أبو يوسف
09 May 2004, 08:00 AM
المشهد السادس والعشرون:
خروج بنيامين مع أخوته
هذا المشهد يظهر أبناء يعقوب وقد وصلوا إلى أبيهم وهم يعرضون عليه العرض اليائس غير مطمئنين أن يستجيب لهم ؛ فقد عابوا بيوسف عليه السلام من قبل ، وكان الرد كما توقعوا من الوالد المكلوم ؛ الذي كان لا يزال يعاني من الحزن على يوسف عليهما السلام ، ويظهر من النص الكريم أنهم كلموا أباهم قبل أن يفتحوا متاعهم ، وهذا له دلالة مهمة هي أن هذا الأمر كان يهمهم كثيرا ، وبعد أن أقنعهم أبوهم بأنه لن يرسله معهم فتحوا متاعهم فوجدوا أن بضاعتهم التي ذهبوا بها ليشتروابها غلالا ردت إليهم . فقالوا لأبيهم ألا ترى هذه بضاعتنا قد ردت إلينا . فمصلحة أهلنا لا تخفى . فلما ألحوا عليه وافق بشرط أن يعطوه موثقا من الله برده إليه. وأعطوه موثقا من الله أن يحفظوه ، فوافق على مضض. ووجههم بتوجيهين أن الحافظ هو الله تعالى وأن يدخلوا من أبواب متفرقة لئلا يصابوا بعين ، غير غافل أن ذلك من باب فعل الأسباب ليس إلا ، وما يكون إلا ما قدره الله تعالى والآيات التي أوضحت هذا المشهد هي قوله تعالى {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(63)قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(64)وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(66)وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(67) ( ) ونلاحظ أن النصوص قد ضربت صفحا عن رحلتهم من مصر وحتى أرض كنعان من فلسطين ، دون أن تشير إليه بأدنى إشارة ؛ لكي يتمتع الذهن برحلة في هذه القنطرة فيبقى حيا يؤدي وظيفته( )
أفياء تربوية إعلامية من المشهد
1- إيضاح المفاهيم
مهم في العملية الإعلامية والتربوية إيضاح المفاهيم فالذي تختلط عنده المفاهيم لا تكون رسالته واضحة ، ولا يقدر على توجيه الآخرين من باب أولى ، فصاحب الفهم المشوه تكون رسالته مشوهة كذلك .
إن يعقوب عليه السلام قد وجه أولاده كيف يدخلون مصر؛ خوفا من العين ولكنه وضح لهم أن ذلك من باب استخدام الأسباب التي أُمر المؤمن أن يمارسها لكن ليس معنى ذلك أنها تؤثر بنفسها.
2- معايشة الرسالة التي آمن بها
فهو يعمل لها ولا ينساها حتى في أحلك الظروف وأقساها ؛ فلم ينسه إياها الأمر الجلل الذي أضحى يؤرقه؛ فقد يلحق ابنه الثاني بعد يوسف وما يدريه! لكنه يعيش لرسالته ويحرص على توضيحها للناس ؛ وبخاصة إذا كانوا من أقرب الناس إليه .
3-الموازنة بين السلبيات والإيجابيات
فإن يعقوب عليه السلام لم يبعد أولاده من بيته ، مع أنهم استحقوا أقسى العقوبات ، فإذا كان البقاء أوجب بعد الموازنات لا ينبغي العدول عنه وهي قاعدة شرعية في تغليب المصلحة على المفسدة أخذا من تصرف يعقوب عليه السلام وقاعدة الأصوليين( ) لتي استنبطوها من قول اللـه تعـالى { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219) }( ) شاهدة على ذلك
المشهد السابع والعشرون: بنيامين يصل إلى مصر:
هذا المشهد يبرز أخوة يوسف، ومعهم أخوهم بنيامين ،وقد وصلو إلى مصر ، ودخلوا من أبواب متفرقة -كما أمرهم أبوهم - ثم دخلوا على يوسف عليه السلام .
