مشاور
16 Mar 2004, 08:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(( الفصل الأول ))
أهمية الدعوة إلى الله
قال تعالى :[ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] [ يوسف:108]، وقال تعالى :[ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ] [آل عمران:104] ، وقال تعالى [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] [ فصلت:33] ، وقال تعالى :[ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] [العصر:1-3] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [رواه مسلم] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [متفق عليه] ، وقال جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ :( بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ) [متفق عليه] ، وقال عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ ( بايعنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ... وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) [متفق عليه] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) [رواه الترمذي] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إن أول ما دخل النقص على بني اسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول = يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال :[ لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ... إلى قو له :[ فسقون ] [المائدة 78ـ81] . ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم ) [رواه أبو داود والترمذي] ، وقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ :( يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية [ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا ] الآية . [المائدة 105] وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك بأن يعمهم الله بعقاب منه ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( ... فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم ) [متفق عليه] ، وقال عليه الصلاة والسلام :( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ... ) [رواه مسلم] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) [رواه مسلم] .
(( الفصل الثاني ))
كيف تزرع هم الدعوة في قلبك ؟؟
أن تستشعر عبوديتك لله وأنك ما خلقت إلا من أجل عبادته وأن الدعوة من أعظم أنواع العبادة كما قال تعالى : [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] [ فصلت:33]
ومــما زادنــــــــــــــــي شــرفا وتيـــها وكدت بأخمصي أطأ الثريـا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صـــــــــيرت أحمـــد لي نبيا
أن تستشعر بنفسك أنك أنت المخاطب الأول في الدعوة إلى الله وأنك المسئول الأول عن جميع الخلق وأنهم جميعا سيتعلقون برقبتك يوم القيامة .
اعتادت أم الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ أن تراه مهتما لأحوال المسلمين إذا ألمت بهم أو بأحدهم نائبة ، ورأته يوما على هذه الحال فقالت له : مالك ؟ هل مات مسلم بالصين ؟
وكما قال الشاعر عمر بهاء الدين الأميري وهو في غرفة العمليات وقد سأل الطبيب عن استراحته فرد قائلا :
كلا رويدك يا طبيـــب وقد سألت : أما استراح
هل يستريح الحر يوقــد صـــدرَه العبءُ الــــــــرزاح
تذكر سادة الدعاة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وصبرهم على الدعوة إلى الله وما جرى لهم في سبيل الدعوة إلى الله وكيف بذلوا أرواحهم وأوقاتهم في سبيلها . فتذكر نوحا ـ عليه السلام ـ وهو يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وتذكر ابراهيم ـ عليه السلام ـ وحيدا يصارع قومه ، وتذكر هودا وصالحا وشعيبا ولوطا وموسى وعيسى وغيرهم ، واجعل الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ محمدا بين عينيك في كل لحظة وقد أمضى حياته متحملا كل أذى في سبيل إنقاذ أمته [ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ] [الأنعام:90].[ لقد كان فيهم أسوة حسنة ] [الممتحنة:6]
تذكر أن السعادة الحقيقة والتوفيق والعزة والرفعة في هذه الحياة الدنيا لمن سلك سبيل الدعوة إلى الله قال عليه الصلاة والسلام : ( من كانت همّه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ومن كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له ) [ رواه بن ماجه ]
تذكر نزول ملك الموت عليك وقل لنفسك اليوم أو الليلة فراقك للجسد فماذا قدمتي يا نفسي وما عذرك أمام الله ؟!
يقول صالح المري : إن ذكر الموت إذا فارقني ساعة فسد عليّ قلبي .
فكلما قمت من السرير فقل لنفسك قد لا ترجعي إليه مرة أخرى ، وإذا خرجت من باب منزلك فقل لنفسك قد لا تعودي إليه مرة أخرى ، وإذا رأيت مفرطا ومقصرا انصحه فقد لا تراه مرة أخرى وهكذا…
اجعل يوم القيامة بين عينيك [ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . فاصبر صبرا جميلا ] [المعارج:5] . وتخيل نفسك حافيا عاريا وقد أدنيت الشمس من رؤوس الخلائق وقد نصب الميزان وضرب الصراط على جهنم [ وجيء يومئذ بجهنم يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ] [الفجر:23] ، [ وأزلفت الجنة للمتقين ] [الشعراء:90] ونزل الرب للقضاء بين العباد ... وأنه لا مستريح في ذلك اليوم إلا من أتعب جسمه في هذه الدنيا في سبيل الدعوة إلى الله .
تذكر جلوس الأنبياء والدعاة عند ربهم [ في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] [القمر:54-55] ، وقل لنفسك ألا تشتاقي إلى رؤية الله ومجالسة أوليائه [ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ] [النساء:70] فكلما ضعفت نفسك فاجعل حادي الشوق يحدوها إلى الفردوس الأعلى وأنه لا سبيل إلى مصاحبتهم إلا بسلوك طريقهم.
تذكرة حقارة الدنيا ـ الجدي الأسك الميت ـ ، جناح بعوضة ، الملعونة الملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ـ وقل للنفس أتستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! فتلثم وسدّ أنفك عن نتن رائحتها وسدّ أذنك عن سماع النباح الذي يدعوك لها ، وسدّ فاك عن الحديث عن زينتها المصطنعة وفر عنها فرارك من الأسد إلى ما يحبه الله ويرضاه [ ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ] [الذاريات:50] .
تذكر أنك إن لم تدع إلى دينك وتدافع عنه وتحميه سيأتيك من يدعوك إلى دينه وفكره المنحرف وشبهاته وشهواته فالهجوم خير وسيلة للدفاع فادفع قبل أن تدفع وادع قبل أن تدع .
