فهد البديوي
19 Oct 2006, 12:35 AM
جريدة الرياض الثلاثاء 25رمضان 1427هـ - 17أكتوبر 2006م - العدد 13994
أركــض برجــلك فوالله لن تعـــدو قــــــدرك!!
"بين الانهزامية والانحطاط"
د. عبد الملك بن يوسف المطلق
الحمد لله الذي أعز الإنسان بطاعته وأكرمه، وأحسن صورته فأبدعه، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير، نبراس الأمة ومنهاجها وبعد:
فإن الإنسان متى ما أراد الحصول على حاجته ومبتغاه نجده يركض ويسرع بالوصول إلى ذلك، وكأن السعادة قد فارقته وأزالت النوم عنه؛ ولن تأتي هذه السعادة إلا بتلك الحاجة - ومع تحفظي على هذا الحرص وهذا الإسراع حتى ولو كان مباحاً- إلا أنني أقف وقفات عدة مع هذا الذي يتخطى رقاب الآخرين راكضاً إلى حاجته مضراً بأمته فأقـول:
كيف يفقه من كانت هذه حالته: أن الجرأة على أمن الدولة وسوارها يكون عقابه فضيع وفضيحته أفضع ! أم كيف يفقه هذا أن الجرأة على دين الله وحرماته يكون عقابها أليم شديد، دائم مادامت السماوات والأرض، قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }* (106) (107) سورة هود، بل كيف يهنأ في عيش رغيد وماله مكتسب من خلال إفساد الناس؟ أم كيف ينام قرير العين ودعاء الغيارى على دين الله يصول ويجول في أوقات السحر، وعند نزول ربنا سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا – على الوجه الذي يليق بجلاله - كما في الحديث الذي أخرجه مسلم" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له....
فيا سبحان الله ! إن المتأمل في أحوال الذين تجرؤا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أنهم يتصفون بالانهزامية النفسية والانحطاط الفكري الشديد حتى ولو أعجب عملهم وفعلهم البسطاء والغوغائيين من الناس!! يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) سورة المنافقون. ومن المعلوم أن الهزيمة النفسية تعد سقوطاً حضارياً فضيعاً لا يضاهيه أي نوع من الهزائم ، ويكمن هذا السقوط في كونه استعماراً للعقول والقلوب، ينتج عنه فساد لخيرات الأرض ومقدراتها، وفساد للدين والعبادة التي خلقنا من أجلها، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.إن هذا الركض وهذا التسارع في النيل من أمر الدين سواء كان استهزاءا معنوناً بالإصلاح ؛ ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب! أو كان ذلك لتحقيق أهداف مرسومة مبطنة بإضحاك الناس والتفريج عنهم؛ أو كان ذلك مصارحة مكاشفة؛ كما فعلت ذلك بعض الدول والأقليات المبرمجة من الدول الطاغية المهيمنة، لهو نذير شؤم وفتنة قد أطلت برأسها تتحدى من يقطفها ويمحو أثرها عن الوجود. وأما الأقزام الذين لا يعرفون مآرب من شجعهم على التنقص من هذا الدين، ولا يعرفون ما صنعت أيديهم من الفساد والخراب؛ وما سبب ذلك لهم – من الناس المعتدلين - كرهاً وحقداً يثور؛ فلسوف يعلمون ويتدبرون - في يوم لا ينفعهم العلم والتدبر – ما بينه الله تعالى في قوله {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (38) سورة الأعراف. وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (97) سورة النساء.
إن كل إنسان يعيش على هذه البسيطة يجب عليه أن يرسم لنفسه منهجاًً وسبيلاً في حياته ليسير عليه، فتثبت خطاه ولا يزيغ. وهذا المنهج وفق حدود الله، قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف. فمما لا شك فيه أن تحديد الغايات والأهداف لأي عمل كان، يعد ضرورة من الضرورات الحياتية المستأجرة والمنتهية بالتمليك! قال تعالى: {..... َلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (73) سورة الأنعام . ولهذا يجب وضع الاستراتيجيات والخطط التفصيلية التوضيحية لتحقيق هذه الغايات وتلك الأهداف المرسومة فتتحدد السبل وتتحدد الطرق التي ينبغي أن يسير عليها كل فرد مسلم يعلم أن الدنيا طريق الآخرة.
