Albayaan
30 Apr 2004, 09:13 PM
<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
اللهم اجز سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا خير الجزاء، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته انك لا تخلف الميعاد.. واننا نشهد يا سيدي يا رسول الله بأنك قد بلغت الرسالة، واديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده حتى اتاك اليقين، ونشهد بما شهد لك الله به من فوق سبع سماوات: بأنك على خلق عظيم، وانك بالمؤمنين رؤوف رحيم، ونقف والأيام تمر بنا عطرة معطرة تذكرنا بك، وبفضلك وبخلقك، ودعوتك وأمانتك، ونستمع الى أمر الله عز وجل وهو يأمرنا بطاعتك واتباعك والسير على هديك، ونستمع الى النداء الرباني: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)، ثم يعلمنا بأن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعته عز وجل، وتأتي الآية مصرحة: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، بل انه عز وجل جعل له تلك المكانة العظمى فجعل محبته عز وجل تبدأ باتباعه، وتتحقق في السير على هداه، وجاءت الآية مصرحة معلنة واضحة، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
ومن هنا فاننا كلما طافت بنا الذكريات العطرة، ومرت بنا المناسبات الكريمة ووقفنا نسترجع جوانب من السيرة النبوية الطاهرة، نحس بالرغبة في ان ندرس هذه السيرة النبوية بعمق، ونتتبع المواقف النبوية الشريفة ونتعلم منك يا رسول الله، كيف وقفت في غار حراء تتحنث وتتعبد وتسأل الله سبحانه وتعالى من فضله، ثم كيف أكرمك الله بنزول الوحي، وصبرت وتحملت وكنت أمينا على العهد، صادقا ودعوت إلى الله على بصيرة، واليوم نسترجع وندرس جوانب من تلك الايام الخالدة، فنقف لنذكر نسبك الشريف الطاهر، وآباءك الكرام، منذ آدم الى نوح، ومنذ اسماعيل الى ان ولدت بمكة وأنت تعتز بأنك خيار من خيار، وانه ليس في آبائك أحد ولد من سفاح، وأن والديك قد التقيا على نكاح ولم يلتقيا على سفاح، وقد نقلك الله من الاصلاب الطاهرة الزكية الى الأرحام الكريمة المرضية، وقد اختار لك الله ان تولد في البلد الأمين، عند بيته المحرم، في مكة المكرمة، ويشهد لك الكل بأنك أمين مؤتمن كريم مكرم، يحتكمون اليك، ويشهدون لك بالخيرية والأمانة حتى قبل ان يعلموا انك رسول كريم، وخاتم النبيين والمرسلين.
ولهذا نقف اليوم يا سيدي عند هذه الذكرى العطرة التي تمر بنا، ذكرى يوم مولدك الكريم لنسترجع جوانب مما جاء ذكره في هذا اليوم الذي اضاء الدنيا بكاملها وجعله الله يوما تطل فيه على الدنيا فتكون اطلالة رحمة على العالمين، وسبحان الله كيف خصك بأخذ الميثاق من النبيين حتى يصدقوك وينصروك ويقروا بذلك (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به، ولتنصرنه، قال أأقررتم، وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا قال فاشهدوا، وأنا معكم من الشاهدين)، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: «ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا، وهو حي، ليؤمنن به، ولينصرنه، فانظر الى هذه العظمة، التي لا تعدلها عظمة أحد من الخلق، وهذه المكانة التي لا مكانة فوقها لأحد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك فإن عيسى عليه السلام، إذا نزل فإنما يحكم بكتابنا، ويعمل بشريعتنا، بل سيبلغ منه الأدب مع سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ان يصلي خلف إمامنا (المهدي) ولا يتقدم عليه، كما جاء في الحديث الشريف الثابت «كيف أنتم إذا انزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم» متفق عليه.
ولم يعرف لرسول من الرسل ان أمر الله تعالى عباده بغض الصوت عنده إلا سيد الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه، (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. ولا تجهروا له بالقول. كجهر بعضكم لبعض)، وجعل تعالى غض الصوت عنده، صلوات الله وسلامه عليه، علامة التقوى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى)، كما جعل رفع الصوت عنده سببا لاحباط الأعمال (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض. أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)، بل حذر الذين يخالفون عن أمره صلى الله عليه وسلم (أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، كما جاء في سورة النور فجعل أمره صلى الله عليه وسلم من أمر الله كما جعل طاعته هي عين طاعته (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، كما جعل مبايعته هي عين مبايعته (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله).
