AL SHAIMAA
26 Apr 2004, 01:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<span style='color:crimson'> هل تبحث عن وظيفة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
نعم .. أكثر الناس يحرصون على الوظائف .. ويتسابقون إليها ..
فما يُعلن عن وظيفة شاغرة إلا ويتسابق إليها الآلاف ..
ولكن هناك وظائف شاغرة .. وظائف ربانية .. عرضها الله تعالى على العالمين .. لا يوفق إليها إلا من أحب .
ومن الوظائف الشاغرة ذات الأجور العظيمة .. الدعوة إلى الله تعالى .
فإن من أعظم صفات أهل الجنة هي أن وظيفة أحدهم الأساسية في هذه الحياة هي عبادة الله .. والدعوة إليه .. والعمل لهذا الدين .. ونصح الناس .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وبصراحة ..
بعض الناس إذا سمع الحديث حول الدعوة إلى الله .. ظن أن الدعوة مقصورة على من أعفى لحيته وقصر ثوبه .. ثم قال لك : أنا أحلق لحيتي .. وأسبل ثوبي .. وأدخن .. وجعل هذه الأمور حائلاً بينه وبين الدعوة إلى الله تعالى ونصح المقصرين .. وهذا خطأ من وساوس الشيطان ..
نعم لا أنكر أن الأصل في الداعية أن يكون مستقيماً مطبقاً لما يدعو إليه .. ولكن لا يعني هذا أن يترك الرجل الطاعات بسبب وقوعه في بعض المعاصي .. ولعل تلك المعاصي أن تغوص في بحر الحسنات ..
بل قد يستطيع المقصر أن يصل إلى أشخاص لا يستطيع أن يصلهم الداعية المستقيم .. فأنت وإن كنت مقصراً إلا أنك تستطيع أن تدعو تارك الصلاة إلى أن يصلي .. فترك الصلاة كفر ..
أنت تستطيع أن تنصح من يقع في الفواحش أن يتوب منها .. تنصح من يتعرض لأعراض المسلمين بأن يكف عن ذلك ..
بل قد يجالس الدعية المستقيم بعض الناس ولا يعلم أنهم يأكلون الربا .. أو يقعون في الفواحش .. أو يتركون الصلاة .. لأنهم يتظاهرون بالخير أمام الصالحين .. أما من رأوه مثلهم فلا يتصنعون أمامه بشيء .. بل يكشفون أمامه أوراقهم ..ويظهرون كل شيء .. أما كيف تنصحهم وتدعوهم .. فهذا يكون بأساليب شتى .. كإهداء الأشرطة النافعة إليهم .. ودعوة بعض الدعاة إلى مجالسكم أحياناً .. والنصيحة الفردية لهم .. وغير ذلك .. ولا تقل أنا غير ملتزم فكيف أدعو وأنصح ؟! .. فإن وظيفة الدعوة إلى الله وظيفة ربانية واسعة .. كثيرة الأساليب لا تزال تحتاج إلى عاملين .. وكلنا ذوو خطأ .. وكل بني آدم خطاء ..
ولو لم يعظ في الناس منهو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟!
قال الشيخ :
خرجت من المسجد يوماً فجاءني شاب عليه آثار المعصية .. وقد اسودت شفتاه من كثرة التدخين..فعجبت لما رأيته .. ماذا يريد .. فلما سلم علي قال : يا شيخ أنتم تجمعون أموالاً لبناء مسجد أليس كذلك ؟
قلت : بلى ..
فناولني ظرفاً مغلقاً وقال : هذا مال جمعته من أمي وأخواتي وبعض المعارف .. ثم ذهب .. ففتحت الظرف فإذا فيه خمسة آلاف ريال ..وأنفق هذا المال في بناء المسجد .. واليوم لا يذكر الله في ذلك المسجد ذاكر .. ولا يتلو القرآن قارئ .. ولا يصل مصل .. إلا وكان في ميزان ذاك الشاب مثل أجره .. فهنيئاً له ..
