ام ريان
15 Nov 2006, 03:33 AM
قال لي صاحبي : أنا في ثلاجة .
قلت: ماذا تقصد؟
قال :كثرة المساس تبلد الإحساس .
قلت لم افهم؟
قال : بإقامتي في بلاد الكفر هذه أشعر بضيق وأشعر أنني في ثلاجة ، أشكو من برود قلبي تجاه المعاصي والمنكرات بسبب التعود على رؤيتها ألفتها ، ولم أعد أتبرم منها كما كنت من قبل ولم أعد أشعر بحلاوة الإيمان التي كنت أشعر بها من قبل !!
قلت : إلف مشاهدة المعاصي و المنكرات هو من أسباب ضعف الإيمان وارتكابها من باب أولى، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هي عقيدة أهل السنة ، وبرود قلبك هذا، علامة على ضعف الإيمان، وانتبه فالأمر خطير ففي الحديث الذي يسمى بميزان الإيمان من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) رواه مسلم وعند مسلم أيضا في رواية ابن مسعود رضي الله عنه سمى عليه الصلاة والسلام الإنكار بالقلب جهادا فقال : (( ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )) .
فبين عليه الصلاة والسلام أن عدم الإنكار بالقلب بالكلية دليل على عدم الإيمان.
وذكر بعض أهل العلم : أن من علامات الإنكار بالقلب تمعر الوجه وذكر بعضهم : أن عدم إنكار المنكر بالقلب وبروده تجاه المعاصي دليل على ترحل محبة الله من قلب العبد، وأنه كاذب في محبته لله وإن ادعاها، إذ لاتصح محبة الله مح عدم الغيرة على معاصيه.
فقال لي : ما الحل وما العلاج لهذا الداء القتال الذي جرح القلب وأمرضه وسبب الضيق في الصدر؟!!
قلت : الحمد لله إن شعورك هذا لدليل وبرهان على حياة قلبك ، إذ ما لجرح بميت إيلام ، العلاج سهل ومتوفر وهو يكون بأمرين الأول : عليك بمقويات الإيمان وأعظمها الإقبال على كتاب الله وتدبره وعلى سنة رسول الله وتفهمها وعلى طلب العلم الشرعي ومطالعة سير الصحابة والسلف الصالح والإقتداء بهم في الحرص على الأعمال الصالحات الفرائض منها والمستحبات وفي الدعوة إلى الله والإكثار من ذكره ودعائه والتضرع إليه عل الله أن يشفي قلبك ولن يخيبك الله إن صدقته ، فلابد أن تجعل لوقتك من ذلك نصيبا مفروضا حتى تكون معذورا في إقامتك إن شاء الله.
الثاني : أن تتقي الله وتتجنب أماكن المعاصي ومواطن الفتن ما استطعت إلى ذلك سبيلا قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، فهذه هي الحمية ، وذلك خشية الانزلاق في هذه الفتن والمعاصي ، هذا إن لم يمكن العودة إلى ديار الإسلام أصلا ، فإن المساكنة تدعوا إلى المشاكلة .
