خادم بيوت الله
03 Dec 2006, 02:46 AM
العفة يا مريم العصر
ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها
'مريم ابنة عمران' صورة مضيئة من صور العفة والطهر, 'مريمابنة عمران' أحصنت فرجها فكانت النتيجة المترتبة على ذلك {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْرُوحِنَا}, ولماذا اختارها الله واصطفاها من بين الفتيات؟ لأنها {صَدَّقَتْبِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم/ 12]
عزيزتي الفتاة القارئة المسلمة, لا تقولي: أنا لست مريم ولست منآل عمران ولست من نسل الرسل لأكون في عفة مريم أو طهر مريم، ولست معجزة مثل هذهالمعجزات الخارقة، ولكن يمكن أن تقولي ولماذا لا أتخذها قدوة وعبرة؟؟ {لَقَدْ كَانَفِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}....
عزيزتي الفتاة .. نحن في عصر العلم والتكنولوجيا الذي لا مجالللخوارق فيه, ولكن بعقولنا أيضًا يمكن أن نستشف ونفهم لماذا اصطفى الله مريم تلكالمعجزة الخارقة الباقية لتكون أمًا لعيسى ـ رسول الله.
تعالي معي نتتبع خيوط هذه القصة ـ قصة العفة مع مريم ابنةعمران:
أولاً: كانت أم مريم ـ حنة امرأة عمران ـ تقية شاكرة, عندمارزقها الله بالحمل توجهت بالشكر إليه، ولكنه شكر من نوع خاص لقد نذرت جنينها لله أيلخدمة بيت المقدس وللعبادة فيه أيضًا:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّإِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَأَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35].
إذن نفهم من هذا أن اختيار الزوجة الصالحة شرط لصلاح الأبناءوالذرية، فهذه أم مريم زوجة صالحة فرزقها الله الذرية الصالحة وهيمريم.
ثانيًا: عندما وضعتها وجدتها أنثى وكانت تحب أن يكون ولدًا ليخدمبيت الله ويتعبد فيه ولكن هذه مشيئة الله، فأخذتها وهي في مهدها إلى المسجد لتنفيذوعدها عندما كان جنينًا في بطنها، وكانت النتيجة {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَابِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَادَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].
سبحانك ربي ما أرحمك 'الله أرحم على العبد من الأم على وليدها' لا تقولي أيتها الفتاة كيف أتزوج بالحجاب، ومن يطلبني وأنا أمشي هكذا بدونمكياج؟
لا والله كوني صادقة مخلصة مع الله يرزقك من حيث لا تحتسب،فالعفة والحجاب والحياء هو الذي يأتي بالزوج وليس العري والمكياج والميوعة وتقليدالمتحررات من الغرب أو الشرق.
هذه حقيقة ليست خارقة ولكنها تجربة لفتيات كثيرات غير 'مريم ابنةعمران' إذن العفة والحجاب والحياء هم سبب رزقك بالزواج، والسكن والاستمتاع الحقيقيالطاهر النظيف.
ثالثًا: كيف كان حال مريم وهي فتاة بلغت مبلغالنساء؟
انزوت مريم في محرابها للصلاة والدعاء وخدمة بيت الله، محافظةعلى حجابها وحيائها، فتوالت عليها نداءات الملائكة توجها إلى مزيد من الركوعوالسجود والقنوت وتخبرها أن الله اصطفاها على نساء العالمين: {وَإِذْ قَالَتِالْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ[42]يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِيوَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:42ـ43].
لقد كانت مريم حرية بهذا الاصطفاء ... لماذا؟
1ـ كانت محررة منذ أن كانت جنينًا لخدمة بيت الله وتكفي هذه النيةالصادقة من الأم.
2ـ كانت طاهرة عفيفة حيية.
3ـ كانت عابدة خادمة في المسجد.
4ـ لم يخالط قلبها ما يخالط قلوب النساء من اتخاذ الأصدقاءوالأحباب، ولم تعرف ما هي الذنوب والآثام، لم تعرف إلا المحراب وما اتخذته من حجاب،إنها نموذج من النساء تستحق أن تصطفى على نساء الأرض.
عزيزتي الفتاة:
لنضع أيدينا على الأسباب وهي ليست خارقة خاصة بمريم فقط، ولكنهاتخص كل مسلمة حتى يصطفيك الله من بين الفتيات ويرزقك بالزواج الكريم، والسكن الجميلوالحب الصادق:
الصلاة والعفة والحجاب، وليس شرطًا أن تبحثي عن مسجد لتكوني مثلمريم ولكن أعمال الخير كثيرة ووجوه البر متنوعة، والله يقبل العمل من المخلص ولوكان مثقال ذرة وموضوعنا الرئيس هو العفة.