ولو أن هذا الشاب استسلم لتخذ يل الشيطان وقال : أنا عاص .. فإذا تبت بدأت أخدم الدين وابني المساجد .. لفاته أجر عظيم .. وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) (رواه مسلم)
- وأعرف اثنين من الشباب - المقصرين - هما منذ سنوات .. إذا أقبل شهر رمضان أو موسم الحج ركبا في سيارة وأخذا معهما أدوات خاصة بإصلاح أعطال السباكة والكهرباء .. ثم توجها إلى مكة .. ومرا على جميع دورات المياه التي في طريق الحجاج والمعتمرين وأصلحاً أعطالها .. خدمة لإخوانهم المسلمين .. ولا أحد يعرف عنهما ذلك ..
وحدثني أحد الدعاة أنه طرق عليه الباب في آخر الليل ..
قال الشيخ : فخرجت فزعاً فإذا شاب عليه آثار التقصير والمعصية .. فسألته : ماذا تريد ؟!
فقال : معي في السيارة اثنان من العمال الهنود أسلما على يدي وقد أحضرتهما إليك لتلقنهما الشهادة وتجيب عن أسئلتهما ..!!
قال الشيخ : فعجبت وقلت .. كيف دعوتهما ؟
فقال : لا زلت أتابعهما بالكتب والأشرطة حتى أسلما ..
- وحدثني أحد العاملين في مكتب للدعوة والإرشاد أن شاباً مدخناً .. وعنده معاص أخر. ومع ذلك فإن هذا الشاب إذا أقبل رمضان جمع تبرعات من التجار ثم اشترى آلاف الأشرطة وحملها إلى مكاتب الدعوة لتوزيعها خلال نشاطاتهم في رمضان ..
طالما اشتكى العاملون في مكاتب الدعوة والإرشاد من قلة المتعاونين معهم .. ويقسم لي أحدهم : أن بعض العمال الكفار ليس بينه وبين الإسلام إلا أن يتفرغ له شخص أسبوعاً أو أسبوعين يأتي به إلى مكتب الدعوة لحضور المحاضرات .. ولا يجد المكتب متعاوناً يهتم بمثل هذا ..
بل .. كم من خادمة كافرة ما نشط أصحابها في دعوتها ولا أهدوا لها كتاباً ولا شريطاً عن الإسلام .. فبقيت على كفرها .. وكم من شاب فاجأه الموت وهو تارك للصلاة .. أو مقيم على كبيرة من الكبائر .. لأن الدعاة ما استطاعوا الوصول إليه .. وأصحابه ما نشطوا في نصيحته ..
وكم من فتاة ترى زميلاتها في المدرسة .. يتبادلن الصور الأشرطة المحرمة .. بل وأرقام الهواتف المشبوهة .. ومع ذلك إذا طالبناها بنصيحتهن قالت : أنا احتاج إلى من ينصحني .. أنا مقصرة .. إذا أصبحت ملتزمة نصحتهن ..
عجباً ..
ما أسعد الشيطان بسماع هذه الكلمات ..
كيف دخل الإسلام إلى أفريقيا والهند والصين ..!! حتى صار في الهند مائة مليون مسلم .. وفي الصين قريباً من ذلك .. من دعا هؤلاء ؟ ..
إنهم أقوام من عامة الناس .. ليسوا طلبة علم .. ولا أئمة مساجد .. ولا تخرجوا من كليات شرعية..أقوام ذهبوا للتجارة .. فدعوا الناس فأسلموا على أيديهم .. فخرج من هؤلاء المسلمين الهنود والصينيين والأفارقة علماء ودعاة .. وأجر هدايتهم لأولئك التجار ..
لقد سألت مراراً عداداً من العمال الكفار الذين في محطات البنزين .. أقول لا حدهم : منذ متى وأنت في هذه البلاد فيقول : منذ خمس سنوات .. وسبع سنوات .. فأقول : هل أعطاك أحد شريطاً أو كتاباً عن الإسلام منذ جئت إلى هنا ؟! فيعتصر قلبي بقوله :لا.. كل الناس يملئون سياراتهم بالوقود ويذهبون ..
يا أخي قد تكون مقصراً .. بل قد تستمع إلى الأغاني .. وقد تدخن .. وقد تقع في المعاصي ولكن أنت مسلم أولاً و آخراً..
وقد قال لك النبي صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية ) .. أفلا تحفظ آية تبلغها ..
إن توزيع الأشرطة .. ونشر الكتب .. وتوزيع بطاقات الأذكار .. أمور لا تحتاج إلى علم .. من منا إذا سافر أخذ معه مجموعة من الأشرطة النافعة ثم إذا وقف في محطة وقود وضع في البقالة بعضها .. والبعض الآخر في مسجد المحطة .. أو وزعها على السيارات الواقفة .. الناس في الطريق لابد أن يستمعوا إلى شيء فكن معيناً لهم على سماع الذكر والخير ..
من منا إذا رأى كتاباً نافعاً اشترى منه كمية ثم وزعها في مسجده .. أو أهداها لزملائه في العمل .. أو طلابه في المدرسة ..
وأنا بكلامي هذا لا أسوغ الوقوع في المعاصي .. أو أعتذر عن أصحابها .. ولكن .. ذكر إن نفعت الذكرى ولا ينبغي أن تحول المعصية بين صاحبها وبين خدمة هذا الدين .. أبو محجن الثقفي رضي الله عنه رجل من المسلمين كان قد ابتلى بشرب الخمر.. وطالما عوقب عليها ويعود.. ويعاقب ويعود .. بل كان من شدة تعلقه بالخمر يوصي ولده ويقول :
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنــــي في الفلاة فإننـــي *** أخــــاف إذا ما مت أن لا أذوقهـــا
فلما تداعى المسلمون للخروج لقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن .. وحمل زاده ومتاعه .. ولم ينس أن يحمل معه خمراً .. دسها بين متاعه .. فلما وصلوا القادسية .. طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين .. وبدأت المرسلات بين الجيشين .. عندما وسوس الشيطان لأبي محجن رضي الله عنه فأختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر .. فلما علم به سعد رضي الله عنه غضب عليه .. وحرمه من دخول القتال .. ثم أمر به فقيد بالسلاسل .. وأغلق عليه في خيمة ..
فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول .. وصيحات الأبطال .. لم يطق أن يصبر على القيد .. واشتاق إلى الشهادة .. بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين .. وبذل روحه لله تعالى .. نعم .. وإن كان عاصياً .. مدمن خمر .. إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله .. فأخذ يتحسر على حاله ويترنم قائلاً:
كفى حزناً أن تدحم الخيل بالقنى *** وأترك مشدوداً علــــي وثاقيــــاً
إذا قمت عناني الحديد وغلقــت *** مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وأخــــوة *** وقد تركوني مفرداً لا أخا ليــــــاً
فلله عهد لا أحيـــف بعهــــده *** لإن فرّجت ألا أزور الحوانيـــــاً
ثم أخذ ينادي بأعلى صوته ..
فأجابته إمرأة سعد : ماذا تريد ؟
فقال : فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد .. فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد .. وأن بقيت فلك علي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي .. وأخذ يرجوها ويناشدها .. حتى فكت قيده وأعطته البلقاء .. فلبس درعه .. وغطى وجهه بالمغفر .. ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس .. والقي نفسه بين الكفار يدافع عن هذا الدين ويحامي ..
علق نفسه بالآخرة ولم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين .. حمل على القوم يلعب برقابهم بين الصفين برمحه وسلاحه .. تعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه في النهار .. ومضى أبو محجن يقاتل .. ويبذل روحه رخيصة في ذات الله .. نعم .. مضى أبو محجن ..
أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال .. لكنه كان يرقب القتال من بعيد .. فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله .. وقال : الضرب ضرب أبي محجن .. والكرُّ كرُّ البلقاء .. وأبو محجن في القيد .. والبلقاء في الحبس ..!! فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه .. ووضع رجله في القيد .. ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟
فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال : والله لا جلدتك في الخمر أبداً . فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبداً ..
فلله در أبي محجن ..
