أبو يوسف
23 May 2004, 11:33 AM
لك الله يا رفح.. ولنا أيضا
فتحي عبد الستار**- 20/05/2004
افعلوا شيئا من أجلنا
أجدنا الصراخ والعويل، حتى بُحت منا الأصوات، ووهنت منا الحناجر، وجفت منا الدموع.
تعودنا مشاهد الأطلال والنعوش والجثث والدماء، حتى صار تعداد القتلى مجرد أرقام لا معنى لها.
صارت آذاننا تستمتع بعويل النساء وبكاء الأطفال، حتى تجمدت منا القلوب وتحجرت المشاعر.
استمرأنا القعود والتنظير في المكاتب المكيفة خوفا على ياقاتنا البيضاء من أن يلوثها غبار العمل الفاعل، حتى تلاشت الفوارق بيننا وبين كراسينا.
أدمنا القيام بدور سيارات الإسعاف وجوالات المعونات، حتى اكتسبنا من سيارة الإسعاف صوتها، ومن الجوالات رسمها.
استراحت ضمائرنا لمجرد دعوتين ندعو بهما كلما تذكرنا -هذا إن تذكرنا- حتى نامت تلك الضمائر، أو ماتت.
وجد كل منا المبرر لجبنه وعجزه، وأجاد في اختيار "الشماعة" التي يعلق عليها تخاذله، حتى راجت سوق الشماعات، واحتارت "المسئولية" بين الناس، فالكل يبحث عن عاتق غير عاتقه ليلقيها عليه.
فزعنا إلى الشعر، نصوغ به آلامنا، ونسجل مآسينا، حتى مللنا القوافي وملت منا، ولجأنا إلى الأناشيد نفرغ فيها أشجاننا، ونستهلك بها عواطفنا، حتى خدرتنا الأنغام.
نضبت العقول وماتت القلوب، وكلت العزائم، وفترت الهمم، حتى صار الشلل صديقا حلا لنا الركون إلى مصاحبته.
صار القلم يخجل من الكتابة، وصار اللسان يعف عن الكلام، بعد أن خاضا كل ميدان للخطابة والتصنيف والتنظير، حتى استنُفدت كل الكلمات، وتعفنت كل العبارات.
أشعر مع كل بلية تتعرض إليها أمتنا، ومع كل طعنة توجه إلى كرامتنا، أننا صرنا مجرد تماثيل خشبية تتلطخ بالعار، لم يعد أمامها -إن لم تنفخ فيها الروح- إلا أن تتكسر أو تُحرَق.
استغاثة مخنوقة
كم أحسست بالعجز والضعف والمهانة والقهر، ومشاعر أخرى لا أجد لها معاني في لغة كرمها الله وأهانها أصحابها، وغلبتني دموعي وأنا أرفع سماعة الهاتف لأطمئن على أهل لي في رفح، بعد أن سمعنا ورأينا المجازر والجرائم التي ترتكب في حقهم من قبل اليهود القتلة، وإذا بصوت عجوز يتجاهل سؤالي عن حالها، ويصرخ في قائلا: "افعلوا شيئا من أجلنا.. تحركوا!!".
جعلتني هذه الاستغاثة المخنوقة أتضاءل وأتضاءل، وأنزوي في ركن حجرتي محاصرا وغارقا في التفكير، أتأمل في حالي وحال الناس في بلادي.. وتخيلت نفسي أرد عليها بصوت يتوارى وراء حاجز القهر قائلا: سامحيني أيتها الأم، فالناس في بلادي يعيشون في عالم آخر، في كوكب آخر، وهم عما يحدث غافلون.
الناس في بلادي مشغولون بأشياء كثيرة أهم مما يحدث لكم، تستحق أن يفنوا فيها أوقاتهم ويقضوا فيها أعمارهم.
الناس في بلادي يغنون، ويرقصون، ألهاهم سماع الموسيقى والأغنيات عن سماع أناتكم واستغاثاتكم، وشغلهم هز البطون العارية والنظر إلى السيقان المكشوفة عن الاهتمام ببطونكم المبقورة، وسيقانكم المبتورة.
