سنا البرق
16 Oct 2006, 07:23 AM
إن الأخوة الإسلامية تقتضي الوصل والرحمة والتزاور والمودة، وإن الهجر والقطيعة يناقضان ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يقطع وصل أخيه المسلم أو يهجره، والأصل عدم جواز ذلك مطلقاً، ولكن الشارع راعى الفطرة البشرية، فأجاز للمتغاضبين أن يتهاجرا ثلاثة أيام - مع كراهة ذلك - ونهى عما زاد.
فقد روى أبو أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [البخاري (7/91) ومسلم (4/1984)].
وفي حديث أنس، رضي الله عنه، مرفوعا: (.. وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال). [البخاري (7/91) ومسلم (4/1983)].
وورد في المتهاجرين وعيد شديد، جعلهما شاذين بين أهل القبلة، حيث يغفر الله لكل من لا يشرك به شيئا يومين في كل أسبوع، إلا من كان منهم بينه وبين أخيه شحناء وهجر.
كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) وفي رواية: (إلا المتهاجرين). [مسلم (4/1987)].
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وصل من قطعه، وأخبره أن الله معه على ذوي القطيعة، كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رجلاً، قال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسٍفُّهم [تطعمهم] الملَّ [الرماد الحار]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك) [مسلم (4/1982)].
وقد أثر هذا الأدب النبوي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يشق على أحدهم أن يهجره أخوه، ويبذل قصارى جهده في إرضائه، حتى يعود إلى صلته، ويبعث إليه الشفعاء، وكان الذي تغلبه منهم بشريته، فيهجر أخاً له أكثر من ثلاث، يندم على ذلك وتذرف عيناه الدموع، إذا ذكر حسرة على ما بدر منه.
تأمل قصة عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، فقد حدثت أن عبد الله ابن الزبير، قال في بيع أو عطاء، أعطته عائشة: لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟! قالوا: نعم. قالت: هو لله على نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبداً، ولا أتحنث إلى نذري.
فلما طال ذلك على ابن الزبير، كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي.
فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما، حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها: إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما عملت من الهجرة.
فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت، والنذر شديد، فلم يزالا بها حق كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. [البخاري (7/90)].
وإنما كان الهجر منافياً لمقتضى الأخوة الإسلامية، لما فيه من الصدود والأضغان، ولما يحدثه في نفوس المتهاجرين، من النفرة والظنون السيئة التي يوسوس بها الشيطان لكل منهما في الآخر، بأنه يبغضه ويغتابه ويدبر له المكايد، فيفقد كل واحد منهما الثقة في أخيه، ولا يأمن كل منهما الأخر، وقد يوسع دائرة سوء الظن أعداء الأخوة الإسلامية، فيورون نار العداوة ويزيدون اشتعالها.
وهذا يقع كثيراً في نفوس المتهاجرين، فإذا وصل كل منهما صاحبه عرف كل منهما أن ما كان يظنه في أخيه غير موجود، وأن الشيطان وأتباعه كانوا يوسوسون لكل منهما بالباطل، فتعود ثقة كل واحد منهما بصاحبه وائتمان كل منهما للآخر، وذلك ما يحزن الشيطان لعنه الله.
هذا وليعلم أن الهجر مشروع للعصاة، تأديبا لهم وإشعاراً بأنهم خارجون عن آداب المجتمع وطريقه المستقيم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع كعب بن مالك وزميليه، حيث هجروهم خمسين ليلة، حتى نزلت توبتهم من عند الله عـز وجل.
كما قال تعالى: ((وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)). [التوبة:118 وراجع قصة كعب وزميليه في صحيح مسلم (4/2120 وما بعدها..)].
وإذا كان الهجر مشروعا جاز أكثر من ثلاث، كما قال الحافظ بن حجر رحمه الله: (وفيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث، فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعياً). [فتح الباري (8/124)].
من كتاب الدكتور : عبدالله الأهدل ( أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي)
فقد روى أبو أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [البخاري (7/91) ومسلم (4/1984)].
وفي حديث أنس، رضي الله عنه، مرفوعا: (.. وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال). [البخاري (7/91) ومسلم (4/1983)].
وورد في المتهاجرين وعيد شديد، جعلهما شاذين بين أهل القبلة، حيث يغفر الله لكل من لا يشرك به شيئا يومين في كل أسبوع، إلا من كان منهم بينه وبين أخيه شحناء وهجر.
كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) وفي رواية: (إلا المتهاجرين). [مسلم (4/1987)].
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وصل من قطعه، وأخبره أن الله معه على ذوي القطيعة، كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رجلاً، قال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسٍفُّهم [تطعمهم] الملَّ [الرماد الحار]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك) [مسلم (4/1982)].
وقد أثر هذا الأدب النبوي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يشق على أحدهم أن يهجره أخوه، ويبذل قصارى جهده في إرضائه، حتى يعود إلى صلته، ويبعث إليه الشفعاء، وكان الذي تغلبه منهم بشريته، فيهجر أخاً له أكثر من ثلاث، يندم على ذلك وتذرف عيناه الدموع، إذا ذكر حسرة على ما بدر منه.
تأمل قصة عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، فقد حدثت أن عبد الله ابن الزبير، قال في بيع أو عطاء، أعطته عائشة: لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟! قالوا: نعم. قالت: هو لله على نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبداً، ولا أتحنث إلى نذري.
فلما طال ذلك على ابن الزبير، كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي.
فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما، حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها: إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما عملت من الهجرة.
فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت، والنذر شديد، فلم يزالا بها حق كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. [البخاري (7/90)].
وإنما كان الهجر منافياً لمقتضى الأخوة الإسلامية، لما فيه من الصدود والأضغان، ولما يحدثه في نفوس المتهاجرين، من النفرة والظنون السيئة التي يوسوس بها الشيطان لكل منهما في الآخر، بأنه يبغضه ويغتابه ويدبر له المكايد، فيفقد كل واحد منهما الثقة في أخيه، ولا يأمن كل منهما الأخر، وقد يوسع دائرة سوء الظن أعداء الأخوة الإسلامية، فيورون نار العداوة ويزيدون اشتعالها.
وهذا يقع كثيراً في نفوس المتهاجرين، فإذا وصل كل منهما صاحبه عرف كل منهما أن ما كان يظنه في أخيه غير موجود، وأن الشيطان وأتباعه كانوا يوسوسون لكل منهما بالباطل، فتعود ثقة كل واحد منهما بصاحبه وائتمان كل منهما للآخر، وذلك ما يحزن الشيطان لعنه الله.
هذا وليعلم أن الهجر مشروع للعصاة، تأديبا لهم وإشعاراً بأنهم خارجون عن آداب المجتمع وطريقه المستقيم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع كعب بن مالك وزميليه، حيث هجروهم خمسين ليلة، حتى نزلت توبتهم من عند الله عـز وجل.
كما قال تعالى: ((وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)). [التوبة:118 وراجع قصة كعب وزميليه في صحيح مسلم (4/2120 وما بعدها..)].
وإذا كان الهجر مشروعا جاز أكثر من ثلاث، كما قال الحافظ بن حجر رحمه الله: (وفيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث، فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعياً). [فتح الباري (8/124)].
من كتاب الدكتور : عبدالله الأهدل ( أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي)