عناقيد
26 Jun 2008, 12:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وألف بين قلوبهم "
ماجد بن محمد الجهني
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فقبل أن تشرق شمس هذا الدين العظيم على البشرية كانت الأنفس تعيش في وهدة الأنانيات فالعلاقات بينها قائمة على أساس مصلحي يخاطب "الأنا" في حدودها الضيقة وإطاراتها المغلقة فالحب عندها على أساس عصبي أو قبلي أو مادي لا يجاوز منتهاه حدود الذات اللاهثة خلف ما يعود عليها دون اكتراث بالآخرين.
كانت النفوس قبل الإسلام ضيقة العطن ، محدودة الاهتمامات ، تحب لعصبة وتبغض لعصبة وتفرح لعصبة وتغضب لعصبة ، توالي من أجل المال وتعادي من أجل المنصب ، وهكذا تراوح مكانها حتى اختلط الحق بالباطل وظهر الباطل على الحق فلاترى إلا علاقات ملؤها التجاذب والتنافر على أساس من المصلحة بغيض فسبحان الله العظيم كيف كانت الشقوة مستحكمة على النفوس قبل انبلاج نور الإسلام ؟؟
لما جاء هذا الدين العظيم تبسم وجه الكون ضاحكا ، وتهلل جبين البشرية من بعد كدرة الجاهلية وظلمة الشرك ، وحينها أشرقت الأرض بنور ربها ، وحلقت الأنفس إلى فضاء رحب من العلاقات التي لم تعرف البشرية لها نظيرا طوال تاريخها ، لقد انتقل البشر إلى معنى جديد وإلى مفهوم جديد في باب العلاقات الإنسانية.
لقد أصبح التجاذب والتنافر على أساس من الدين والتقوى ، فلا نقرب إلا من قربه الله ورسوله ، ولا نبعد إلا من أبعده الله ورسوله ، وأصبحت وشيجة الدين فوق كل الوشائج وعلاقة الإسلام تسمو فوق كل العلائق فصهيب الرومي أخ لبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي أخ لعمر بن الخطاب القرشي وهكذا في صورة إيمانية لم يحققها للبشرية سوى دين الإسلام.
لم يعد مقياس المحبة مقياسا ماديا دنيويا ، بل أصبح المقياس مقياسا أخرويا وشرعيا ، أس أساسه الدين ، ولب لبابه محبة رب العالمين ولهذا تلاقت الأرواح على أساسه لقاءا لاينزعه نازع ولا يجذبه جاذب لأن القاعدة صلبة ومتجذرة في القلوب.
جاء هذا الدين ليعلم أتباعه أن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، وأن الألفة التي ألف الله بها بين قلوب عباده هي من أجل النعم التي تستحق من العبد شكرا دائما ومستمرا ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) – (الأنفال آية 63).
إنهم عباد الله عزوجل أهل الإيمان والإسلام والدين والتقوى يجمعهم حب الله عزوجل ، وتجمعهم أخوة الدين متمثلين في ذلك وصية نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وأبو داوود والترمذي ومالك " وكونوا عباد الله إخوانا " .
يقول القرطبي رحمه الله تعالى تعليقا على هذا الحديث : " أي اكتسبوا ماتصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمواساة والمعاونة والنصيحة ".
إنه حب سر جماله أنه يرفض الأنانية ويسمو فوق المصالح الشخصية ، وكمال إيمان العبد فيه أن يحب لأخيه المسلم مايحبه لنفسه من الخير كما في الحديث الصحيح " والذي نفسي بيده لايؤمن عبد حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه من الخير" – صحيح الجامع برقم 7085- فأين مكان الأنانية في قلب عبد يستشعر هذا المعنى السامي من معاني الأخوة في الله ويطبقه في حياته .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يشيع معنى الحب في الله بين صحابته يربي الأمة من بعدهم على أن هذا الحب لامكان فيه للأثرة الضيقة ومما يجسد ذلك المعنى هذا الدعاء الذي دعا به نبينا صلى الله عليه وسلم ورواه لنا الإمام مسلم في صحيحه : " أللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي " الله أكبر الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب حبيبا يكون أحب إليه من نفسه ؟
لاشك أن حلاوة الإيمان لا تكتمل لعبد إلا بتحقيق هذه الخصلة الحميدة ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم جميعا هذا المعنى فهما دقيقا فسعوا إلى تحقيقه بكل مايملكون من وسيلة وذلك لما يرون فيه من الأجر العظيم الذي يحتسبونه عند الله عزوجل ولهذا نجد صحابيا كأبي هريرة مثلا يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يحبب الله إليه المؤمنين ويحبب المؤمنين فيه وفي أمه فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ويهتف داعيا " أللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين" رواه الإمام مسلم .
والله إننا محتاجون إلى التنافس في هذا الباب العظيم ومحتاجون إلى تصحيح أوضاعنا مع مسألة الأخوة في الله ذلك لأن أعداء الدين يعلمون جيدا أن هذه القضية سر من أسرار قوة المسلمين ولهذا فهم يحرصون على طمس معالمها بين المؤمنين ونشر ضدها من العلاقات الإقليمية والوطنية والجغرافية والعشائرية بعيدا عن روح الدين التي تجعل المسلم في أقصى الشرق يتألم لما يحصل لإخوانه في أقصى الغرب.
إنه باب عظيم يفتح الله به على من يشاء من عباده فلننطلق إليه فإن أخوة الدين تنادينا فلنجب ندائها ولنكن من روادها.
وألف بين قلوبهم "
ماجد بن محمد الجهني
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فقبل أن تشرق شمس هذا الدين العظيم على البشرية كانت الأنفس تعيش في وهدة الأنانيات فالعلاقات بينها قائمة على أساس مصلحي يخاطب "الأنا" في حدودها الضيقة وإطاراتها المغلقة فالحب عندها على أساس عصبي أو قبلي أو مادي لا يجاوز منتهاه حدود الذات اللاهثة خلف ما يعود عليها دون اكتراث بالآخرين.
كانت النفوس قبل الإسلام ضيقة العطن ، محدودة الاهتمامات ، تحب لعصبة وتبغض لعصبة وتفرح لعصبة وتغضب لعصبة ، توالي من أجل المال وتعادي من أجل المنصب ، وهكذا تراوح مكانها حتى اختلط الحق بالباطل وظهر الباطل على الحق فلاترى إلا علاقات ملؤها التجاذب والتنافر على أساس من المصلحة بغيض فسبحان الله العظيم كيف كانت الشقوة مستحكمة على النفوس قبل انبلاج نور الإسلام ؟؟
لما جاء هذا الدين العظيم تبسم وجه الكون ضاحكا ، وتهلل جبين البشرية من بعد كدرة الجاهلية وظلمة الشرك ، وحينها أشرقت الأرض بنور ربها ، وحلقت الأنفس إلى فضاء رحب من العلاقات التي لم تعرف البشرية لها نظيرا طوال تاريخها ، لقد انتقل البشر إلى معنى جديد وإلى مفهوم جديد في باب العلاقات الإنسانية.
لقد أصبح التجاذب والتنافر على أساس من الدين والتقوى ، فلا نقرب إلا من قربه الله ورسوله ، ولا نبعد إلا من أبعده الله ورسوله ، وأصبحت وشيجة الدين فوق كل الوشائج وعلاقة الإسلام تسمو فوق كل العلائق فصهيب الرومي أخ لبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي أخ لعمر بن الخطاب القرشي وهكذا في صورة إيمانية لم يحققها للبشرية سوى دين الإسلام.
لم يعد مقياس المحبة مقياسا ماديا دنيويا ، بل أصبح المقياس مقياسا أخرويا وشرعيا ، أس أساسه الدين ، ولب لبابه محبة رب العالمين ولهذا تلاقت الأرواح على أساسه لقاءا لاينزعه نازع ولا يجذبه جاذب لأن القاعدة صلبة ومتجذرة في القلوب.
جاء هذا الدين ليعلم أتباعه أن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، وأن الألفة التي ألف الله بها بين قلوب عباده هي من أجل النعم التي تستحق من العبد شكرا دائما ومستمرا ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) – (الأنفال آية 63).
إنهم عباد الله عزوجل أهل الإيمان والإسلام والدين والتقوى يجمعهم حب الله عزوجل ، وتجمعهم أخوة الدين متمثلين في ذلك وصية نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وأبو داوود والترمذي ومالك " وكونوا عباد الله إخوانا " .
يقول القرطبي رحمه الله تعالى تعليقا على هذا الحديث : " أي اكتسبوا ماتصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمواساة والمعاونة والنصيحة ".
إنه حب سر جماله أنه يرفض الأنانية ويسمو فوق المصالح الشخصية ، وكمال إيمان العبد فيه أن يحب لأخيه المسلم مايحبه لنفسه من الخير كما في الحديث الصحيح " والذي نفسي بيده لايؤمن عبد حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه من الخير" – صحيح الجامع برقم 7085- فأين مكان الأنانية في قلب عبد يستشعر هذا المعنى السامي من معاني الأخوة في الله ويطبقه في حياته .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يشيع معنى الحب في الله بين صحابته يربي الأمة من بعدهم على أن هذا الحب لامكان فيه للأثرة الضيقة ومما يجسد ذلك المعنى هذا الدعاء الذي دعا به نبينا صلى الله عليه وسلم ورواه لنا الإمام مسلم في صحيحه : " أللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي " الله أكبر الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب حبيبا يكون أحب إليه من نفسه ؟
لاشك أن حلاوة الإيمان لا تكتمل لعبد إلا بتحقيق هذه الخصلة الحميدة ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم جميعا هذا المعنى فهما دقيقا فسعوا إلى تحقيقه بكل مايملكون من وسيلة وذلك لما يرون فيه من الأجر العظيم الذي يحتسبونه عند الله عزوجل ولهذا نجد صحابيا كأبي هريرة مثلا يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يحبب الله إليه المؤمنين ويحبب المؤمنين فيه وفي أمه فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ويهتف داعيا " أللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين" رواه الإمام مسلم .
والله إننا محتاجون إلى التنافس في هذا الباب العظيم ومحتاجون إلى تصحيح أوضاعنا مع مسألة الأخوة في الله ذلك لأن أعداء الدين يعلمون جيدا أن هذه القضية سر من أسرار قوة المسلمين ولهذا فهم يحرصون على طمس معالمها بين المؤمنين ونشر ضدها من العلاقات الإقليمية والوطنية والجغرافية والعشائرية بعيدا عن روح الدين التي تجعل المسلم في أقصى الشرق يتألم لما يحصل لإخوانه في أقصى الغرب.
إنه باب عظيم يفتح الله به على من يشاء من عباده فلننطلق إليه فإن أخوة الدين تنادينا فلنجب ندائها ولنكن من روادها.