رابعًا: إليك أيتها الفتاة مشهد العفة يتجسد في ألفاظ القرآن،ومع أن هذا المشهد موغل في القدم لكن ألفاظ القرآن تجعله حيًا شاخصًا متجسدًا كأنهيحدث الآن أمام أعيننا.
ومريم في خلوتها خاشعة يدخل عليها الروح بشرًا سويًا فتضطربوترتاع وتستعيذ بالله: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَتَقِيّاً} [مريم ـ 18] ولكن يوضح لها مهمته فتنكر إنجاب الولد: {قَالَتْ أَنَّىيَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم ـ 20] فيبلغها أنه أمر الله ولا راد لأمره وقضاءه.
عزيزتي الفتاة:
حفاظ الفتاة على عفتها هو من الفطرة وليس خاصًّا بمريم ابنةعمران.
وعندما أحست مريم بالحمل يتحرك في أحشائها، يتحرك معه فزعهاوحزنها، حتى إذا أجاءها المخاض تتأسف وتتحسر وتقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَهَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم ـ 23].
وهي العفيفة الطاهرة تتمنى الموت بسبب ذنب لم تقترفه ولكنه حسالطهر والعفة، وهي تعلم أن ذلك هو إرادة الله ومشيئته.
وفي المشهد المقابل نجد الفتاة العصرية بدون حياء تتخلى عن عفتهاجريئة وهي تفخر بخروجها وتحررها وتزهو بلهوها ومجونها، تقلد الفتاة الغربيةالمتحررة من كل القيود حتى من عذريتها، وأصبح من التحضر عند الفتاة المسلمة تعددالصداقات وتنوع الخيانات، فانتفت العفة ورحل الحياء، وحل التبجح مكانه، وصار الحفاظعلى العرض ضربًا من ألوان الجمود والانغلاق فتمارس الفتاة باسم الحرية ـ ما تشاء منفواحش، في حين نرى مريم حين تمنت الموت على غير شيء اقترفته غير الاستجابة لمشيئةربها، ولكنه الإحساس بالطهر والعفة إحساس الفطرة.
عزيزتي الفتاة:
ليست العفة والطهر صفات خاصة بـ'مريم ابنة عمران، إن عفة الفتاةأعز ما تملك وإن عرضها أغلى ما تصون، وليس للحياة قيمة إن غاب الطهر عنها، وليسللفتاة وزن إن فرطت في شرفها ونقائها.
والفتاة التي تحافظ على عفتها تحس بعزة وفخر واطمئنان وثقةبالنفس غير أن الله سيرزقها الزوج الصالح ويجزيها خير الجزاء على حسن العمل {هَلْجَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن ـ 60].
أما المفرطة في عفتها فهي شاردة ضائعة لا يقر لها قرار ولا يطيبلها عيش، ولا تشعر بالثقة والاعتزاز بل شتات وضياع وسخط ويتحقق فيها قول اللهتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةًضَنْكا}...
إن الفتاة المسلمة تزال في خير إن هي ابتعدت عن عدوى الحرياتالزائفة والأفكار الخادعة ثم استقامت على تعاليم دينها.
لماذا العفة يا مريم العصر؟
في هذا المقام سأعرض لك إذا اخترت طريق العفة إشراقات من النورمضيئة وإطلالات تبهج النفوس من القرآن والسنة المطهرة، ومنها سنستشف لماذا طريقالعفة هو الطريق ولا طريق غيره للفتاة المسلمة؟
لأن العفة هي الحياء والحياء من الإيمان.
لأن العفة هي الفطرة السوية.
لأن العفة هي الحياة الطيبة.
لأن العفة هي الطريق إلى الرزق من الله بالزواج والمالأيضًا.
وقبل ذلك كله لأن العفة هي الطريق إلى رضا الله و إلىالجنة.
1ـ وإليك هذه الومضات القرآنية:
1ـ يقول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَنِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجًا بالتعفف عن الحرام كماقال صلى الله عليه وسلم: 'يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضللبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء'.
عزيزتي الفتاة المسلمة .. لا تتوهمي أن طريق الشهوات هو الطريقالأسهل لإرضاء النفس والوصول إلى ما تتمنين، بل طريق العفة هو الطريق الأسهلوالأضمن لهذا القصد. لماذا؟
لأن مع المتعفف عون من الله ووعد منه أيضا بالرزقوالإغناء.
