Albayaan
23 May 2004, 10:43 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
(اليأس) شعور نفسي يتعرَّض له الإنسان نتيجة ضغوط نفسية (ما)، سواء كان سبب تلك الضغوط أزمات ومشكلات لم يتمكن ذلك الإنسان من التعامل معها بطريقة ناجحة، أم كان سببها تقلبات مزاجية وعاطفية، أم مغالطات في فهم الأمور وتصورها على الوجه الصحيح... الخ.
حين تصادف الأسباب المشار إليها وغيرها نفسيةً غير سوية فلا تستطع أن تتكيف معها، ويتأثر نتيجة لذلك ـ استقرارها وهدوؤها؛ حيث إن الشخصية السوية والنفسية المعتدلة تستطيع ـ بتوفيق الله ـ تحمُّل الضغوط النفسية والأزمات والصراعات والتقلبات بأنواعها، والتعامل معها بالأسلوب الذي تتجاوز به المشكلة بثبات.
واليأس هو درجة من فقدان الأمل بحل مشكلة ما أو النجاح في أمر ما، والشعور بالإحباط، يصاحب ذلك ـ أو يسبقه ـ نوع من القلق والتوتر والاضطراب.
وقد يدفع اليأس صاحبه إلى ممارسات خاطئة يحاول بها الهروب من تلك المشاعر التي سيطرت عليه (مع أنها قد تكون مشاعر وهمية)، فيلجأ إلى مشاعر وهمية أخرى وحيل نفسية تخالف الواقع، أو الهروب من الواقع بالانطواء والعزلة، أو إيذاء نفسه أو تناول مسكرات أو الانتحار، أو الهروب من الاهتمام الذي سبب له الأزمة كالذي تنتابه مشاعر اليأس من حال أمته فيترك الاهتمام بها جملة وتفصيلاً وربما ترك التدين وانغمس في الشهوة التي تنسيه ذلك الهم.
وتجدر الإشارة ـ قبل البدء بوسائل دفع اليأس ـ أن اليأس ليس خاصًا بفئة من الناس بعينها دون غيرها، وليس خاصًا بموقف دون موقف، بل إنه يتطرق إلى كل إنسان توفرت لديه الأسباب الداعية لذلك ولم يملك القدرة على دفعه.
ومن وسائل دفع اليأس:
1. تعميق الإيمان بالقدر خيره وشره، واليقين بأن كل ما يصيب الإنسان فهو بعلم الله وتقديره، والعبد في مشيئة الله. وتحقيق هذه الوسيلة ـ كأكثر الوسائل ـ بيد الإنسان بعد توفيق الله، فعليه أن يقرأ النصوص الشرعية الدالة على هذا المعنى بتفهم وعمق، مع الاطلاع على أقوال السلف وسلوكهم في التعامل مع الأحداث. فما معنى ترديد المسلم في الصلاة وبعدها: «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه البخاري (6330) ومسلم (593) من حديث معاوية – رضي الله عنه - ، وفي آثر ضعيف رواه الطبراني: «إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لطغى، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لطغى...» انظر تفسير ابن كثير (3/49) وموسوعة الأحاديث الضعيفة (4059)، وأكثر ما يشتكى من اليأس بسبب نسيان هذه الحقيقة وضعف الإيمان؛ ولذلك كان توجيه يعقوب ـ عليه السلام ـ وهو من هو في معايشته لصنوف من الضغوط النفسية حينما فقد ابنيه يوسف وبنيامين ـ عليهما السلام ـ: "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" [يوسف:87].
2. قوة اليقين بقدرة الله، وهذا معنى زائد على مجرد الإيمان بالقدر، فالإيمان بالقدر هو استسلام لقضاء الله الكوني مع الاحتساب، ولكن اليقين بقدرة الله على تغيير الحال إلى حال أحسن هو تطلع لفضل الله وحسن الظن به والتوكل عليه؛ ولذا فإن إبراهيم ـ عليه السلام ـ كشف عن قوة يقينه بقدرة الله حين جاءته البشرى بالولد فقال: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون" [الحجر:56] أي: لم أكن لأيأس من رحمة الله، بل كان كثير الدعاء بأن يرزقه الله ذرية صالحة، ووفق المقاييس المادية لا يمكن لعجوز عقيم أن تلد من شيخ كبير، لكن حصل خلاف تلك المقاييس.
3. أن يتفهم الشخص أن المشكلة مهما كانت من التعقيد، أو أن الحال مهما كان من السوء فإن حلهما لا يكون بغير حلهما، أو الإسهام بحلهما، وكما قيل (أن تضيء شمعة، خير من أن تلعن الظلام ألف مرة)، وهذا يقودنا إلى الوسيلة الرابعة وهي:
4. أن يركز على العمل، أما الاقتصار على مجرد الهموم وتقليب المشاعر وتهييجها فلن يغني شيئًا، وفي المثل العربي (أوسعتهم شتمًا وساقوا بالإبل).
5. أن يعتدل في نظره للأسباب التي يتحقق من خلالها ما يطلب؛ فإن التعلق بالأسباب أو المبالغة في اعتقاد أنها الأسباب الوحيدة يولد ردّ فعل باليأس وشعورًا بالإحباط.
6. أن يعتدل في نظره للمشكلات والأزمات وسوء الأحوال، فقد لا تكون بالصورة الموجودة في ذهن الإنسان، وكم كبَّرت النفسية المتطرفة أمرًا صغيرًا أو مواقف يسيرة فجعلت منها فاجعة أو كارثة، فتصورت أن حلها من الصعوبة بمكان.
7. أن يعتدل في نظره لذاته وإمكاناتها، فقد ينشأ اليأس نتيجة احتقار النفس وبالتالي لا يفعل ما يمكنه فعله لتجاوز المشكلة أو سببِها؛ توهمًا أنه غير قادر على ذلك، فيقع أسيرًا لليأس، أو تصور النفس فوق قدراتها فيحمّلها ما لا تحتمل ثم يقاوم ثم ينهار. وأمر آخر له صلة بالاعتدال وهو تفهم أن الله لم يكلف الإنسان إلا ما يستطيع وعليه أن يفعل ما يستطيع، وبالتالي فإن ما ينتاب بعض الناس من اليأس لكونه لا يستطيع أن يصلح كل الأحوال هو نتيجة توهم أنها مسؤوليته بنفسه، دون أن يفهم أن مسؤوليته أن يسهم فقط.
8. التنفيس عن المشاعر السلبية بطريقة معتبرة شرعًا، كالاتجاه إلى الله بالدعاء والشكوى "قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله" [يوسف:86]، أو عرض المشكلة على أهل العلم والمختصين، وطلب الرأي منهم والتحاور معهم؛ شرط أن يكون ذلك طلبًا للحل لا محاولة لإقناع الناس بالفكرة اليائسة.
ما تقدم من شأنه ـ بإذن الله ـ دفع اليأس، أما حينما يصاب شخص بهذا الداء فإن هناك علاجات نفسية تعرف في حينها من أهلها.
(اليأس) شعور نفسي يتعرَّض له الإنسان نتيجة ضغوط نفسية (ما)، سواء كان سبب تلك الضغوط أزمات ومشكلات لم يتمكن ذلك الإنسان من التعامل معها بطريقة ناجحة، أم كان سببها تقلبات مزاجية وعاطفية، أم مغالطات في فهم الأمور وتصورها على الوجه الصحيح... الخ.
حين تصادف الأسباب المشار إليها وغيرها نفسيةً غير سوية فلا تستطع أن تتكيف معها، ويتأثر نتيجة لذلك ـ استقرارها وهدوؤها؛ حيث إن الشخصية السوية والنفسية المعتدلة تستطيع ـ بتوفيق الله ـ تحمُّل الضغوط النفسية والأزمات والصراعات والتقلبات بأنواعها، والتعامل معها بالأسلوب الذي تتجاوز به المشكلة بثبات.
واليأس هو درجة من فقدان الأمل بحل مشكلة ما أو النجاح في أمر ما، والشعور بالإحباط، يصاحب ذلك ـ أو يسبقه ـ نوع من القلق والتوتر والاضطراب.
وقد يدفع اليأس صاحبه إلى ممارسات خاطئة يحاول بها الهروب من تلك المشاعر التي سيطرت عليه (مع أنها قد تكون مشاعر وهمية)، فيلجأ إلى مشاعر وهمية أخرى وحيل نفسية تخالف الواقع، أو الهروب من الواقع بالانطواء والعزلة، أو إيذاء نفسه أو تناول مسكرات أو الانتحار، أو الهروب من الاهتمام الذي سبب له الأزمة كالذي تنتابه مشاعر اليأس من حال أمته فيترك الاهتمام بها جملة وتفصيلاً وربما ترك التدين وانغمس في الشهوة التي تنسيه ذلك الهم.
وتجدر الإشارة ـ قبل البدء بوسائل دفع اليأس ـ أن اليأس ليس خاصًا بفئة من الناس بعينها دون غيرها، وليس خاصًا بموقف دون موقف، بل إنه يتطرق إلى كل إنسان توفرت لديه الأسباب الداعية لذلك ولم يملك القدرة على دفعه.
ومن وسائل دفع اليأس:
1. تعميق الإيمان بالقدر خيره وشره، واليقين بأن كل ما يصيب الإنسان فهو بعلم الله وتقديره، والعبد في مشيئة الله. وتحقيق هذه الوسيلة ـ كأكثر الوسائل ـ بيد الإنسان بعد توفيق الله، فعليه أن يقرأ النصوص الشرعية الدالة على هذا المعنى بتفهم وعمق، مع الاطلاع على أقوال السلف وسلوكهم في التعامل مع الأحداث. فما معنى ترديد المسلم في الصلاة وبعدها: «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه البخاري (6330) ومسلم (593) من حديث معاوية – رضي الله عنه - ، وفي آثر ضعيف رواه الطبراني: «إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لطغى، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لطغى...» انظر تفسير ابن كثير (3/49) وموسوعة الأحاديث الضعيفة (4059)، وأكثر ما يشتكى من اليأس بسبب نسيان هذه الحقيقة وضعف الإيمان؛ ولذلك كان توجيه يعقوب ـ عليه السلام ـ وهو من هو في معايشته لصنوف من الضغوط النفسية حينما فقد ابنيه يوسف وبنيامين ـ عليهما السلام ـ: "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" [يوسف:87].
2. قوة اليقين بقدرة الله، وهذا معنى زائد على مجرد الإيمان بالقدر، فالإيمان بالقدر هو استسلام لقضاء الله الكوني مع الاحتساب، ولكن اليقين بقدرة الله على تغيير الحال إلى حال أحسن هو تطلع لفضل الله وحسن الظن به والتوكل عليه؛ ولذا فإن إبراهيم ـ عليه السلام ـ كشف عن قوة يقينه بقدرة الله حين جاءته البشرى بالولد فقال: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون" [الحجر:56] أي: لم أكن لأيأس من رحمة الله، بل كان كثير الدعاء بأن يرزقه الله ذرية صالحة، ووفق المقاييس المادية لا يمكن لعجوز عقيم أن تلد من شيخ كبير، لكن حصل خلاف تلك المقاييس.
3. أن يتفهم الشخص أن المشكلة مهما كانت من التعقيد، أو أن الحال مهما كان من السوء فإن حلهما لا يكون بغير حلهما، أو الإسهام بحلهما، وكما قيل (أن تضيء شمعة، خير من أن تلعن الظلام ألف مرة)، وهذا يقودنا إلى الوسيلة الرابعة وهي:
4. أن يركز على العمل، أما الاقتصار على مجرد الهموم وتقليب المشاعر وتهييجها فلن يغني شيئًا، وفي المثل العربي (أوسعتهم شتمًا وساقوا بالإبل).
5. أن يعتدل في نظره للأسباب التي يتحقق من خلالها ما يطلب؛ فإن التعلق بالأسباب أو المبالغة في اعتقاد أنها الأسباب الوحيدة يولد ردّ فعل باليأس وشعورًا بالإحباط.
6. أن يعتدل في نظره للمشكلات والأزمات وسوء الأحوال، فقد لا تكون بالصورة الموجودة في ذهن الإنسان، وكم كبَّرت النفسية المتطرفة أمرًا صغيرًا أو مواقف يسيرة فجعلت منها فاجعة أو كارثة، فتصورت أن حلها من الصعوبة بمكان.
7. أن يعتدل في نظره لذاته وإمكاناتها، فقد ينشأ اليأس نتيجة احتقار النفس وبالتالي لا يفعل ما يمكنه فعله لتجاوز المشكلة أو سببِها؛ توهمًا أنه غير قادر على ذلك، فيقع أسيرًا لليأس، أو تصور النفس فوق قدراتها فيحمّلها ما لا تحتمل ثم يقاوم ثم ينهار. وأمر آخر له صلة بالاعتدال وهو تفهم أن الله لم يكلف الإنسان إلا ما يستطيع وعليه أن يفعل ما يستطيع، وبالتالي فإن ما ينتاب بعض الناس من اليأس لكونه لا يستطيع أن يصلح كل الأحوال هو نتيجة توهم أنها مسؤوليته بنفسه، دون أن يفهم أن مسؤوليته أن يسهم فقط.
8. التنفيس عن المشاعر السلبية بطريقة معتبرة شرعًا، كالاتجاه إلى الله بالدعاء والشكوى "قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله" [يوسف:86]، أو عرض المشكلة على أهل العلم والمختصين، وطلب الرأي منهم والتحاور معهم؛ شرط أن يكون ذلك طلبًا للحل لا محاولة لإقناع الناس بالفكرة اليائسة.
ما تقدم من شأنه ـ بإذن الله ـ دفع اليأس، أما حينما يصاب شخص بهذا الداء فإن هناك علاجات نفسية تعرف في حينها من أهلها.