انا بنت الاسلام
16 Jul 2008, 07:01 AM
حتى بدت نواجذه
العيش في هذه الدنيا يحتاج إلى انشراح صدر وانبساط يوازن به المرء ما يصيبه من الهموم والأحزان التي عادة ما تعترض البشر، ولذا فطر الله تعالى بني آدم بصفات عدة، منها الضحك والتبسم، وهيأ لهم أدواتها الخاصة بها كاللسان والأسنان والشفتين والعينين والوجنتين والقلب أصلها ومنبعها؛ كل ذلك حتى يستعين بها في دفع الهموم والأحزان التي تقعده عن عمارة الأرض.
من كانت الابتسامة رفيقته في تعامله مع الآخرين، والضحك المتزن ديدنه في تفاعله، مع ما يثيره دون لمز أو همز أو سخرية واستهزاء،كان أقرب إلى الصحة والعافية والسعادة والانشراح.
يرضى ويغضبُ فهو في حالاته... حُلْوُ التبَسُّمِ قاتلُ التعبيسِ
أما التقطيب أو العبوس والتجهم ونحوها من صفات التعساء فهي أبواب عظيمة للهم والغم والاكتئاب، وربما الانتحار. نسأل الله الثبات والاستقامة على دينه.
القَ بالبِشر مَن لقيتَ من النا ... سِ جميعًا ولاقِهِمْ بالطلاقهْ
تَجْنِ منهم به جناءَ ثمــارٍ ... طيِّبًا طعمُـه لذيذَ المذاقهْ
ودعِ التِّيْهَ والعبوسَ عن النا ... سِ فإنّ العبوسَ رأسُ الحماقهْ
"فالضحك خاص بالإنسان من بين الحيوان، ومعناه استفادة سرور يلحق، فتنشط له عروق قلبه، فيجري الدم فيها، فيفيض إلى سائر عروق بدنه، فتثير فيه حرارة؛ فينبسط لها وجهه، وتملأ الحرارة فاه، فيضيق عنها، فتنفتح شفتاه، وتبدو أسنانه، فإن تزايد ذلك السرور، ولم يمكن ضبط النفس استخفّه الفرح، فضحك حتى قهقه، ولذلك كان ضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- تبسماً؛ لأنه كان يملك نفسه، فلا يستخفّه السرور، فيغلبه فيقهقه".
فقد كان يضحك ولم يكن يقهقه الضحك ويكركره ، بل جُلَّ ضحكه التبسم، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: "ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً" أي مقبلاً على الضحك بكلّيته
هذا شأنه فهو القائد والمربي والموجّه، فلا يسعه إلاّ هذا حفاظاً على الهيبة المفضية للاحترام والتقدير له صلى الله عليه وسلم، وانطبع ذلك في ضحك أصحابه بحضرته؛ فقد كان ضحك أصحابه عنده التبسّم، توقيراً له واقتداءً به، فمجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة.
لقد كان كثير التبسّم صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال : "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2) و عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلاّ ضحك". وفي رواية: "إلا تبسم" (3)وعن جابر بن سمرة قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسّم معهم(4).
"حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم" هكذا في أحاديث صحاح كثيرة تصف وتوحي مدى تفاعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأحداث من حوله، لقد بدت نواجذه عندما سمع أهل الكتاب يذكرون ما يوافق ما جاء به عن صفات الله تبارك وتعالى (5)
وبدت نواجذه صلى الله عليه وسلم من الضحك عندما قص على أصحابه مشهد آخر أهل النار خروجاً منها، وآخرهم دخولاً الجنة لما خيل إليه أنها ملأى(6)،وفي رواية "أنه سأل ربه عن ذنوبه التي سترت، ولم تذكر وهو يقول رب عملت ذنوباً لا أراها هاهنا، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه" (7).
وضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه من صنيع عائشة باللعب مع البنات ووسطهن فرس له جناحان وجوابها أن لسليمان خيلاً لها أجنحة (8).وغير ذلك من المواقف الكثيرة في كتب السنة التي ضحك فيها -صلى الله عليه وسلم- ولا يسع المقام لسردها، يقول ابن حجر في الفتح: "وفي جميعها ذكر التبسّم أو الضحك، وأسبابها مختلفة، لكن أكثرها للتعجب، وبعضها للإعجاب، وبعضها للملاطفة" (9)، وقال النووي في شرح مسلم: "وفي هذا: جواز الضحك، وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن، ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال"(10).