لقد تكفل الله بإغناء الرجال والنساء إن هم اختاروا طريق العفةالنظيف: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32].
وقال صلى الله عليه وسلم: 'ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد فيسبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف'.
إذن فلا يقف الفقر عائقًا عن الزواج فالرزق بيد الله يزرق منيشاء بغير حساب فهل تستغني عن عون الله وكفالة الله لك بالرزق والإعفاف من أجل نزوةوشهوة سريعة تنفض في دقائق معدودة؟
2ـ يقول الله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِأَخْدَانٍ} [النساء:25] قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني اللاتي لا يمنعن أحدًاأرادهم بالفاحشة، {مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يعني أخلاء، وقال الحسن البصري: يعنيالصديق.
ثم تأتي الآيات بعد ذلك: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَعَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاًعَظِيماً[27]يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُضَعِيفاً} [النساء:27ـ28].
إن الله يتلطف مع عباده ويريد لحياتهم الخير ويكرمهم ويطهرالمجتمع ويحدد الصورة النظيفة الوحيدة التي يحب الله أن يلتقي عليها الرجال والنساء 'الزواج' وتصان نفوسهم بالزواج، وتحريم ما عدا ذلك من الصور.
أما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كلعقال: ديني أو أخلاقي أو اجتماعي، يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجزولا كابح، الذي لا يقر معه قلب ولا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت ولا تقوم معهأسرة كل هذا الفساد وهذا الشر باسم الحرية، والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعاتالتي 'تحررت' من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة يكفي لإلقاء الرعب فيالقلوب لو كانت هنالك قلوب.
وتخفيف الله سبحانه وتعالى يتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرةوتصريف طاقتها في الجو الطاهر النظيف الرفيع 'الزواج الشرعي' المأمون المثمر، دونمشقة أو عنت دون أن يطلقهم ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد أو قيد. [في ظلالالقرآن ـ سيد قطب ـ بتصرف]
3ـ يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْأَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30].
ألم يكن يكفي هذا النداء من الله للمؤمنين، وإذا جاء لفظالمؤمنين فإنه للرجال وللنساء أيضًا، ولكن الله خص النساء بالآية لأهمية وقدرالمرأة العظيم عند الله الشارع العظيم فقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِيَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
وهذا أمر من الله للنساء بغض البصر عما حرم الله من النظر إلىغير أزواجهن، وأيضًا أمر من الله بحفظ فروجهن، قال سعيد بن جبير: عن الفواحش، وقالقتادة وسفيان: عما لا يحل لهن، وقال مقاتل: عن الزنا.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا يهاج فيه الشهوات كللحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، فعمليات الاستثارة المستمرةتنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة والحركة المثيرةوالزينة المتبرجة والجسد العاري .... كلها لا تصنع شيئًا إلا أن تهيج ذلك السعارالحيواني وينفلت زمام الأعصاب والإرادة.
لقد أمر الله الرجال بغض البصر ثم خص النساء أيضًا بآية غض البصرلتقليل فرص الغواية والفتنة والاستثارة من الجانبين، وغض البصر أدب نفسي ومحاولةللاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على محاسن الغير كما أن فيه إغلاقًا للنافذةالأولى من نوافذ الفتنة [وهي البصر]، وهو الخطوة الأولى لتحيكم الإرادة ويقظةالرقابة، ثم بعد ذلك لا يبحن فروجهن إلا في حلال طيب، يلبي داعي الفطرة في جونظيف، لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه من مواجهة المجتمعوالحياة.
4ـ يقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:29].
وهذه الآية تعني طهارة النفس والجماعة، فالإسلام يريد مجتمعًاطاهرًا نظيفًا تلبى فيه كل دوافع الفطرة ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل،مجتمعًا يقوم على البيت العلني والعلاقات الجنسية النظيفة الصريحة طويلة الأمد،واضحة الأهداف، مجتمعًا يعرف فيه كل طفل أباه ولا يخجل من مولده.
وفي نهاية سياق هذه الآيات يبشرنا الله بجزاء من يفعل ما ذكر فيالآيات والذين هم ....... والذين هم ........... والذين هم.........
وما الجزاء؟
{أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35].
إذن جزاء الذين هم لفروجهم حافظون هو [أولئك في جنات مكرمون] فجزاء العفة هو الجنة أيتها الفتاة المسلمة.
2ـ عزيزتي مريم العصر .... هذه وقفات مع رسولناالكريم:
الوقفة الأولى:
هذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ـ يصف لنا رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ فيقول: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد حياء من العذراءفي خدرها' [متفق عليه].
