تاج الوقار
29 Sep 2008, 02:09 PM
رفقاً بكيس الشاي
فوزية الخليوي
تعددت التشبيهات من الشارع الحكيم للمرأة!! فمن وصفها كالقوارير، من حيث رقة طبعها وانكسارها!! إلى كونها كالضلع الأعوج، لتقبلها كما هي، بسلبياتها وإيجابياتها!! داعياً السامع لفهم نفسية المرأة، وطبيعتها التي جبلها الله عليها!! أما من حيث انخراطها في أكاديمية الحياة والصبر، وراعية مع الرجل في مملكتهم الصغيرة.
فأقرب التشبيهات لها عندئذٍ مقولة: إن المرأة مثل كيس الشاي لا تعرف مذاقه إلا بعد أن تسكب عليه الماء المغلي عندها يتبين لك الطعم واللون الحقيقي.
ولا يمنع من وجود هذا الطعم الرائع، من كونه تارة يطفو، وتارة يغوص في كأس الرجل؟ فبالطفو تطفو معه المشاعر السلبية العميقة التي تختزنها المرأة في ذاكرتها ويأتي هنا دور الرجل بأن يكون أكثر اتزاناً وتعقلاً.
أليس الشاعر يقول:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وكروعة الشاي طعماً ولوناً ورائحة كانت روعة المرأة في الحقبة الأولى من التاريخ الإسلامي، تضحية، ومحبة، وعطاء.
من الخفرات البيض، أما حرامها
فصــــــــعب وأما حلها فذلول
فهذه البضعة النبوية فاطمة رضي الله عنها وأكرم الخلق على نبيه، قد أعطت زوجها علي بن أبي طالب، حتى بذلت راحتها ووسعها فقد جرحت بالرحا يدها واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمت البيت حتى أغبرت وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، وأصابها من ذلك ضر.
نعم، تخلل هذه العلاقة بعض الوهن فها هو علي بن أبي طالب يخطب ابنة أبي جهل! وها هو النبي-صلى الله عليه وسلم- يغضب، كما جاء في رواية البخاري: فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. ثم هو يحكي تألم فاطمة ويترجم مشاعرها فإنما هي بضعة مني، يريبني ما آرابها، ويؤذيني ما آذاها" وهذا الحدث بين الزوجين هو ما يسميه بعض النفسيين أزمة منتصف الزواج وسرعان ما تتخطى سفينة الزوجية هذه الصعاب حتى تخترم المنية فاطمة رضي الله عنها فنجده رضي الله عنه واقفاً على قبرها في لحظة من أصدق لحظات الإخلاص العاطفي من محب لحبيبته فيقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقة
وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد
دليل على أن لا يدوم خليل
ولهذا الطعم الرائع عدة مزايا:
وفائها بلا حدود:
1-فهذه قصة الحب الرائعة بين الحسين بن علي- رضي الله عنه- وزوجته الرباب بنت أنيف أم ابنته سكينة حيث بذر البذرة الأولى من غراس المودة، فما لبثت إلا قليلاً حتى أينعت وأصبحت شامخة في وجه أعاصير الحياة، فها هو يصدح بها عالية أمام قومه
لعمرك إنني لأحب دارًا
تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي
وليس للائمي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعا
حياتي أو يعليني التراب
فهذا الموقف القوي والصريح في إعلان مودته أثمر لديها وفاء لا محدود، بعد مقتله، حيث وجدت عليه وجدا ًشديداً ، وقالت:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقد خطبها بعده أشراف قريش فقالت: ما كنت لأتخذ صهراً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً، ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت!.
2-تقديم محبته على جميع أهلها:
فهذه أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، عندما دخل عليها والدها أبو سفيان بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة، أراد أن يجلس على فراش النبي -صلى الله عليه وسلم-، فطوته فقال: يا بنيه! أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت امرؤ نجس مشرك.
فانظر إلى عظيم ودها، على أنها قدمت من الحبشة، ولم تر والدها لمدة طويلة ولم تلهها حرارة اللقاء عن غيرتها على محبها، أو حتى المساس بخصوصياته.
3-تقدم تضحيات جبارة:
عندما يملأ الزوج عليها عقلها، ويسلب بوده مشاعرها، يترجم من قبل المرأة إلى مواقف بطولية جبارة، وما حدث في هذه القصة مصداقاً لذلك، وقد ذكرها ابن سعد في طبقاته، حينما دخل مسلم بن عقبة المدينة المنورة في موقعة الحرة، قتل يزيد بن زمعة، فتبعته أم ولد ليزيد، حزينة، وقد ملأت ناظريها بصورة المحب المغدور به! وهي تسير وراء العسكر يومين أو ثلاثة، ومات مسلم ودفن بثنية المشلل (وهو جبل يبعد عن مكة 85 ميلاً) فما كان منها إلا أن نبشته ثم صلبته على الثنية.
