الذي وعده الله، ومن يبني مستقبله على هوايات آثمة تضحك العقلاء.
تجد في المجلات صور شباب في الخامسة عشرة من أعمارهم، هواية محمد بن سعيد بن طلال جمع الطوابع، وهواية علي بن محمود المراسلة، وهواية ذاك مطاردة الحمام وصيد الدجاج، أما يخجل الإنسان؟!
من هم أهل هذه الصور؟
إنهم أبناء أبي بكر وعمر ، وأبناء عثمان ، وعلي ، وأبناء خالد وسعد ، الذين فتحوا الدنيا، وأذنوا في سمع المعمورة وقدموا أرواحهم رخيصة لترتفع لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
فيربى الجيل على هذه الأمور! حتى إنه في بعض الطلبات في ما يطلبه المستمعون، هناك مريض على المستشفى مكسور الظهر والرأس، قال أهدي لأخواتي وعماتي أغنية عبد الحليم ، أو فريد الأطرش ، سبحان الله أصبحت في الآخرة وتهدي لأقاربك أغنية! تريد فساداً في الدنيا وفساداً في الآخرة، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].
سمعت داعية إسلامياً وخطيباً فارهاً، يقول على المنبر: بالأمس فقدوا مغنياً، فقامت فتاة تشيع جنازة المغني، ومعها مسجل فيه شريط للمغني، فلما وصلت إلى القبر، رفعت المسجل ففتحت الأغنية، قال: فكان اتفاقاً وفتحاً من الله، فكان هو صاحب الأغنية -ميت، أصبح تحت الثرى- يقول: نار يا حبيبي نار، قال: نار من فوقك ونار من تحتك لأنك تركت الأمة في نار، فهذه كلماتهم، ولكن كما أسلفنا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] لكن من عرفه الله وبصره ثم انحرف فقد قامت الحجة عليه مرتين.
نقلا عن موقع شبكة الإسلام
للشيخ عائـــــــض القرني
من أدعية إبراهيم عليه السلام
إبراهيم عليه السلام كان يدعو حتى وصل إلى الذنب والخطيئة فقال: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] احترام ووجل وخوف، ما قال: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، مع أن الله غفر له لأنه نبي، لكن قال حياء من الله: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] ثم دعا بدعوات صالحات: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء:83] أمتني على لا إله إلا الله، وعلى الدين الخالص: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:83-85].
ما هو لسان الصدق في الآخرين؟ الذكر الحسن، أن تموت ولك ذكر حسن في الناس:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أتاه رجل أعرابي، فقال: أريد منك حاجة يا أمير المؤمنين! -وهذه يذكرها ابن قتيبة - فقال علي : اكتب حاجتك على الأرض لئلا تصب ماء الحياء والمروءة من وجهك -يقول: لا أريد أن أحرجك وأخجلك، فلعل هذه الحاجة طلب شيء، لأن بعض الناس يستحي أن يطلب- فكتب على الأرض حاجته، فأتى علي فقضى حاجته.
وقد كان أمير المؤمنين في الكوفة ، فقال الأعرابي وقد أعطاه حلة ومالاً كما طلب:
كسوتني حلة تبلو محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا
قال علي : ذلك خير، يقول: والله لأثني عليك في الناس أحسن من هذه الحلة التي أعطيتني، قال علي : ذلك خير.
أتى وفد غطفان إلى عمر وفيهم أبناء هرم بن سنان ، شيخ قبائل غطفان، وهو الذي أصلح بين قبيلة عبس وذبيان في معركة استمرت أربعين سنة، حتى كانت ديات القتلى آلاف الإبل، وقد قالت قبيلة عبس وذبيان: لا نصطلح حتى تودي قتلانا أنت -شيخ قبيلة غطفان- قال: قتلاكم عندي أوديهم، فذهب هرم في قبائل العرب فجمع الديات وسلمها وأصلح بينهم، حتى يقول له زهير يمدحه:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
ثم مدحهم مدائح سارت بها الركبان، وكانت العرب تسمر عليها، فأتى أبناء هرم بعد موت زهير الشاعر وموت أبيهم، فقال عمر لأبناء هرم : ماذا أعطيتم زهيراً ؟ قالوا: مدحنا فأعطيناه، قال عمر : ذهب والله ما أعطيتموه وبقي والله ما أعطاكم، وهو الذكر الحسن، والذكر الحسن لا يتأتى إلا للمؤمن، والله لو حاول الفاجر أن يجمع الدنيا ويجعل الدنيا صحفاً ويجعلها مجلات ودعايات، ويجعلها لوائح ولافتات، والله لا يقود القلوب إلا من خلق القلوب.
قال البخاري في الصحيح، في كتاب الرقاق: باب: المِقة من الله، أي: الحب من الله، كل شيء يستطيع أن يتصرف فيه العبد إلا الحب هذا، ثم أتى بحديث: {إن الله عز وجل إذا أحب عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يضع الله له القبول في الأرض -حتى يشرب قبوله وحبه مع الماء البارد- وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فتبغضه الملائكة، ثم ينـزل له البغض والمقت } حتى يشرب الناس بغضه وكراهيته مع الماء البارد.