الناس في بلادي مشغولون بلقمة العيش، يستجدونها مغموسة بالذل والصغار.
الناس في بلادي مشغولون بمتابعة المباريات، ويحزنون لأن فريقهم المفضل خسر مباراة، وتعاف نفوسهم الطعام والشراب والحديث أياما لأجل ذلك.
الناس في بلادي مشغولون بالتصويت لمطربهم المفضل، ويقيمون الأفراح إن فاز، والمآتم لو خسر.
الناس في بلادي يغدقون الأموال في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد وتحت أقدام الراقصات.
قادة الحركات والتنظيمات والأحزاب في بلادي عاكفون على صياغة البيانات والتصريحات والإدانات، في نفس الوقت الذي يتهكمون فيه على الحكام وينعون عليهم نَفس ما يفعلون، وقد صدقوا حينما قالوا: (نحن والحكام في خندق واحد)!! فليس عندهم غير ضبط النفس والحسابات الأمنية، والمواءمات السياسية، فالحفاظ على بقاء الكيان – أي بقاء – فوق كل اعتبار. ورغم هذا كله فلم يرحم الحكام تخاذلهم ولم يعطفوا على استكانتهم، فهم من حين لآخر يوجهون لهم الضربات تلو الضربات، وما زادتهم تلك الضربات إلا استكانة، مستدرين بها العطف، متذرعين بها كحجة في القعود.
أما الحكام في بلادي فقد وقَرَت أسماعهم إلا عن مطالب أعدائهم، وشلت أيديهم إلا عن البطش بالمصلحين، وعميت أبصارهم إلا عن مراقبة رعيتهم وعد أنفاسهم، وخرست ألسنتهم إلا عن تثبيط الهمم وبث الرعب في قلوب الناس من مواجهة أعدائهم، وسكتت مدافعهم إلا عن صدور أشقائهم.
رجال الفكر والثقافة في بلادي - كان الله في عونهم – لا يجدون فكاكا من الشاشات التي تلهث وراءهم - أو هم يلهثون وراءها - فتجدهم مشغولين بتدبيج التبريرات، وصياغة التحليلات، ولا يفوت أحدهم أن يتحسس رابطة عنقه من حين لآخر.
المسئولون عن الإعلام في بلادي مشغولون بقضية قومية، ألا وهي إقناع الناس بأن ختان الإناث جريمة يجب أن يتوقفوا عنها، فلا سبيل للتقدم والحضارة إلا بالتوقف عن هذه العادة اللعينة!.
هل صارت مشاهد عادية ؟
الدعاة في بلادي تئن من تحت أقدامهم المنابر، تقسم لهم بأنها قد استظهرت خطبهم كلها، وأن هناك موضوعات أخرى يحتاج الناس سماعها، لا سيما الآن، ولكنهم في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث من حولهم وظن الناس أنها ستحركهم، وجدناهم على عهد الصمت محافظين، للأحداث متجاهلين، على درب السلامة سائرين.
وما أصدق نزار حين قال:
لم يدخل اليهود من حدودنا..
ولكن تسربوا كالنمل من عيوبنا.
لم يعد لأحد عذر
ليس الناس في بلادي دائما مظلومين، ليس الناس في بلادي دائما مخدوعين، ليس الناس في بلادي دائما مساقين. قد يكونون قد خدعوا في البداية، قد يكونون قد ظلموا في البداية، قد يكونون قد تم سَوْقهم في البداية، لكنهم الآن قد عرفوا، لكنهم الآن قد فهموا، فما تركت الفضائيات عذرا بالجهل لأحد، لكنهم استمرءوا الظلم، فلا يريدون منه خلاصا، وأحبوا الخداع فلا يريدون منه فكاكا، واستعذبوا السوْق فلا يريدون منه عتاقا.