تذكر أن بقيامك بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدفع نزول العقاب عنك وعن أهلك وعن مجتمعك ، وبك تحفظ الديار والأعراض ( إن الله يحفظ بالرجل الصالح داره والدويرات التي حوله )
العلم الشرعي إذا قصد بطلبه وجه الله وتعلم حسب أصوله وزكيت به النفس خير دافع لك إلى الدعوة إلى الله وهل يعقل أن وارث محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيهدأ له بال ويقرّ له قرار وهو يرى دين الله تفصم عراه ويسلخ سلخا ويرى المجتمع يسير إلى الهاوية وهو يتفرج ولا يقدم شيئاً ؟، لا والذي رفع السماء بلا عمد .
التحول عن البيئة المثبطة [ وإن منكم لمن ليبطئن ] [النساء:72] .
تقول ابنة السِّعدي وهــي تلومني : أمالك عن دار الهــوان رحيـــل ؟
فإن عناء المستنيــــــــــــم إلــــــى الأذى بحيث يذل الأكرمون طويـــــــل
وعندك محبُوك الســـــراة مطـــــهم وفي الكف مطرور الشباة صقيل
فقاتل المائة نفس أرشده إلى مغادرة وطنه ففرّ إلى الله فقبله ، والزاني البكر لا بد من تغريبه عاما عن وطنه ليستعيد إيمانه وعفته ففر من الأموات إلى الأحياء ومن الخاملين إلى العاملين ، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
اصحب أولي الهمم العاليه في الدعوة إلى الله ، فالطيور على أشباهها تقع ، وكل قرين بالمقارن يقتدي .
أنت بالنـــــاس تقــــــاس بــــــالذي اخترت خليــــلا
فاصحب الأخيار تعلو وتـــــنـــل ذكـــــرا جميــــلا
يقول ابن المبارك : إذا نظرت إلى فضيل جدّد لي الحزن ومقتّ نفسي .
وكان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه و بينه معرفة وأحب أن يعرف أحواله .
ويقول ابن القيم : كنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرض أتينا ابن تيمية فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة .
تذكر أن لك من الأجر مثل أجر من اهتدى على يديك وقد يكون هذا المهتدي عالما ربانياً أو ولياً من أولياء الله قد لا تصل أنت مقامه فيكون لك مثل أجره .
جاهد النفس في سلوك هذا السبيل[ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ] [العنكبوت:69] فاصدق مع الله يصدقك واجعل آيتين بين عينيك [ واجعلنا للمتقين إماما ] [الفرقان:74] [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ] [السجدة:24] فبالصبر واليقين تنال الإمامة بالدين .
ادع الله. فما خاب من ناجاه [ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ] [البقرة:186] اسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق وانشراح الصدر لهذه المهمة العظيمة [ .. رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني ] [طه:25ـ28] .
أدمن القراءة في سير الأنبياء والدعاة إلى الله وصبر العلماء على العلم والدعوة إلى الله والأذى في سبيله ، وكذا الكتب المؤلفة في علو الهمم مثل : علو الهمة لمحمد بن أحمد إسماعيل المقدم ، والهمة العالية لمحمد بن إبراهيم الحمد ، وصفحات من صبر العلماء لعبد الفتاح أبي غدة وأمثالها .
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) فيا صاحب القلب الحي كيف لا يتحرك قلبك لإصلاح ما عطب من جسدك وأنت ترى الأمراض قد أحاطت به من كل جانب فهل تبقى تتفرج حتى يسقط الجسد صريعا . ألا تتحرك غيرتك على أمتك ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)
سيأتيك الشيطان بألف معوّق عن طريق الدعوة إلى الله فكفنها وأعمق قبرها ولا تصلِّ عليها وازرع على تلك القبور أشجار الثقة بالله ثم بالنفس . سيقول لك كيف تدعو وأنت جاهل؟ وكيف تدعو وأنت مذنب ؟ أو يقول الناس لن يسمعوا لمثلك وأشباه ذلك فادمغ كل شبهة يوسوس بها بنور الحق والبرهان [ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ] [الإسراء:81] وإياك أن تضعف لكيده [ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ] [النساء:76] .
وأخيراً استعد لسؤال الله لك عن تفريطك في الدعوة إلى الله [ وقفوهم إنهم مسؤلون ] [الصافات:24] وإن لم يكن لك عذر شرعي حقيقي فيا ترى ماذا ستقول لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [ هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون ] [المرسلات 35ـ36] .
(( الفصل الثالث ))
صفات الداعية إلى الله
الصدق والإخلاص. فالكلمات الصادرة من القلب والباعث لها الصدق والمحبة تصل إلى القلوب مباشرة وستتجاوز كل الحواجز فتنفجر في قلب المدعو براكين الإيمان والإنابة، وعلى قدر صدق الداعي وإخلاصه تكون قوة الكلمة وتأثيرها.
العلم الشرعي : [ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] [ يوسف:108] والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وبمن يدعوه وبسبيل الوصول إليه وإلى قلبه. ولا يعني اشتراطنا للعلم أن يكون عالما محيطا بعلوم الشريعة كلها بل يكون عالما بالجزئية التي يدعو إليها كما قال عليه السلام : ( بلغوا عني ولو آية ) وقوله : ( نظّر الله امرءا سمع مني مقالة فأداها كما سمعها )
الحكمة في الدعوة إلى الله [ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ] [النحل:125] فالحكمة هي إنزال الأمور منازلها والكلمات مواقعها وفي الحديث ( أنزلوا الناس منازلهم ) ومحادثة الناس بما يعرفون وعلى قدر عقولهم وثقافتهم. ومعرفة أبواب القلوب والعقول والأرواح وكيفية دخولها والوصول إليها.