ولم يعرف لرسول من الرسل نهى الله أمته ان تخاطبه باسمه، إلا سيد ولد آدم فقال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)، قال ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير وغيرهم: «كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله ـ عز وجل ـ عن ذلك اعظاما لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمرهم ان يقولوا يا نبي الله، يا رسول الله».
وكانت الأمم تخاطب أنبياءها باسمائهم كما أخبر الله تعالى، كقوله: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)، (يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا)، (يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك)، (قالوا يا موسى ادع لنا ربك).
بل وما كان ربه ـ عز وجل ـ يخاطبه باسمه وإنما كان يخاطبه بالنبوة والرسالة تعظيما له: فقال تعالى (يا أيها النبي اتق الله..)، (يا أيها النبي حسبك الله)، (يا أيها النبي إذا طلقتكم النساء)، وقال تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)، (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك).
وخاطب الانبياء جميعا بأسمائهم فقال تعالى: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، (يا موسى إني اصطفيتك على الناس)، (يا نوح اهبط بسلام منا)، (يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا)، (يا يحيى خذ الكتاب)، (يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك)، (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض).
وما وصلنا ان نبياً من الأنبياء تولى الله سبحانه وتعالى المجادلة عنه، عندما يتهمه قومه غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما قال قومه عنه إنه كاهن، قال الله تعالى: (ولا بقول كاهن)، ولما قالوا: شاعر قال تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)، ولما قالوا: ضال قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى)، ولما قالوا: مجنون قال الله تعالى: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون)، ولما قالوا: «إنما أنت مفتر» قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون). بينما كان الانبياء من قبله، هم الذين يجادلون أممهم ويدافعون عن أنفسهم.. فأي حب أعظم من هذا الحب، وأي تقدير يعادل هذا التقدير؟؟
فلما قال قوم نوح لنوح: (إنا لنراك في ضلال مبين)، قال نوح دفاعا عن نفسه: (يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين)، وقال تعالى عن هود ـ عليه وعلى نبينا السلام ـ (قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين)، وقال فرعون لموسى: (إني لأظنك يا موسى مسحوراً)، قال موسى: (وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً).
وما قرع سمعنا أن الله سبحانه وتعالى أقسم بحياة أحد، لا بحياة نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولم يقسم إلا بحياة سيد الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ تنبيهاً على علو مقامه: لأن القسم إنما يقع بالمعظم، قال تعالى: (لعمرك).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ: (ما خلق الله خلقاً احب اليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله عز وجل اقسم بحياة احد الا بحياته فقال: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) وحياتك انهم لفي سكرتهم يعمهون. وأي منه أجل من أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دون ان يذكر له ذنباً، قال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً). بينما اشار الله سبحانه وتعالى الى أحوال الأنبياء قبله ثم ذكر التوبة عليهم: فقال تعالى في حق آدم: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)، وقال في شأن موسى: (قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون) وقال: (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم).
وقال سبحانه عن داود: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب. فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب).
وعن سليمان قال سبحانه: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب. قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب. فسخرنا له الريح). وما علمنا ان نبيا من الأنبياء عرج به الى السماء، ليتلقى من ربه كلمات ثم يعود بها الى الأرض إلا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، أما عيسى عليه وعلى نبينا السلام فقد رفع الى السماء، وسينزل الى الأرض، إلا أنه لا ينزل بشرع جديد، فلا يسعه إلا اتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ولئن كانت الريح قد سخرت لسليمان ـ عليه وعلى نبينا السلام ـ غدوها شهر ورواحها شهر، فصفوة الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد عرج به مسيرة خمسين ألف سنة.. إلى سدرة المنتهى، فما كذب فؤاده.. وما زاغ بصره.
«اعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث الى قومه خاصة، وبعثت الى الناس عامة».
وقال صلى الله عليه وسلم «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب وبينما انا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي». وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن اكون اكثرهم تابعاً يوم القيامة».
بأبي أنت وأمي، يا سيدي يا رسول الله، يا سيد ولد آدم، يا صفوة الله من خلقه، وواسطة العقد من رسله، يا أكرم الأكرمين على الله.. وأرفع المعظمين منزلة عند الله.
حقاً.. لقد شرح الله لك صدرك، ووضع عنك وزرك، ورفع لك ذكرك، وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما. وفي الختام فإننا نتلو قول ربنا عز وجل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).. ونقول: لبيك اللهم ربنا وسعديك، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واجعلنا من رفقائه، واكتبنا اللهم عندك في خيار المصلين والمسلمين عليه، آمين.. آمين.. آمين.