على الرغم من كثرة ما يشغل فكره صلى الله عليه وسلم من القضايا والمشاغل وهموم الدعوة وتبليغ الرسالة والسعي الدائم والمتواصل لرضا الله تبارك وتعالى، إلاّ أنه كان منشرحاً سهلاً، يعلو وجهه البشر والانبساط، فيتهلل كأنه مذهبة أو مدهنة من النور، بل كان يدعو إلى ذلك ويرغب فيه؛ فمن تبسم في وجه أخيه له صدقه. ومن دعا الناس إلى الخير أن يبشرهم ولا ينفرهم بل يتحبب إليهم، ويتألفهم، ومن أخطأ في حقه تبسّم له، ولو كان غضبان كما في قصة جذب الأعرابي لثوبه.
إنها الحياة السهلة واللطيفة التي يعيشها المؤمن ولو كان على ظهره هموم الدنيا؛ فهو منشرح الصدر، خفيف النفس، لا يأبه بالمشكلات ولو عظمت، ولا بالمصائب ولو جلَّت:
إنّ المكارهَ قد تسرُّ وربما ... كان السرورُ بما كرهتَ جديرا
إنها لفتة مهمة لأولئك الذين اغتربت على شفاههم الابتسامة، وضاعت مع زحمة التفكير والانشغالات ضحكاتهم الطيبة، أن يتأملوا حال نبيهم وأسوتهم وقدوتهم وقائدهم ومربيهم، الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه؛كم كان يشغل التبسّم مساحة من تفاعله وتبادله وتواصله مع من حوله من الأهل والأرحام والأصحاب؟ وكم كان التوازن في بذله وعطائه وتحمّله وصبره وتجلّده ورضاه وغضبه، حتى كان وسطاً في كل أموره صلى الله عليه وسلم كما أراده ربه ومولاه؟
......
* النواجذ: جمع ناجذ وهو آخر الأضراس ولكل إنسان أربع نواجذ. وتطلق النواجذ أيضا على الأنياب والأضراس...
منقول
العيش في هذه الدنيا يحتاج إلى انشراح صدر وانبساط يوازن به المرء ما يصيبه من الهموم والأحزان التي عادة ما تعترض البشر، ولذا فطر الله تعالى بني آدم بصفات عدة، منها الضحك والتبسم، وهيأ لهم أدواتها الخاصة بها كاللسان والأسنان والشفتين والعينين والوجنتين والقلب أصلها ومنبعها؛ كل ذلك حتى يستعين بها في دفع الهموم والأحزان التي تقعده عن عمارة الأرض.
من كانت الابتسامة رفيقته في تعامله مع الآخرين، والضحك المتزن ديدنه في تفاعله، مع ما يثيره دون لمز أو همز أو سخرية واستهزاء،كان أقرب إلى الصحة والعافية والسعادة والانشراح.
يرضى ويغضبُ فهو في حالاته... حُلْوُ التبَسُّمِ قاتلُ التعبيسِ
أما التقطيب أو العبوس والتجهم ونحوها من صفات التعساء فهي أبواب عظيمة للهم والغم والاكتئاب، وربما الانتحار. نسأل الله الثبات والاستقامة على دينه.
القَ بالبِشر مَن لقيتَ من النا ... سِ جميعًا ولاقِهِمْ بالطلاقهْ
تَجْنِ منهم به جناءَ ثمــارٍ ... طيِّبًا طعمُـه لذيذَ المذاقهْ
ودعِ التِّيْهَ والعبوسَ عن النا ... سِ فإنّ العبوسَ رأسُ الحماقهْ
"فالضحك خاص بالإنسان من بين الحيوان، ومعناه استفادة سرور يلحق، فتنشط له عروق قلبه، فيجري الدم فيها، فيفيض إلى سائر عروق بدنه، فتثير فيه حرارة؛ فينبسط لها وجهه، وتملأ الحرارة فاه، فيضيق عنها، فتنفتح شفتاه، وتبدو أسنانه، فإن تزايد ذلك السرور، ولم يمكن ضبط النفس استخفّه الفرح، فضحك حتى قهقه، ولذلك كان ضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- تبسماً؛ لأنه كان يملك نفسه، فلا يستخفّه السرور، فيغلبه فيقهقه".
