محب تراب مسرى نبينا
16 Oct 2008, 02:54 PM
غزة – فضائية الأقصى-
استيقظ الصراف "أبو محمد"( وهو اسم مستعار)، على وقع طرقات قوية على باب بيته، كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، مما أصابه برعب شديد، فهو صراف، وفي بيته مبلغ كبير من المال، ويخشى حدوث سرقة أو سطو.. بعد تردد، وأخذ ورَد، فتح الباب، ليجد أمامه المقدم عبد الباسط المصري، مدير المباحث العامة في قطاع غزة، الذي قال له بهدوء: رجاء تعال معنا أنت وابنك بسرعة، فحياتكما في خطر!".
أول الخيط
لم يصدق "أبو محمد" أذنيه وهو يسمع القصة بمكتب مدير المباحث بمدينة عرفات للشرطة،غرب غزة، فهو لم يشك في أي شيء مطلقا، ولم يعرف الحقيقة إلا في مكتب المقدم "عبد الباسط".
فصول الحكاية بدأت بوصول إخبارية من أحد المصادر الخاصة للشرطة، تفيد بأن صرافا ونجله سيقعان ضحية حادث سطو مسلح قد يقتلان فيه، وذلك في اليوم التالي، الساعة الثامنة صباحا ، مما أوجد حالة استنفار في صفوف رجال المباحث لسببين: الأول هو أن جريمة قتل الصراف "فوزي عجور" لا تزال ماثلة أمام الأذهان، والثاني-وهو الأخطر- أن الإخبارية وصلت الساعة الحادية عشرة مساء، أي أنه قد بقي على موعد تنفيذ الجريمة تسع ساعات فقط، مما يعني ضرورة سرعة التحرك قبل أن يقع مالا تحمد عقباه، ولتبدأ التحريات الشرطية على الفور..
من هم الجناة؟
اتفق "خليل"، و"عادل"،" و"بهاء"، بالإضافة إلى" سليم"( وهي أيضا أسماء مستعارة)، على تنفيذ تلك الجريمة التي تستهدف سرقة نقود "أبي محمد": حيث علم "خليل"-وهو الرأس المدبر للعملية- بأن "أبا محمد" يخرج كل يوم من منزله، عند الساعة الثامنة صباحا، حاملا معه حقيبة تحتوي على مئات الآلاف من الدنانير. أمًّا كيف عرف؟ فالإجابة سهلة: عن طريق "مجدي"، الشريك الخامس، والذي تولى مهمة الرصد بحكم سكنه في منطقة الصراف، فراح يراقب تحركاته: متى يذهب إلى محل الصرافة؟ ومتى يعود؟ وما هو شكل حقيبة النقود التي يحملها؟ وغيرها من التساؤلات.. لقد كانت هذه "ضربة العمر" للعصابة.
تم التخطيط للجريمة بشكل جيد: فلدى العصابة سيارتان إحداهما من طراز "سكودا" حمراء اللون، منزوعة الأرقام، والأخرى من نوع "مرسيدس"، ذات لون أبيض، ستعترض إحداهما طريق سيارة الصراف، أثناء خروجه من البيت، فيما يخرج الباقون من السيارة الثانية، لينقضوا على الصراف، فيخطفوه، هو و"حقيبته"، مع احتمال وجود الابن، ليتم إلقاؤهما في النهاية في إحدى "البيارات"، هذا إن بقيا حيين.
لقد كان الجناة على قدر كبير من الذكاء، حيث أعدوا للعملية ثلاثة رشاشات كلاشنكوف بلوازمها، -واعتاد "أبو محمد" وولده على حمل مسدسين للدفاع عن نفسيهما ضد أي محاولة للسرقة بحكم مهنتهما- كما أعدت العصابة زيا أسود يحمل شعار جهاز الأمن الداخلي، لكي يبدو الأمر وكأنه عملية تابعة لذلك الجهاز، كما تمكنوا من إعداد لوحات ترقيم مزيفة، ومزودة بمغناطيس، لتبديل أرقام سياراتهم بسرعة عند اللزوم، في حركة تضليلية بارعة للشرطة. ليس هذا فحسب: بل وصلت معلومات للشرطة بأن العصابة تراقب بيت الصراف يوميا، وقامت منذ أيام بعمل "بروفة"لعملية السرقة، استعدادا للحظة التنفيذ.
لم يكن من الغريب أن تصل القدرة العالية على التخطيط إلى هذا الحد، فـ"خليل" كان ضابطا في السلطة قبل عملية الحسم العسكري الذي نفذته "حماس" برتبة عقيد، فيما عمل "عادل" كنقيب في تلك الأجهزة الأمنية، وكلاهما يجيد التعامل مع السلاح باحتراف، وذو عقلية تخطيطية ممتازة، مما يرفع فرصة نجاح العملية إلى معدلات عالية.
