البيان
07 Jul 2004, 04:12 AM
حول مصطلح (الأدب الإسلامي)
لاشك أن مصطلح الإسلاميّ، حديث العهد، لم يُستعمل إلا منذ سنوات قليلة فقط، ولكنّه شاع الآن وذاع، وصار له أنصار ومؤيّدون وغدا مقرّرًا دراسيًا على الطّلبة في عدد من الجامعات والمعاهد بل أصبح للأدب الإسلاميّ رابطة عالميّة تضمّ عددًا كبيرًا من رفقاء الأساتذة والأدباء والباحثين في العالمين العربيّ والإسلاميّ.
ولكن لا يزال قوم من الدّارسين والباحثين ينكرون هذا المصطلح ويدافعونه، ويرون أنه مصطلح حديث مبتدع لم يعرفه التراث العربيّ القديم، ولم يتحدّث عنه الأدباء والنّقاد من قبل.
ولا شكّ في صحّة ما يقوله المنكرون، فمصطلح الأدب الإسلاميّ - من حيث أنه مصطلح لغويّ-حديث الولادة حقاً، ولا عهد للتّراث الأدبّي والنّقديّ به، ولكنّ الحقّ الذي لا مِرية فيه، كذلك إنّ دلالة المصطلح المعنويّة ليست حديثة ولا مُبتدعَة، بل هي قديمة بعيدة العهد، عرفت منذ جاء الإسلام ولعبت الكلمة دورها في معركته مع الباطل.
وإذا كان الأدب الإسلاميّ يعني أدب العقيدة والدّين، يعني أدب الكلمة الطيبة التي توافق التّصور الإسلاميّ للكون والإنسان والحياة، في مقابل أدب الكلمة الخبيثة الزائفة؛ فإنّ هذه الدّلالة المعنية رسم ملامحها الواضحة القرآن الكريم؛ فكتاب الله تعالى هو الذي تحدَّث عن ضربين من الكلمة وصوّر دور كلٍّ منهما وأثره: الكلمة الطّيبة والكلمة الخبيثة فقال- عز من قائل- : " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار [ إبراهيم24ـ 26 ].
وقد بدأ الأدب الإسلاميّ مع مجيء الإسلام؛ إذْ لم يكتف الكفّار أن يعادوا دعوة الحقّ بسيوفهم وأنفسهم ودسائسهم، ولكنّهم جنّدوا شعراءهم، حشدوا خطباءهم، وجيّشوا أصحاب الكلمة منهم في مكّة والطّائف ومن شايعهم من غير هؤلاء وأولئك، وبذلك تكوّنت جبهة الأدب المعادي للإسلام, وكان النبيّ – صلى الله عليه وسلم- على وعي تامّ بأهميّة الشّعر، وأثره في حياة العرب، فهو القائل: " لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الخفين" ولذلك ما إن وصل المدينة حتى التفت إلى الأنصار وقال لهم: " ما يمنع القوم الذين نصروا – رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟" وكانت تلك دعوة صريحة إلى إنشاء جبهة أدبيّة تحمي الإسلام، وتدافع عنه، وتذود عن قيمه ومبادئه وتنتصر للحقّ وأهله، ومثّل هذه الجبهة في عهد النبي – عليه السلام- عدد من الشعراء كان أبرزهم حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة – رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم. قال حسّان مستجيباً لدعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- " أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال: والله ما يسرّني به مِقْوَل بين بُصرى وصنعاء" وفي رواية أنه – عليه السلام- قال للشّعراء يوم الأحزاب وقد انهزم المشركون : " إنّ المشركين لن يغزوكم بعد اليوم، ولكنكم تغزونهم وتسمعون منهم أذًى ويهجونكم، فمن يحمي أعراض المسلمين؟ فقال عبد الله بن رواحة: أنا، فقال: إنّك لحسن الشعر، ثم قام كعب فقال: أنا ، فقال: وإنّك لحسن الشّعر" وبلغ من تأييد النّبيّ – عليه السلام- لهذه الجبهة الأدبيّة الإسلاميّة أن جعل لحسان منبراً في المسجد ينشد من فوقه أشعاره التي ينافح فيها عن الإسلام، ويقول عليه السلام: " إنّ الله يؤيّد حسّان بروح القدس، ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله.." وعدّ ما يقوم به هؤلاء وغيرهم من دفاع عن الحق بالكلمة لونًا من الجهاد، قال عليه السّلام : " إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه" وشبّه أثر شعرهم في جبهة الكفر برشق النّبال، قال عليه السلام للشّعراء المؤمنين : " والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النّبل".