يا من تحزن كحزني وتتألم كألمي، وتغص كغصتي، إلام الحزن والألم والغصة؟ تسألني ما العمل؟ أطالب نفسي وإياك قبل كل شيء بالمراجعة، بالمحاسبة، بتقدير الوسع، وحساب الطاقة، بالنظر في النفْس قبل الأنفس، ثم لنبذل مثلما يبذل إخواننا على خط المواجهة، ولنكن لهم ظهرا وردئا، ليس بالكلمات، ولكن بالمال الذي يعينهم على شد السواعد بالطعام والسلاح، وبمقاطعة بضائع أعدائهم، وبالضغط على الحكومات للتخلي عن خوفها وسلبيتها. ولنكن دائما على استعداد لانتهاز أية فرصة للوقوف جنبا إلى جنب في صفوفهم، فليست أرواحنا بأغلى من أرواح شهدائهم، وليست دماؤنا بأعز من دماء أبنائهم، فلنذق معهم طعم النصر، أو فلنمت على ما ماتوا عليه.
يا من لا يحزن ولا يتألم ولا يغص، إلام الغفلة والإهمال واللا مبالاة؟؟ هل ستدوم لك الدنيا؟ هل سيرحمك العدو الواقف على بابك حين يقتحم عليك الباب؟ دورك قادم لا محالة، فانفض غبار الغفلة عن قلبك، واستشرف مآلك الدنيوي والأخروي، والحق بنا على الدرب.
يا حكامنا، لا ندفعكم - كما تظنون - لإلقاء النفس في التهلكة بفعل متهور، ولكن ندعوكم لكلمة سواء بينكم وبين شعوبكم، ارفعوا الكمامات عن الأفواه، افتحوا صدوركم للمصلحين، أحسنوا الظن فيهم، لا تنفصلوا عنهم، فهم بكم وأنتم بهم، ولن يكلل بأكاليل الغار سواكم حال النصر، ولن يرتدي أسمال العار إلا أنتم حال الهزيمة.
ليس إعلان الحرب على الأعداء هو ما نريد، فربما لا يكون الظرف مهيئا لذلك كما تقولون، وربما تكون عندكم المبررات المقبولة لذلك، ولكن هناك من الأفعال ما لا يعد إعلانا للحرب، كالمقاطعة السياسية والدبلوماسية للعدو، كفتح الباب لحملات التبرع والمناصرة، كالإشراف على تدريب الشباب وإعدادهم للمواجهة، كمواجهة مخططات العدو الرامية لقتل النخوة والكرامة في شعوبكم، وذلك عن طريق إصلاح وسائل الإعلام ومناهج التربية.
يا قادة الأحزاب والحركات، تخلوا عن طموحاتكم السلطوية والمعارك الكلامية، وقوموا بدوركم في قيادة المجتمع، فعلوا إمكاناتكم وإمكانات المنتمين إليكم عبر أفكار نوعية للعمل غير تقليدية، اجتهدوا في ابتكارها، وتابعوا تنفيذها.
يا رجال الفكر والثقافة والإعلام، تخلوا عن التخدير والتبرير، وبينوا للناس الحقيقة واضحة دون تجميل، بصروهم بالواقع وكيفية مواجهته، قدموا للناس ما يسمو بأخلاقهم ويرتقي بأذواقهم.
يا أيها الدعاة، ربوا الناس على التمسك بالفضائل، فأنتم حراسها، ربوهم على الحفاظ على الكرامة، على رفض الذل، على رفض حياة الدونية والشهوانية، على حمل الأمانة التي خُلقوا من أجلها، اتركوا القشور فليس هذا وقتها، واعتنوا بالأصول وواجبات الأوقات، اتركوا الصراعات المذهبية، ونزهوا منابركم عن الخلافات الحزبية، تفاعلوا مع قضايا أمتكم، وبصروا الناس بواجباتهم وأدوارهم، بلغوا الناس مراد ربهم وهدي نبيهم.
هذا ما ينبغي فعله، واتخاذ خطوات لتحقيقه، فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هذا وإلا فليس بمقدورنا إلا أن نقول:
لك الله يا رفح
لك الله يا رفح
لك الله يا رفح
ولنا أيضا
--------------------------------------------------------------------------------
** محرر صفحة دعوة ودعاة بموقع إسلام أون لاين . نت
فتحي عبد الستار**- 20/05/2004
افعلوا شيئا من أجلنا
أجدنا الصراخ والعويل، حتى بُحت منا الأصوات، ووهنت منا الحناجر، وجفت منا الدموع.