وليتنبه إلى أن من أهم الأسباب التي أدت إلى التخبط في الخطى والهزيمة النفسية هو بعد الكثير من المسلمين عن دينهم فجهلوا حقيقته وحقيقة الواقع الذي يعيشونه، فأصابهم الضعف والهوان مما أنتج انحطاط وتخلف لدى كثير من الناس عامة ومن الشباب خاصة؟! فالشاب إذا كان يشحن بهذه التفاهات وسفاسف الأمور فكيف يرجى منه نتاج نرتفع به ونرفع من عجزنا عند الكبر!! وليعلم الجميع أن الكيف مقدم على الكم وإلا لأصبحنا نعيش زمن ( الغثائية) التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل"
فلو تساءلنا عن الغاية التي يرجوها من سخر نفسه لإضلال الناس وإظهار الانحدار الفكري العجيب؟! لوجدنا أن الجواب لا يعدو أن يكون حفنة من التراب- المال- سوف يسأل عنه يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم" ولم يقتصر على ذلك فقط! بل تمادى فصور هذا الانحدار بصورة مقززة تجعل من الناظر والسامع يحتار فيتساءل في داخله ويقول: ألهذا تحتقر عقولنا وتهان أسماعنا؟! وألهذا تشوه صورتنا أمام الناظرين من القريبين والبعيدين؟! فكيف يكون هذا؟ ونحن نعلم أن القائمين على هذا البلد المبارك – حفظهم الله ووفقهم لكل خير- قد أدركوا أهمية وجود السياسة التوعوية العامة للمجتمع، بقسميه العام والخاص، تنبثق من ديننا الحنيف والذي يدينون به فكراً ومنهجاً وتطبيقاً. فهل مللنا النجاح والخيرات والأمن في حياتنا من قبل حتى يترك هؤلاء يعبثون كما يشاءون بلا احترام ولا تقدير؟ وكأن مجتمعنا محدودو العقل؛ وعلى خط سواء يتحد فيه كبيرهم وصغيرهم؛ عالمهم وجاهلهم! فلا مصلحين ولا منظرين ؟ ولا جادين ولا مفكرين؟ إنما هم علب فارغة يجب ملؤها بأي شيء كان ومتى كان!!
إخواني الأعزاء: إن الناصح الأمين ليدرك أن هؤلاء على قسمين:
1) إما جاهل يحتاج إلى نصح وإرشاد؛ فليكن ذلك بالحكمة التي أرشدنا إليها القرآن الكريم؛ قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران. فالفظاظة والغلظة والخشونة تنفر الشخص ولا تميل قلبه ولا يتألف؟ بل ربما يزداد عناداً واستكباراً؟ لأن الحكمة وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ هي مفتاح القلوب؛ كما قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة" .
والحكمة العالمية تقول ما أخذ باللين لا يؤخذ بالقوة .
2) وإما مكابر ضال؛ أشبه بمن حمل التوراة فتركها وراءه؛ قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة. فهذا لا يترك وشأنه؛ بل يرفع أمره إلى ولاتنا حفظهم الله وسدد على الدرب خطاهم ليؤدبوه ويوقفوه وفق شرع الله القويم. ويجب على المصلح أن يكتب عن هذا المكابر الضال ليحذر فينبذ كما ينبذ سقط المتاع؛ ويقال له أركض برجلك فو الله لن تعدو قدرك المنحط مهما أضحكت البسطاء منك؛ فالعقلاء يضحكون عليك وعلى جهلك؛ ومهما ظننت أنك بلغت القمة في نظرك الضعيف؛ ففي نظر العقلاء أنت نقمة على حالك وعلى أسرتك وعلى مجتمعك الرصين.
وفي الختام أقول:
كنت في ضيافة الشيخ سليمان بن عبد الله التويجري -حفظه الله- فدار الحوار بيني وبينه حول سن الشاب الذي يعتمد عليه - في تدبير الشئون الحياتية- في الوقت الماضي وفي الوقت الحاضر فقال : إن الشاب اليوم عنده من الإمكانات الحديثة والقدرات العجيبة ما تجعله يفوق الشاب في العهد الماضي وبمراحل عدة؛ ولكن بشرط واحد هو: استغلال هذه الإمكانات وهذه القدرات لتطويره بدل تدميره!!!