ثم شنّ القرآن الكريم حملة شعواء على شعراء السّفه والضّلال وأصحاب الكلمة الزائفة المنحرفة في كل زمان ومكان، فقال عنهم: (والشعراء يتَّبِعُهُمُ الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون )[الشعراء:224ـ226]واستثنى من هذا الوصف الشّعراء المؤمنين الصّالحين بالحق الملتزمين مبادئ الإسلام وقيمه بقوله: " إلا الذين آمنوا، وعملوا الصّالحات، وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظُلموا وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون"[الشعراء:227].
رُوِي أنّه لما نزلت آيات سورة الشّعراء أقبل حسان وكعب وابن رواحة وهم يبكون إذْ حسبوا أن التّقريع القرآنيّ ينالهم، فطمأنهم – عليه السلام- وذكّرهم بالاستثناء الذي فيها قائلاً :" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أنتم، وذكروا الله كثيراً، أنتم، وانتصروا من بعد ما ظُلموا، أنتم، فسكن روْعُهم وقرّت نفوسهم إذْ أيقنوا أنهم مُسْتَثْنَوْن ما داموا على سَنَن الحق. وبذلك قسّم القرآن الكريم نفسه الشّعراء في كل زمان ومكان إلى ملتزمين قيم الدين الحقّ، وإلى أصحاب سفه وجاهليّة وكانت تلك هي البذرة الأولى لنشأة الأدب الإسلاميّ، والتأصيل له.
وهل مصطلح الأدب الإسلاميّ من حيث الدّلالة المعنويّة إلا هذا؟ وهل العبرة بالمضمون أو التسميّة؟
إن المصطلحات لا مُشاحّة فيها، وأيّ ضير أنْ نطلق على هذا الأدب الذي يعبّر عن عقيدتنا وقيمنا مصطلحُا معناه موجود في كتاب الله تعالى وسنّة النبيّ – عليه السلام- وآراء نقدية تنظيريّة وتطبيقيّة تراثيّة كثيرة؟
بل ما أحوجنا إلى مصطلح نقديّ يميّز هذا الأدب العذب النّظيف من غيره من الآداب التي تصادم العقيدة والأخلاق، وتستهتر بالفواحش والمنكرات مما أصبح وللأسف الشديد- يشكّل الغالبيّة الكافية من نماذج الآداب الحديثة : عربيّة وغربيّة وتستعمل في التعبير عنها مصطلحات فكرية وأيديولوجيّة لا حصر لها.
لاشك أن مصطلح الإسلاميّ، حديث العهد، لم يُستعمل إلا منذ سنوات قليلة فقط، ولكنّه شاع الآن وذاع، وصار له أنصار ومؤيّدون وغدا مقرّرًا دراسيًا على الطّلبة في عدد من الجامعات والمعاهد بل أصبح للأدب الإسلاميّ رابطة عالميّة تضمّ عددًا كبيرًا من رفقاء الأساتذة والأدباء والباحثين في العالمين العربيّ والإسلاميّ.
ولكن لا يزال قوم من الدّارسين والباحثين ينكرون هذا المصطلح ويدافعونه، ويرون أنه مصطلح حديث مبتدع لم يعرفه التراث العربيّ القديم، ولم يتحدّث عنه الأدباء والنّقاد من قبل.
ولا شكّ في صحّة ما يقوله المنكرون، فمصطلح الأدب الإسلاميّ - من حيث أنه مصطلح لغويّ-حديث الولادة حقاً، ولا عهد للتّراث الأدبّي والنّقديّ به، ولكنّ الحقّ الذي لا مِرية فيه، كذلك إنّ دلالة المصطلح المعنويّة ليست حديثة ولا مُبتدعَة، بل هي قديمة بعيدة العهد، عرفت منذ جاء الإسلام ولعبت الكلمة دورها في معركته مع الباطل.
وإذا كان الأدب الإسلاميّ يعني أدب العقيدة والدّين، يعني أدب الكلمة الطيبة التي توافق التّصور الإسلاميّ للكون والإنسان والحياة، في مقابل أدب الكلمة الخبيثة الزائفة؛ فإنّ هذه الدّلالة المعنية رسم ملامحها الواضحة القرآن الكريم؛ فكتاب الله تعالى هو الذي تحدَّث عن ضربين من الكلمة وصوّر دور كلٍّ منهما وأثره: الكلمة الطّيبة والكلمة الخبيثة فقال- عز من قائل- : " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار [ إبراهيم24ـ 26 ].