عَين الله لم تنم..
كان الشيء الوحيد الذي لم يحسب الجناة حسابه هو التدخل الإلهي، الذي وفر لأحد مخبري الشرطة معرفة الأمر، ليبلغ إدارة المباحث فورا، مما جعل المقدم عبد الباسط يطلب مقابلته فورا، للتأكد مما لديه، وليعقد بعدها اجتماعا طارئا، ضم قيادات الشرطة ومدير الأمن الداخلي في المنطقة، الذين تم استدعاؤهم على عجل، ليناقشوا حلين وجب أخذ أحدهما: هل يترك الجناة ليقوموا بتنفيذ جريمتهم ليضبطوا متلبسين؟ أم يقبض عليهم قبل الشروع في التنفيذ؟ لينتهي الاجتماع بالموافقة على الخيار الثاني، وذلك خوفا على حياة الصراف وابنه، مع احتمال سقوط ضحايا من رجال الشرطة، إذا تمت محاولة القبض على الجناة متلبسين، خاصة مع امتلاك العصابة لأسلحة رشاشة، لتبدأ بعد الاجتماع حملة انتشار واسعة لعناصر الأمن، شملت منطقة سكن المجني عليه، وليتوجه مدير المباحث شخصيا لأخذ الصراف من بيته والاطمئنان عليه، فيما كان الأخير ساعتها يحظى بنوم هانئ في فراشه.
صباح يوم جميل
إنها الثامنة صباحا. اقترب "مجدي" بسيارته المرسيدس البيضاء المعروفة محليا باسم "دوبرمان"، حسب الموعد المتفق عليه، ليجد سيارة المجني عليه في مكانها، ولكن دون أن يجد شركاءه.
وقبل أن يحاول البحث عنهم، فوجئ بانقضاض رجال الشرطة عليه، حيث أخذ إلى السجن، ليلحق بزملائه الأربعة، الذين تم اعتقالهم ليلاً، فيما سلم أحدهم نفسه طواعية، ليحظى رجال الأمن بقليل من الراحة بعد ليلة طويلة ومتعبة، وليسدل الستار على جريمة كادت ترتكب، لولا عناية الله، ومجهودات رجال أخلصوا في إنجاز عملهم، واستطاعوا إيقاف تنفيذ الجريمة والقبض على الجناة في ساعات تسع لا تزيد..
استيقظ الصراف "أبو محمد"( وهو اسم مستعار)، على وقع طرقات قوية على باب بيته، كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، مما أصابه برعب شديد، فهو صراف، وفي بيته مبلغ كبير من المال، ويخشى حدوث سرقة أو سطو.. بعد تردد، وأخذ ورَد، فتح الباب، ليجد أمامه المقدم عبد الباسط المصري، مدير المباحث العامة في قطاع غزة، الذي قال له بهدوء: رجاء تعال معنا أنت وابنك بسرعة، فحياتكما في خطر!".
أول الخيط
لم يصدق "أبو محمد" أذنيه وهو يسمع القصة بمكتب مدير المباحث بمدينة عرفات للشرطة،غرب غزة، فهو لم يشك في أي شيء مطلقا، ولم يعرف الحقيقة إلا في مكتب المقدم "عبد الباسط".
فصول الحكاية بدأت بوصول إخبارية من أحد المصادر الخاصة للشرطة، تفيد بأن صرافا ونجله سيقعان ضحية حادث سطو مسلح قد يقتلان فيه، وذلك في اليوم التالي، الساعة الثامنة صباحا ، مما أوجد حالة استنفار في صفوف رجال المباحث لسببين: الأول هو أن جريمة قتل الصراف "فوزي عجور" لا تزال ماثلة أمام الأذهان، والثاني-وهو الأخطر- أن الإخبارية وصلت الساعة الحادية عشرة مساء، أي أنه قد بقي على موعد تنفيذ الجريمة تسع ساعات فقط، مما يعني ضرورة سرعة التحرك قبل أن يقع مالا تحمد عقباه، ولتبدأ التحريات الشرطية على الفور..
من هم الجناة؟
اتفق "خليل"، و"عادل"،" و"بهاء"، بالإضافة إلى" سليم"( وهي أيضا أسماء مستعارة)، على تنفيذ تلك الجريمة التي تستهدف سرقة نقود "أبي محمد": حيث علم "خليل"-وهو الرأس المدبر للعملية- بأن "أبا محمد" يخرج كل يوم من منزله، عند الساعة الثامنة صباحا، حاملا معه حقيبة تحتوي على مئات الآلاف من الدنانير. أمًّا كيف عرف؟ فالإجابة سهلة: عن طريق "مجدي"، الشريك الخامس، والذي تولى مهمة الرصد بحكم سكنه في منطقة الصراف، فراح يراقب تحركاته: متى يذهب إلى محل الصرافة؟ ومتى يعود؟ وما هو شكل حقيبة النقود التي يحملها؟ وغيرها من التساؤلات.. لقد كانت هذه "ضربة العمر" للعصابة.
