المنذر
19 Aug 2008, 08:45 PM
بسم الله الرحمن الرحميم
بذل الهمم في شرح حديث (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم..) . الشيخ عبدالمنعم البدراني
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الامام أحمد في مسنده وابو داود في سننه وابو نعيم في حليته من حديث ثوبان (رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :(يوشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها، قالوا: اومن قلة يارسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : حب الدنيا وكراهية الموت).
وفي الحديث جملة من الفوائد والمسائل:
الاولى: قوله (صلى الله عليه وسلم) (يوشك ان تتداعى عليكم الامم) ويوشك من افعال المقاربة، اي اوشك واقترب ذلك وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهذه الامم قد تداعت على امة الاسلام والمسلمين على الرغم من اختلاف مشاربهم وعقائدهم ولكن القاسم المشترك لهم هو عداوة الدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم).
اما الثانية: قوله (صلى الله عليه وسلم) :(الامم) اي الامم الكافرة ومن والاها من الامم المنافقة التي تدعي الاسلام ولكنها معول هدم لحضارته واصوله وثوابته، وهذه اخطر من سابقتها لانه قطع رأس الدين بسيف الدين، كما كان المنافقون في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم): اشد خطراً واعظم ضرراً على الاسلام والمسلمين من الكفار الاصليين وهذا الامر بدا جليا حينما وقف ادعياء الاسلام والعروبة مع الولايات المتحدة وحلفائها ضد الحرب على العراق.
ولسنا بصدد الدفاع عن النظام السابق، ولكننا بشأن قضية كبيرة وخطيرة اسمها المشروع الامريكي الاسرائيلي البريطاني الكبير في الشرق الاوسط والذي وضع الحجر الاساس له في وعد بلفور المشؤوم يوم تعهد بلفور المقبور ببناء دوله لليهود المضطهدين بزعمه في العالم في فلسطين، وكان العراق هو حجر الاساس الشرقي لدولة (اسرائيل) المزعومة التي يحلم بها يهود العالم والتي تمتد حدودها من النيل غرباً الى الفرات شرقاً ومن الشام شمالاً الى مدينة خيبر في السعودية جنوباً، فالمشروع الجديد الذي هو امتداد للمشروع القديم بدأ من العراق، من كنز الشرق، من بلد الخيرات، من ارض الحضارات، حيث الموقع الجغرافي، والتأريخي، والاقتصادي والتجاري، والصناعي، والزراعي، حيث النفط واليورانيوم والفوسفات وغير ذلك من كنوز الارض التي اودعها الله تعالى في هذا البلد العريق. فتآمر القاصي والداني على هذا البلد وهذه الامة المستهدفة من اعدائها، قبل الاسلام وبعده. فلم ينس التاريخ ان يدون لنا استعباد الروم وفارس للعرب قبل الاسلام، ولم ينس التأريخ كذلك ان يدون لنا عملاء هاتين الامبراطورتين الرومية وحلفائها الغساسنة، والفارسية وحلفائها المناذرة.
والتاريخ يعيد نفسه، فالولايات المتحدة اتخذت من رؤساء وملوك الدول العربية والاسلامية عملاء لهم يخدمون مصالحها ويرعون منافعها في الشرق الاوسط واصبح بنو جلدتنا والذين يتسمون بالاسلام اعواناً لها على الاثم والعدوان وعيوناً لها على الاسلام والمسلمين والمجاهدين والناصرين لله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).
والثالثة: قوله (صلى الله عليه وسلم) (كما تتداعى الاكلة على قصعتها) اي كما يتهاوى الجوعى ويدعو بعضهم بعضا على قصعتهم وفي ذلك كناية على النهمة الشديدة والطمع الشديد لأعداء المسلمين في خيرات المسلمين، فالحرب على الاسلام له اسباب عديدة منها:
1. اسباب دينية: فهي حرب صليبية مجوسية على الاسلام والمسلمين.
2. اسباب ثأرية فالنصارى يريدون الثأر لهزيمتهم في حطين على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى، واليهود يريدون ان يثأروا لهزيمتهم امام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوم دخل بيت المقدس منتصراً ومستلماً لمفاتيح المسجد الاقصى والمجوس يريدون الثأر لهزيمتهم يوم القادسية على يد سعد بن ابي وقاص (رضي الله عنه).
3. اسباب اقتصادية :و(القصعة) كناية عن خيرات هذه الامة، وكيف ان اعداء الله تعالى يتنافسون ويتصارعون فيما بينهم، ايهم تكون له حصة الاسد؟!
والولايات المتحدة الامريكية ارعبت العالم بقوتها الوهمية حتى لا يزاحمها احد على القدح المعلى في العراق ويوم انقسم العالم الى فريقين مؤيد للحرب وفريق معارض، فان هذا الافتراق لم يكن لله، ولم يكن لصالح العراق، وانما هو لصالحهم فالمؤيد للحرب على العراق دعته الولايات المتحدة بأن ينال من قصعة العراق لقمة، والمعارض للحرب كفرنسا والمانيا وروسيا كانت معارضة على قاعدة (تحاسد الاقران) لانها تعلم ان الولايات المتحدة لن ترضى بان يكون لها شريك في كنوز العراق ومن يؤيدها فله فتات الموائد!!.
الرابعة: وقولهم :(أومن قلة يارسول الله؟) وهو سؤال مبني على فهم العرب قبل الاسلام لمقاييس القوة والضعف وان القبيلة لايطمع فيها غاز الا لانها قليلة العدد فتبادر الى اذهان الصحابة (رضي الله عنهم) هذا المعنى بمجرد ان سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ان الامم سوف تجتمع عليكم وتنهب خيراتكم، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يبقهم على الفهم الجاهلي لقضية النصر والهزيمة فاجابهم بقوله (صلى الله عليه وسلم) :(بل انتم كثير) فاذهب الله تعالى عن اذهانهم الفهم الجاهلي بجواب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ان الهزيمة والنصر في الاسلام ليس مقياسه القلة والكثرة كما تفهم العرب وانما له اسباب اخرى ويجب على كل مسلم ان يقف عندها بأناة.
وتعود بنا الذاكرة في تقرير هذه الحقيقة الشرعية الى يوم بدر والمسلمون اذلة كما وصفهم رب العزة في قوله :((ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة)) والذلة هنا هي ذلة العدد وقلة الانصار، ومقارنته بيوم حنين كان المسلمون كثراً، ولكن كثرتهم لم تغن عنهم من الله شيئاً وانهزموا في اول المعركة لولا ان الله تعالى انزل سكينته على رسوله والمؤمنين فالقلة والكثرة ليستا مقياسي النصرة والهزيمة، انما هو التوصيف لهذه القلة والكثرة هو مقياس النصر او الخذلان.
فالصفوة في غزوة بدر انتصرت مع قلتها، والخليط في غزوة حنين انهزم مع كثرته وهذا التوصيف للكثرة في حنين منطبق على الكثير الذي قصده النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله:(بل انتم كثير) ثم وصفه بقوله (ولكنكم غثاء كغثاء السيل) والغثاء ما يحمله السيل من الاشواك والعيدان والقش وغيره مما لا فائدة منه ولا نفع فيه وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث ان هذه الامة قارب تعدادها الملياروالنصف ولم يغن عنها شيئا فهي كما يقال في المثل الشعبي :(كثرة بلا نفع) كثرة تتحكم في احوالها قلة من اراذل الناس من اليهود ومن حالفهم، كثرة انقسمت على نفسها فتنازعت ففشلت وذهب ريحها كما قال الله تعالى :((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). فعطف الفشل على النزاع بحرف العطف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب ولم يعطف بالواو والتي لا تفيد الترتيب والتعقيب وكذلك لم يعطف بـ(ثم) التي لاتفيد الترتيب مع التراخي انما عطف بالفاء التي تدل على ان الفشل ياتي مباشرة عقب النزاع من غير تراخ!
انظر وهذا ما حدث للامة يوم اختلفت اختلافاً تنافرت فيه القلوب وتباعدت فيه الارواح وتباغضت فيه النفوس ونتج عن ذلك تسلط اعدائها عليها كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم):(ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم). فلم تبق لنا هيبة في قلوب اعدائنا وخير دليل على ذلك قيام دولة (اسرائيل) في قلب امة العرب والاسلام. وخير دليل على ذلك احتلال الولايات المتحدة افغانستان المسلمة وخير دليل على ذلك احتلال الولايات المتحدة للعراق من غير خوف او حياء من احد، وخير دليل هو اضطهاد المسلمين في كل العالم وتدخل الامريكان واليهود في ادق خصوصيات الامة كالتعليم والدستور والانتخابات والاقتصاد والسياسة والاجتماع والاعلام والفنون، والاملاء على هذه الحكومة آلية العمل وفنية التصور وكل ذلك ناتج عن ذهاب الهيبة من قلوب اعدائنا منا كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).