ولم يتعرض النص لسفرهم من فلسطين إلى مصر طوال الطريق . مما يجعل الذهن يتمتع بسياحة يتذكر ويتفكر في سفرهم لأيام وليال ، ولا ينسى يعقوب عليه السلام وهو يعد الدقائق والثواني وما هي أحواله ونومه.والآية التي وصفت هذا المشهد هي قوله تعالى{ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(68) }( )
أفياء تربوية إعلامية من المشهد
1-مكانة الطاعة
طاعة أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم ؛ حيث نفذوا ما أمرهم أبوهم في كيفية الدخول إلى مصر ، ولاريب أن طاعة الموجه سواء أكان أبا أوغيره من أسس النجاح لأي عمل وبدون الطاعة يكون مآل أي عمل -في الغالب- الفشل .
2- القناعة تولد الطاعة
ولا طاعة بدون قناعة بأهمية الطاعة ، ولا قناعة بدون استمرار في العملية التربوية؛ فأولاد يعقوب عاشوا في بيت النبوة وهو بيت تكمن فيه توجيهات الخير الدائمة وإن بدر منهم مابدر نتيجة للحسد إلا إن المحضن الذي اكتنفهم قد أثر بهم، فإن قيل إنما فعلوا ذلك مراعاة لمصلحتهم وهوالنجاة من العين التي قد تصيبهم فالجواب أن الذي لايطمئن بكلام غيره لايمكن أن يصدقه فيما يقول وهي القناعة بقيمة التوجيهات التي تصدر من أبيهم .
3- تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد
وبخاصة إذا كانت الأولى متحققة والأخري ظنية ، فقد كانت نظرة يعقوب عليه السلام نظرة دقيقة ولم يستسلم للعاطفة الأبوية في مواجهة المصلحة المترتبة على التصرف الذي انصاع له في الأخير مع شدة مرارتها على نفسه عليه السلام .وهذا تصرف الخبراء فى الأمور سواء أكانت حسية أم معنوية . والمرسلون فى العملية الإعلامية لايقلون عن غيرهم فى أهمية الالتزام بالتو جيهات السابقة : طاعة ناتجة عن قناعة مبنية على تربية مستمرة ونظر ثاقب إلى الأمور التي تهمهم في العملية الإعلامية .
خروج بنيامين مع أخوته
هذا المشهد يظهر أبناء يعقوب وقد وصلوا إلى أبيهم وهم يعرضون عليه العرض اليائس غير مطمئنين أن يستجيب لهم ؛ فقد عابوا بيوسف عليه السلام من قبل ، وكان الرد كما توقعوا من الوالد المكلوم ؛ الذي كان لا يزال يعاني من الحزن على يوسف عليهما السلام ، ويظهر من النص الكريم أنهم كلموا أباهم قبل أن يفتحوا متاعهم ، وهذا له دلالة مهمة هي أن هذا الأمر كان يهمهم كثيرا ، وبعد أن أقنعهم أبوهم بأنه لن يرسله معهم فتحوا متاعهم فوجدوا أن بضاعتهم التي ذهبوا بها ليشتروابها غلالا ردت إليهم . فقالوا لأبيهم ألا ترى هذه بضاعتنا قد ردت إلينا . فمصلحة أهلنا لا تخفى . فلما ألحوا عليه وافق بشرط أن يعطوه موثقا من الله برده إليه. وأعطوه موثقا من الله أن يحفظوه ، فوافق على مضض. ووجههم بتوجيهين أن الحافظ هو الله تعالى وأن يدخلوا من أبواب متفرقة لئلا يصابوا بعين ، غير غافل أن ذلك من باب فعل الأسباب ليس إلا ، وما يكون إلا ما قدره الله تعالى والآيات التي أوضحت هذا المشهد هي قوله تعالى {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(63)قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(64)وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(66)وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(67) ( ) ونلاحظ أن النصوص قد ضربت صفحا عن رحلتهم من مصر وحتى أرض كنعان من فلسطين ، دون أن تشير إليه بأدنى إشارة ؛ لكي يتمتع الذهن برحلة في هذه القنطرة فيبقى حيا يؤدي وظيفته( )
أفياء تربوية إعلامية من المشهد
1- إيضاح المفاهيم
مهم في العملية الإعلامية والتربوية إيضاح المفاهيم فالذي تختلط عنده المفاهيم لا تكون رسالته واضحة ، ولا يقدر على توجيه الآخرين من باب أولى ، فصاحب الفهم المشوه تكون رسالته مشوهة كذلك .
