انا بنت الاسلام
16 Jul 2008, 06:38 AM
تأملات في سورة الإخلاص (2)
http://www.almoslim.net/files/images/thequran_2.jpg
وقد خص الله ابن آدم في هذا الخطاب دون سائر خلقه لجرأته على الله وافتراءه تلك الفرية العظيمة، بل إن تلك المخلوقات الأخرى لتنتفض وترتعش وترتجف من سماع تلك القولة النابية، والمساس بقداسة الذات العلية، كما ينتفض كل عضو وكل جارحة عندما يغضب الإنسان للمساس بكرامته أو كرامة من يحبه ويوقره، هذه الانتفاضة الكونية للكلمة النابية تشترك فيها السماوات والأرض والجبال، كما قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (*) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (*) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (*) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} وقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} بيان لفظاعة هذا الافتراء وشناعته. والإد والإدة: الداهية والأمر الفظيع والمادة تدل على الشدة والثقل، والمعنى: لقد جئتم شيئا منكرا عظيماً شديدا في فظاعته وجرمه.
وبين أثر هذا الافتراء، وفظاعة شأنه في البهتان والهول والشدة في قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} سورة مريم (91). إن السموات والأرض والجبال وهي من أعظم مكونات هذا الكون لتكاد تنشق وتتصدع وتنهار سريعاً استعظاماً لتلك الفرية {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} وتهويلا لها.
هذا هو أثر تلك الفرية الشنعاء، وذلك هولها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق تلك الأجرام الهائلة، وتفتتت من شدتها، ولِمَ نتخيل هذا؟ أو ليست تلك الانفجارات البركانية، والزلازل المدمرة والرياح المخربة، والأعاصير القاتلة تعبيراً عن رفض تلك المخلوقات لظلم الانسان وتألهه وتجبره ومبارزة ربه بالمعاصي والذنوب؟ فيا عجباً لأناس افتتنوا واغتروا بحضارة زائفة، ومقالة خرقاء، استجابوا فيها لنداء الشيطان ومكره، وصدوا بها عن طاعة الرحمان ومغفرته، لقد تأثر هؤلاء بما يرونه في الأمد القصير المحدود، من فلاح بعض الذين يغفلون عن تلك القيم الإيمانية ونجاحهم؛ إنما يخدعهم الانتفاخ الذي يصيب الدابة وقد رعت النبت السام؛ فيحسبونه شحماً وسمنة وعافية وصحة.
والهلاك يترصدها بعد الانتفاخ والحبوط! أخذوا يطالبون بإقامة شعائر المشركين في بلاد الإسلام بدعوى حقوق الإنسان، ويطالبون ببناء كنائسهم ومعابدهم بدعوى حرية الأديان، إننا نسوق إليهم هذه الآيات وتلك العبر لتهز ضمائرهم هزاً عنيفاً لعلهم يفيقون من غفلتهم، ويثوبون إلى رشدهم، ويتراجعون عن قولهم، ويصححون عقيدتهم، من قبل أن يأتي يوم {لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} (47) سورة الشورى.
ألم يأتهم نبأ نبي هذه الأمة عليه الصلاة و السلام، لقد أمر عليه السلام أصحابه ومن تبعهم بإخراج كل من ينحل غير الإسلام ديناً من قلعة الإسلام وموطنه جزيرة العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: " أخرجوا يهود أهل الحجاز و أهل نجران من جزيرة العرب، و اعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". " [السلسلة الصحيحة " 3 / 124].
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يبقين دينان بأرض العرب. [(صحيح) انظر حديث رقم: 4617 في صحيح الجامع].
وقال عليه الصلاة والسلام:" لأخرجن اليهود و النصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ". [أخرجه مسلم (5 / 160) و أبو داود (2 / 43) و الترمذي (2 / 398) و الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 629].