<marquee>د. محمد عبده يماني</marquee>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
اللهم اجز سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا خير الجزاء، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته انك لا تخلف الميعاد.. واننا نشهد يا سيدي يا رسول الله بأنك قد بلغت الرسالة، واديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده حتى اتاك اليقين، ونشهد بما شهد لك الله به من فوق سبع سماوات: بأنك على خلق عظيم، وانك بالمؤمنين رؤوف رحيم، ونقف والأيام تمر بنا عطرة معطرة تذكرنا بك، وبفضلك وبخلقك، ودعوتك وأمانتك، ونستمع الى أمر الله عز وجل وهو يأمرنا بطاعتك واتباعك والسير على هديك، ونستمع الى النداء الرباني: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)، ثم يعلمنا بأن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعته عز وجل، وتأتي الآية مصرحة: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، بل انه عز وجل جعل له تلك المكانة العظمى فجعل محبته عز وجل تبدأ باتباعه، وتتحقق في السير على هداه، وجاءت الآية مصرحة معلنة واضحة، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
ومن هنا فاننا كلما طافت بنا الذكريات العطرة، ومرت بنا المناسبات الكريمة ووقفنا نسترجع جوانب من السيرة النبوية الطاهرة، نحس بالرغبة في ان ندرس هذه السيرة النبوية بعمق، ونتتبع المواقف النبوية الشريفة ونتعلم منك يا رسول الله، كيف وقفت في غار حراء تتحنث وتتعبد وتسأل الله سبحانه وتعالى من فضله، ثم كيف أكرمك الله بنزول الوحي، وصبرت وتحملت وكنت أمينا على العهد، صادقا ودعوت إلى الله على بصيرة، واليوم نسترجع وندرس جوانب من تلك الايام الخالدة، فنقف لنذكر نسبك الشريف الطاهر، وآباءك الكرام، منذ آدم الى نوح، ومنذ اسماعيل الى ان ولدت بمكة وأنت تعتز بأنك خيار من خيار، وانه ليس في آبائك أحد ولد من سفاح، وأن والديك قد التقيا على نكاح ولم يلتقيا على سفاح، وقد نقلك الله من الاصلاب الطاهرة الزكية الى الأرحام الكريمة المرضية، وقد اختار لك الله ان تولد في البلد الأمين، عند بيته المحرم، في مكة المكرمة، ويشهد لك الكل بأنك أمين مؤتمن كريم مكرم، يحتكمون اليك، ويشهدون لك بالخيرية والأمانة حتى قبل ان يعلموا انك رسول كريم، وخاتم النبيين والمرسلين.
ولهذا نقف اليوم يا سيدي عند هذه الذكرى العطرة التي تمر بنا، ذكرى يوم مولدك الكريم لنسترجع جوانب مما جاء ذكره في هذا اليوم الذي اضاء الدنيا بكاملها وجعله الله يوما تطل فيه على الدنيا فتكون اطلالة رحمة على العالمين، وسبحان الله كيف خصك بأخذ الميثاق من النبيين حتى يصدقوك وينصروك ويقروا بذلك (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به، ولتنصرنه، قال أأقررتم، وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا قال فاشهدوا، وأنا معكم من الشاهدين)، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: «ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا، وهو حي، ليؤمنن به، ولينصرنه، فانظر الى هذه العظمة، التي لا تعدلها عظمة أحد من الخلق، وهذه المكانة التي لا مكانة فوقها لأحد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك فإن عيسى عليه السلام، إذا نزل فإنما يحكم بكتابنا، ويعمل بشريعتنا، بل سيبلغ منه الأدب مع سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ان يصلي خلف إمامنا (المهدي) ولا يتقدم عليه، كما جاء في الحديث الشريف الثابت «كيف أنتم إذا انزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم» متفق عليه.
ولم يعرف لرسول من الرسل ان أمر الله تعالى عباده بغض الصوت عنده إلا سيد الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه، (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. ولا تجهروا له بالقول. كجهر بعضكم لبعض)، وجعل تعالى غض الصوت عنده، صلوات الله وسلامه عليه، علامة التقوى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى)، كما جعل رفع الصوت عنده سببا لاحباط الأعمال (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض. أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)، بل حذر الذين يخالفون عن أمره صلى الله عليه وسلم (أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، كما جاء في سورة النور فجعل أمره صلى الله عليه وسلم من أمر الله كما جعل طاعته هي عين طاعته (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، كما جعل مبايعته هي عين مبايعته (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله).
ولم يعرف لرسول من الرسل نهى الله أمته ان تخاطبه باسمه، إلا سيد ولد آدم فقال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)، قال ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير وغيرهم: «كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله ـ عز وجل ـ عن ذلك اعظاما لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمرهم ان يقولوا يا نبي الله، يا رسول الله».
وكانت الأمم تخاطب أنبياءها باسمائهم كما أخبر الله تعالى، كقوله: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)، (يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا)، (يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك)، (قالوا يا موسى ادع لنا ربك).
بل وما كان ربه ـ عز وجل ـ يخاطبه باسمه وإنما كان يخاطبه بالنبوة والرسالة تعظيما له: فقال تعالى (يا أيها النبي اتق الله..)، (يا أيها النبي حسبك الله)، (يا أيها النبي إذا طلقتكم النساء)، وقال تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)، (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك).
وخاطب الانبياء جميعا بأسمائهم فقال تعالى: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، (يا موسى إني اصطفيتك على الناس)، (يا نوح اهبط بسلام منا)، (يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا)، (يا يحيى خذ الكتاب)، (يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك)، (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض).
وما وصلنا ان نبياً من الأنبياء تولى الله سبحانه وتعالى المجادلة عنه، عندما يتهمه قومه غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما قال قومه عنه إنه كاهن، قال الله تعالى: (ولا بقول كاهن)، ولما قالوا: شاعر قال تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)، ولما قالوا: ضال قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى)، ولما قالوا: مجنون قال الله تعالى: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون)، ولما قالوا: «إنما أنت مفتر» قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون). بينما كان الانبياء من قبله، هم الذين يجادلون أممهم ويدافعون عن أنفسهم.. فأي حب أعظم من هذا الحب، وأي تقدير يعادل هذا التقدير؟؟
فلما قال قوم نوح لنوح: (إنا لنراك في ضلال مبين)، قال نوح دفاعا عن نفسه: (يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين)، وقال تعالى عن هود ـ عليه وعلى نبينا السلام ـ (قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين)، وقال فرعون لموسى: (إني لأظنك يا موسى مسحوراً)، قال موسى: (وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً).
وما قرع سمعنا أن الله سبحانه وتعالى أقسم بحياة أحد، لا بحياة نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولم يقسم إلا بحياة سيد الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ تنبيهاً على علو مقامه: لأن القسم إنما يقع بالمعظم، قال تعالى: (لعمرك).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ: (ما خلق الله خلقاً احب اليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله عز وجل اقسم بحياة احد الا بحياته فقال: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) وحياتك انهم لفي سكرتهم يعمهون. وأي منه أجل من أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دون ان يذكر له ذنباً، قال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً). بينما اشار الله سبحانه وتعالى الى أحوال الأنبياء قبله ثم ذكر التوبة عليهم: فقال تعالى في حق آدم: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)، وقال في شأن موسى: (قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون) وقال: (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم).
وقال سبحانه عن داود: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب. فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب).
وعن سليمان قال سبحانه: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب. قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب. فسخرنا له الريح). وما علمنا ان نبيا من الأنبياء عرج به الى السماء، ليتلقى من ربه كلمات ثم يعود بها الى الأرض إلا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، أما عيسى عليه وعلى نبينا السلام فقد رفع الى السماء، وسينزل الى الأرض، إلا أنه لا ينزل بشرع جديد، فلا يسعه إلا اتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ولئن كانت الريح قد سخرت لسليمان ـ عليه وعلى نبينا السلام ـ غدوها شهر ورواحها شهر، فصفوة الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد عرج به مسيرة خمسين ألف سنة.. إلى سدرة المنتهى، فما كذب فؤاده.. وما زاغ بصره.
«اعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث الى قومه خاصة، وبعثت الى الناس عامة».
وقال صلى الله عليه وسلم «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب وبينما انا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي». وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن اكون اكثرهم تابعاً يوم القيامة».
بأبي أنت وأمي، يا سيدي يا رسول الله، يا سيد ولد آدم، يا صفوة الله من خلقه، وواسطة العقد من رسله، يا أكرم الأكرمين على الله.. وأرفع المعظمين منزلة عند الله.
حقاً.. لقد شرح الله لك صدرك، ووضع عنك وزرك، ورفع لك ذكرك، وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما. وفي الختام فإننا نتلو قول ربنا عز وجل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).. ونقول: لبيك اللهم ربنا وسعديك، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واجعلنا من رفقائه، واكتبنا اللهم عندك في خيار المصلين والمسلمين عليه، آمين.. آمين.. آمين.
<marquee>د. محمد عبده يماني</marquee>