وقد بدأ الأدب الإسلاميّ مع مجيء الإسلام؛ إذْ لم يكتف الكفّار أن يعادوا دعوة الحقّ بسيوفهم وأنفسهم ودسائسهم، ولكنّهم جنّدوا شعراءهم، حشدوا خطباءهم، وجيّشوا أصحاب الكلمة منهم في مكّة والطّائف ومن شايعهم من غير هؤلاء وأولئك، وبذلك تكوّنت جبهة الأدب المعادي للإسلام, وكان النبيّ – صلى الله عليه وسلم- على وعي تامّ بأهميّة الشّعر، وأثره في حياة العرب، فهو القائل: " لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الخفين" ولذلك ما إن وصل المدينة حتى التفت إلى الأنصار وقال لهم: " ما يمنع القوم الذين نصروا – رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟" وكانت تلك دعوة صريحة إلى إنشاء جبهة أدبيّة تحمي الإسلام، وتدافع عنه، وتذود عن قيمه ومبادئه وتنتصر للحقّ وأهله، ومثّل هذه الجبهة في عهد النبي – عليه السلام- عدد من الشعراء كان أبرزهم حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة – رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم. قال حسّان مستجيباً لدعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- " أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال: والله ما يسرّني به مِقْوَل بين بُصرى وصنعاء" وفي رواية أنه – عليه السلام- قال للشّعراء يوم الأحزاب وقد انهزم المشركون : " إنّ المشركين لن يغزوكم بعد اليوم، ولكنكم تغزونهم وتسمعون منهم أذًى ويهجونكم، فمن يحمي أعراض المسلمين؟ فقال عبد الله بن رواحة: أنا، فقال: إنّك لحسن الشعر، ثم قام كعب فقال: أنا ، فقال: وإنّك لحسن الشّعر" وبلغ من تأييد النّبيّ – عليه السلام- لهذه الجبهة الأدبيّة الإسلاميّة أن جعل لحسان منبراً في المسجد ينشد من فوقه أشعاره التي ينافح فيها عن الإسلام، ويقول عليه السلام: " إنّ الله يؤيّد حسّان بروح القدس، ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله.." وعدّ ما يقوم به هؤلاء وغيرهم من دفاع عن الحق بالكلمة لونًا من الجهاد، قال عليه السّلام : " إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه" وشبّه أثر شعرهم في جبهة الكفر برشق النّبال، قال عليه السلام للشّعراء المؤمنين : " والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النّبل".
ثم شنّ القرآن الكريم حملة شعواء على شعراء السّفه والضّلال وأصحاب الكلمة الزائفة المنحرفة في كل زمان ومكان، فقال عنهم: (والشعراء يتَّبِعُهُمُ الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون )[الشعراء:224ـ226]واستثنى من هذا الوصف الشّعراء المؤمنين الصّالحين بالحق الملتزمين مبادئ الإسلام وقيمه بقوله: " إلا الذين آمنوا، وعملوا الصّالحات، وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظُلموا وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون"[الشعراء:227].
رُوِي أنّه لما نزلت آيات سورة الشّعراء أقبل حسان وكعب وابن رواحة وهم يبكون إذْ حسبوا أن التّقريع القرآنيّ ينالهم، فطمأنهم – عليه السلام- وذكّرهم بالاستثناء الذي فيها قائلاً :" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أنتم، وذكروا الله كثيراً، أنتم، وانتصروا من بعد ما ظُلموا، أنتم، فسكن روْعُهم وقرّت نفوسهم إذْ أيقنوا أنهم مُسْتَثْنَوْن ما داموا على سَنَن الحق. وبذلك قسّم القرآن الكريم نفسه الشّعراء في كل زمان ومكان إلى ملتزمين قيم الدين الحقّ، وإلى أصحاب سفه وجاهليّة وكانت تلك هي البذرة الأولى لنشأة الأدب الإسلاميّ، والتأصيل له.
وهل مصطلح الأدب الإسلاميّ من حيث الدّلالة المعنويّة إلا هذا؟ وهل العبرة بالمضمون أو التسميّة؟
إن المصطلحات لا مُشاحّة فيها، وأيّ ضير أنْ نطلق على هذا الأدب الذي يعبّر عن عقيدتنا وقيمنا مصطلحُا معناه موجود في كتاب الله تعالى وسنّة النبيّ – عليه السلام- وآراء نقدية تنظيريّة وتطبيقيّة تراثيّة كثيرة؟
بل ما أحوجنا إلى مصطلح نقديّ يميّز هذا الأدب العذب النّظيف من غيره من الآداب التي تصادم العقيدة والأخلاق، وتستهتر بالفواحش والمنكرات مما أصبح وللأسف الشديد- يشكّل الغالبيّة الكافية من نماذج الآداب الحديثة : عربيّة وغربيّة وتستعمل في التعبير عنها مصطلحات فكرية وأيديولوجيّة لا حصر لها.