ولكن المنية أدركته عليه الصلاة و السلام قبل إنفاذ قوله، فقام بإنفاذه من بعده الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. إن هذه النصوص تبين حرصه عليه الصلاة والسلام على إبعاد المسلمين عن أهل الكتاب في التجاور والمخالطة، وفي التعاون والتبادل؛ ليبقى المسلم متميزاً بذاته ومنهجه وشعائره، وعلى هذا لا ينبغي مخالطتهم حتى بتبادل الأواني والزيارات، والاحتكاك، ولذا قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)؛ فإن كل أمة خالطت أمة أخرى لابد وأن تدخل تلك الأمة بعاداتها وتقاليدها ولغاتها في الأمة الأخرى؛ فيحصل التجريح في اللغات، ويقع اللحن في اللهجات، والتقليد في العادات، ويؤخذ من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه؛ فيقع الاشتراك في المناهج في الحياة، وإذا طال الزمن بهذا الاشتراك انماعت إحدى الأمتين في الأخرى، والذي يتتبع أخبار العالم الإسلامي مع العالم الغربي منذ عهد الاستعمار وما فعله في العالم الإسلامي، فإننا نجد حينما تدخل أمة مستعمرة بقوتها، فإنها تحارب أولاً اللغة والدين والتقاليد والعادات، وأول ما تدعو إليه: انصهار الأمة المستعمَرة صاحبة البلد الأساسي في بوتقة المستعمِرة الغاصبة؛ فتصبغ عليها زيها، وتفرض عليها لغتها، وجميع أنواع حياتها، ولقد وجدنا في الآونة الأخيرة أقطاراً ودولاً لغتها الأصلية العربية، ثم إذا بها تنسلخ عنها، بل وتكتب لغتها المحلية بالحروف اللاتينية ربطاً لها بلغة الدولة المستعمِرة؛ ليلغى من أذهانهم العربية بالكلية، وإذا انسلخت الأمة المسلمة من اللغة العربية فما الذي يربطها بكتاب الله الذي قال الله فيه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]؟ (شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم - (ج 1 / ص 59)] بتصرف.
ثم إننا نُفتح أبصار هؤلاء الذين يطالبون ببناء معابد للمشركين وكنائس في عقر دار الإسلام ومنشئه، ونوعي قلوبهم بما يحصل للمسلمين الذين يقيمون في بلاد الكفر ويحاولون مزاولة دينهم في بلاد تدعي الحرية وتبني لها الصروح، فالمسلمون اليوم يواجهون في أوروبا مقاومة لخطط بناء مساجد تتناسب مع وضع الإسلام كونه ثاني ديانة في القارة.
وفي شتى أنحاء أوروبا يصلي المسلمون منذ فترة طويلة في مواقف السيارات المغطاة والمصانع القديمة والآن يواجهون تشككا وقلقا لرغبتهم في بناء مساجد ملائمة. ويرفض بعض المنتقدين بناء مساجد وينظرون إليها على أنها إشارات على "الأسلمة". ويقول آخرون إن المآذن ستشوه صورة الأفق في مدنهم!.
ومع وضع الاتهام الموجه لبعض المساجد (كمراكز للإرهابيين) في الأذهان ينظر آخرون إلى المساجد على أنها تهديد أمني محتمل. وليس ذلك فحسب فالهجر والقتل والتهديد لكل من يفكر ببناء مسجد أو حتى مجرد الجهر برفع صوت الأذان خارج حدود المسجد، أو حتى من يؤيد ذلك من غير المسلمين بل ومن أعلام ديانتهم، فبحسب صحيفة "دايلي تليجراف" البريطانية تلقى أسقف كنيسة أكسفورد البريطانية "جون برتشارد" تهديدات بالقتل ورسائل تحث على الكراهية بسبب تأييده لمطلب مسلمي المدينة برفع الأذان، وقال ذلك الأسقف الذي تجاوز عمره الستين لتلك الصحيفة: " لقد تلقيت رسائل إلكترونية غير عادية، تكشف عن الوجه المظلم للمجتمع البريطاني".
ومنذ ذلك الحين أصبح بريتشارد هدفًا لمطالبات بالاستقالة ورسائل كراهية وتهديدات بالقتل.
وفي دولة أخرى أعلنت مبدأ الدفاع عن الحرية رمزاً لها، وشيدت له تمثالاً يحمل وراءه كل خبث ومكر وأسمته بذلك الرمز، وترفع صوتها وتدس سمها وتستبد شعوباً بتلك الدعوة، أثار حفيظة سكان تلك الدولة وأخرج حقدهم الدفين صوت المؤذن: "الله أكبر.. الله أكبر"، في واحدة من أبرز شعائر الإسلام، لكن هذا الأذان الذي لا يستغرق سوى دقيقتين ويتكرر خمس مرات يوميا أثار اعتراضات عدد من السكان بمدينة -كنزنجتون –الأمريكية، فقد أثار الأذان الجدل في المدينة، فهو يمثل حرية دينية من وجهة نظر الكثيرين، لكن البعض يرون أنه ينتهك حقهم في الاستمتاع بالهدوء؛ حيث اشتكى بعض السكان من صوت الأذان، فاضطر إمام ذلك المسجد إلى اتخاذ إجراءات استجابة للشكاوى السابقة، وقام بالفعل بإجراء بعض التعديلات"، حيث قال: "إنه قد تم إزالة أحد مكبري الصوت، كما تم تعديل توجيه مكبر الصوت الآخر"، وقال "إن المسجد توقف عن رفع الأذان من خلال مكبر الصوت في صلاة الفجر؛ احتراماً للجيران".