تعودنا مشاهد الأطلال والنعوش والجثث والدماء، حتى صار تعداد القتلى مجرد أرقام لا معنى لها.
صارت آذاننا تستمتع بعويل النساء وبكاء الأطفال، حتى تجمدت منا القلوب وتحجرت المشاعر.
استمرأنا القعود والتنظير في المكاتب المكيفة خوفا على ياقاتنا البيضاء من أن يلوثها غبار العمل الفاعل، حتى تلاشت الفوارق بيننا وبين كراسينا.
أدمنا القيام بدور سيارات الإسعاف وجوالات المعونات، حتى اكتسبنا من سيارة الإسعاف صوتها، ومن الجوالات رسمها.
استراحت ضمائرنا لمجرد دعوتين ندعو بهما كلما تذكرنا -هذا إن تذكرنا- حتى نامت تلك الضمائر، أو ماتت.
وجد كل منا المبرر لجبنه وعجزه، وأجاد في اختيار "الشماعة" التي يعلق عليها تخاذله، حتى راجت سوق الشماعات، واحتارت "المسئولية" بين الناس، فالكل يبحث عن عاتق غير عاتقه ليلقيها عليه.
فزعنا إلى الشعر، نصوغ به آلامنا، ونسجل مآسينا، حتى مللنا القوافي وملت منا، ولجأنا إلى الأناشيد نفرغ فيها أشجاننا، ونستهلك بها عواطفنا، حتى خدرتنا الأنغام.
نضبت العقول وماتت القلوب، وكلت العزائم، وفترت الهمم، حتى صار الشلل صديقا حلا لنا الركون إلى مصاحبته.
صار القلم يخجل من الكتابة، وصار اللسان يعف عن الكلام، بعد أن خاضا كل ميدان للخطابة والتصنيف والتنظير، حتى استنُفدت كل الكلمات، وتعفنت كل العبارات.
أشعر مع كل بلية تتعرض إليها أمتنا، ومع كل طعنة توجه إلى كرامتنا، أننا صرنا مجرد تماثيل خشبية تتلطخ بالعار، لم يعد أمامها -إن لم تنفخ فيها الروح- إلا أن تتكسر أو تُحرَق.
استغاثة مخنوقة
كم أحسست بالعجز والضعف والمهانة والقهر، ومشاعر أخرى لا أجد لها معاني في لغة كرمها الله وأهانها أصحابها، وغلبتني دموعي وأنا أرفع سماعة الهاتف لأطمئن على أهل لي في رفح، بعد أن سمعنا ورأينا المجازر والجرائم التي ترتكب في حقهم من قبل اليهود القتلة، وإذا بصوت عجوز يتجاهل سؤالي عن حالها، ويصرخ في قائلا: "افعلوا شيئا من أجلنا.. تحركوا!!".
جعلتني هذه الاستغاثة المخنوقة أتضاءل وأتضاءل، وأنزوي في ركن حجرتي محاصرا وغارقا في التفكير، أتأمل في حالي وحال الناس في بلادي.. وتخيلت نفسي أرد عليها بصوت يتوارى وراء حاجز القهر قائلا: سامحيني أيتها الأم، فالناس في بلادي يعيشون في عالم آخر، في كوكب آخر، وهم عما يحدث غافلون.
الناس في بلادي مشغولون بأشياء كثيرة أهم مما يحدث لكم، تستحق أن يفنوا فيها أوقاتهم ويقضوا فيها أعمارهم.
الناس في بلادي يغنون، ويرقصون، ألهاهم سماع الموسيقى والأغنيات عن سماع أناتكم واستغاثاتكم، وشغلهم هز البطون العارية والنظر إلى السيقان المكشوفة عن الاهتمام ببطونكم المبقورة، وسيقانكم المبتورة.