عدم التكلف بانتقاء الكلمات وكيفية العرض والتشدق بالكلمات قال تعالى [ وما أنا من المتكلفين ] [ص:86] ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:( بئس خطيب القوم أنت ) ولا يعني هذا أن يأتي الداعية بما هبّ ودبّ ولا يراعي مشاعر المدعوين ولا ثقافتهم بل يبذل ما يستطيع بلا تكلف [ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ] [البقرة:286] .
إمتثاله لما يدعو إليه فلسان الحال أشد أثرا من لسان المقال [ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ] [هود:88] ، فليحذر الداعية أن يُرى منه قادح في سيرته أو خارم في مروءته وهذا ما يحرص عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما شاهد رجلين من الأنصار وهو يقلب زوجته صفية إلى منزلها فقال لهما :( إنها صفية ) نفياً للتهمة .
الصبر على ما يلاقي في سبيل الدعوة [ وبشر الصابرين ] [البقرة:155] ، فالطريق الدعوي كطريق الصحراء يسهل حينا ويصعب حينا [ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك الضلال المبين ] [الحج:11] ، وليعلم أنه سيكرم يوما ويلكم يوما ويعدم يوما . فلا يتكبر عند الكرامة ويحزن عند الملامة . وليكن على يقين أن العاقبة له [ والعاقبة للمتقين ] [القصص:83] ، وإن طال الزمن [ وإن جندنا لهم الغالبون ][الصافات:173] .
الرفق واللين في دعوته [ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ] [آل عمران:158] ، ( وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) . فوطد نفسك على سعة الصدر وتحمل الأذى فالداعية طبيب والمدعو مريض فليحسن إليه وليرفق به ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) .
تغليب جانب الرجاء على جانب اليأس من المدعوين [ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ] [الطلاق:1] فالذي هدى عمر ـ رضي الله عنه ـ قادر على هداية باقي البشر .
حب هدايتهم وفرحه بذلك لا إلقاء مسئولية البلاغ عن ظهره فقط [ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] [المائدة:67] ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
الدعاء للمدعوين بظهر الغيب فـ ( دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ) فقبل أي حركة في سبيل الدعوة أدع الله أن يرزقك الصدق والإخلاص ويهديك لأقرب وأفضل السبل لقلب المدعو وادع الله أن يشرح صدره لدعوتك ويقبل بقلبه إلى ما تدعو إليه من خير .
ترتيب الأولويات والبدء بالأهم فالأهم فيبدأ الداعية بزرع عظمة الله ومحبته في قلب المدعو فإذا تحقق ذلك وأقبل القلب صلح القالب ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد)
إكرام المدعوين والإحسان إليهم شيء عظيم في تأليف قلوبهم وإقبالها
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسـانُ
فإكرامه بندائه بأحسن أسمائه وألقابه إليه تسمو به فما بالك ببقية أنواع المكارم .
ترفع الداعية عن سفاسف الأمور والقيل والقال والبعد عن الخلافات والمهاترات وسام في جبينه فليعلوا بفكره وقلبه وروحه وهمته إلى قمم الجبال وليترفع عن الزواحف والحشرات
فلا تك شبها بالذبــــاب فلــم يـرم بطبع له إلا السقوط على العلل
وكـــــــــن نحلة ترعى أزاهير روضة فتلقيه مشروبا شفاء من العسـل
أن لا يعيش المثاليات في تصوره ودعوته وليعلم أن لكل زمان ومكان رجالا ، فتعجز النساء أن تلد مثل عمر أو نصف عمر ، ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) فاقدر لكل شيء قدره وأعط كل ذي حق حقه ( ولا تكلفوا الناس مالا يستطيعون ) وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .
تخصيص وقت لمحاسبة النفس ومراجعة عمله وتصحيح خطئه ( فكلكم خطاء وخير الخطائين التوابون ) وليعش روح وفكر وقته وليطور أسلوب دعوته ويجدد طريقته بما يوافق الشرع وليضع جهازا دقيق المراقبة على قلبه لئلا يتسرب إليه العجب أو الكبر أو غير ذلك من أمراض القلوب التي تطمس نور قلبه .
أن يلبس ويتجمّل بكل خلق كريم [ ولباس التقوى ذلك خير ] [الأعراف:26] وأن يخلع كل خلق وصفة قبيحة تشينه عند الخالق والخلق .
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
فيا حامل لواء الدعوة أنت بنظر الناس إسلام يمشي على الأرض فاتق الله لا تقبح الإسلام بسوء صنيعك ولا تردهم عن التمسك بعراه ما رأوا من سوء حالك فأنت مرآة الدين رضيت أم أبيت .
أن يطالع الكتب المؤلفة في شأن الدعوة وصفات الدعاة ليزداد فقهاً في هذا السبيل وكذا سماع الأشرطة وما شاكلها مما يعينه على استمرارية ونجاح عمله (فالحكمة ضالة المؤمن) .
الداعية لا يحده زمان ولا مكان ولا عنوان فنهاية دعوته[ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ][الحجر:99] ومكانه[ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ] [الملك:15] فأرضه ما بين القطبين وما بين المشرقين والمغربين[ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ] [يوسف:39] شعاره : كلمات ابن تيمية رحمه الله : ماذا يفعل أعدائي بي؟! جنتي في صدري، سجني خلوة ، وقتلي شهادة ، ونفيي سياحة .
الداعية لا يحقر أحداً في دعوته ( إنما تنصرون بضعفائكم ) ولا يخص بالدعوة فئة دون فئة بل جميع أفراد المجتمع أهل دعوته كبيراً وصغيراً ، ذكراً أو أنثى ، غنياً أو فقيراً ، أميراً أو مأموراً ...