إن يعقوب عليه السلام قد وجه أولاده كيف يدخلون مصر؛ خوفا من العين ولكنه وضح لهم أن ذلك من باب استخدام الأسباب التي أُمر المؤمن أن يمارسها لكن ليس معنى ذلك أنها تؤثر بنفسها.
2- معايشة الرسالة التي آمن بها
فهو يعمل لها ولا ينساها حتى في أحلك الظروف وأقساها ؛ فلم ينسه إياها الأمر الجلل الذي أضحى يؤرقه؛ فقد يلحق ابنه الثاني بعد يوسف وما يدريه! لكنه يعيش لرسالته ويحرص على توضيحها للناس ؛ وبخاصة إذا كانوا من أقرب الناس إليه .
3-الموازنة بين السلبيات والإيجابيات
فإن يعقوب عليه السلام لم يبعد أولاده من بيته ، مع أنهم استحقوا أقسى العقوبات ، فإذا كان البقاء أوجب بعد الموازنات لا ينبغي العدول عنه وهي قاعدة شرعية في تغليب المصلحة على المفسدة أخذا من تصرف يعقوب عليه السلام وقاعدة الأصوليين( ) لتي استنبطوها من قول اللـه تعـالى { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219) }( ) شاهدة على ذلك
المشهد السابع والعشرون: بنيامين يصل إلى مصر:
هذا المشهد يبرز أخوة يوسف، ومعهم أخوهم بنيامين ،وقد وصلو إلى مصر ، ودخلوا من أبواب متفرقة -كما أمرهم أبوهم - ثم دخلوا على يوسف عليه السلام .
ولم يتعرض النص لسفرهم من فلسطين إلى مصر طوال الطريق . مما يجعل الذهن يتمتع بسياحة يتذكر ويتفكر في سفرهم لأيام وليال ، ولا ينسى يعقوب عليه السلام وهو يعد الدقائق والثواني وما هي أحواله ونومه.والآية التي وصفت هذا المشهد هي قوله تعالى{ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(68) }( )
أفياء تربوية إعلامية من المشهد
1-مكانة الطاعة
طاعة أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم ؛ حيث نفذوا ما أمرهم أبوهم في كيفية الدخول إلى مصر ، ولاريب أن طاعة الموجه سواء أكان أبا أوغيره من أسس النجاح لأي عمل وبدون الطاعة يكون مآل أي عمل -في الغالب- الفشل .
2- القناعة تولد الطاعة
ولا طاعة بدون قناعة بأهمية الطاعة ، ولا قناعة بدون استمرار في العملية التربوية؛ فأولاد يعقوب عاشوا في بيت النبوة وهو بيت تكمن فيه توجيهات الخير الدائمة وإن بدر منهم مابدر نتيجة للحسد إلا إن المحضن الذي اكتنفهم قد أثر بهم، فإن قيل إنما فعلوا ذلك مراعاة لمصلحتهم وهوالنجاة من العين التي قد تصيبهم فالجواب أن الذي لايطمئن بكلام غيره لايمكن أن يصدقه فيما يقول وهي القناعة بقيمة التوجيهات التي تصدر من أبيهم .
3- تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد
وبخاصة إذا كانت الأولى متحققة والأخري ظنية ، فقد كانت نظرة يعقوب عليه السلام نظرة دقيقة ولم يستسلم للعاطفة الأبوية في مواجهة المصلحة المترتبة على التصرف الذي انصاع له في الأخير مع شدة مرارتها على نفسه عليه السلام .وهذا تصرف الخبراء فى الأمور سواء أكانت حسية أم معنوية . والمرسلون فى العملية الإعلامية لايقلون عن غيرهم فى أهمية الالتزام بالتو جيهات السابقة : طاعة ناتجة عن قناعة مبنية على تربية مستمرة ونظر ثاقب إلى الأمور التي تهمهم في العملية الإعلامية .