الناس في بلادي مشغولون بلقمة العيش، يستجدونها مغموسة بالذل والصغار.
الناس في بلادي مشغولون بمتابعة المباريات، ويحزنون لأن فريقهم المفضل خسر مباراة، وتعاف نفوسهم الطعام والشراب والحديث أياما لأجل ذلك.
الناس في بلادي مشغولون بالتصويت لمطربهم المفضل، ويقيمون الأفراح إن فاز، والمآتم لو خسر.
الناس في بلادي يغدقون الأموال في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد وتحت أقدام الراقصات.
قادة الحركات والتنظيمات والأحزاب في بلادي عاكفون على صياغة البيانات والتصريحات والإدانات، في نفس الوقت الذي يتهكمون فيه على الحكام وينعون عليهم نَفس ما يفعلون، وقد صدقوا حينما قالوا: (نحن والحكام في خندق واحد)!! فليس عندهم غير ضبط النفس والحسابات الأمنية، والمواءمات السياسية، فالحفاظ على بقاء الكيان – أي بقاء – فوق كل اعتبار. ورغم هذا كله فلم يرحم الحكام تخاذلهم ولم يعطفوا على استكانتهم، فهم من حين لآخر يوجهون لهم الضربات تلو الضربات، وما زادتهم تلك الضربات إلا استكانة، مستدرين بها العطف، متذرعين بها كحجة في القعود.
أما الحكام في بلادي فقد وقَرَت أسماعهم إلا عن مطالب أعدائهم، وشلت أيديهم إلا عن البطش بالمصلحين، وعميت أبصارهم إلا عن مراقبة رعيتهم وعد أنفاسهم، وخرست ألسنتهم إلا عن تثبيط الهمم وبث الرعب في قلوب الناس من مواجهة أعدائهم، وسكتت مدافعهم إلا عن صدور أشقائهم.
رجال الفكر والثقافة في بلادي - كان الله في عونهم – لا يجدون فكاكا من الشاشات التي تلهث وراءهم - أو هم يلهثون وراءها - فتجدهم مشغولين بتدبيج التبريرات، وصياغة التحليلات، ولا يفوت أحدهم أن يتحسس رابطة عنقه من حين لآخر.
المسئولون عن الإعلام في بلادي مشغولون بقضية قومية، ألا وهي إقناع الناس بأن ختان الإناث جريمة يجب أن يتوقفوا عنها، فلا سبيل للتقدم والحضارة إلا بالتوقف عن هذه العادة اللعينة!.
هل صارت مشاهد عادية ؟
الدعاة في بلادي تئن من تحت أقدامهم المنابر، تقسم لهم بأنها قد استظهرت خطبهم كلها، وأن هناك موضوعات أخرى يحتاج الناس سماعها، لا سيما الآن، ولكنهم في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث من حولهم وظن الناس أنها ستحركهم، وجدناهم على عهد الصمت محافظين، للأحداث متجاهلين، على درب السلامة سائرين.
وما أصدق نزار حين قال:
لم يدخل اليهود من حدودنا..
ولكن تسربوا كالنمل من عيوبنا.
لم يعد لأحد عذر
ليس الناس في بلادي دائما مظلومين، ليس الناس في بلادي دائما مخدوعين، ليس الناس في بلادي دائما مساقين. قد يكونون قد خدعوا في البداية، قد يكونون قد ظلموا في البداية، قد يكونون قد تم سَوْقهم في البداية، لكنهم الآن قد عرفوا، لكنهم الآن قد فهموا، فما تركت الفضائيات عذرا بالجهل لأحد، لكنهم استمرءوا الظلم، فلا يريدون منه خلاصا، وأحبوا الخداع فلا يريدون منه فكاكا، واستعذبوا السوْق فلا يريدون منه عتاقا.