وأخيراً وأولاً أن يعلم الداعية أن الأمور كلها بيد الله [ قل إن الأمر كله لله ] [آل عمران:154] وأن الهداية بيد الله [ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ] [القصص:56] [ ومن يضلل الله فما له من هاد . ومن يهد الله فما له من مضل ][الزمر:36ـ37] وإنما أنت حارث وباذر والله هو المنبت والمحيي [ أفرأيتم ما تحرثون . أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ] [الواقعة:68ـ69] [ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ] [النساء:95] فاربط قلبك وعملك وتوكلك وجميع شئونك بالله وقل ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) .
(( الفصل الرابع ))
أمور تعين الداعية على أداء مهمته
ترتيب الوقت وتنظيمه عامل أساسي في استمرارية الدعوة ويسرها فالفوضى لا مجال لها في حياة الداعية بل هي عدو من أشرس الأعداء ، وأحكام الشريعة وأوقات العبادات ودقتها داع يدعو العقلاء لتدبر ذلك وتطبيقه في حياتهم .
الزوجة الصالحة والأبناء الصالحون ردء عظيم للداعية وما دور خديجة عنا ببعيد ومواقفها العظيمة ومساندتها للحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ في تبليغ دعوته ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وإن فاتك حق الإختيار ووقته فاعمل على إصلاح من تحت يدك ليكونوا لك أعوانا وأنصارا.
إحرص على العمل الجماعي فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه [ واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيرا ] [طه:29ـ34] و ( ما من نبي إلا كان له حواريون ) ( والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ).
المال له دور عظيم في الدعوة فينبغي للداعية أن يقدر هذا الأمر قدره ( فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) فلا ينبغي للدعاة أن يكونوا عالة على غيرهم [ قل ما أسألكم عليه من أجر ] [ ص:86] ويكون هدف الداعية إعفاف نفسه وأهل بيته وتأمين مستلزمات الدعوة لا قصد التكاثر[ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ] [النور:37] فالشركات التجارية والصناديق الخيرية الإجتماعية وتفقد الدعاة بعضهم لأحوال البعض من شأنه استمرارية الدعوة وقوة عطاء الدعاة ، فكم تقاعس من الدعاة عن طريق الدعوة بسبب هموم ديونه وتأمين معيشته ومن ذلك الإعتدال في النفقة [ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ] [الفرقان:67] .
مراعاة المخاطر المحيطة بالدعوة وما يكاد للدعاة ودعوتهم ومراعاة المصالح والمفاسد وتشاور الدعاة مع بعضهم وترابطهم وتعاونهم وتناصحهم حصن حصين للدعاة ودعوتهم من خرق الصفوف والفت في عضدهم ووهنهم وضعفهم .
الهدية لها أثر في النفس ( تهادوا تحابوا ) حسيةً كانت أو معنوية ، نداء بطيب اسم ، أو مدحا بحسن فعل ( نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل ).
(( الفصل الحامس ))
كيف تبدأ طريق الدعوة ؟؟
تهيئة النفس وتجهيزها لخوض غمار ساحة الدعوة فالمجاهد الذي ينزل المعركة بلا سلاح لا شك أنه خاسر ومغلوب ، فليبدأ بتزكية نفسه ومجاهدتها وإخضاعها لشرع الله .
إبدأ بنفسك وانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
إصلاح بيته وأهل بيته ومن تحت يده فإذا نجح في ذلك فسينجح في إصلاح المجتمع بل العالم كله ، وإذا فشل في إصلاح بيته وأهله فهو لما سواه أردى ، فليبدأ بعالمه الصغير وليكرر المحاولة وليسلك جميع السبل حتى ينجح فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدأ برعي الغنم قبل رعي الأمم.
نزول الميدان واثقاً بالله ثم بنفسه متفائلاً جاعلاً بالحسبان أن الإستجابة قد تكون المرة الأولى أو بالمرة المائة فلا يستعجل النتائج ( فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ) وليكن لديه إلمام بأحوال النفوس وأمزجتها وتقلباتها وإقبالها وإدبارها .
الإكثار من الذكر والأعمال الصالحة قبيل نزوله ميدان الدعوة [ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ] [المزمل:1-5] .
(( الفصل السادس ))
مجالات الدعوة ووسائلها
كل سبيل ووسيلة تقرب القلوب إلى علام الغيوب مشروعة بشرط ألا يكون فيها محذور شرعي وليست وسائل الدعوة محصورة بطريقة معينة ، فقد استخدم عليه السلام كافة السبل في دعوته ، خطب على المنبر وتتبعهم في أسواقهم وتألفهم بالمال وبشّر وأنذر ورغّب ورهّب [ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ] [نوح:9] فاجتهد في فتح أقفال القلوب بكل ما استطعت فلكل قفل مفتاح ( فالبس لكل حالة لبوسها).
فالكلمة مفتاح ، والإبتسامة مفتاح ، والزيارة مفتاح ، والهدية مفتاح ، والإعانة والمؤازرة مفتاح ، والدعاء مفتاح ، والرسالة مفتاح ، والشريط مفتاح ، والكتاب مفتاح ، والعيادة مفتاح ، والثناء مفتاح ، و ....
فليحمل الداعية معه ألف مفتاح وليجربها وليستخدمها وليعلم أنه ما من قفل إلا له مفتاح علمه من علمه وجهله من جهله فإن جرّبت جميع المفاتيح ولم يفتح لك فاستعن بفاتح غيرك أو أن وقت الفتح لم يحن بعد.