رفقاً بكيس الشاي
فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي ممن ساهموا في إنجاح الهجرة النبوية بمواقفها المشرفة، فمن قصة ذات النطاقين إلى تسكينها لجدها، وقد ذهب والدها بجميع ماله، فأتته ببعض الأحجار وقالت: يا أبه ضع يدك على هذا المال.
ثم يتم التزاوج بين شخصيتها، ذات المبادئ والقيم بشخصية أيضاً عظيمة ذات فكر وطموح، هي شخصية الزبير بن العوام، ثم لا يمنعها رضاها به مع مالها من شرف، أن تمارس العديد من الأعمال الشاقة، وأن تعطي بلا حدود.
فتقول: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، فكنت أعلف فرسه، وأسقي الماء، وأخرز دلوه، وأعجن، ولم أكن أحسن أعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير وهي على ثلثي فرسخ إلى بيتي.
ولكن كان يتخلل هذا التزواج بين أصحاب المثل والمبادئ بعض المنغصات كعصبية الزبير الشديدة، حيث كان شديداً على النساء، وكان يكسر عليهن عيدان المساحب، كما جاء في المصنف، لقد كان الزبير من ذلك النوع الذي يملأ عقل المرأة قبل قلبها.
فقد كان فارساً شجاعاً جريئاً كان يحمل صفات القوة بكل معاني الكلمة، مما يحقق للزوجة الصفة التي تنشدها في بيت الزوجية، وهي الإحساس بالأمان، ولكنه لا يستطيع أن يملك نفسه عند الغضب فيضربها.
وهذا أثر طبيعي من أثر القوة الغضبية التي يحملها بين جنبيه مما أهلته لأن يكون من فرسان الإسلام المشهورين على مر التاريخ.
وهنا ينفرط كيس الشاي، وينشق ويخرج ما به من وريقات دفعة واحدة، فلا يستمتع حينئذ لا بطعمه ولا بمذاقه لأنه من توالي اللكمات، أقصد السكبات المغلية استنفذ طعمه، وعندها نفقده بالكلية.
وهذا ما حدث بين الشخصيتين العظيمتين إذ انفرط عقد الزوجية كانفراط كيس الشاي.
ولا يمنع ذلك من نتاج تربوي هائل، يتمثل في أبنائهما وعلى رأسهم عبد الله الخليفة المجاهد، وعروة العالم الورع، ومصعب القائد الشجاع.
الكاتبة : فوزية الخليوي
فوزية الخليوي
تعددت التشبيهات من الشارع الحكيم للمرأة!! فمن وصفها كالقوارير، من حيث رقة طبعها وانكسارها!! إلى كونها كالضلع الأعوج، لتقبلها كما هي، بسلبياتها وإيجابياتها!! داعياً السامع لفهم نفسية المرأة، وطبيعتها التي جبلها الله عليها!! أما من حيث انخراطها في أكاديمية الحياة والصبر، وراعية مع الرجل في مملكتهم الصغيرة.
فأقرب التشبيهات لها عندئذٍ مقولة: إن المرأة مثل كيس الشاي لا تعرف مذاقه إلا بعد أن تسكب عليه الماء المغلي عندها يتبين لك الطعم واللون الحقيقي.
ولا يمنع من وجود هذا الطعم الرائع، من كونه تارة يطفو، وتارة يغوص في كأس الرجل؟ فبالطفو تطفو معه المشاعر السلبية العميقة التي تختزنها المرأة في ذاكرتها ويأتي هنا دور الرجل بأن يكون أكثر اتزاناً وتعقلاً.
أليس الشاعر يقول:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وكروعة الشاي طعماً ولوناً ورائحة كانت روعة المرأة في الحقبة الأولى من التاريخ الإسلامي، تضحية، ومحبة، وعطاء.
من الخفرات البيض، أما حرامها
فصــــــــعب وأما حلها فذلول
فهذه البضعة النبوية فاطمة رضي الله عنها وأكرم الخلق على نبيه، قد أعطت زوجها علي بن أبي طالب، حتى بذلت راحتها ووسعها فقد جرحت بالرحا يدها واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمت البيت حتى أغبرت وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، وأصابها من ذلك ضر.
نعم، تخلل هذه العلاقة بعض الوهن فها هو علي بن أبي طالب يخطب ابنة أبي جهل! وها هو النبي-صلى الله عليه وسلم- يغضب، كما جاء في رواية البخاري: فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. ثم هو يحكي تألم فاطمة ويترجم مشاعرها فإنما هي بضعة مني، يريبني ما آرابها، ويؤذيني ما آذاها" وهذا الحدث بين الزوجين هو ما يسميه بعض النفسيين أزمة منتصف الزواج وسرعان ما تتخطى سفينة الزوجية هذه الصعاب حتى تخترم المنية فاطمة رضي الله عنها فنجده رضي الله عنه واقفاً على قبرها في لحظة من أصدق لحظات الإخلاص العاطفي من محب لحبيبته فيقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقة
وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد
دليل على أن لا يدوم خليل
ولهذا الطعم الرائع عدة مزايا:
وفائها بلا حدود:
1-فهذه قصة الحب الرائعة بين الحسين بن علي- رضي الله عنه- وزوجته الرباب بنت أنيف أم ابنته سكينة حيث بذر البذرة الأولى من غراس المودة، فما لبثت إلا قليلاً حتى أينعت وأصبحت شامخة في وجه أعاصير الحياة، فها هو يصدح بها عالية أمام قومه
لعمرك إنني لأحب دارًا
تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي
وليس للائمي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعا
حياتي أو يعليني التراب
فهذا الموقف القوي والصريح في إعلان مودته أثمر لديها وفاء لا محدود، بعد مقتله، حيث وجدت عليه وجدا ًشديداً ، وقالت:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقد خطبها بعده أشراف قريش فقالت: ما كنت لأتخذ صهراً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً، ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت!.
2-تقديم محبته على جميع أهلها:
فهذه أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، عندما دخل عليها والدها أبو سفيان بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة، أراد أن يجلس على فراش النبي -صلى الله عليه وسلم-، فطوته فقال: يا بنيه! أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت امرؤ نجس مشرك.
فانظر إلى عظيم ودها، على أنها قدمت من الحبشة، ولم تر والدها لمدة طويلة ولم تلهها حرارة اللقاء عن غيرتها على محبها، أو حتى المساس بخصوصياته.
3-تقدم تضحيات جبارة:
عندما يملأ الزوج عليها عقلها، ويسلب بوده مشاعرها، يترجم من قبل المرأة إلى مواقف بطولية جبارة، وما حدث في هذه القصة مصداقاً لذلك، وقد ذكرها ابن سعد في طبقاته، حينما دخل مسلم بن عقبة المدينة المنورة في موقعة الحرة، قتل يزيد بن زمعة، فتبعته أم ولد ليزيد، حزينة، وقد ملأت ناظريها بصورة المحب المغدور به! وهي تسير وراء العسكر يومين أو ثلاثة، ومات مسلم ودفن بثنية المشلل (وهو جبل يبعد عن مكة 85 ميلاً) فما كان منها إلا أن نبشته ثم صلبته على الثنية.
رفقاً بكيس الشاي
فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي ممن ساهموا في إنجاح الهجرة النبوية بمواقفها المشرفة، فمن قصة ذات النطاقين إلى تسكينها لجدها، وقد ذهب والدها بجميع ماله، فأتته ببعض الأحجار وقالت: يا أبه ضع يدك على هذا المال.
ثم يتم التزاوج بين شخصيتها، ذات المبادئ والقيم بشخصية أيضاً عظيمة ذات فكر وطموح، هي شخصية الزبير بن العوام، ثم لا يمنعها رضاها به مع مالها من شرف، أن تمارس العديد من الأعمال الشاقة، وأن تعطي بلا حدود.
فتقول: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، فكنت أعلف فرسه، وأسقي الماء، وأخرز دلوه، وأعجن، ولم أكن أحسن أعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير وهي على ثلثي فرسخ إلى بيتي.
ولكن كان يتخلل هذا التزواج بين أصحاب المثل والمبادئ بعض المنغصات كعصبية الزبير الشديدة، حيث كان شديداً على النساء، وكان يكسر عليهن عيدان المساحب، كما جاء في المصنف، لقد كان الزبير من ذلك النوع الذي يملأ عقل المرأة قبل قلبها.
فقد كان فارساً شجاعاً جريئاً كان يحمل صفات القوة بكل معاني الكلمة، مما يحقق للزوجة الصفة التي تنشدها في بيت الزوجية، وهي الإحساس بالأمان، ولكنه لا يستطيع أن يملك نفسه عند الغضب فيضربها.
وهذا أثر طبيعي من أثر القوة الغضبية التي يحملها بين جنبيه مما أهلته لأن يكون من فرسان الإسلام المشهورين على مر التاريخ.
وهنا ينفرط كيس الشاي، وينشق ويخرج ما به من وريقات دفعة واحدة، فلا يستمتع حينئذ لا بطعمه ولا بمذاقه لأنه من توالي اللكمات، أقصد السكبات المغلية استنفذ طعمه، وعندها نفقده بالكلية.
وهذا ما حدث بين الشخصيتين العظيمتين إذ انفرط عقد الزوجية كانفراط كيس الشاي.
ولا يمنع ذلك من نتاج تربوي هائل، يتمثل في أبنائهما وعلى رأسهم عبد الله الخليفة المجاهد، وعروة العالم الورع، ومصعب القائد الشجاع.
الكاتبة : فوزية الخليوي