فما هو رأيك أخي القارئ الكريم بما قال الخال ؟
أركــض برجــلك فوالله لن تعـــدو قــــــدرك!!
"بين الانهزامية والانحطاط"
د. عبد الملك بن يوسف المطلق
الحمد لله الذي أعز الإنسان بطاعته وأكرمه، وأحسن صورته فأبدعه، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير، نبراس الأمة ومنهاجها وبعد:
فإن الإنسان متى ما أراد الحصول على حاجته ومبتغاه نجده يركض ويسرع بالوصول إلى ذلك، وكأن السعادة قد فارقته وأزالت النوم عنه؛ ولن تأتي هذه السعادة إلا بتلك الحاجة - ومع تحفظي على هذا الحرص وهذا الإسراع حتى ولو كان مباحاً- إلا أنني أقف وقفات عدة مع هذا الذي يتخطى رقاب الآخرين راكضاً إلى حاجته مضراً بأمته فأقـول:
كيف يفقه من كانت هذه حالته: أن الجرأة على أمن الدولة وسوارها يكون عقابه فضيع وفضيحته أفضع ! أم كيف يفقه هذا أن الجرأة على دين الله وحرماته يكون عقابها أليم شديد، دائم مادامت السماوات والأرض، قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }* (106) (107) سورة هود، بل كيف يهنأ في عيش رغيد وماله مكتسب من خلال إفساد الناس؟ أم كيف ينام قرير العين ودعاء الغيارى على دين الله يصول ويجول في أوقات السحر، وعند نزول ربنا سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا – على الوجه الذي يليق بجلاله - كما في الحديث الذي أخرجه مسلم" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له....
فيا سبحان الله ! إن المتأمل في أحوال الذين تجرؤا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أنهم يتصفون بالانهزامية النفسية والانحطاط الفكري الشديد حتى ولو أعجب عملهم وفعلهم البسطاء والغوغائيين من الناس!! يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) سورة المنافقون. ومن المعلوم أن الهزيمة النفسية تعد سقوطاً حضارياً فضيعاً لا يضاهيه أي نوع من الهزائم ، ويكمن هذا السقوط في كونه استعماراً للعقول والقلوب، ينتج عنه فساد لخيرات الأرض ومقدراتها، وفساد للدين والعبادة التي خلقنا من أجلها، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.إن هذا الركض وهذا التسارع في النيل من أمر الدين سواء كان استهزاءا معنوناً بالإصلاح ؛ ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب! أو كان ذلك لتحقيق أهداف مرسومة مبطنة بإضحاك الناس والتفريج عنهم؛ أو كان ذلك مصارحة مكاشفة؛ كما فعلت ذلك بعض الدول والأقليات المبرمجة من الدول الطاغية المهيمنة، لهو نذير شؤم وفتنة قد أطلت برأسها تتحدى من يقطفها ويمحو أثرها عن الوجود. وأما الأقزام الذين لا يعرفون مآرب من شجعهم على التنقص من هذا الدين، ولا يعرفون ما صنعت أيديهم من الفساد والخراب؛ وما سبب ذلك لهم – من الناس المعتدلين - كرهاً وحقداً يثور؛ فلسوف يعلمون ويتدبرون - في يوم لا ينفعهم العلم والتدبر – ما بينه الله تعالى في قوله {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (38) سورة الأعراف. وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (97) سورة النساء.
إن كل إنسان يعيش على هذه البسيطة يجب عليه أن يرسم لنفسه منهجاًً وسبيلاً في حياته ليسير عليه، فتثبت خطاه ولا يزيغ. وهذا المنهج وفق حدود الله، قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف. فمما لا شك فيه أن تحديد الغايات والأهداف لأي عمل كان، يعد ضرورة من الضرورات الحياتية المستأجرة والمنتهية بالتمليك! قال تعالى: {..... َلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (73) سورة الأنعام . ولهذا يجب وضع الاستراتيجيات والخطط التفصيلية التوضيحية لتحقيق هذه الغايات وتلك الأهداف المرسومة فتتحدد السبل وتتحدد الطرق التي ينبغي أن يسير عليها كل فرد مسلم يعلم أن الدنيا طريق الآخرة.