أي أشد حياءً من البكر حال اختلائها بالزوج الذي لم تعرفه قبلواستحيائها منه.
أليس لكِ في رسول الله أسوة حسنة؟ أليس حري بك أن تكوني في حياءالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو رجل وأنت امرأة؟
الوقفة الثانية:
هذا مشهد الصحابي يعاتب أخاه على شدة حيائه وكأنما يقول له 'قدأضر بك الحياء' فيقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ 'دعه ... فإن الحياء منالإيمان'.
وانظري إلى تفسير الإمام أبي عبيد الهروي لهذا الحديثبقوله:
'معناه أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي' ومن يستحي يتعفف عنفعل كل قبيح يقول الشاعر:
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقياللحاء
الوقفة الثالثة:
وفي بيعة العقبة بايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء علىماذا؟ على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يأتين ببهتان، وكانتهند بنت عتبة تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم وترد عليه ومن هذه الردود، قال هندبنت عتبة: أوَتزني الحرة؟
وهذا سؤال استنكاري تعجبي، هذا هو حال المرأة في الإسلام عفيفةشريفة تفكر وتتعلم وتسأل، وليست كمًا مهملاً أو قطعة أثاث لا حياة فيها صماء بكماء،إنها امرأة فاعلة لها دورها في الحياة تحيا في بيتها في سياج العفةوالطهر.
الوقفة الرابعة:
ورد في صحيح سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر........'
إذن حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث تحل الجرأة علىالقبائح يحل معها التكشف والفضائح، وستبقي الفطرة السوية مقترنة بالعفةوالحياء.
ومن الجميل يا مريم العصر أن نجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ يدعو بدعائه المشهور 'اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفافوالغنى'.
الوقفة الخامسة والأخيرة:
هذا المشهد العجيب لامرأة قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنها من أهل الجنة.
فعن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألاأريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي ـ صلى اللهعليه وسلم ـ فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله ـ تعالى ـ لي. قال: إن شئت صبرتولك الجنة، وإن شئت دعوت الله ـ تعالى ـ أن يعافيك. فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشففادع الله أن لا أتكشف فدعا لها'. [متفق عليه ]
مريم هذا العصر .. إن هذه امرأة وعدها الرسول بالجنة وهي: سوداء،تصرع، تتكشف.
لقد خيرها رسول الله بين الجنة أو المعافاة من الصرع فاختارتالجنة.
ولكن أرَّقها أنها حين تصرع تتكشف، فسألت الرسول ـ صلى الله عليهوسلم ـ الدعاء ألا تتكشف، لماذا؟ إنه الحياء، إنها العفة، إنها امرأة حقيقية معأنها سوداء.
إذن جمال المرأة ليس في كون لونها أبيض أو أسود، ولكن الجمالالحقيقي في الحياء والعفة، حياء الفتاة قوة وليس ضعفًا، وهو عنصر جمال عند الفتاةلا يقل أهمية عن لونها وشكلها.
وأنت أيتها الفتاة: ماذا تختارين طريق العفة والحياء الذي ينتهيبك إلى الرزق والسكن الحقيقي في الدنيا والجنة في الآخرة،أم تختارين طريق النزوةوالشهوة واللذة السريعة الخاطفة التي يعقبها سواد في القلب وضنك في الحياة؟! .. فسبحان الله شتان بين النور والظلمات.
ولا تنسي قصة الكريمة العفيفة مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجهافرزقها الله برسول وهو عيسى عليه السلام ـ ورزقها في الدنيا الرزق الواسع الوفير،وفي الآخرة هي من أهل الجنة، إذن الحجاب والصلاة والعفة والحياء هم سبب الرزقبالزواج والسكن والاستمتاع الحقيقي النظيف، أما اتباع الهوى واتباع المتحررات منالشرق والغرب والتخلي عن الحجاب والصلاة والعفاف هي طريق إلى ضنك الحياة وشتاتوضياع وحيرة وقلق في الدنيا وسخط الله تعالى وعذابه في الآخرة.
فتاتي العزيزة ....
تذكري قول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَنِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
أي اطلبي العفة، واسعي وابذلي الجهد وادعى الله تعالى أن يرزقكالعفة، والاستعفاف يكون إما بالصوم أو بالزواج لمن استطاع الزواج.
اللهم ارزقنا جميعًا 'الهدى والتقى والعفافوالغنى'.