من كتاب هل تبحث عن وظيفة
لفضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن عبدالرحمن العريفي</span>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<span style='color:crimson'> هل تبحث عن وظيفة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
نعم .. أكثر الناس يحرصون على الوظائف .. ويتسابقون إليها ..
فما يُعلن عن وظيفة شاغرة إلا ويتسابق إليها الآلاف ..
ولكن هناك وظائف شاغرة .. وظائف ربانية .. عرضها الله تعالى على العالمين .. لا يوفق إليها إلا من أحب .
ومن الوظائف الشاغرة ذات الأجور العظيمة .. الدعوة إلى الله تعالى .
فإن من أعظم صفات أهل الجنة هي أن وظيفة أحدهم الأساسية في هذه الحياة هي عبادة الله .. والدعوة إليه .. والعمل لهذا الدين .. ونصح الناس .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وبصراحة ..
بعض الناس إذا سمع الحديث حول الدعوة إلى الله .. ظن أن الدعوة مقصورة على من أعفى لحيته وقصر ثوبه .. ثم قال لك : أنا أحلق لحيتي .. وأسبل ثوبي .. وأدخن .. وجعل هذه الأمور حائلاً بينه وبين الدعوة إلى الله تعالى ونصح المقصرين .. وهذا خطأ من وساوس الشيطان ..
نعم لا أنكر أن الأصل في الداعية أن يكون مستقيماً مطبقاً لما يدعو إليه .. ولكن لا يعني هذا أن يترك الرجل الطاعات بسبب وقوعه في بعض المعاصي .. ولعل تلك المعاصي أن تغوص في بحر الحسنات ..
بل قد يستطيع المقصر أن يصل إلى أشخاص لا يستطيع أن يصلهم الداعية المستقيم .. فأنت وإن كنت مقصراً إلا أنك تستطيع أن تدعو تارك الصلاة إلى أن يصلي .. فترك الصلاة كفر ..
أنت تستطيع أن تنصح من يقع في الفواحش أن يتوب منها .. تنصح من يتعرض لأعراض المسلمين بأن يكف عن ذلك ..
بل قد يجالس الدعية المستقيم بعض الناس ولا يعلم أنهم يأكلون الربا .. أو يقعون في الفواحش .. أو يتركون الصلاة .. لأنهم يتظاهرون بالخير أمام الصالحين .. أما من رأوه مثلهم فلا يتصنعون أمامه بشيء .. بل يكشفون أمامه أوراقهم ..ويظهرون كل شيء .. أما كيف تنصحهم وتدعوهم .. فهذا يكون بأساليب شتى .. كإهداء الأشرطة النافعة إليهم .. ودعوة بعض الدعاة إلى مجالسكم أحياناً .. والنصيحة الفردية لهم .. وغير ذلك .. ولا تقل أنا غير ملتزم فكيف أدعو وأنصح ؟! .. فإن وظيفة الدعوة إلى الله وظيفة ربانية واسعة .. كثيرة الأساليب لا تزال تحتاج إلى عاملين .. وكلنا ذوو خطأ .. وكل بني آدم خطاء ..
ولو لم يعظ في الناس منهو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟!
قال الشيخ :
خرجت من المسجد يوماً فجاءني شاب عليه آثار المعصية .. وقد اسودت شفتاه من كثرة التدخين..فعجبت لما رأيته .. ماذا يريد .. فلما سلم علي قال : يا شيخ أنتم تجمعون أموالاً لبناء مسجد أليس كذلك ؟
قلت : بلى ..
فناولني ظرفاً مغلقاً وقال : هذا مال جمعته من أمي وأخواتي وبعض المعارف .. ثم ذهب .. ففتحت الظرف فإذا فيه خمسة آلاف ريال ..وأنفق هذا المال في بناء المسجد .. واليوم لا يذكر الله في ذلك المسجد ذاكر .. ولا يتلو القرآن قارئ .. ولا يصل مصل .. إلا وكان في ميزان ذاك الشاب مثل أجره .. فهنيئاً له ..
ولو أن هذا الشاب استسلم لتخذ يل الشيطان وقال : أنا عاص .. فإذا تبت بدأت أخدم الدين وابني المساجد .. لفاته أجر عظيم .. وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) (رواه مسلم)
- وأعرف اثنين من الشباب - المقصرين - هما منذ سنوات .. إذا أقبل شهر رمضان أو موسم الحج ركبا في سيارة وأخذا معهما أدوات خاصة بإصلاح أعطال السباكة والكهرباء .. ثم توجها إلى مكة .. ومرا على جميع دورات المياه التي في طريق الحجاج والمعتمرين وأصلحاً أعطالها .. خدمة لإخوانهم المسلمين .. ولا أحد يعرف عنهما ذلك ..
وحدثني أحد الدعاة أنه طرق عليه الباب في آخر الليل ..
قال الشيخ : فخرجت فزعاً فإذا شاب عليه آثار التقصير والمعصية .. فسألته : ماذا تريد ؟!
فقال : معي في السيارة اثنان من العمال الهنود أسلما على يدي وقد أحضرتهما إليك لتلقنهما الشهادة وتجيب عن أسئلتهما ..!!
قال الشيخ : فعجبت وقلت .. كيف دعوتهما ؟
فقال : لا زلت أتابعهما بالكتب والأشرطة حتى أسلما ..
- وحدثني أحد العاملين في مكتب للدعوة والإرشاد أن شاباً مدخناً .. وعنده معاص أخر. ومع ذلك فإن هذا الشاب إذا أقبل رمضان جمع تبرعات من التجار ثم اشترى آلاف الأشرطة وحملها إلى مكاتب الدعوة لتوزيعها خلال نشاطاتهم في رمضان ..
طالما اشتكى العاملون في مكاتب الدعوة والإرشاد من قلة المتعاونين معهم .. ويقسم لي أحدهم : أن بعض العمال الكفار ليس بينه وبين الإسلام إلا أن يتفرغ له شخص أسبوعاً أو أسبوعين يأتي به إلى مكتب الدعوة لحضور المحاضرات .. ولا يجد المكتب متعاوناً يهتم بمثل هذا ..
بل .. كم من خادمة كافرة ما نشط أصحابها في دعوتها ولا أهدوا لها كتاباً ولا شريطاً عن الإسلام .. فبقيت على كفرها .. وكم من شاب فاجأه الموت وهو تارك للصلاة .. أو مقيم على كبيرة من الكبائر .. لأن الدعاة ما استطاعوا الوصول إليه .. وأصحابه ما نشطوا في نصيحته ..
وكم من فتاة ترى زميلاتها في المدرسة .. يتبادلن الصور الأشرطة المحرمة .. بل وأرقام الهواتف المشبوهة .. ومع ذلك إذا طالبناها بنصيحتهن قالت : أنا احتاج إلى من ينصحني .. أنا مقصرة .. إذا أصبحت ملتزمة نصحتهن ..
عجباً ..
ما أسعد الشيطان بسماع هذه الكلمات ..
كيف دخل الإسلام إلى أفريقيا والهند والصين ..!! حتى صار في الهند مائة مليون مسلم .. وفي الصين قريباً من ذلك .. من دعا هؤلاء ؟ ..
إنهم أقوام من عامة الناس .. ليسوا طلبة علم .. ولا أئمة مساجد .. ولا تخرجوا من كليات شرعية..أقوام ذهبوا للتجارة .. فدعوا الناس فأسلموا على أيديهم .. فخرج من هؤلاء المسلمين الهنود والصينيين والأفارقة علماء ودعاة .. وأجر هدايتهم لأولئك التجار ..
لقد سألت مراراً عداداً من العمال الكفار الذين في محطات البنزين .. أقول لا حدهم : منذ متى وأنت في هذه البلاد فيقول : منذ خمس سنوات .. وسبع سنوات .. فأقول : هل أعطاك أحد شريطاً أو كتاباً عن الإسلام منذ جئت إلى هنا ؟! فيعتصر قلبي بقوله :لا.. كل الناس يملئون سياراتهم بالوقود ويذهبون ..
يا أخي قد تكون مقصراً .. بل قد تستمع إلى الأغاني .. وقد تدخن .. وقد تقع في المعاصي ولكن أنت مسلم أولاً و آخراً..