فهاهم المسلمون يعانون أشد المعاناة من إنشاء مساجد في دول المهجر التي يعيشون فيها وهم يمثلون ثاني أكبر ديانة في تلك البلاد وعددهم كبير وفي ازدياد، ويشغلون مناصباً و نسبة كبيرة من الأيدي العاملة، ومع ذلك كله ليس لهم الحق في إظهار شعائر دينهم وبناء المساجد لذلك!.
وكل ذلك بسبب القوانين التي تضعها تلك الدول والتي هي تعادي وتندد بديانة الإسلام، بدعوة الحرية؟ وعدم إزعاج سكان تلك البلاد! ونحن أيضاً في بلاد الإسلام نقف موقف الند ونطالب باحترام حريتنا كمسلمين واحترام شعائر ديننا الحنيف، ونتمسك أيضاً بأداء حق الله على عباده كما جاء في الحديث الذي يرويه معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ بن جبل! هل تدري ما حق الله على عباده و ما حق العباد على الله؟ فإن حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا». [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: 7968].
ونرفض بشدة أن يشرك بالله تعالى في أرضه أو بأن تدق نواقيس تلك الكنائس التي تجاهر بالكفر عياناً في بلادنا طاعنة بتوحيد الله عز وجل أمام أعيننا وبمسمع من آذاننا. هذا تأمل في سورة عظيمة، فضلها كبير، نزل بها الروح الأمين فأودعها صدر البشير النذير، ليبلغها للمؤمنين والمؤمنات، ليتدبروها ويستخلصوا منها أعظم العبر وأبلغ العظات، وصدق الله القائل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.almoslim.net/files/images/thequran_2.jpg
وقد خص الله ابن آدم في هذا الخطاب دون سائر خلقه لجرأته على الله وافتراءه تلك الفرية العظيمة، بل إن تلك المخلوقات الأخرى لتنتفض وترتعش وترتجف من سماع تلك القولة النابية، والمساس بقداسة الذات العلية، كما ينتفض كل عضو وكل جارحة عندما يغضب الإنسان للمساس بكرامته أو كرامة من يحبه ويوقره، هذه الانتفاضة الكونية للكلمة النابية تشترك فيها السماوات والأرض والجبال، كما قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (*) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (*) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (*) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} وقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} بيان لفظاعة هذا الافتراء وشناعته. والإد والإدة: الداهية والأمر الفظيع والمادة تدل على الشدة والثقل، والمعنى: لقد جئتم شيئا منكرا عظيماً شديدا في فظاعته وجرمه.
وبين أثر هذا الافتراء، وفظاعة شأنه في البهتان والهول والشدة في قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} سورة مريم (91). إن السموات والأرض والجبال وهي من أعظم مكونات هذا الكون لتكاد تنشق وتتصدع وتنهار سريعاً استعظاماً لتلك الفرية {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} وتهويلا لها.
هذا هو أثر تلك الفرية الشنعاء، وذلك هولها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق تلك الأجرام الهائلة، وتفتتت من شدتها، ولِمَ نتخيل هذا؟ أو ليست تلك الانفجارات البركانية، والزلازل المدمرة والرياح المخربة، والأعاصير القاتلة تعبيراً عن رفض تلك المخلوقات لظلم الانسان وتألهه وتجبره ومبارزة ربه بالمعاصي والذنوب؟ فيا عجباً لأناس افتتنوا واغتروا بحضارة زائفة، ومقالة خرقاء، استجابوا فيها لنداء الشيطان ومكره، وصدوا بها عن طاعة الرحمان ومغفرته، لقد تأثر هؤلاء بما يرونه في الأمد القصير المحدود، من فلاح بعض الذين يغفلون عن تلك القيم الإيمانية ونجاحهم؛ إنما يخدعهم الانتفاخ الذي يصيب الدابة وقد رعت النبت السام؛ فيحسبونه شحماً وسمنة وعافية وصحة.