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
وأخيراً هذه همسات ونسمات .. تمت بحمد الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ؛؛؛
ملحوضه: هذه الماده منقوله من موقع حائل الدعوي
(( الفصل الأول ))
أهمية الدعوة إلى الله
قال تعالى :[ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] [ يوسف:108]، وقال تعالى :[ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ] [آل عمران:104] ، وقال تعالى [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] [ فصلت:33] ، وقال تعالى :[ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] [العصر:1-3] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [رواه مسلم] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [متفق عليه] ، وقال جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ :( بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ) [متفق عليه] ، وقال عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ ( بايعنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ... وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) [متفق عليه] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) [رواه الترمذي] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إن أول ما دخل النقص على بني اسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول = يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال :[ لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ... إلى قو له :[ فسقون ] [المائدة 78ـ81] . ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم ) [رواه أبو داود والترمذي] ، وقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ :( يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية [ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا ] الآية . [المائدة 105] وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك بأن يعمهم الله بعقاب منه ) [رواه أبو داود والترمذي والنسائي] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( ... فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم ) [متفق عليه] ، وقال عليه الصلاة والسلام :( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ... ) [رواه مسلم] ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) [رواه مسلم] .
(( الفصل الثاني ))
كيف تزرع هم الدعوة في قلبك ؟؟
أن تستشعر عبوديتك لله وأنك ما خلقت إلا من أجل عبادته وأن الدعوة من أعظم أنواع العبادة كما قال تعالى : [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] [ فصلت:33]
ومــما زادنــــــــــــــــي شــرفا وتيـــها وكدت بأخمصي أطأ الثريـا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صـــــــــيرت أحمـــد لي نبيا
أن تستشعر بنفسك أنك أنت المخاطب الأول في الدعوة إلى الله وأنك المسئول الأول عن جميع الخلق وأنهم جميعا سيتعلقون برقبتك يوم القيامة .
اعتادت أم الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ أن تراه مهتما لأحوال المسلمين إذا ألمت بهم أو بأحدهم نائبة ، ورأته يوما على هذه الحال فقالت له : مالك ؟ هل مات مسلم بالصين ؟
وكما قال الشاعر عمر بهاء الدين الأميري وهو في غرفة العمليات وقد سأل الطبيب عن استراحته فرد قائلا :
كلا رويدك يا طبيـــب وقد سألت : أما استراح
هل يستريح الحر يوقــد صـــدرَه العبءُ الــــــــرزاح
تذكر سادة الدعاة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وصبرهم على الدعوة إلى الله وما جرى لهم في سبيل الدعوة إلى الله وكيف بذلوا أرواحهم وأوقاتهم في سبيلها . فتذكر نوحا ـ عليه السلام ـ وهو يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وتذكر ابراهيم ـ عليه السلام ـ وحيدا يصارع قومه ، وتذكر هودا وصالحا وشعيبا ولوطا وموسى وعيسى وغيرهم ، واجعل الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ محمدا بين عينيك في كل لحظة وقد أمضى حياته متحملا كل أذى في سبيل إنقاذ أمته [ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ] [الأنعام:90].[ لقد كان فيهم أسوة حسنة ] [الممتحنة:6]
تذكر أن السعادة الحقيقة والتوفيق والعزة والرفعة في هذه الحياة الدنيا لمن سلك سبيل الدعوة إلى الله قال عليه الصلاة والسلام : ( من كانت همّه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ومن كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له ) [ رواه بن ماجه ]
تذكر نزول ملك الموت عليك وقل لنفسك اليوم أو الليلة فراقك للجسد فماذا قدمتي يا نفسي وما عذرك أمام الله ؟!
يقول صالح المري : إن ذكر الموت إذا فارقني ساعة فسد عليّ قلبي .
فكلما قمت من السرير فقل لنفسك قد لا ترجعي إليه مرة أخرى ، وإذا خرجت من باب منزلك فقل لنفسك قد لا تعودي إليه مرة أخرى ، وإذا رأيت مفرطا ومقصرا انصحه فقد لا تراه مرة أخرى وهكذا…
اجعل يوم القيامة بين عينيك [ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . فاصبر صبرا جميلا ] [المعارج:5] . وتخيل نفسك حافيا عاريا وقد أدنيت الشمس من رؤوس الخلائق وقد نصب الميزان وضرب الصراط على جهنم [ وجيء يومئذ بجهنم يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ] [الفجر:23] ، [ وأزلفت الجنة للمتقين ] [الشعراء:90] ونزل الرب للقضاء بين العباد ... وأنه لا مستريح في ذلك اليوم إلا من أتعب جسمه في هذه الدنيا في سبيل الدعوة إلى الله .
تذكر جلوس الأنبياء والدعاة عند ربهم [ في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] [القمر:54-55] ، وقل لنفسك ألا تشتاقي إلى رؤية الله ومجالسة أوليائه [ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ] [النساء:70] فكلما ضعفت نفسك فاجعل حادي الشوق يحدوها إلى الفردوس الأعلى وأنه لا سبيل إلى مصاحبتهم إلا بسلوك طريقهم.
تذكرة حقارة الدنيا ـ الجدي الأسك الميت ـ ، جناح بعوضة ، الملعونة الملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ـ وقل للنفس أتستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! فتلثم وسدّ أنفك عن نتن رائحتها وسدّ أذنك عن سماع النباح الذي يدعوك لها ، وسدّ فاك عن الحديث عن زينتها المصطنعة وفر عنها فرارك من الأسد إلى ما يحبه الله ويرضاه [ ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ] [الذاريات:50] .
تذكر أنك إن لم تدع إلى دينك وتدافع عنه وتحميه سيأتيك من يدعوك إلى دينه وفكره المنحرف وشبهاته وشهواته فالهجوم خير وسيلة للدفاع فادفع قبل أن تدفع وادع قبل أن تدع .