تم التخطيط للجريمة بشكل جيد: فلدى العصابة سيارتان إحداهما من طراز "سكودا" حمراء اللون، منزوعة الأرقام، والأخرى من نوع "مرسيدس"، ذات لون أبيض، ستعترض إحداهما طريق سيارة الصراف، أثناء خروجه من البيت، فيما يخرج الباقون من السيارة الثانية، لينقضوا على الصراف، فيخطفوه، هو و"حقيبته"، مع احتمال وجود الابن، ليتم إلقاؤهما في النهاية في إحدى "البيارات"، هذا إن بقيا حيين.
لقد كان الجناة على قدر كبير من الذكاء، حيث أعدوا للعملية ثلاثة رشاشات كلاشنكوف بلوازمها، -واعتاد "أبو محمد" وولده على حمل مسدسين للدفاع عن نفسيهما ضد أي محاولة للسرقة بحكم مهنتهما- كما أعدت العصابة زيا أسود يحمل شعار جهاز الأمن الداخلي، لكي يبدو الأمر وكأنه عملية تابعة لذلك الجهاز، كما تمكنوا من إعداد لوحات ترقيم مزيفة، ومزودة بمغناطيس، لتبديل أرقام سياراتهم بسرعة عند اللزوم، في حركة تضليلية بارعة للشرطة. ليس هذا فحسب: بل وصلت معلومات للشرطة بأن العصابة تراقب بيت الصراف يوميا، وقامت منذ أيام بعمل "بروفة"لعملية السرقة، استعدادا للحظة التنفيذ.
لم يكن من الغريب أن تصل القدرة العالية على التخطيط إلى هذا الحد، فـ"خليل" كان ضابطا في السلطة قبل عملية الحسم العسكري الذي نفذته "حماس" برتبة عقيد، فيما عمل "عادل" كنقيب في تلك الأجهزة الأمنية، وكلاهما يجيد التعامل مع السلاح باحتراف، وذو عقلية تخطيطية ممتازة، مما يرفع فرصة نجاح العملية إلى معدلات عالية.
عَين الله لم تنم..
كان الشيء الوحيد الذي لم يحسب الجناة حسابه هو التدخل الإلهي، الذي وفر لأحد مخبري الشرطة معرفة الأمر، ليبلغ إدارة المباحث فورا، مما جعل المقدم عبد الباسط يطلب مقابلته فورا، للتأكد مما لديه، وليعقد بعدها اجتماعا طارئا، ضم قيادات الشرطة ومدير الأمن الداخلي في المنطقة، الذين تم استدعاؤهم على عجل، ليناقشوا حلين وجب أخذ أحدهما: هل يترك الجناة ليقوموا بتنفيذ جريمتهم ليضبطوا متلبسين؟ أم يقبض عليهم قبل الشروع في التنفيذ؟ لينتهي الاجتماع بالموافقة على الخيار الثاني، وذلك خوفا على حياة الصراف وابنه، مع احتمال سقوط ضحايا من رجال الشرطة، إذا تمت محاولة القبض على الجناة متلبسين، خاصة مع امتلاك العصابة لأسلحة رشاشة، لتبدأ بعد الاجتماع حملة انتشار واسعة لعناصر الأمن، شملت منطقة سكن المجني عليه، وليتوجه مدير المباحث شخصيا لأخذ الصراف من بيته والاطمئنان عليه، فيما كان الأخير ساعتها يحظى بنوم هانئ في فراشه.
صباح يوم جميل
إنها الثامنة صباحا. اقترب "مجدي" بسيارته المرسيدس البيضاء المعروفة محليا باسم "دوبرمان"، حسب الموعد المتفق عليه، ليجد سيارة المجني عليه في مكانها، ولكن دون أن يجد شركاءه.
وقبل أن يحاول البحث عنهم، فوجئ بانقضاض رجال الشرطة عليه، حيث أخذ إلى السجن، ليلحق بزملائه الأربعة، الذين تم اعتقالهم ليلاً، فيما سلم أحدهم نفسه طواعية، ليحظى رجال الأمن بقليل من الراحة بعد ليلة طويلة ومتعبة، وليسدل الستار على جريمة كادت ترتكب، لولا عناية الله، ومجهودات رجال أخلصوا في إنجاز عملهم، واستطاعوا إيقاف تنفيذ الجريمة والقبض على الجناة في ساعات تسع لا تزيد..