والهلاك يترصدها بعد الانتفاخ والحبوط! أخذوا يطالبون بإقامة شعائر المشركين في بلاد الإسلام بدعوى حقوق الإنسان، ويطالبون ببناء كنائسهم ومعابدهم بدعوى حرية الأديان، إننا نسوق إليهم هذه الآيات وتلك العبر لتهز ضمائرهم هزاً عنيفاً لعلهم يفيقون من غفلتهم، ويثوبون إلى رشدهم، ويتراجعون عن قولهم، ويصححون عقيدتهم، من قبل أن يأتي يوم {لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} (47) سورة الشورى.
ألم يأتهم نبأ نبي هذه الأمة عليه الصلاة و السلام، لقد أمر عليه السلام أصحابه ومن تبعهم بإخراج كل من ينحل غير الإسلام ديناً من قلعة الإسلام وموطنه جزيرة العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: " أخرجوا يهود أهل الحجاز و أهل نجران من جزيرة العرب، و اعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". " [السلسلة الصحيحة " 3 / 124].
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يبقين دينان بأرض العرب. [(صحيح) انظر حديث رقم: 4617 في صحيح الجامع].
وقال عليه الصلاة والسلام:" لأخرجن اليهود و النصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ". [أخرجه مسلم (5 / 160) و أبو داود (2 / 43) و الترمذي (2 / 398) و الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 629].
ولكن المنية أدركته عليه الصلاة و السلام قبل إنفاذ قوله، فقام بإنفاذه من بعده الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. إن هذه النصوص تبين حرصه عليه الصلاة والسلام على إبعاد المسلمين عن أهل الكتاب في التجاور والمخالطة، وفي التعاون والتبادل؛ ليبقى المسلم متميزاً بذاته ومنهجه وشعائره، وعلى هذا لا ينبغي مخالطتهم حتى بتبادل الأواني والزيارات، والاحتكاك، ولذا قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)؛ فإن كل أمة خالطت أمة أخرى لابد وأن تدخل تلك الأمة بعاداتها وتقاليدها ولغاتها في الأمة الأخرى؛ فيحصل التجريح في اللغات، ويقع اللحن في اللهجات، والتقليد في العادات، ويؤخذ من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه؛ فيقع الاشتراك في المناهج في الحياة، وإذا طال الزمن بهذا الاشتراك انماعت إحدى الأمتين في الأخرى، والذي يتتبع أخبار العالم الإسلامي مع العالم الغربي منذ عهد الاستعمار وما فعله في العالم الإسلامي، فإننا نجد حينما تدخل أمة مستعمرة بقوتها، فإنها تحارب أولاً اللغة والدين والتقاليد والعادات، وأول ما تدعو إليه: انصهار الأمة المستعمَرة صاحبة البلد الأساسي في بوتقة المستعمِرة الغاصبة؛ فتصبغ عليها زيها، وتفرض عليها لغتها، وجميع أنواع حياتها، ولقد وجدنا في الآونة الأخيرة أقطاراً ودولاً لغتها الأصلية العربية، ثم إذا بها تنسلخ عنها، بل وتكتب لغتها المحلية بالحروف اللاتينية ربطاً لها بلغة الدولة المستعمِرة؛ ليلغى من أذهانهم العربية بالكلية، وإذا انسلخت الأمة المسلمة من اللغة العربية فما الذي يربطها بكتاب الله الذي قال الله فيه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]؟ (شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم - (ج 1 / ص 59)] بتصرف.
ثم إننا نُفتح أبصار هؤلاء الذين يطالبون ببناء معابد للمشركين وكنائس في عقر دار الإسلام ومنشئه، ونوعي قلوبهم بما يحصل للمسلمين الذين يقيمون في بلاد الكفر ويحاولون مزاولة دينهم في بلاد تدعي الحرية وتبني لها الصروح، فالمسلمون اليوم يواجهون في أوروبا مقاومة لخطط بناء مساجد تتناسب مع وضع الإسلام كونه ثاني ديانة في القارة.
وفي شتى أنحاء أوروبا يصلي المسلمون منذ فترة طويلة في مواقف السيارات المغطاة والمصانع القديمة والآن يواجهون تشككا وقلقا لرغبتهم في بناء مساجد ملائمة. ويرفض بعض المنتقدين بناء مساجد وينظرون إليها على أنها إشارات على "الأسلمة". ويقول آخرون إن المآذن ستشوه صورة الأفق في مدنهم!.
ومع وضع الاتهام الموجه لبعض المساجد (كمراكز للإرهابيين) في الأذهان ينظر آخرون إلى المساجد على أنها تهديد أمني محتمل. وليس ذلك فحسب فالهجر والقتل والتهديد لكل من يفكر ببناء مسجد أو حتى مجرد الجهر برفع صوت الأذان خارج حدود المسجد، أو حتى من يؤيد ذلك من غير المسلمين بل ومن أعلام ديانتهم، فبحسب صحيفة "دايلي تليجراف" البريطانية تلقى أسقف كنيسة أكسفورد البريطانية "جون برتشارد" تهديدات بالقتل ورسائل تحث على الكراهية بسبب تأييده لمطلب مسلمي المدينة برفع الأذان، وقال ذلك الأسقف الذي تجاوز عمره الستين لتلك الصحيفة: " لقد تلقيت رسائل إلكترونية غير عادية، تكشف عن الوجه المظلم للمجتمع البريطاني".
ومنذ ذلك الحين أصبح بريتشارد هدفًا لمطالبات بالاستقالة ورسائل كراهية وتهديدات بالقتل.
وفي دولة أخرى أعلنت مبدأ الدفاع عن الحرية رمزاً لها، وشيدت له تمثالاً يحمل وراءه كل خبث ومكر وأسمته بذلك الرمز، وترفع صوتها وتدس سمها وتستبد شعوباً بتلك الدعوة، أثار حفيظة سكان تلك الدولة وأخرج حقدهم الدفين صوت المؤذن: "الله أكبر.. الله أكبر"، في واحدة من أبرز شعائر الإسلام، لكن هذا الأذان الذي لا يستغرق سوى دقيقتين ويتكرر خمس مرات يوميا أثار اعتراضات عدد من السكان بمدينة -كنزنجتون –الأمريكية، فقد أثار الأذان الجدل في المدينة، فهو يمثل حرية دينية من وجهة نظر الكثيرين، لكن البعض يرون أنه ينتهك حقهم في الاستمتاع بالهدوء؛ حيث اشتكى بعض السكان من صوت الأذان، فاضطر إمام ذلك المسجد إلى اتخاذ إجراءات استجابة للشكاوى السابقة، وقام بالفعل بإجراء بعض التعديلات"، حيث قال: "إنه قد تم إزالة أحد مكبري الصوت، كما تم تعديل توجيه مكبر الصوت الآخر"، وقال "إن المسجد توقف عن رفع الأذان من خلال مكبر الصوت في صلاة الفجر؛ احتراماً للجيران".
فهاهم المسلمون يعانون أشد المعاناة من إنشاء مساجد في دول المهجر التي يعيشون فيها وهم يمثلون ثاني أكبر ديانة في تلك البلاد وعددهم كبير وفي ازدياد، ويشغلون مناصباً و نسبة كبيرة من الأيدي العاملة، ومع ذلك كله ليس لهم الحق في إظهار شعائر دينهم وبناء المساجد لذلك!.
وكل ذلك بسبب القوانين التي تضعها تلك الدول والتي هي تعادي وتندد بديانة الإسلام، بدعوة الحرية؟ وعدم إزعاج سكان تلك البلاد! ونحن أيضاً في بلاد الإسلام نقف موقف الند ونطالب باحترام حريتنا كمسلمين واحترام شعائر ديننا الحنيف، ونتمسك أيضاً بأداء حق الله على عباده كما جاء في الحديث الذي يرويه معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ بن جبل! هل تدري ما حق الله على عباده و ما حق العباد على الله؟ فإن حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا». [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: 7968].
ونرفض بشدة أن يشرك بالله تعالى في أرضه أو بأن تدق نواقيس تلك الكنائس التي تجاهر بالكفر عياناً في بلادنا طاعنة بتوحيد الله عز وجل أمام أعيننا وبمسمع من آذاننا. هذا تأمل في سورة عظيمة، فضلها كبير، نزل بها الروح الأمين فأودعها صدر البشير النذير، ليبلغها للمؤمنين والمؤمنات، ليتدبروها ويستخلصوا منها أعظم العبر وأبلغ العظات، وصدق الله القائل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.