تذكر أن بقيامك بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدفع نزول العقاب عنك وعن أهلك وعن مجتمعك ، وبك تحفظ الديار والأعراض ( إن الله يحفظ بالرجل الصالح داره والدويرات التي حوله )
العلم الشرعي إذا قصد بطلبه وجه الله وتعلم حسب أصوله وزكيت به النفس خير دافع لك إلى الدعوة إلى الله وهل يعقل أن وارث محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيهدأ له بال ويقرّ له قرار وهو يرى دين الله تفصم عراه ويسلخ سلخا ويرى المجتمع يسير إلى الهاوية وهو يتفرج ولا يقدم شيئاً ؟، لا والذي رفع السماء بلا عمد .
التحول عن البيئة المثبطة [ وإن منكم لمن ليبطئن ] [النساء:72] .
تقول ابنة السِّعدي وهــي تلومني : أمالك عن دار الهــوان رحيـــل ؟
فإن عناء المستنيــــــــــــم إلــــــى الأذى بحيث يذل الأكرمون طويـــــــل
وعندك محبُوك الســـــراة مطـــــهم وفي الكف مطرور الشباة صقيل
فقاتل المائة نفس أرشده إلى مغادرة وطنه ففرّ إلى الله فقبله ، والزاني البكر لا بد من تغريبه عاما عن وطنه ليستعيد إيمانه وعفته ففر من الأموات إلى الأحياء ومن الخاملين إلى العاملين ، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
اصحب أولي الهمم العاليه في الدعوة إلى الله ، فالطيور على أشباهها تقع ، وكل قرين بالمقارن يقتدي .
أنت بالنـــــاس تقــــــاس بــــــالذي اخترت خليــــلا
فاصحب الأخيار تعلو وتـــــنـــل ذكـــــرا جميــــلا
يقول ابن المبارك : إذا نظرت إلى فضيل جدّد لي الحزن ومقتّ نفسي .
وكان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه و بينه معرفة وأحب أن يعرف أحواله .
ويقول ابن القيم : كنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرض أتينا ابن تيمية فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة .
تذكر أن لك من الأجر مثل أجر من اهتدى على يديك وقد يكون هذا المهتدي عالما ربانياً أو ولياً من أولياء الله قد لا تصل أنت مقامه فيكون لك مثل أجره .
جاهد النفس في سلوك هذا السبيل[ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ] [العنكبوت:69] فاصدق مع الله يصدقك واجعل آيتين بين عينيك [ واجعلنا للمتقين إماما ] [الفرقان:74] [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ] [السجدة:24] فبالصبر واليقين تنال الإمامة بالدين .
ادع الله. فما خاب من ناجاه [ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ] [البقرة:186] اسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق وانشراح الصدر لهذه المهمة العظيمة [ .. رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني ] [طه:25ـ28] .
أدمن القراءة في سير الأنبياء والدعاة إلى الله وصبر العلماء على العلم والدعوة إلى الله والأذى في سبيله ، وكذا الكتب المؤلفة في علو الهمم مثل : علو الهمة لمحمد بن أحمد إسماعيل المقدم ، والهمة العالية لمحمد بن إبراهيم الحمد ، وصفحات من صبر العلماء لعبد الفتاح أبي غدة وأمثالها .
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) فيا صاحب القلب الحي كيف لا يتحرك قلبك لإصلاح ما عطب من جسدك وأنت ترى الأمراض قد أحاطت به من كل جانب فهل تبقى تتفرج حتى يسقط الجسد صريعا . ألا تتحرك غيرتك على أمتك ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)
سيأتيك الشيطان بألف معوّق عن طريق الدعوة إلى الله فكفنها وأعمق قبرها ولا تصلِّ عليها وازرع على تلك القبور أشجار الثقة بالله ثم بالنفس . سيقول لك كيف تدعو وأنت جاهل؟ وكيف تدعو وأنت مذنب ؟ أو يقول الناس لن يسمعوا لمثلك وأشباه ذلك فادمغ كل شبهة يوسوس بها بنور الحق والبرهان [ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ] [الإسراء:81] وإياك أن تضعف لكيده [ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ] [النساء:76] .
وأخيراً استعد لسؤال الله لك عن تفريطك في الدعوة إلى الله [ وقفوهم إنهم مسؤلون ] [الصافات:24] وإن لم يكن لك عذر شرعي حقيقي فيا ترى ماذا ستقول لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [ هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون ] [المرسلات 35ـ36] .
(( الفصل الثالث ))
صفات الداعية إلى الله
الصدق والإخلاص. فالكلمات الصادرة من القلب والباعث لها الصدق والمحبة تصل إلى القلوب مباشرة وستتجاوز كل الحواجز فتنفجر في قلب المدعو براكين الإيمان والإنابة، وعلى قدر صدق الداعي وإخلاصه تكون قوة الكلمة وتأثيرها.
العلم الشرعي : [ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] [ يوسف:108] والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وبمن يدعوه وبسبيل الوصول إليه وإلى قلبه. ولا يعني اشتراطنا للعلم أن يكون عالما محيطا بعلوم الشريعة كلها بل يكون عالما بالجزئية التي يدعو إليها كما قال عليه السلام : ( بلغوا عني ولو آية ) وقوله : ( نظّر الله امرءا سمع مني مقالة فأداها كما سمعها )
الحكمة في الدعوة إلى الله [ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ] [النحل:125] فالحكمة هي إنزال الأمور منازلها والكلمات مواقعها وفي الحديث ( أنزلوا الناس منازلهم ) ومحادثة الناس بما يعرفون وعلى قدر عقولهم وثقافتهم. ومعرفة أبواب القلوب والعقول والأرواح وكيفية دخولها والوصول إليها.