يا من تحزن كحزني وتتألم كألمي، وتغص كغصتي، إلام الحزن والألم والغصة؟ تسألني ما العمل؟ أطالب نفسي وإياك قبل كل شيء بالمراجعة، بالمحاسبة، بتقدير الوسع، وحساب الطاقة، بالنظر في النفْس قبل الأنفس، ثم لنبذل مثلما يبذل إخواننا على خط المواجهة، ولنكن لهم ظهرا وردئا، ليس بالكلمات، ولكن بالمال الذي يعينهم على شد السواعد بالطعام والسلاح، وبمقاطعة بضائع أعدائهم، وبالضغط على الحكومات للتخلي عن خوفها وسلبيتها. ولنكن دائما على استعداد لانتهاز أية فرصة للوقوف جنبا إلى جنب في صفوفهم، فليست أرواحنا بأغلى من أرواح شهدائهم، وليست دماؤنا بأعز من دماء أبنائهم، فلنذق معهم طعم النصر، أو فلنمت على ما ماتوا عليه.
يا من لا يحزن ولا يتألم ولا يغص، إلام الغفلة والإهمال واللا مبالاة؟؟ هل ستدوم لك الدنيا؟ هل سيرحمك العدو الواقف على بابك حين يقتحم عليك الباب؟ دورك قادم لا محالة، فانفض غبار الغفلة عن قلبك، واستشرف مآلك الدنيوي والأخروي، والحق بنا على الدرب.
يا حكامنا، لا ندفعكم - كما تظنون - لإلقاء النفس في التهلكة بفعل متهور، ولكن ندعوكم لكلمة سواء بينكم وبين شعوبكم، ارفعوا الكمامات عن الأفواه، افتحوا صدوركم للمصلحين، أحسنوا الظن فيهم، لا تنفصلوا عنهم، فهم بكم وأنتم بهم، ولن يكلل بأكاليل الغار سواكم حال النصر، ولن يرتدي أسمال العار إلا أنتم حال الهزيمة.
ليس إعلان الحرب على الأعداء هو ما نريد، فربما لا يكون الظرف مهيئا لذلك كما تقولون، وربما تكون عندكم المبررات المقبولة لذلك، ولكن هناك من الأفعال ما لا يعد إعلانا للحرب، كالمقاطعة السياسية والدبلوماسية للعدو، كفتح الباب لحملات التبرع والمناصرة، كالإشراف على تدريب الشباب وإعدادهم للمواجهة، كمواجهة مخططات العدو الرامية لقتل النخوة والكرامة في شعوبكم، وذلك عن طريق إصلاح وسائل الإعلام ومناهج التربية.
يا قادة الأحزاب والحركات، تخلوا عن طموحاتكم السلطوية والمعارك الكلامية، وقوموا بدوركم في قيادة المجتمع، فعلوا إمكاناتكم وإمكانات المنتمين إليكم عبر أفكار نوعية للعمل غير تقليدية، اجتهدوا في ابتكارها، وتابعوا تنفيذها.
يا رجال الفكر والثقافة والإعلام، تخلوا عن التخدير والتبرير، وبينوا للناس الحقيقة واضحة دون تجميل، بصروهم بالواقع وكيفية مواجهته، قدموا للناس ما يسمو بأخلاقهم ويرتقي بأذواقهم.
يا أيها الدعاة، ربوا الناس على التمسك بالفضائل، فأنتم حراسها، ربوهم على الحفاظ على الكرامة، على رفض الذل، على رفض حياة الدونية والشهوانية، على حمل الأمانة التي خُلقوا من أجلها، اتركوا القشور فليس هذا وقتها، واعتنوا بالأصول وواجبات الأوقات، اتركوا الصراعات المذهبية، ونزهوا منابركم عن الخلافات الحزبية، تفاعلوا مع قضايا أمتكم، وبصروا الناس بواجباتهم وأدوارهم، بلغوا الناس مراد ربهم وهدي نبيهم.
هذا ما ينبغي فعله، واتخاذ خطوات لتحقيقه، فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هذا وإلا فليس بمقدورنا إلا أن نقول:
لك الله يا رفح
لك الله يا رفح
لك الله يا رفح
ولنا أيضا
--------------------------------------------------------------------------------
** محرر صفحة دعوة ودعاة بموقع إسلام أون لاين . نت