وقد قال لك النبي صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية ) .. أفلا تحفظ آية تبلغها ..
إن توزيع الأشرطة .. ونشر الكتب .. وتوزيع بطاقات الأذكار .. أمور لا تحتاج إلى علم .. من منا إذا سافر أخذ معه مجموعة من الأشرطة النافعة ثم إذا وقف في محطة وقود وضع في البقالة بعضها .. والبعض الآخر في مسجد المحطة .. أو وزعها على السيارات الواقفة .. الناس في الطريق لابد أن يستمعوا إلى شيء فكن معيناً لهم على سماع الذكر والخير ..
من منا إذا رأى كتاباً نافعاً اشترى منه كمية ثم وزعها في مسجده .. أو أهداها لزملائه في العمل .. أو طلابه في المدرسة ..
وأنا بكلامي هذا لا أسوغ الوقوع في المعاصي .. أو أعتذر عن أصحابها .. ولكن .. ذكر إن نفعت الذكرى ولا ينبغي أن تحول المعصية بين صاحبها وبين خدمة هذا الدين .. أبو محجن الثقفي رضي الله عنه رجل من المسلمين كان قد ابتلى بشرب الخمر.. وطالما عوقب عليها ويعود.. ويعاقب ويعود .. بل كان من شدة تعلقه بالخمر يوصي ولده ويقول :
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنــــي في الفلاة فإننـــي *** أخــــاف إذا ما مت أن لا أذوقهـــا
فلما تداعى المسلمون للخروج لقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن .. وحمل زاده ومتاعه .. ولم ينس أن يحمل معه خمراً .. دسها بين متاعه .. فلما وصلوا القادسية .. طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين .. وبدأت المرسلات بين الجيشين .. عندما وسوس الشيطان لأبي محجن رضي الله عنه فأختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر .. فلما علم به سعد رضي الله عنه غضب عليه .. وحرمه من دخول القتال .. ثم أمر به فقيد بالسلاسل .. وأغلق عليه في خيمة ..
فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول .. وصيحات الأبطال .. لم يطق أن يصبر على القيد .. واشتاق إلى الشهادة .. بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين .. وبذل روحه لله تعالى .. نعم .. وإن كان عاصياً .. مدمن خمر .. إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله .. فأخذ يتحسر على حاله ويترنم قائلاً:
كفى حزناً أن تدحم الخيل بالقنى *** وأترك مشدوداً علــــي وثاقيــــاً
إذا قمت عناني الحديد وغلقــت *** مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وأخــــوة *** وقد تركوني مفرداً لا أخا ليــــــاً
فلله عهد لا أحيـــف بعهــــده *** لإن فرّجت ألا أزور الحوانيـــــاً
ثم أخذ ينادي بأعلى صوته ..
فأجابته إمرأة سعد : ماذا تريد ؟
فقال : فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد .. فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد .. وأن بقيت فلك علي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي .. وأخذ يرجوها ويناشدها .. حتى فكت قيده وأعطته البلقاء .. فلبس درعه .. وغطى وجهه بالمغفر .. ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس .. والقي نفسه بين الكفار يدافع عن هذا الدين ويحامي ..
علق نفسه بالآخرة ولم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين .. حمل على القوم يلعب برقابهم بين الصفين برمحه وسلاحه .. تعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه في النهار .. ومضى أبو محجن يقاتل .. ويبذل روحه رخيصة في ذات الله .. نعم .. مضى أبو محجن ..
أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال .. لكنه كان يرقب القتال من بعيد .. فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله .. وقال : الضرب ضرب أبي محجن .. والكرُّ كرُّ البلقاء .. وأبو محجن في القيد .. والبلقاء في الحبس ..!! فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه .. ووضع رجله في القيد .. ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟
فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال : والله لا جلدتك في الخمر أبداً . فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبداً ..
فلله در أبي محجن ..
من كتاب هل تبحث عن وظيفة
لفضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن عبدالرحمن العريفي</span>