ورحم الله تعالى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوم كان اعداؤه يخشونه عن بعد الاف الاميال. ورحم الله تعالى هارون الرشيد والمعتصم والمأمون وغيرهم من امراء الاسلام يوم كانوا يتوعدون اعداءهم فيرتجف الاعداء منهم خوفاً ورعباً.
انها عزة الاسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله تعالى كما قال ذلك امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فالامة حينما اخذت تبحث عن عز موهوم بغير الاسلام اذلها الله تعالى وسلب هيبتها من قلوب اعدائها منها حينما استبدلت الذي هو ادنى بالذي هو خير، فنقبوا عن حلول قومية تارة، وعن حلول وطنية تارة اخرى، وعن حلول ديمقراطية او اشتراكية او رأسمالية وغير ذلك من الفكر والاتجاهات ولكنها لم تفلح ولم تجد نفعا لانها حلول ارضية، ولذلك ارسل الرسل الحلول السماوية من رب العالمين جل وعلا والذي هو اعلم بما يصلح خلقه ولذلك ارسل الرسل وانزل الكتب لتكون للناس نبراسا في ظلمات التخبط والحيرة والتيه وهذا ما وصف الله تعالى به رسوله محمداً (صلى الله عليه وسلم) حيث قال :((يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيراً* وداعيا الى الله باذنه وسراجاً منيراً)) فهو (صلى الله عليه وسلم) سراج منير ونبراس مضيء في ظلمات الجاهلية والتخلف والانحدار الخلقي والعقدي والسلوكي.
فاذا اردنا لهيبتنا ان تعود في قلوب اعدائنا منا فلا بد من العودة الى الكتاب والسنة والشرع الحنيف فان عزتنا وهيبتنا مرهونتان بهذا الدين العظيم الذي جاء به الرحمة المهداة (صلى الله عليه وسلم) من عند رب العالمين
بذل الهمم في شرح حديث (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم..) . الشيخ عبدالمنعم البدراني
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الامام أحمد في مسنده وابو داود في سننه وابو نعيم في حليته من حديث ثوبان (رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :(يوشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها، قالوا: اومن قلة يارسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : حب الدنيا وكراهية الموت).
وفي الحديث جملة من الفوائد والمسائل:
الاولى: قوله (صلى الله عليه وسلم) (يوشك ان تتداعى عليكم الامم) ويوشك من افعال المقاربة، اي اوشك واقترب ذلك وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهذه الامم قد تداعت على امة الاسلام والمسلمين على الرغم من اختلاف مشاربهم وعقائدهم ولكن القاسم المشترك لهم هو عداوة الدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم).
اما الثانية: قوله (صلى الله عليه وسلم) :(الامم) اي الامم الكافرة ومن والاها من الامم المنافقة التي تدعي الاسلام ولكنها معول هدم لحضارته واصوله وثوابته، وهذه اخطر من سابقتها لانه قطع رأس الدين بسيف الدين، كما كان المنافقون في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم): اشد خطراً واعظم ضرراً على الاسلام والمسلمين من الكفار الاصليين وهذا الامر بدا جليا حينما وقف ادعياء الاسلام والعروبة مع الولايات المتحدة وحلفائها ضد الحرب على العراق.
ولسنا بصدد الدفاع عن النظام السابق، ولكننا بشأن قضية كبيرة وخطيرة اسمها المشروع الامريكي الاسرائيلي البريطاني الكبير في الشرق الاوسط والذي وضع الحجر الاساس له في وعد بلفور المشؤوم يوم تعهد بلفور المقبور ببناء دوله لليهود المضطهدين بزعمه في العالم في فلسطين، وكان العراق هو حجر الاساس الشرقي لدولة (اسرائيل) المزعومة التي يحلم بها يهود العالم والتي تمتد حدودها من النيل غرباً الى الفرات شرقاً ومن الشام شمالاً الى مدينة خيبر في السعودية جنوباً، فالمشروع الجديد الذي هو امتداد للمشروع القديم بدأ من العراق، من كنز الشرق، من بلد الخيرات، من ارض الحضارات، حيث الموقع الجغرافي، والتأريخي، والاقتصادي والتجاري، والصناعي، والزراعي، حيث النفط واليورانيوم والفوسفات وغير ذلك من كنوز الارض التي اودعها الله تعالى في هذا البلد العريق. فتآمر القاصي والداني على هذا البلد وهذه الامة المستهدفة من اعدائها، قبل الاسلام وبعده. فلم ينس التاريخ ان يدون لنا استعباد الروم وفارس للعرب قبل الاسلام، ولم ينس التأريخ كذلك ان يدون لنا عملاء هاتين الامبراطورتين الرومية وحلفائها الغساسنة، والفارسية وحلفائها المناذرة.
والتاريخ يعيد نفسه، فالولايات المتحدة اتخذت من رؤساء وملوك الدول العربية والاسلامية عملاء لهم يخدمون مصالحها ويرعون منافعها في الشرق الاوسط واصبح بنو جلدتنا والذين يتسمون بالاسلام اعواناً لها على الاثم والعدوان وعيوناً لها على الاسلام والمسلمين والمجاهدين والناصرين لله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).
والثالثة: قوله (صلى الله عليه وسلم) (كما تتداعى الاكلة على قصعتها) اي كما يتهاوى الجوعى ويدعو بعضهم بعضا على قصعتهم وفي ذلك كناية على النهمة الشديدة والطمع الشديد لأعداء المسلمين في خيرات المسلمين، فالحرب على الاسلام له اسباب عديدة منها:
1. اسباب دينية: فهي حرب صليبية مجوسية على الاسلام والمسلمين.
2. اسباب ثأرية فالنصارى يريدون الثأر لهزيمتهم في حطين على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى، واليهود يريدون ان يثأروا لهزيمتهم امام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوم دخل بيت المقدس منتصراً ومستلماً لمفاتيح المسجد الاقصى والمجوس يريدون الثأر لهزيمتهم يوم القادسية على يد سعد بن ابي وقاص (رضي الله عنه).
3. اسباب اقتصادية :و(القصعة) كناية عن خيرات هذه الامة، وكيف ان اعداء الله تعالى يتنافسون ويتصارعون فيما بينهم، ايهم تكون له حصة الاسد؟!
والولايات المتحدة الامريكية ارعبت العالم بقوتها الوهمية حتى لا يزاحمها احد على القدح المعلى في العراق ويوم انقسم العالم الى فريقين مؤيد للحرب وفريق معارض، فان هذا الافتراق لم يكن لله، ولم يكن لصالح العراق، وانما هو لصالحهم فالمؤيد للحرب على العراق دعته الولايات المتحدة بأن ينال من قصعة العراق لقمة، والمعارض للحرب كفرنسا والمانيا وروسيا كانت معارضة على قاعدة (تحاسد الاقران) لانها تعلم ان الولايات المتحدة لن ترضى بان يكون لها شريك في كنوز العراق ومن يؤيدها فله فتات الموائد!!.
الرابعة: وقولهم :(أومن قلة يارسول الله؟) وهو سؤال مبني على فهم العرب قبل الاسلام لمقاييس القوة والضعف وان القبيلة لايطمع فيها غاز الا لانها قليلة العدد فتبادر الى اذهان الصحابة (رضي الله عنهم) هذا المعنى بمجرد ان سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ان الامم سوف تجتمع عليكم وتنهب خيراتكم، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يبقهم على الفهم الجاهلي لقضية النصر والهزيمة فاجابهم بقوله (صلى الله عليه وسلم) :(بل انتم كثير) فاذهب الله تعالى عن اذهانهم الفهم الجاهلي بجواب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ان الهزيمة والنصر في الاسلام ليس مقياسه القلة والكثرة كما تفهم العرب وانما له اسباب اخرى ويجب على كل مسلم ان يقف عندها بأناة.
وتعود بنا الذاكرة في تقرير هذه الحقيقة الشرعية الى يوم بدر والمسلمون اذلة كما وصفهم رب العزة في قوله :((ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة)) والذلة هنا هي ذلة العدد وقلة الانصار، ومقارنته بيوم حنين كان المسلمون كثراً، ولكن كثرتهم لم تغن عنهم من الله شيئاً وانهزموا في اول المعركة لولا ان الله تعالى انزل سكينته على رسوله والمؤمنين فالقلة والكثرة ليستا مقياسي النصرة والهزيمة، انما هو التوصيف لهذه القلة والكثرة هو مقياس النصر او الخذلان.
فالصفوة في غزوة بدر انتصرت مع قلتها، والخليط في غزوة حنين انهزم مع كثرته وهذا التوصيف للكثرة في حنين منطبق على الكثير الذي قصده النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله:(بل انتم كثير) ثم وصفه بقوله (ولكنكم غثاء كغثاء السيل) والغثاء ما يحمله السيل من الاشواك والعيدان والقش وغيره مما لا فائدة منه ولا نفع فيه وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث ان هذه الامة قارب تعدادها الملياروالنصف ولم يغن عنها شيئا فهي كما يقال في المثل الشعبي :(كثرة بلا نفع) كثرة تتحكم في احوالها قلة من اراذل الناس من اليهود ومن حالفهم، كثرة انقسمت على نفسها فتنازعت ففشلت وذهب ريحها كما قال الله تعالى :((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). فعطف الفشل على النزاع بحرف العطف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب ولم يعطف بالواو والتي لا تفيد الترتيب والتعقيب وكذلك لم يعطف بـ(ثم) التي لاتفيد الترتيب مع التراخي انما عطف بالفاء التي تدل على ان الفشل ياتي مباشرة عقب النزاع من غير تراخ!
انظر وهذا ما حدث للامة يوم اختلفت اختلافاً تنافرت فيه القلوب وتباعدت فيه الارواح وتباغضت فيه النفوس ونتج عن ذلك تسلط اعدائها عليها كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم):(ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم). فلم تبق لنا هيبة في قلوب اعدائنا وخير دليل على ذلك قيام دولة (اسرائيل) في قلب امة العرب والاسلام. وخير دليل على ذلك احتلال الولايات المتحدة افغانستان المسلمة وخير دليل على ذلك احتلال الولايات المتحدة للعراق من غير خوف او حياء من احد، وخير دليل هو اضطهاد المسلمين في كل العالم وتدخل الامريكان واليهود في ادق خصوصيات الامة كالتعليم والدستور والانتخابات والاقتصاد والسياسة والاجتماع والاعلام والفنون، والاملاء على هذه الحكومة آلية العمل وفنية التصور وكل ذلك ناتج عن ذهاب الهيبة من قلوب اعدائنا منا كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).
ورحم الله تعالى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوم كان اعداؤه يخشونه عن بعد الاف الاميال. ورحم الله تعالى هارون الرشيد والمعتصم والمأمون وغيرهم من امراء الاسلام يوم كانوا يتوعدون اعداءهم فيرتجف الاعداء منهم خوفاً ورعباً.
انها عزة الاسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله تعالى كما قال ذلك امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فالامة حينما اخذت تبحث عن عز موهوم بغير الاسلام اذلها الله تعالى وسلب هيبتها من قلوب اعدائها منها حينما استبدلت الذي هو ادنى بالذي هو خير، فنقبوا عن حلول قومية تارة، وعن حلول وطنية تارة اخرى، وعن حلول ديمقراطية او اشتراكية او رأسمالية وغير ذلك من الفكر والاتجاهات ولكنها لم تفلح ولم تجد نفعا لانها حلول ارضية، ولذلك ارسل الرسل الحلول السماوية من رب العالمين جل وعلا والذي هو اعلم بما يصلح خلقه ولذلك ارسل الرسل وانزل الكتب لتكون للناس نبراسا في ظلمات التخبط والحيرة والتيه وهذا ما وصف الله تعالى به رسوله محمداً (صلى الله عليه وسلم) حيث قال :((يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيراً* وداعيا الى الله باذنه وسراجاً منيراً)) فهو (صلى الله عليه وسلم) سراج منير ونبراس مضيء في ظلمات الجاهلية والتخلف والانحدار الخلقي والعقدي والسلوكي.
فاذا اردنا لهيبتنا ان تعود في قلوب اعدائنا منا فلا بد من العودة الى الكتاب والسنة والشرع الحنيف فان عزتنا وهيبتنا مرهونتان بهذا الدين العظيم الذي جاء به الرحمة المهداة (صلى الله عليه وسلم) من عند رب العالمين