عدم التكلف بانتقاء الكلمات وكيفية العرض والتشدق بالكلمات قال تعالى [ وما أنا من المتكلفين ] [ص:86] ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:( بئس خطيب القوم أنت ) ولا يعني هذا أن يأتي الداعية بما هبّ ودبّ ولا يراعي مشاعر المدعوين ولا ثقافتهم بل يبذل ما يستطيع بلا تكلف [ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ] [البقرة:286] .
إمتثاله لما يدعو إليه فلسان الحال أشد أثرا من لسان المقال [ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ] [هود:88] ، فليحذر الداعية أن يُرى منه قادح في سيرته أو خارم في مروءته وهذا ما يحرص عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما شاهد رجلين من الأنصار وهو يقلب زوجته صفية إلى منزلها فقال لهما :( إنها صفية ) نفياً للتهمة .
الصبر على ما يلاقي في سبيل الدعوة [ وبشر الصابرين ] [البقرة:155] ، فالطريق الدعوي كطريق الصحراء يسهل حينا ويصعب حينا [ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك الضلال المبين ] [الحج:11] ، وليعلم أنه سيكرم يوما ويلكم يوما ويعدم يوما . فلا يتكبر عند الكرامة ويحزن عند الملامة . وليكن على يقين أن العاقبة له [ والعاقبة للمتقين ] [القصص:83] ، وإن طال الزمن [ وإن جندنا لهم الغالبون ][الصافات:173] .
الرفق واللين في دعوته [ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ] [آل عمران:158] ، ( وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) . فوطد نفسك على سعة الصدر وتحمل الأذى فالداعية طبيب والمدعو مريض فليحسن إليه وليرفق به ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) .
تغليب جانب الرجاء على جانب اليأس من المدعوين [ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ] [الطلاق:1] فالذي هدى عمر ـ رضي الله عنه ـ قادر على هداية باقي البشر .
حب هدايتهم وفرحه بذلك لا إلقاء مسئولية البلاغ عن ظهره فقط [ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] [المائدة:67] ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
الدعاء للمدعوين بظهر الغيب فـ ( دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ) فقبل أي حركة في سبيل الدعوة أدع الله أن يرزقك الصدق والإخلاص ويهديك لأقرب وأفضل السبل لقلب المدعو وادع الله أن يشرح صدره لدعوتك ويقبل بقلبه إلى ما تدعو إليه من خير .
ترتيب الأولويات والبدء بالأهم فالأهم فيبدأ الداعية بزرع عظمة الله ومحبته في قلب المدعو فإذا تحقق ذلك وأقبل القلب صلح القالب ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد)
إكرام المدعوين والإحسان إليهم شيء عظيم في تأليف قلوبهم وإقبالها
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسـانُ
فإكرامه بندائه بأحسن أسمائه وألقابه إليه تسمو به فما بالك ببقية أنواع المكارم .
ترفع الداعية عن سفاسف الأمور والقيل والقال والبعد عن الخلافات والمهاترات وسام في جبينه فليعلوا بفكره وقلبه وروحه وهمته إلى قمم الجبال وليترفع عن الزواحف والحشرات
فلا تك شبها بالذبــــاب فلــم يـرم بطبع له إلا السقوط على العلل
وكـــــــــن نحلة ترعى أزاهير روضة فتلقيه مشروبا شفاء من العسـل
أن لا يعيش المثاليات في تصوره ودعوته وليعلم أن لكل زمان ومكان رجالا ، فتعجز النساء أن تلد مثل عمر أو نصف عمر ، ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) فاقدر لكل شيء قدره وأعط كل ذي حق حقه ( ولا تكلفوا الناس مالا يستطيعون ) وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .
تخصيص وقت لمحاسبة النفس ومراجعة عمله وتصحيح خطئه ( فكلكم خطاء وخير الخطائين التوابون ) وليعش روح وفكر وقته وليطور أسلوب دعوته ويجدد طريقته بما يوافق الشرع وليضع جهازا دقيق المراقبة على قلبه لئلا يتسرب إليه العجب أو الكبر أو غير ذلك من أمراض القلوب التي تطمس نور قلبه .
أن يلبس ويتجمّل بكل خلق كريم [ ولباس التقوى ذلك خير ] [الأعراف:26] وأن يخلع كل خلق وصفة قبيحة تشينه عند الخالق والخلق .
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
فيا حامل لواء الدعوة أنت بنظر الناس إسلام يمشي على الأرض فاتق الله لا تقبح الإسلام بسوء صنيعك ولا تردهم عن التمسك بعراه ما رأوا من سوء حالك فأنت مرآة الدين رضيت أم أبيت .
أن يطالع الكتب المؤلفة في شأن الدعوة وصفات الدعاة ليزداد فقهاً في هذا السبيل وكذا سماع الأشرطة وما شاكلها مما يعينه على استمرارية ونجاح عمله (فالحكمة ضالة المؤمن) .
الداعية لا يحده زمان ولا مكان ولا عنوان فنهاية دعوته[ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ][الحجر:99] ومكانه[ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ] [الملك:15] فأرضه ما بين القطبين وما بين المشرقين والمغربين[ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ] [يوسف:39] شعاره : كلمات ابن تيمية رحمه الله : ماذا يفعل أعدائي بي؟! جنتي في صدري، سجني خلوة ، وقتلي شهادة ، ونفيي سياحة .
الداعية لا يحقر أحداً في دعوته ( إنما تنصرون بضعفائكم ) ولا يخص بالدعوة فئة دون فئة بل جميع أفراد المجتمع أهل دعوته كبيراً وصغيراً ، ذكراً أو أنثى ، غنياً أو فقيراً ، أميراً أو مأموراً ...