فالحب من الله تبارك وتعالى وهو لسان الذكر في الخالدين، فيحرص عليه المؤمن بأن يحسن سريرته مع الله، وبالصدق مع الله تبارك وتعالى.
من أدعية نوح عليه السلام
وأما نوح عليه السلام، فإنه دعا بأدعية، لكن كانت أدعيته مؤثرة، فإن نوحاً عليه السلام عاش ألف سنة في الدعوة إلا خمسين عاماً، تحمل وصبر ودعا ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، دعا بكل وسيلة، وفي الأخير ماذا يتحرى من هؤلاء الجثث الهامدة الفجرة، ماذا يتحرى؟ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
يقول: يا رب! خذ أولادهم معهم، ما يأتي الولد إلا مثل أبيه.
> تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية
فيقول: يا رب! أخرجهم من الدنيا جميعاً، لا تترك حتى أطفالهم؛ لأنهم لا يهتدون، أنا جربتهم.
حتى يقول صلى الله عليه وسلم: {أما أنت يا عمر ! فمثلك كمثل نوح } لأنه استشارهم في أسارى بدر يقول: ما رأيكم؟ قال أبو بكر : احلم واعف عنهم يا رسول الله! إخواننا وأبناء عمومتنا وأقاربنا، قال: وأنت يا عمر ؟ قال: يا رسول الله! ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، هذا السيف واقتلهم، واعط العباس سيفه يقتل قريبه، وأعطني سيفاً أقتل أقاربي، فكان الرأي رأي عمر والإقرار على رأي أبي بكر ، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أما أنت يا أبا بكر ! فمثلك كمثل إبراهيم عليه السلام، وكمثل عيسى، أما أنت يا عمر ! فمثلك كمثل نوح ومثل موسى } فنوح قال: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
من أدعية موسى عليه السلام
ومن أدعيتهم، وينبغي على المسلم أن يجمعها وأن يحاول أن يتحفظها من القرآن، لأن أحسن الدعاء دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل دعاء موسى، فقد كان يرعى الغنم ويهش على ضأنه بالعصا وفجأة وهو بالصحراء وإذا بالله يناديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] فقال: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:25-28] إلى دعاء أخير أتى به عليه الصلاة والسلام، لكن هذا من أحسن الدعاء، حتى يمتن الله عز وجل على رسوله عليه الصلاة والسلام فيقول: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1].
يقول سيد قطب رحمه الله معلقاً على الآية: فتش في جوانحك وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك فكان واسعاً فسيحاً، وقد كان ضيقاً قبل أن تأتي النبوة، قال: شرحنا لك صدرك.
وشرح الصدر أعظم منة يمنها الله على العبد، تجد المسلم المؤمن في الزنزانة وصدره فسيح واسع، وتجد الفاسق في القصور وفي الدور، وفي السيارات والعمارات، و: صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] كأن اللعنة جمعت له، لماذا؟ لأن الله أخذ على نفسه ميثاقاً وعهداً بيَّنه في سورة "طه" فقال: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] في الدنيا ولا في الآخرة، قال ابن عباس : [[أخذ الله على نفسه، أن من اتبع هذا القرآن فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ]] وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] حتى كلمة ضَنْكاً لا تكاد تقرأ، فالضاد حرف ثقيل، ثم النون بين الضاد والكاف، فعيشته مثل نطق الكلمة: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
دعاء يونس بن متى
ومن الدعاء العظيم الذي وصفه عليه الصلاة والسلام لأمته، دعاء يونس بن متى، يقول عليه الصلاة والسلام: {دعاء الكرب، دعاء أخي يونس ما دعاه مكروب إلا فرج الله كربته } أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الدعاء هو: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وفي هذا الدعاء ميزات ثلاث: -
أوله: أنه اعتراف بالتوحيد.
الأمر الثاني: أنه اعتراف بالتقصير.
الأمر الثالث: أنه استغفار.
فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فوجب على العبد إذا ضاقت به ضائقة وأتاه حادث، أو أتاه هم وغم، أن يكرر هذا الدعاء فإنه بإذن الله فتح عظيم، يقول الأندلسي يوصي ابنه:
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذا النون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ذكر أهل التفسير وأهل السير: أن يونس بن متى غاضب قومه وخرج فأوقعه في البحر الربان وأهل السفينة، لأن القرعة وقعت عليه: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141] ما معنى الآية؟
لما ركب في السفينة كانت تتموج، وثقلت وأصبحت على غير العادة، وكانت في العادة تمشي بحفظ وبراعية وبتؤدة وسكينة، لكنه لما ركب وهو لم يستأذن الله ترجرجت، وهذا فيه درس: أن من التعكير والشؤم وبعض الصعوبات والمشاق على المسافرين والمقيمين المعصية، فقال الربان: معنا رجل فيه معصية، لا بد أن نتساهم ونقرع قرعة فمن أتت فيه أنزلناه في البحر، فشرعوا في أول قرعة فوقعت على يونس، قال: نعيد القرعة، هذه خطأ، فاستهموا مرة ثانية فوقعت عليه، قال: الثالثة، فوقعت الثالثة عليه، فأخذوه بيديه -سبحان الله العظيم، أحبابه وأقاربه تخلوا عنه! لأنهم يهلكون لو لم يفعلوا ذلك- فأخذوه بيديه ثم رموا به في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فقد تلقفه حوت يوم وقع فابتلعه فأصبح في بطنه، انظر إلى الموقف! من يسمعه؟ حتى ولو كان هناك فرق إنذار، أو خفر سواحل أو طوارئ ما سمعوه في بطن الحوت، لكن إلى السميع المجيب، إلى الذي أقرب من حبل الوريد: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] فأتى بكلمة تنفجر من القلب من أعظم الكلمات عند أهل التوحيد، قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] يقول أهل العلم: لما قالها، عبرت بصوته إلى السموات السبع تخترقها، فسمعتها الملائكة فبكت، وقالت: صوت معروف من عبد معروف، يا رب! أين فلان؟ قال: أنا أعلم به، سمعوا الصوت لكن ما يدرون هل هو في بحر قزوين أو في البحر الأحمر ، فأنقذه الله، وأخرجه ونجاه لأنه التجأ إليه، فحق على المسلم أنه إذا ضاقت به الضائقة، أن يردد: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] وعند البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم } فهذا دعاء الكرب الذي -بإذن الله- من دعا به استجيب له.
وذكروا عن العلاء بن الحضرمي أنه لما قحط الناس قال: يا علِيُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! فأغاثه الله, وأغاث الصحابة معه.
دعاء سليمان عليه السلام
ومن دعائهم دعاء سليمان عليه السلام، وقد أراد أن يدعو الله في ملك لا يكون لأحد من قبله، فعلم أن الملك ينتهي وأن الملك زائل، وأن الجنود منتهون، وأن الدور تخرب والقصور تهدم: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35] فلما أعطاه الله الملك واستعرض جيوشه، حتى كان الطير يحجب شعاع الشمس بالسماء، والبحار ممتلئة بالجن له، وأما الأرض فامتلأت بالجيوش، فسجد على الأرض وبكى: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40].
دعاء يوسف عليه السلام
وأما يوسف عليه السلام فقال في آخر حياته بعد ما تملك مصر :رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101] ويقول: توفني مسلماً، هذه هي الأمنية العذبة والغاية المنشدودة وهوايتنا في الحياة.
يا معشر المسلمين! والله الذي لا إله إلا هو إن التربية الآثمة، والتربية الأوروبية تربية الخواجات التي أخرجت من شبابنا وفتياننا وأبنائنا من لا يتذكر لقاء الله ولا حسن الخاتمة ولا الموعود الذي وعده الله، ومن يبني مستقبله على هوايات آثمة تضحك العقلاء.
تجد في المجلات صور شباب في الخامسة عشرة من أعمارهم، هواية محمد بن سعيد بن طلال جمع الطوابع، وهواية علي بن محمود المراسلة، وهواية ذاك مطاردة الحمام وصيد الدجاج، أما يخجل الإنسان؟!
من هم أهل هذه الصور؟
إنهم أبناء أبي بكر وعمر ، وأبناء عثمان ، وعلي ، وأبناء خالد وسعد ، الذين فتحوا الدنيا، وأذنوا في سمع المعمورة وقدموا أرواحهم رخيصة لترتفع لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
فيربى الجيل على هذه الأمور! حتى إنه في بعض الطلبات في ما يطلبه المستمعون، هناك مريض على المستشفى مكسور الظهر والرأس، قال أهدي لأخواتي وعماتي أغنية عبد الحليم ، أو فريد الأطرش ، سبحان الله أصبحت في الآخرة وتهدي لأقاربك أغنية! تريد فساداً في الدنيا وفساداً في الآخرة، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].
سمعت داعية إسلامياً وخطيباً فارهاً، يقول على المنبر: بالأمس فقدوا مغنياً، فقامت فتاة تشيع جنازة المغني، ومعها مسجل فيه شريط للمغني، فلما وصلت إلى القبر، رفعت المسجل ففتحت الأغنية، قال: فكان اتفاقاً وفتحاً من الله، فكان هو صاحب الأغنية -ميت، أصبح تحت الثرى- يقول: نار يا حبيبي نار، قال: نار من فوقك ونار من تحتك لأنك تركت الأمة في نار، فهذه كلماتهم، ولكن كما أسلفنا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] لكن من عرفه الله وبصره ثم انحرف فقد قامت الحجة عليه مرتين.
نقلا عن موقع شبكة الإسلام