ونسال الله ان ينفعنا واياكم بما قراناه ,,,,, منقول
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها
'مريم ابنة عمران' صورة مضيئة من صور العفة والطهر, 'مريمابنة عمران' أحصنت فرجها فكانت النتيجة المترتبة على ذلك {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْرُوحِنَا}, ولماذا اختارها الله واصطفاها من بين الفتيات؟ لأنها {صَدَّقَتْبِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم/ 12]
عزيزتي الفتاة القارئة المسلمة, لا تقولي: أنا لست مريم ولست منآل عمران ولست من نسل الرسل لأكون في عفة مريم أو طهر مريم، ولست معجزة مثل هذهالمعجزات الخارقة، ولكن يمكن أن تقولي ولماذا لا أتخذها قدوة وعبرة؟؟ {لَقَدْ كَانَفِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}....
عزيزتي الفتاة .. نحن في عصر العلم والتكنولوجيا الذي لا مجالللخوارق فيه, ولكن بعقولنا أيضًا يمكن أن نستشف ونفهم لماذا اصطفى الله مريم تلكالمعجزة الخارقة الباقية لتكون أمًا لعيسى ـ رسول الله.
تعالي معي نتتبع خيوط هذه القصة ـ قصة العفة مع مريم ابنةعمران:
أولاً: كانت أم مريم ـ حنة امرأة عمران ـ تقية شاكرة, عندمارزقها الله بالحمل توجهت بالشكر إليه، ولكنه شكر من نوع خاص لقد نذرت جنينها لله أيلخدمة بيت المقدس وللعبادة فيه أيضًا:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّإِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَأَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35].
إذن نفهم من هذا أن اختيار الزوجة الصالحة شرط لصلاح الأبناءوالذرية، فهذه أم مريم زوجة صالحة فرزقها الله الذرية الصالحة وهيمريم.
ثانيًا: عندما وضعتها وجدتها أنثى وكانت تحب أن يكون ولدًا ليخدمبيت الله ويتعبد فيه ولكن هذه مشيئة الله، فأخذتها وهي في مهدها إلى المسجد لتنفيذوعدها عندما كان جنينًا في بطنها، وكانت النتيجة {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَابِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَادَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].
سبحانك ربي ما أرحمك 'الله أرحم على العبد من الأم على وليدها' لا تقولي أيتها الفتاة كيف أتزوج بالحجاب، ومن يطلبني وأنا أمشي هكذا بدونمكياج؟
لا والله كوني صادقة مخلصة مع الله يرزقك من حيث لا تحتسب،فالعفة والحجاب والحياء هو الذي يأتي بالزوج وليس العري والمكياج والميوعة وتقليدالمتحررات من الغرب أو الشرق.
هذه حقيقة ليست خارقة ولكنها تجربة لفتيات كثيرات غير 'مريم ابنةعمران' إذن العفة والحجاب والحياء هم سبب رزقك بالزواج، والسكن والاستمتاع الحقيقيالطاهر النظيف.
ثالثًا: كيف كان حال مريم وهي فتاة بلغت مبلغالنساء؟
انزوت مريم في محرابها للصلاة والدعاء وخدمة بيت الله، محافظةعلى حجابها وحيائها، فتوالت عليها نداءات الملائكة توجها إلى مزيد من الركوعوالسجود والقنوت وتخبرها أن الله اصطفاها على نساء العالمين: {وَإِذْ قَالَتِالْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ[42]يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِيوَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:42ـ43].
لقد كانت مريم حرية بهذا الاصطفاء ... لماذا؟
1ـ كانت محررة منذ أن كانت جنينًا لخدمة بيت الله وتكفي هذه النيةالصادقة من الأم.
2ـ كانت طاهرة عفيفة حيية.
3ـ كانت عابدة خادمة في المسجد.
4ـ لم يخالط قلبها ما يخالط قلوب النساء من اتخاذ الأصدقاءوالأحباب، ولم تعرف ما هي الذنوب والآثام، لم تعرف إلا المحراب وما اتخذته من حجاب،إنها نموذج من النساء تستحق أن تصطفى على نساء الأرض.
عزيزتي الفتاة:
لنضع أيدينا على الأسباب وهي ليست خارقة خاصة بمريم فقط، ولكنهاتخص كل مسلمة حتى يصطفيك الله من بين الفتيات ويرزقك بالزواج الكريم، والسكن الجميلوالحب الصادق:
الصلاة والعفة والحجاب، وليس شرطًا أن تبحثي عن مسجد لتكوني مثلمريم ولكن أعمال الخير كثيرة ووجوه البر متنوعة، والله يقبل العمل من المخلص ولوكان مثقال ذرة وموضوعنا الرئيس هو العفة.