قال : هل معنى كلامك أن أهاجر من ديار الكفر هذه ولا أقيم بها؟
قلت : نعم إن أمكن العيش في بلاد الإسلام بأمان ، وقد حذر الله عز وجل من الإقامة حيث يخاف الإنسان من الفتنة في الدين ومن ضياع الدين وعدم التمكن من إقامة شعائره قال تعالى في سورة النساء آية : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قال ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } ، والآية تدل على أن الإنسان إذا كان في مكان لا يتمكن من إقامة دينه وجب عليه الهجرة إن كان قادرا ، فإن له متسعا في مكان آخر من الأرض ، ذلك لأن أغلى ما يملك المسلم هو دينه وهل خلق الله الخلق إلا لإقامة الدين وإخلاص العبودية له سبحانه !! ، ألم تسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام (( دينك دينك لحمك دمك )) ، ولهذا فإن الأصل عدم جواز الإقامة في بلاد الكفار إلا بشروط ذكرها العلماء ، أو ما سمعت إلى العلامة العثيمين رحمه الله إذ يقول في شرحه لثلاثة الأصول (( فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين:
الأول :أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم قال تعالى في سورة المائدة : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وفي الحديث المتفق عليه (( من أحب قوما فهو منهم ))
الثاني أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام دون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات ، ولايمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة )) وهذا كلامه رحمه الله مختصرا
قال صاحبي : هل في الإصابة بضعف الإيمان و برود القلب خير؟
قلت : هو ابتلاء وإن ربك حكيم عليم ، ومن حكمته امتحانك بالإقامة في بلاد الكفار حيث التواطؤ على المجاهرة بالكفر وأنواع المعاصي والأسباب المضعفة للإيمان ليرى تعالى هل أنت ممن يصبر على إنكار المنكر حسب الاستطاعة و وفق قواعد إنكار المنكر المقررة عند العلماء وهل تحرص على تقوية الإيمان بكل سبيل والثبات عليه وتجاهد وتكون أن الداعي لا المدعو والمؤثر فيمن حوله لا المتأثر فإن أفضل وسيلة للدفاع الهجوم، فيجازيك على ذلك خير الجزاء ويثيبك أعظم الثواب ويغفر ذنبك ويرحمك ويتبين صدقك أم أنك ممن يبرد قلبه تجاه المنكر و يتجمد ؟ !! ، ثم و إن برد قلبك وتجمد ينظر سبحانه فإن بكيت وتضرعت إلى الله أن يرد عليك إيمانك و يقويه ويذيقك حلاوته التي كنت تشعر بها من قبل وأخذت بأسباب تقويته التي ذكرتها لك آنفا رد الله عليك إيمانك وحلاوته وإن برد قلبك وتجمد ولم تبال لم يبال الله بك في أي واد تهلك، فلابد من امتحان الإيمان قال تعالى : { ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
ولأروح وأخفف عنك آلامك .. إن إقامتك في بلاد الكفار التي أسميتها الثلاجة ، ليست شرا محضا بل شر وفيه خير ومفسد ة وفيها مصالح وحكم كثيرة.
قال صاحبي : أفي المكث بالثلاجة خير؟
قلت : نعم إن ربك حكيم عليم ، أليس تمحيص الإيمان وتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق خير ؟ بلى و لله في تقديره على أولياءه مساكنة أعدائه وابتلاء بعضهم ببعض فوائد عظيمة وحكما بالغة و نعما سابغة غائبة عليك وعلى الكثيرين خصوصا الذين هم في مثل حالك مبتلين بمثل بلاءك ،و أترك المجال للعلامة ابن القيم رحمه الله ليحدثك عن بعضها فيقول في كتابه مدارج السالكين : (( وكم في تسليط أولياءه على أعدائه ،وتسليط أعدائه على أولياءه ، والجمع بينهما في دار واحدة وابتلاء بعضهم ببعض من حكمة بالغة ونعمة سابغة؟ وكم فيها من حصول محبوب للرب و حمد له من أهل سماواته وأرضه وخضوع له وتذلل،وخشية وافتقار إليه، وانكسا ر بين يديه ألا يجعلهم من أعدائه ،إذ هم يشاهدونهم ويشاهدون خذلان الله لهم،وإعراضه عنهم ، ومقته لهم،وما أعد لهم من العذاب ، وكل ذلك بمشيئته وإرادته، وتصرفه في مملكته فأولياؤه من خشية خذلانه خاضعون مشفقون على أشد وجل،وأعظم مخافة وأتم انكسار. فإذا رأت الملائكة إبليس وما جرى له وهارون وماروت وضعت رؤوسها بين يدي الرب خضوعا لعظمته واستكانة لعزته وخشية من إبعاده وطرده وتذللا لهيبته وافتقار إلى عصمته ورحمته وعلمت بذلك منته عليهم وإحسانه إليهم وتخصيصه لهم بفضله وكرامته وكذلك أولياؤه المتقون إذا شاهدوا أحوال أعدائه ومقته لهم وغضبه عليهم وخذلانه لهم ازدادوا خضوعا وذلا، وافتقارا وانكسارا ، وبه استعانة وإليه إنابة ، وعليه توكلا ، وفيه رغبه ، ومنه رهبه ، وعلموا أنهم لا ملجأ منه إلا إليه ، وأنهم لا يعيذهم من بأسه إلا هو ، ولا ينجيهم من سخطه إلا مرضاته ، فالفضل بيده أولا وآخرا. وهذه قطرة من بحر حكمته المحيطة بخلقه ، والبصير يطالع ببصيرته ما وراءه، فيطلعه على عجائب من حكمته ، لا تبلغها العبارة ، ولا تنالها الصفة . وأما حظ العبد في نفسه، وما يخصه من شهود هذه الحكمة فبحسب استعداده وقوة بصيرته وكمال علمه ومعرفته بالله وأسمائه وصفاته ، ومعرفته بحقوق العبودية والربوبية ، وكل مؤمن له من ذ‘لك شرب معلوم ، ومقام لا يتعداه ولا يتخطاه ، والله الموفق والمعين. ))
و يتلخص من كلامه رحمه الله أن الجمع بين المؤمنين والكفار في بلد واحد وابتلاء بعضهم ببعض يوجب للمؤمنين فائدتين عظيمتين الأولى : الخوف الشديد من خذلان الله لهم والاستعانة بالله والتوكل عليه ويزدادون بذلك ذلا لله وانكسارا بين يديه
الثانية : الفرح بفضل الله وإحسانه ورحمته ويصير لسان حالهم ومقالهم الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به ويزدادون بذلك لله حبا فيثمر ، هذا الأمر لمن تدبر الحكمة منه أنواعا من العبوديلت يحبها الله كأركان العبادة الحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم لله تعالى
ثم قلت فإن أصحاب الهمم العالية تدور خواطرهم حول ثلاثة أمور إما تدبر صفة لله تعالى يزدادون بالتدبر بها حبا له وإما تذكر نعمة فيزدادون بذلك شكرا وإما تذكر ذنب فيزدادون توبة وأوبة و إنابة و لو نتدبر دائما في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وأفعاله لوجدنا أنها كلها رحمة وحكمة وعدل وخير ، وأنها تستوجب منا غاية الحب وغاية الذل لله وإخلاص العبادة له سبحانه.. والله الهادي إلى سواء السبيل
منقوووووووووووووووووووووووووووول
قلت: ماذا تقصد؟
قال :كثرة المساس تبلد الإحساس .
قلت لم افهم؟
قال : بإقامتي في بلاد الكفر هذه أشعر بضيق وأشعر أنني في ثلاجة ، أشكو من برود قلبي تجاه المعاصي والمنكرات بسبب التعود على رؤيتها ألفتها ، ولم أعد أتبرم منها كما كنت من قبل ولم أعد أشعر بحلاوة الإيمان التي كنت أشعر بها من قبل !!
قلت : إلف مشاهدة المعاصي و المنكرات هو من أسباب ضعف الإيمان وارتكابها من باب أولى، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هي عقيدة أهل السنة ، وبرود قلبك هذا، علامة على ضعف الإيمان، وانتبه فالأمر خطير ففي الحديث الذي يسمى بميزان الإيمان من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) رواه مسلم وعند مسلم أيضا في رواية ابن مسعود رضي الله عنه سمى عليه الصلاة والسلام الإنكار بالقلب جهادا فقال : (( ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )) .
فبين عليه الصلاة والسلام أن عدم الإنكار بالقلب بالكلية دليل على عدم الإيمان.
وذكر بعض أهل العلم : أن من علامات الإنكار بالقلب تمعر الوجه وذكر بعضهم : أن عدم إنكار المنكر بالقلب وبروده تجاه المعاصي دليل على ترحل محبة الله من قلب العبد، وأنه كاذب في محبته لله وإن ادعاها، إذ لاتصح محبة الله مح عدم الغيرة على معاصيه.
فقال لي : ما الحل وما العلاج لهذا الداء القتال الذي جرح القلب وأمرضه وسبب الضيق في الصدر؟!!
قلت : الحمد لله إن شعورك هذا لدليل وبرهان على حياة قلبك ، إذ ما لجرح بميت إيلام ، العلاج سهل ومتوفر وهو يكون بأمرين الأول : عليك بمقويات الإيمان وأعظمها الإقبال على كتاب الله وتدبره وعلى سنة رسول الله وتفهمها وعلى طلب العلم الشرعي ومطالعة سير الصحابة والسلف الصالح والإقتداء بهم في الحرص على الأعمال الصالحات الفرائض منها والمستحبات وفي الدعوة إلى الله والإكثار من ذكره ودعائه والتضرع إليه عل الله أن يشفي قلبك ولن يخيبك الله إن صدقته ، فلابد أن تجعل لوقتك من ذلك نصيبا مفروضا حتى تكون معذورا في إقامتك إن شاء الله.
الثاني : أن تتقي الله وتتجنب أماكن المعاصي ومواطن الفتن ما استطعت إلى ذلك سبيلا قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، فهذه هي الحمية ، وذلك خشية الانزلاق في هذه الفتن والمعاصي ، هذا إن لم يمكن العودة إلى ديار الإسلام أصلا ، فإن المساكنة تدعوا إلى المشاكلة .
قال : هل معنى كلامك أن أهاجر من ديار الكفر هذه ولا أقيم بها؟
قلت : نعم إن أمكن العيش في بلاد الإسلام بأمان ، وقد حذر الله عز وجل من الإقامة حيث يخاف الإنسان من الفتنة في الدين ومن ضياع الدين وعدم التمكن من إقامة شعائره قال تعالى في سورة النساء آية : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قال ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } ، والآية تدل على أن الإنسان إذا كان في مكان لا يتمكن من إقامة دينه وجب عليه الهجرة إن كان قادرا ، فإن له متسعا في مكان آخر من الأرض ، ذلك لأن أغلى ما يملك المسلم هو دينه وهل خلق الله الخلق إلا لإقامة الدين وإخلاص العبودية له سبحانه !! ، ألم تسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام (( دينك دينك لحمك دمك )) ، ولهذا فإن الأصل عدم جواز الإقامة في بلاد الكفار إلا بشروط ذكرها العلماء ، أو ما سمعت إلى العلامة العثيمين رحمه الله إذ يقول في شرحه لثلاثة الأصول (( فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين:
الأول :أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم قال تعالى في سورة المائدة : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وفي الحديث المتفق عليه (( من أحب قوما فهو منهم ))
الثاني أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام دون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات ، ولايمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة )) وهذا كلامه رحمه الله مختصرا
قال صاحبي : هل في الإصابة بضعف الإيمان و برود القلب خير؟
قلت : هو ابتلاء وإن ربك حكيم عليم ، ومن حكمته امتحانك بالإقامة في بلاد الكفار حيث التواطؤ على المجاهرة بالكفر وأنواع المعاصي والأسباب المضعفة للإيمان ليرى تعالى هل أنت ممن يصبر على إنكار المنكر حسب الاستطاعة و وفق قواعد إنكار المنكر المقررة عند العلماء وهل تحرص على تقوية الإيمان بكل سبيل والثبات عليه وتجاهد وتكون أن الداعي لا المدعو والمؤثر فيمن حوله لا المتأثر فإن أفضل وسيلة للدفاع الهجوم، فيجازيك على ذلك خير الجزاء ويثيبك أعظم الثواب ويغفر ذنبك ويرحمك ويتبين صدقك أم أنك ممن يبرد قلبه تجاه المنكر و يتجمد ؟ !! ، ثم و إن برد قلبك وتجمد ينظر سبحانه فإن بكيت وتضرعت إلى الله أن يرد عليك إيمانك و يقويه ويذيقك حلاوته التي كنت تشعر بها من قبل وأخذت بأسباب تقويته التي ذكرتها لك آنفا رد الله عليك إيمانك وحلاوته وإن برد قلبك وتجمد ولم تبال لم يبال الله بك في أي واد تهلك، فلابد من امتحان الإيمان قال تعالى : { ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
ولأروح وأخفف عنك آلامك .. إن إقامتك في بلاد الكفار التي أسميتها الثلاجة ، ليست شرا محضا بل شر وفيه خير ومفسد ة وفيها مصالح وحكم كثيرة.
قال صاحبي : أفي المكث بالثلاجة خير؟
قلت : نعم إن ربك حكيم عليم ، أليس تمحيص الإيمان وتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق خير ؟ بلى و لله في تقديره على أولياءه مساكنة أعدائه وابتلاء بعضهم ببعض فوائد عظيمة وحكما بالغة و نعما سابغة غائبة عليك وعلى الكثيرين خصوصا الذين هم في مثل حالك مبتلين بمثل بلاءك ،و أترك المجال للعلامة ابن القيم رحمه الله ليحدثك عن بعضها فيقول في كتابه مدارج السالكين : (( وكم في تسليط أولياءه على أعدائه ،وتسليط أعدائه على أولياءه ، والجمع بينهما في دار واحدة وابتلاء بعضهم ببعض من حكمة بالغة ونعمة سابغة؟ وكم فيها من حصول محبوب للرب و حمد له من أهل سماواته وأرضه وخضوع له وتذلل،وخشية وافتقار إليه، وانكسا ر بين يديه ألا يجعلهم من أعدائه ،إذ هم يشاهدونهم ويشاهدون خذلان الله لهم،وإعراضه عنهم ، ومقته لهم،وما أعد لهم من العذاب ، وكل ذلك بمشيئته وإرادته، وتصرفه في مملكته فأولياؤه من خشية خذلانه خاضعون مشفقون على أشد وجل،وأعظم مخافة وأتم انكسار. فإذا رأت الملائكة إبليس وما جرى له وهارون وماروت وضعت رؤوسها بين يدي الرب خضوعا لعظمته واستكانة لعزته وخشية من إبعاده وطرده وتذللا لهيبته وافتقار إلى عصمته ورحمته وعلمت بذلك منته عليهم وإحسانه إليهم وتخصيصه لهم بفضله وكرامته وكذلك أولياؤه المتقون إذا شاهدوا أحوال أعدائه ومقته لهم وغضبه عليهم وخذلانه لهم ازدادوا خضوعا وذلا، وافتقارا وانكسارا ، وبه استعانة وإليه إنابة ، وعليه توكلا ، وفيه رغبه ، ومنه رهبه ، وعلموا أنهم لا ملجأ منه إلا إليه ، وأنهم لا يعيذهم من بأسه إلا هو ، ولا ينجيهم من سخطه إلا مرضاته ، فالفضل بيده أولا وآخرا. وهذه قطرة من بحر حكمته المحيطة بخلقه ، والبصير يطالع ببصيرته ما وراءه، فيطلعه على عجائب من حكمته ، لا تبلغها العبارة ، ولا تنالها الصفة . وأما حظ العبد في نفسه، وما يخصه من شهود هذه الحكمة فبحسب استعداده وقوة بصيرته وكمال علمه ومعرفته بالله وأسمائه وصفاته ، ومعرفته بحقوق العبودية والربوبية ، وكل مؤمن له من ذ‘لك شرب معلوم ، ومقام لا يتعداه ولا يتخطاه ، والله الموفق والمعين. ))
و يتلخص من كلامه رحمه الله أن الجمع بين المؤمنين والكفار في بلد واحد وابتلاء بعضهم ببعض يوجب للمؤمنين فائدتين عظيمتين الأولى : الخوف الشديد من خذلان الله لهم والاستعانة بالله والتوكل عليه ويزدادون بذلك ذلا لله وانكسارا بين يديه
الثانية : الفرح بفضل الله وإحسانه ورحمته ويصير لسان حالهم ومقالهم الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به ويزدادون بذلك لله حبا فيثمر ، هذا الأمر لمن تدبر الحكمة منه أنواعا من العبوديلت يحبها الله كأركان العبادة الحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم لله تعالى
ثم قلت فإن أصحاب الهمم العالية تدور خواطرهم حول ثلاثة أمور إما تدبر صفة لله تعالى يزدادون بالتدبر بها حبا له وإما تذكر نعمة فيزدادون بذلك شكرا وإما تذكر ذنب فيزدادون توبة وأوبة و إنابة و لو نتدبر دائما في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وأفعاله لوجدنا أنها كلها رحمة وحكمة وعدل وخير ، وأنها تستوجب منا غاية الحب وغاية الذل لله وإخلاص العبادة له سبحانه.. والله الهادي إلى سواء السبيل
منقوووووووووووووووووووووووووووول