وأخيراً وأولاً أن يعلم الداعية أن الأمور كلها بيد الله [ قل إن الأمر كله لله ] [آل عمران:154] وأن الهداية بيد الله [ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ] [القصص:56] [ ومن يضلل الله فما له من هاد . ومن يهد الله فما له من مضل ][الزمر:36ـ37] وإنما أنت حارث وباذر والله هو المنبت والمحيي [ أفرأيتم ما تحرثون . أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ] [الواقعة:68ـ69] [ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ] [النساء:95] فاربط قلبك وعملك وتوكلك وجميع شئونك بالله وقل ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) .
(( الفصل الرابع ))
أمور تعين الداعية على أداء مهمته
ترتيب الوقت وتنظيمه عامل أساسي في استمرارية الدعوة ويسرها فالفوضى لا مجال لها في حياة الداعية بل هي عدو من أشرس الأعداء ، وأحكام الشريعة وأوقات العبادات ودقتها داع يدعو العقلاء لتدبر ذلك وتطبيقه في حياتهم .
الزوجة الصالحة والأبناء الصالحون ردء عظيم للداعية وما دور خديجة عنا ببعيد ومواقفها العظيمة ومساندتها للحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ في تبليغ دعوته ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وإن فاتك حق الإختيار ووقته فاعمل على إصلاح من تحت يدك ليكونوا لك أعوانا وأنصارا.
إحرص على العمل الجماعي فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه [ واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيرا ] [طه:29ـ34] و ( ما من نبي إلا كان له حواريون ) ( والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ).
المال له دور عظيم في الدعوة فينبغي للداعية أن يقدر هذا الأمر قدره ( فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) فلا ينبغي للدعاة أن يكونوا عالة على غيرهم [ قل ما أسألكم عليه من أجر ] [ ص:86] ويكون هدف الداعية إعفاف نفسه وأهل بيته وتأمين مستلزمات الدعوة لا قصد التكاثر[ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ] [النور:37] فالشركات التجارية والصناديق الخيرية الإجتماعية وتفقد الدعاة بعضهم لأحوال البعض من شأنه استمرارية الدعوة وقوة عطاء الدعاة ، فكم تقاعس من الدعاة عن طريق الدعوة بسبب هموم ديونه وتأمين معيشته ومن ذلك الإعتدال في النفقة [ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ] [الفرقان:67] .
مراعاة المخاطر المحيطة بالدعوة وما يكاد للدعاة ودعوتهم ومراعاة المصالح والمفاسد وتشاور الدعاة مع بعضهم وترابطهم وتعاونهم وتناصحهم حصن حصين للدعاة ودعوتهم من خرق الصفوف والفت في عضدهم ووهنهم وضعفهم .
الهدية لها أثر في النفس ( تهادوا تحابوا ) حسيةً كانت أو معنوية ، نداء بطيب اسم ، أو مدحا بحسن فعل ( نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل ).
(( الفصل الحامس ))
كيف تبدأ طريق الدعوة ؟؟
تهيئة النفس وتجهيزها لخوض غمار ساحة الدعوة فالمجاهد الذي ينزل المعركة بلا سلاح لا شك أنه خاسر ومغلوب ، فليبدأ بتزكية نفسه ومجاهدتها وإخضاعها لشرع الله .
إبدأ بنفسك وانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
إصلاح بيته وأهل بيته ومن تحت يده فإذا نجح في ذلك فسينجح في إصلاح المجتمع بل العالم كله ، وإذا فشل في إصلاح بيته وأهله فهو لما سواه أردى ، فليبدأ بعالمه الصغير وليكرر المحاولة وليسلك جميع السبل حتى ينجح فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدأ برعي الغنم قبل رعي الأمم.
نزول الميدان واثقاً بالله ثم بنفسه متفائلاً جاعلاً بالحسبان أن الإستجابة قد تكون المرة الأولى أو بالمرة المائة فلا يستعجل النتائج ( فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ) وليكن لديه إلمام بأحوال النفوس وأمزجتها وتقلباتها وإقبالها وإدبارها .
الإكثار من الذكر والأعمال الصالحة قبيل نزوله ميدان الدعوة [ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ] [المزمل:1-5] .
(( الفصل السادس ))
مجالات الدعوة ووسائلها
كل سبيل ووسيلة تقرب القلوب إلى علام الغيوب مشروعة بشرط ألا يكون فيها محذور شرعي وليست وسائل الدعوة محصورة بطريقة معينة ، فقد استخدم عليه السلام كافة السبل في دعوته ، خطب على المنبر وتتبعهم في أسواقهم وتألفهم بالمال وبشّر وأنذر ورغّب ورهّب [ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ] [نوح:9] فاجتهد في فتح أقفال القلوب بكل ما استطعت فلكل قفل مفتاح ( فالبس لكل حالة لبوسها).
فالكلمة مفتاح ، والإبتسامة مفتاح ، والزيارة مفتاح ، والهدية مفتاح ، والإعانة والمؤازرة مفتاح ، والدعاء مفتاح ، والرسالة مفتاح ، والشريط مفتاح ، والكتاب مفتاح ، والعيادة مفتاح ، والثناء مفتاح ، و ....
فليحمل الداعية معه ألف مفتاح وليجربها وليستخدمها وليعلم أنه ما من قفل إلا له مفتاح علمه من علمه وجهله من جهله فإن جرّبت جميع المفاتيح ولم يفتح لك فاستعن بفاتح غيرك أو أن وقت الفتح لم يحن بعد.
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
وأخيراً هذه همسات ونسمات .. تمت بحمد الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ؛؛؛
ملحوضه: هذه الماده منقوله من موقع حائل الدعوي