رابعًا: إليك أيتها الفتاة مشهد العفة يتجسد في ألفاظ القرآن،ومع أن هذا المشهد موغل في القدم لكن ألفاظ القرآن تجعله حيًا شاخصًا متجسدًا كأنهيحدث الآن أمام أعيننا.
ومريم في خلوتها خاشعة يدخل عليها الروح بشرًا سويًا فتضطربوترتاع وتستعيذ بالله: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَتَقِيّاً} [مريم ـ 18] ولكن يوضح لها مهمته فتنكر إنجاب الولد: {قَالَتْ أَنَّىيَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم ـ 20] فيبلغها أنه أمر الله ولا راد لأمره وقضاءه.
عزيزتي الفتاة:
حفاظ الفتاة على عفتها هو من الفطرة وليس خاصًّا بمريم ابنةعمران.
وعندما أحست مريم بالحمل يتحرك في أحشائها، يتحرك معه فزعهاوحزنها، حتى إذا أجاءها المخاض تتأسف وتتحسر وتقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَهَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم ـ 23].
وهي العفيفة الطاهرة تتمنى الموت بسبب ذنب لم تقترفه ولكنه حسالطهر والعفة، وهي تعلم أن ذلك هو إرادة الله ومشيئته.
وفي المشهد المقابل نجد الفتاة العصرية بدون حياء تتخلى عن عفتهاجريئة وهي تفخر بخروجها وتحررها وتزهو بلهوها ومجونها، تقلد الفتاة الغربيةالمتحررة من كل القيود حتى من عذريتها، وأصبح من التحضر عند الفتاة المسلمة تعددالصداقات وتنوع الخيانات، فانتفت العفة ورحل الحياء، وحل التبجح مكانه، وصار الحفاظعلى العرض ضربًا من ألوان الجمود والانغلاق فتمارس الفتاة باسم الحرية ـ ما تشاء منفواحش، في حين نرى مريم حين تمنت الموت على غير شيء اقترفته غير الاستجابة لمشيئةربها، ولكنه الإحساس بالطهر والعفة إحساس الفطرة.
عزيزتي الفتاة:
ليست العفة والطهر صفات خاصة بـ'مريم ابنة عمران، إن عفة الفتاةأعز ما تملك وإن عرضها أغلى ما تصون، وليس للحياة قيمة إن غاب الطهر عنها، وليسللفتاة وزن إن فرطت في شرفها ونقائها.
والفتاة التي تحافظ على عفتها تحس بعزة وفخر واطمئنان وثقةبالنفس غير أن الله سيرزقها الزوج الصالح ويجزيها خير الجزاء على حسن العمل {هَلْجَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن ـ 60].
أما المفرطة في عفتها فهي شاردة ضائعة لا يقر لها قرار ولا يطيبلها عيش، ولا تشعر بالثقة والاعتزاز بل شتات وضياع وسخط ويتحقق فيها قول اللهتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةًضَنْكا}...
إن الفتاة المسلمة تزال في خير إن هي ابتعدت عن عدوى الحرياتالزائفة والأفكار الخادعة ثم استقامت على تعاليم دينها.
لماذا العفة يا مريم العصر؟
في هذا المقام سأعرض لك إذا اخترت طريق العفة إشراقات من النورمضيئة وإطلالات تبهج النفوس من القرآن والسنة المطهرة، ومنها سنستشف لماذا طريقالعفة هو الطريق ولا طريق غيره للفتاة المسلمة؟
لأن العفة هي الحياء والحياء من الإيمان.
لأن العفة هي الفطرة السوية.
لأن العفة هي الحياة الطيبة.
لأن العفة هي الطريق إلى الرزق من الله بالزواج والمالأيضًا.
وقبل ذلك كله لأن العفة هي الطريق إلى رضا الله و إلىالجنة.
1ـ وإليك هذه الومضات القرآنية:
1ـ يقول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَنِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجًا بالتعفف عن الحرام كماقال صلى الله عليه وسلم: 'يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضللبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء'.
عزيزتي الفتاة المسلمة .. لا تتوهمي أن طريق الشهوات هو الطريقالأسهل لإرضاء النفس والوصول إلى ما تتمنين، بل طريق العفة هو الطريق الأسهلوالأضمن لهذا القصد. لماذا؟
لأن مع المتعفف عون من الله ووعد منه أيضا بالرزقوالإغناء.