فقد كان يضحك ولم يكن يقهقه الضحك ويكركره ، بل جُلَّ ضحكه التبسم، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: "ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً" أي مقبلاً على الضحك بكلّيته
هذا شأنه فهو القائد والمربي والموجّه، فلا يسعه إلاّ هذا حفاظاً على الهيبة المفضية للاحترام والتقدير له صلى الله عليه وسلم، وانطبع ذلك في ضحك أصحابه بحضرته؛ فقد كان ضحك أصحابه عنده التبسّم، توقيراً له واقتداءً به، فمجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة.
لقد كان كثير التبسّم صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال : "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2) و عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلاّ ضحك". وفي رواية: "إلا تبسم" (3)وعن جابر بن سمرة قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسّم معهم(4).
"حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم" هكذا في أحاديث صحاح كثيرة تصف وتوحي مدى تفاعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأحداث من حوله، لقد بدت نواجذه عندما سمع أهل الكتاب يذكرون ما يوافق ما جاء به عن صفات الله تبارك وتعالى (5)
وبدت نواجذه صلى الله عليه وسلم من الضحك عندما قص على أصحابه مشهد آخر أهل النار خروجاً منها، وآخرهم دخولاً الجنة لما خيل إليه أنها ملأى(6)،وفي رواية "أنه سأل ربه عن ذنوبه التي سترت، ولم تذكر وهو يقول رب عملت ذنوباً لا أراها هاهنا، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه" (7).
وضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه من صنيع عائشة باللعب مع البنات ووسطهن فرس له جناحان وجوابها أن لسليمان خيلاً لها أجنحة (8).وغير ذلك من المواقف الكثيرة في كتب السنة التي ضحك فيها -صلى الله عليه وسلم- ولا يسع المقام لسردها، يقول ابن حجر في الفتح: "وفي جميعها ذكر التبسّم أو الضحك، وأسبابها مختلفة، لكن أكثرها للتعجب، وبعضها للإعجاب، وبعضها للملاطفة" (9)، وقال النووي في شرح مسلم: "وفي هذا: جواز الضحك، وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن، ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال"(10).
على الرغم من كثرة ما يشغل فكره صلى الله عليه وسلم من القضايا والمشاغل وهموم الدعوة وتبليغ الرسالة والسعي الدائم والمتواصل لرضا الله تبارك وتعالى، إلاّ أنه كان منشرحاً سهلاً، يعلو وجهه البشر والانبساط، فيتهلل كأنه مذهبة أو مدهنة من النور، بل كان يدعو إلى ذلك ويرغب فيه؛ فمن تبسم في وجه أخيه له صدقه. ومن دعا الناس إلى الخير أن يبشرهم ولا ينفرهم بل يتحبب إليهم، ويتألفهم، ومن أخطأ في حقه تبسّم له، ولو كان غضبان كما في قصة جذب الأعرابي لثوبه.
إنها الحياة السهلة واللطيفة التي يعيشها المؤمن ولو كان على ظهره هموم الدنيا؛ فهو منشرح الصدر، خفيف النفس، لا يأبه بالمشكلات ولو عظمت، ولا بالمصائب ولو جلَّت:
إنّ المكارهَ قد تسرُّ وربما ... كان السرورُ بما كرهتَ جديرا
إنها لفتة مهمة لأولئك الذين اغتربت على شفاههم الابتسامة، وضاعت مع زحمة التفكير والانشغالات ضحكاتهم الطيبة، أن يتأملوا حال نبيهم وأسوتهم وقدوتهم وقائدهم ومربيهم، الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه؛كم كان يشغل التبسّم مساحة من تفاعله وتبادله وتواصله مع من حوله من الأهل والأرحام والأصحاب؟ وكم كان التوازن في بذله وعطائه وتحمّله وصبره وتجلّده ورضاه وغضبه، حتى كان وسطاً في كل أموره صلى الله عليه وسلم كما أراده ربه ومولاه؟
......
* النواجذ: جمع ناجذ وهو آخر الأضراس ولكل إنسان أربع نواجذ. وتطلق النواجذ أيضا على الأنياب والأضراس...
منقول