وليتنبه إلى أن من أهم الأسباب التي أدت إلى التخبط في الخطى والهزيمة النفسية هو بعد الكثير من المسلمين عن دينهم فجهلوا حقيقته وحقيقة الواقع الذي يعيشونه، فأصابهم الضعف والهوان مما أنتج انحطاط وتخلف لدى كثير من الناس عامة ومن الشباب خاصة؟! فالشاب إذا كان يشحن بهذه التفاهات وسفاسف الأمور فكيف يرجى منه نتاج نرتفع به ونرفع من عجزنا عند الكبر!! وليعلم الجميع أن الكيف مقدم على الكم وإلا لأصبحنا نعيش زمن ( الغثائية) التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل"
فلو تساءلنا عن الغاية التي يرجوها من سخر نفسه لإضلال الناس وإظهار الانحدار الفكري العجيب؟! لوجدنا أن الجواب لا يعدو أن يكون حفنة من التراب- المال- سوف يسأل عنه يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم" ولم يقتصر على ذلك فقط! بل تمادى فصور هذا الانحدار بصورة مقززة تجعل من الناظر والسامع يحتار فيتساءل في داخله ويقول: ألهذا تحتقر عقولنا وتهان أسماعنا؟! وألهذا تشوه صورتنا أمام الناظرين من القريبين والبعيدين؟! فكيف يكون هذا؟ ونحن نعلم أن القائمين على هذا البلد المبارك – حفظهم الله ووفقهم لكل خير- قد أدركوا أهمية وجود السياسة التوعوية العامة للمجتمع، بقسميه العام والخاص، تنبثق من ديننا الحنيف والذي يدينون به فكراً ومنهجاً وتطبيقاً. فهل مللنا النجاح والخيرات والأمن في حياتنا من قبل حتى يترك هؤلاء يعبثون كما يشاءون بلا احترام ولا تقدير؟ وكأن مجتمعنا محدودو العقل؛ وعلى خط سواء يتحد فيه كبيرهم وصغيرهم؛ عالمهم وجاهلهم! فلا مصلحين ولا منظرين ؟ ولا جادين ولا مفكرين؟ إنما هم علب فارغة يجب ملؤها بأي شيء كان ومتى كان!!
إخواني الأعزاء: إن الناصح الأمين ليدرك أن هؤلاء على قسمين:
1) إما جاهل يحتاج إلى نصح وإرشاد؛ فليكن ذلك بالحكمة التي أرشدنا إليها القرآن الكريم؛ قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران. فالفظاظة والغلظة والخشونة تنفر الشخص ولا تميل قلبه ولا يتألف؟ بل ربما يزداد عناداً واستكباراً؟ لأن الحكمة وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ هي مفتاح القلوب؛ كما قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة" .
والحكمة العالمية تقول ما أخذ باللين لا يؤخذ بالقوة .
2) وإما مكابر ضال؛ أشبه بمن حمل التوراة فتركها وراءه؛ قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة. فهذا لا يترك وشأنه؛ بل يرفع أمره إلى ولاتنا حفظهم الله وسدد على الدرب خطاهم ليؤدبوه ويوقفوه وفق شرع الله القويم. ويجب على المصلح أن يكتب عن هذا المكابر الضال ليحذر فينبذ كما ينبذ سقط المتاع؛ ويقال له أركض برجلك فو الله لن تعدو قدرك المنحط مهما أضحكت البسطاء منك؛ فالعقلاء يضحكون عليك وعلى جهلك؛ ومهما ظننت أنك بلغت القمة في نظرك الضعيف؛ ففي نظر العقلاء أنت نقمة على حالك وعلى أسرتك وعلى مجتمعك الرصين.
وفي الختام أقول:
كنت في ضيافة الشيخ سليمان بن عبد الله التويجري -حفظه الله- فدار الحوار بيني وبينه حول سن الشاب الذي يعتمد عليه - في تدبير الشئون الحياتية- في الوقت الماضي وفي الوقت الحاضر فقال : إن الشاب اليوم عنده من الإمكانات الحديثة والقدرات العجيبة ما تجعله يفوق الشاب في العهد الماضي وبمراحل عدة؛ ولكن بشرط واحد هو: استغلال هذه الإمكانات وهذه القدرات لتطويره بدل تدميره!!!
فما هو رأيك أخي القارئ الكريم بما قال الخال ؟