لقد تكفل الله بإغناء الرجال والنساء إن هم اختاروا طريق العفةالنظيف: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32].
وقال صلى الله عليه وسلم: 'ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد فيسبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف'.
إذن فلا يقف الفقر عائقًا عن الزواج فالرزق بيد الله يزرق منيشاء بغير حساب فهل تستغني عن عون الله وكفالة الله لك بالرزق والإعفاف من أجل نزوةوشهوة سريعة تنفض في دقائق معدودة؟
2ـ يقول الله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِأَخْدَانٍ} [النساء:25] قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني اللاتي لا يمنعن أحدًاأرادهم بالفاحشة، {مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يعني أخلاء، وقال الحسن البصري: يعنيالصديق.
ثم تأتي الآيات بعد ذلك: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَعَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاًعَظِيماً[27]يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُضَعِيفاً} [النساء:27ـ28].
إن الله يتلطف مع عباده ويريد لحياتهم الخير ويكرمهم ويطهرالمجتمع ويحدد الصورة النظيفة الوحيدة التي يحب الله أن يلتقي عليها الرجال والنساء 'الزواج' وتصان نفوسهم بالزواج، وتحريم ما عدا ذلك من الصور.
أما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كلعقال: ديني أو أخلاقي أو اجتماعي، يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجزولا كابح، الذي لا يقر معه قلب ولا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت ولا تقوم معهأسرة كل هذا الفساد وهذا الشر باسم الحرية، والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعاتالتي 'تحررت' من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة يكفي لإلقاء الرعب فيالقلوب لو كانت هنالك قلوب.
وتخفيف الله سبحانه وتعالى يتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرةوتصريف طاقتها في الجو الطاهر النظيف الرفيع 'الزواج الشرعي' المأمون المثمر، دونمشقة أو عنت دون أن يطلقهم ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد أو قيد. [في ظلالالقرآن ـ سيد قطب ـ بتصرف]
3ـ يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْأَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30].
ألم يكن يكفي هذا النداء من الله للمؤمنين، وإذا جاء لفظالمؤمنين فإنه للرجال وللنساء أيضًا، ولكن الله خص النساء بالآية لأهمية وقدرالمرأة العظيم عند الله الشارع العظيم فقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِيَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
وهذا أمر من الله للنساء بغض البصر عما حرم الله من النظر إلىغير أزواجهن، وأيضًا أمر من الله بحفظ فروجهن، قال سعيد بن جبير: عن الفواحش، وقالقتادة وسفيان: عما لا يحل لهن، وقال مقاتل: عن الزنا.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا يهاج فيه الشهوات كللحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، فعمليات الاستثارة المستمرةتنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة والحركة المثيرةوالزينة المتبرجة والجسد العاري .... كلها لا تصنع شيئًا إلا أن تهيج ذلك السعارالحيواني وينفلت زمام الأعصاب والإرادة.
لقد أمر الله الرجال بغض البصر ثم خص النساء أيضًا بآية غض البصرلتقليل فرص الغواية والفتنة والاستثارة من الجانبين، وغض البصر أدب نفسي ومحاولةللاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على محاسن الغير كما أن فيه إغلاقًا للنافذةالأولى من نوافذ الفتنة [وهي البصر]، وهو الخطوة الأولى لتحيكم الإرادة ويقظةالرقابة، ثم بعد ذلك لا يبحن فروجهن إلا في حلال طيب، يلبي داعي الفطرة في جونظيف، لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه من مواجهة المجتمعوالحياة.
4ـ يقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:29].
وهذه الآية تعني طهارة النفس والجماعة، فالإسلام يريد مجتمعًاطاهرًا نظيفًا تلبى فيه كل دوافع الفطرة ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل،مجتمعًا يقوم على البيت العلني والعلاقات الجنسية النظيفة الصريحة طويلة الأمد،واضحة الأهداف، مجتمعًا يعرف فيه كل طفل أباه ولا يخجل من مولده.
وفي نهاية سياق هذه الآيات يبشرنا الله بجزاء من يفعل ما ذكر فيالآيات والذين هم ....... والذين هم ........... والذين هم.........
وما الجزاء؟
{أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35].
إذن جزاء الذين هم لفروجهم حافظون هو [أولئك في جنات مكرمون] فجزاء العفة هو الجنة أيتها الفتاة المسلمة.
2ـ عزيزتي مريم العصر .... هذه وقفات مع رسولناالكريم:
الوقفة الأولى:
هذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ـ يصف لنا رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ فيقول: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد حياء من العذراءفي خدرها' [متفق عليه].
أي أشد حياءً من البكر حال اختلائها بالزوج الذي لم تعرفه قبلواستحيائها منه.
أليس لكِ في رسول الله أسوة حسنة؟ أليس حري بك أن تكوني في حياءالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو رجل وأنت امرأة؟
الوقفة الثانية:
هذا مشهد الصحابي يعاتب أخاه على شدة حيائه وكأنما يقول له 'قدأضر بك الحياء' فيقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ 'دعه ... فإن الحياء منالإيمان'.
وانظري إلى تفسير الإمام أبي عبيد الهروي لهذا الحديثبقوله:
'معناه أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي' ومن يستحي يتعفف عنفعل كل قبيح يقول الشاعر:
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقياللحاء
الوقفة الثالثة:
وفي بيعة العقبة بايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء علىماذا؟ على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يأتين ببهتان، وكانتهند بنت عتبة تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم وترد عليه ومن هذه الردود، قال هندبنت عتبة: أوَتزني الحرة؟
وهذا سؤال استنكاري تعجبي، هذا هو حال المرأة في الإسلام عفيفةشريفة تفكر وتتعلم وتسأل، وليست كمًا مهملاً أو قطعة أثاث لا حياة فيها صماء بكماء،إنها امرأة فاعلة لها دورها في الحياة تحيا في بيتها في سياج العفةوالطهر.
الوقفة الرابعة:
ورد في صحيح سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر........'
إذن حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث تحل الجرأة علىالقبائح يحل معها التكشف والفضائح، وستبقي الفطرة السوية مقترنة بالعفةوالحياء.
ومن الجميل يا مريم العصر أن نجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ يدعو بدعائه المشهور 'اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفافوالغنى'.
الوقفة الخامسة والأخيرة:
هذا المشهد العجيب لامرأة قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنها من أهل الجنة.
فعن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألاأريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي ـ صلى اللهعليه وسلم ـ فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله ـ تعالى ـ لي. قال: إن شئت صبرتولك الجنة، وإن شئت دعوت الله ـ تعالى ـ أن يعافيك. فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشففادع الله أن لا أتكشف فدعا لها'. [متفق عليه ]
مريم هذا العصر .. إن هذه امرأة وعدها الرسول بالجنة وهي: سوداء،تصرع، تتكشف.
لقد خيرها رسول الله بين الجنة أو المعافاة من الصرع فاختارتالجنة.
ولكن أرَّقها أنها حين تصرع تتكشف، فسألت الرسول ـ صلى الله عليهوسلم ـ الدعاء ألا تتكشف، لماذا؟ إنه الحياء، إنها العفة، إنها امرأة حقيقية معأنها سوداء.
إذن جمال المرأة ليس في كون لونها أبيض أو أسود، ولكن الجمالالحقيقي في الحياء والعفة، حياء الفتاة قوة وليس ضعفًا، وهو عنصر جمال عند الفتاةلا يقل أهمية عن لونها وشكلها.
وأنت أيتها الفتاة: ماذا تختارين طريق العفة والحياء الذي ينتهيبك إلى الرزق والسكن الحقيقي في الدنيا والجنة في الآخرة،أم تختارين طريق النزوةوالشهوة واللذة السريعة الخاطفة التي يعقبها سواد في القلب وضنك في الحياة؟! .. فسبحان الله شتان بين النور والظلمات.
ولا تنسي قصة الكريمة العفيفة مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجهافرزقها الله برسول وهو عيسى عليه السلام ـ ورزقها في الدنيا الرزق الواسع الوفير،وفي الآخرة هي من أهل الجنة، إذن الحجاب والصلاة والعفة والحياء هم سبب الرزقبالزواج والسكن والاستمتاع الحقيقي النظيف، أما اتباع الهوى واتباع المتحررات منالشرق والغرب والتخلي عن الحجاب والصلاة والعفاف هي طريق إلى ضنك الحياة وشتاتوضياع وحيرة وقلق في الدنيا وسخط الله تعالى وعذابه في الآخرة.
فتاتي العزيزة ....
تذكري قول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَنِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
أي اطلبي العفة، واسعي وابذلي الجهد وادعى الله تعالى أن يرزقكالعفة، والاستعفاف يكون إما بالصوم أو بالزواج لمن استطاع الزواج.
اللهم ارزقنا جميعًا 'الهدى والتقى والعفافوالغنى'.
ونسال الله ان ينفعنا واياكم بما قراناه ,,,,, منقول
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته